يقول: يحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله، مبيناًَ لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء، والتسبب في هتك عورته بعدما كانت مستورة عنه وما هذا إلا عن عداوة أكيدة، وهذا كقوله تعالى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [سورة الكهف:50].
يقول تعالى: لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ أصل الفتْن هو الاختبار والامتحان، ويطلق أيضاً على الصرف والصد عن صراط الله المستقيم، تقول: فلان مفتون وفلان يفتن الناس، والله يقول: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا [سورة الممتحنة:5] على المعنيين في المصدر لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً أي: لا تجعلنا فاتنين بأن تسلط عدوناً علينا فيكون ذلك سبباً لفتن الناس عن الإسلام، يعني يكرهون الإسلام ويقولون: لو كان هذا حقاً ما كانوا بهذا الضعف والعجز والمهانة.
والمعنى الثاني: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً [سورة الممتحنة:5] أن يكون المصدر بمعنى المفعول، أي لا تجعلنا مفتونين بأن تسلط عدونا علينا فيقهرنا ويصرفنا عن ديننا، وعلى كل واحد من المعنيين يصير الفتن بمعنى الصد والصرف عن الحق.
قوله: يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا [سورة الأعراف:27] أي أنه متسبب بهذا.
وقوله: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ [سورة الأعراف:27] فُسِّر قبيله بأعوانه وجنوده، والأقرب - والله تعالى أعلم - أن ذلك لا يختص بهم بل يدخل فيه نظيره وما كان من جنسه وهم الجن، فإبليس من الجن، والجن يرون الإنس من حيث لا يراهم الإنس، وليس في الآية ما يدل على أنه لا يمكن رؤية الجن، ولكن قال: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ [سورة الأعراف:27] فهم يرون الناس والناس لا يرونهم كما هو معلوم، لكن قد يراهم الناس في بعض الحالات العارضة وليس ذلك عادة مطردة بل هو خلاف الأصل.
يقول تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [سورة الأعراف:27] الإنسان إما أن يكون وليّاً للشيطان أو وليّاً لله فالعامل بطاعة الله يكون من أوليائه، والمتبع سبيل الشيطان يكون ولياً له ويكون من حزبه كما قال تعالى: أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ [سورة المجادلة:19] وهم طائفته وأتباعه الذين يعملون بما يزينه لهم ويمليه لهم، فالناس إما هذا وإما هذا، وكل إنسان بحسب ما غلب عليه، فالذي يدعو للشر ويزين الشر للناس ويكون عاملاً به لا شك أنه من أولياء الشيطان، والكفار بجميع أنواعهم هم من أولياء الشيطان وحزبه، قال تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ [سورة المجادلة:19] والمنافقون من أوليائه، وكل عامل بطاعة الشيطان فهو ولي له.