يقول تعالى رداً على من حرم شيئاً من المآكل أو المشارب أو الملابس من تلقاء نفسه من غير شرع من الله: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما يحرمون بآرائهم وابتداعهم: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ الآية، أي هي مخلوقة لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا وإن شرَكَهم فيها الكفار حباً في الدنيا فهي لهم خاصة يوم القيامة، ولا يَشْرَكهم فيها أحد من الكفار؛ فإن الجنة محرمة على الكافرين.
قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ هذا استفهام إنكاري، والمعنى أن الطيبات من الرزق هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ويشاركهم فيها غيرُهم من المشركين وغيرِهم، لكن الآخرة تكون خالصة للمؤمنين ينفردون بها لا يشاركهم فيها أحد، كما قال تعالى: وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [سورة الزخرف:35] ويشهد لهذا المعنى أيضاً ما مضى في سورة البقرة لما قال إبراهيم ﷺ: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فقال تعالى: وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [سورة البقرة:126] فرزْقُ الله في الدنيا وعطاؤه لا يختص بالمؤمنين، ويشهد لهذا أيضاً قوله تعالى: كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا [سورة الإسراء:20] وقد قال قبل هذا في السورة نفسها: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا [سورة الإسراء:18] وقال في آية أخرى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ [سورة هود:15-16] فهذا كله يؤيد ويشرح هذا المعنى، أي أنها في الدنيا يشترك فيها المؤمنون والكفار؛ فالدنيا لا تساوي شيئاً مما في الآخرة، وقد قال النبي ﷺ: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء[1] فالدنيا للجميع، وأما الآخرة فهي خالصة للمؤمنين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين الصادقين الفائزبن في الدنيا والآخرة، إن ربي قريب مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
- أخرجه الترمذي في كتاب الزهد - باب ما جاء في هوان الدنيا على الله (2320) (ج 4 / ص 560) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5292).