الإثنين 12 / ذو الحجة / 1446 - 09 / يونيو 2025
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ۚ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:32].
يقول تعالى رداً على من حرم شيئاً من المآكل أو المشارب أو الملابس من تلقاء نفسه من غير شرع من الله: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما يحرمون بآرائهم وابتداعهم: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ الآية، أي هي مخلوقة لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا وإن شرَكَهم فيها الكفار حباً في الدنيا فهي لهم خاصة يوم القيامة، ولا يَشْرَكهم فيها أحد من الكفار؛ فإن الجنة محرمة على الكافرين.

قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ هذا استفهام إنكاري، والمعنى أن الطيبات من الرزق هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ويشاركهم فيها غيرُهم من المشركين وغيرِهم، لكن الآخرة تكون خالصة للمؤمنين ينفردون بها لا يشاركهم فيها أحد، كما قال تعالى: وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [سورة الزخرف:35] ويشهد لهذا المعنى أيضاً ما مضى في سورة البقرة لما قال إبراهيم ﷺ: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فقال تعالى: وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [سورة البقرة:126] فرزْقُ الله في الدنيا وعطاؤه لا يختص بالمؤمنين، ويشهد لهذا أيضاً قوله تعالى: كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا [سورة الإسراء:20] وقد قال قبل هذا في السورة نفسها: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا [سورة الإسراء:18] وقال في آية أخرى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ۝ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ [سورة هود:15-16] فهذا كله يؤيد ويشرح هذا المعنى، أي أنها في الدنيا يشترك فيها المؤمنون والكفار؛ فالدنيا لا تساوي شيئاً مما في الآخرة، وقد قال النبي ﷺ: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء[1] فالدنيا للجميع، وأما الآخرة فهي خالصة للمؤمنين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين الصادقين الفائزبن في الدنيا والآخرة، إن ربي قريب مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
  1. أخرجه الترمذي في كتاب الزهد - باب ما جاء في هوان الدنيا على الله (2320) (ج 4 / ص 560) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5292).

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ إنكار لتحريمها، وهي ما شرعه الله لعباده من الملابس، والمآكل، وكان بعض العرب إذا حجوا يحرمون الثياب، ويطوفون عراة - وفي بعض النسخ: يجرّدون الثياب، ويطوفون عراة - ويحرّمون الشحم، واللبن، فنزل ذلك ردّا عليهم."

وقد جاء عن ابن عباس - ا -: "كانت قريش يطوفون بالبيت، وهم عراة يصفرون، ويصفقون، فأنزل الله: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ فأمروا بالثياب"[1] هذا عند الطبراني، وابن أبي حاتم بسند ضعيف، فلا يصح في سبب النزول.

وجاء في رواية: "كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية، وهي عريانة، وعلى فرجها خرقة، وهي تقول: اليوم يبدو بعضه. .. إلخ فنزلت هذه الآية: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ"[2] وفي رواية: "نزلت: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وقُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ"[3].

والذي عند مسلم أن النازل هو خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الآية السابقة في طوافهم بالبيت عراة لكن هذا يتبع ما قبله، فهو رد عليهم قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ فهناك أمرهم بأخذ الزينة، والأكل، والشرب من غير إسراف، وهنا جاء في مقام، وصيغ الرد على هؤلاء الذين حرموا الزينة، والطيبات من الرزق.

"قوله تعالى: خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي: الزينة، والطيبات في الدنيا للذين آمنوا، ولغيرهم، وفي الآخرة خالصة لهم دون غيرهم، وقرئ خالصة بالنصب على الحال، والرفع على أنه خبر بعد خبر، أو خبر ابتداء مضمر.

قراءة الجمهور بالنصب كما نقرأ على الحال، تقدير: قل هي مستقرة للذين آمنوا في حال خلوصها يوم القيامة، في حال خلوصها خالصة. 

وقراءة الرفع هي قراءة نافع، وهي التي بُني عليها الكلام كما سبق على أنه خبر بعد خبر، يعني الخبر الأول هي للذين، الخبر الثاني: خالصة، أو خبر ابتداء مضمر تقديره هي؛ هي خالصة للذين آمنوا في الآخرة، هي خالصة يوم القيامة. 

  1.  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (12324).
  2.  أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (3246) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
  3.  أخرجه مسلم، كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31] برقم (3028).