الثلاثاء 22 / ذو القعدة / 1446 - 20 / مايو 2025
يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَٰتِهِمَآ ۗ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

يقول الله - تبارك وتعالى - : يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [سورة الأعراف:27].
يقول: يحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله، مبيناًَ لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء، والتسبب في هتك عورته بعدما كانت مستورة عنه وما هذا إلا عن عداوة أكيدة، وهذا كقوله تعالى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [سورة الكهف:50].

يقول تعالى: لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ أصل الفتْن هو الاختبار والامتحان، ويطلق أيضاً على الصرف والصد عن صراط الله المستقيم، تقول: فلان مفتون وفلان يفتن الناس، والله يقول: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا [سورة الممتحنة:5] على المعنيين في المصدر لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً أي: لا تجعلنا فاتنين بأن تسلط عدوناً علينا فيكون ذلك سبباً لفتن الناس عن الإسلام، يعني يكرهون الإسلام ويقولون: لو كان هذا حقاً ما كانوا بهذا الضعف والعجز والمهانة.
والمعنى الثاني: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً [سورة الممتحنة:5] أن يكون المصدر بمعنى المفعول، أي لا تجعلنا مفتونين بأن تسلط عدونا علينا فيقهرنا ويصرفنا عن ديننا، وعلى كل واحد من المعنيين يصير الفتن بمعنى الصد والصرف عن الحق.
قوله: يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا [سورة الأعراف:27] أي أنه متسبب بهذا.
وقوله: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ [سورة الأعراف:27] فُسِّر قبيله بأعوانه وجنوده، والأقرب - والله تعالى أعلم - أن ذلك لا يختص بهم بل يدخل فيه نظيره وما كان من جنسه وهم الجن، فإبليس من الجن، والجن يرون الإنس من حيث لا يراهم الإنس، وليس في الآية ما يدل على أنه لا يمكن رؤية الجن، ولكن قال: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ [سورة الأعراف:27] فهم يرون الناس والناس لا يرونهم كما هو معلوم، لكن قد يراهم الناس في بعض الحالات العارضة وليس ذلك عادة مطردة بل هو خلاف الأصل.
يقول تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [سورة الأعراف:27] الإنسان إما أن يكون وليّاً للشيطان أو وليّاً لله فالعامل بطاعة الله يكون من أوليائه، والمتبع سبيل الشيطان يكون ولياً له ويكون من حزبه كما قال تعالى: أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ [سورة المجادلة:19] وهم طائفته وأتباعه الذين يعملون بما يزينه لهم ويمليه لهم، فالناس إما هذا وإما هذا، وكل إنسان بحسب ما غلب عليه، فالذي يدعو للشر ويزين الشر للناس ويكون عاملاً به لا شك أنه من أولياء الشيطان، والكفار بجميع أنواعهم هم من أولياء الشيطان وحزبه، قال تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ [سورة المجادلة:19] والمنافقون من أوليائه، وكل عامل بطاعة الشيطان فهو ولي له.

مرات الإستماع: 0

"يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِباسَهُمَا أي: كان سببا في نزع لباسهما. يعني ما باشر هذا لنفسه، وإنما كان السبب.

"قوله تعالى: مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ يعني: في غالب الأمر، وقد استدل به من قال: إن الجن لا يرون، وقد جاءت في رؤيتهم أحاديث صحيحة، فتحمل الآية على الأكثر جمعا بينها، وبين الأحاديث."

يعني: هو الأصل أنهم لا يرون إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ الأصل أنهم لا يرون، فقد يرون في حالة استثنائية، وإلا الأصل فهم لا يرون قد يكون في هذا مس من الجن، ولا نراهم كما هو معلوم، وذكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - أنه في بعض دروسهم، وهم جالسون سماحة المفتي الأسبق الشيخ محمد بن إبراهيم، وهو أنهم سمعوا صوت رجل يتكلم، ويقول: بأنه كان يحضر معهم، وأنه سيذهب إلى الجهاد، يجاهدون قومًا من الكفار، رجل من الجن يودعهم، فهم لا يرون على كل حال.

وقد يكونون مع الناس في بيوتهم، ولا يرونهم، ولو رأوهم لربما فزعوا، وكرهوا هذه البيوت، وقد يراهم بعض الناس لأمر، إما لاعتلالٍ يعني أن يكون هذا الإنسان فيه شيء من المس، أو نحو ذلك فقد يراى، لكنها حالة استثنائية.

فقد جاء عند مسلم عن أبي الدرداء قال: قام رسول الله ﷺ فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثا، وبسط يده كأنه يتناول شيئا، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: إن عدو الله إبليس، جاء بشهاب من نار ليجعله في، وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك، ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر، ثلاث مرات، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به، ولدان أهل المدينة[1].

وأما تمثلهم بشيء آخر، فهذا يحصل يتمثل كما في حديث أبي هريرة في قصة الشيطان الذي جاء في هيئة رجل يحثوا تمر الصدقة[2] فقد يتمثل في صورة رجل.

وجاء في بعض الآثار ذكر الشياطين في نفوس الآدميين الإنس يحدثونهم بأحاديث، وأشياء، فيقول الرجل: رأيت رجلاً يحدث بهذا أعرف وجهه، ولا أعرف اسمه، هو شيطان، يضللون الناس.

وشيخ الإسلام - رحمه الله - كان يقوم بعض الناس في المسجد، وشيخ الإسلام في الحبس، فيتكلم، ويعظ بصورة شيخ الإسلام تمامًا، فيقول: بعض الناس رأيناك، وأنت تقول كذا، وكذا، قال: لعله بعض إخواننا من الجن[3] فيتمثل بصورته هذا يحصل.

وقد يتمثل بصورة كلب، أو حية، أو حمار، أو غير هذا، لكن الأصل أنهم لا يرون على هيئتهم، هذا الأصل، وما ينشر هنا، وهناك من صور يقال هذه صورة في غار، وصورة الشيطان كذا، هذا كله صور ملفقة ملعوب بها، يعني صور ملعوب بها ليست صور شياطين.

وكذلك الملائكة الأصل أنهم لا يرون، ولكن قد يتمثلون في صورة رجل، ورأى النبي ﷺ جبريل مرتين على المشهور على هيئته الحقيقية، لكن الناس لا يرون الملائكة بهيئتهم، وما يذكر أنه وجد نور في مكان، وأن هذا ملك هذا كله كذب، سواء كان في ساحة قتال، أو في الحرم، هذا ملك، وهذه الصورة التقطته هذا كله كذب، لا صحة له. 

  1. أخرجه مسلم، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة، والتعوذ منه، وجواز العمل القليل في الصلاة رقم: (542).
  2. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس، وجنوده، رقم: (3275).
  3. مجموع الفتاوى (17/458).