روى الإمام أحمد عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله أخرجاه في الصحيحين[1]، وتقدم الكلام على ما يتعلق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن في سورة الأنعام.
وقوله: وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [سورة الأعراف:33] قال السدي: أما الإثم فالمعصية، والبغي أن تبغي على الناس بغير الحق، وقال مجاهد: الإثم المعاصي كلها، وأخبر أن الباغي بغيُه على نفسه.
وحاصل ما فُسِّر به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه، والبغي هو التعدي إلى الناس، فحرم الله هذا وهذا.
فقوله - تبارك وتعالى - : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [سورة الأعراف:33] عرفنا قبلُ بأن أقرب الأقوال في تفسير ما ظهر من الفواحش هو أن الفواحش هي الذنوب العظام وأنها لا تختص بالزنا، فيدخل فيما ظهر من الفواحش الزنا علانية مع البغايا ذوات الأعلام في الجاهلية، وفي دور البغاء في مثل هذه الأيام، ويدخل فيه أيضاً سائر ألوان الفواحش وتعاطيها علانية.
قوله: وَمَا بَطَنَ ما أخفاه الإنسان من الجرائم العظام، والذنوب الكبار مثل الزنا سراً، وسائر ما يفعله الإنسان من الكبائر ويخفيه عن الناس.
قوله: وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ الإثم: يطلق على المعصية سواء كان كبيراً أو صغيراً، فيكون ذلك من عطف العام على الخاص، فكل فاحشة لا شك أنها من الإثم وليس كل الآثام من الفواحش، ويطلق الإثم أيضاً على بعض الذنوب خاصة، وذلك يرجع إلى عرف الاستعمال لكنه هنا محمول على العموم، وقد تطلقه العرب على أم الخبائث وهي الخمر، كما قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي | كذاك الإثم تفعل بالعقول |
والبغي هو نوع من الآثام أيضاً، وهو النوع المتعدي إلى الناس، وقيَّده هنا بأنه غير الحق، وهذا القيد معتبر، بمعنى أن هذا القيد ليس من قبيل الصفة الكاشفة بل هو قيد معتبر؛ لأن البغي يكون تارة بحق وتارة يكون بغير حق، بخلاف بعض القيود، كقوله تعالى بعد هذه: وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا [سورة الأعراف:33] فقوله: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا [سورة الأعراف:33] هذا مبيّن للحقيقة كاشف لها وإلا فلا يمكن لأحد أن يشرك بالله ولديه سلطان على هذا الشرك، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ [سورة المؤمنون:117] ولا يمكن لأحد أن يدعو إلهاً آخر له فيه برهان، وهكذا كما في قوله - تبارك وتعالى - : وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [سورة البقرة:61] فلا يمكن لأحد أن يقتل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بحق، وعلى كل حال تارة تكون هذه القيود معتبرة، وتارة لا تكون معتبرة، ومن أمثلة القيود المعتبرة: القيد في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا [سورة الأحزاب:58] فهذا قيد معتبر.
وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:33] من الافتراء والكذب مِن دعوى أن له ولداًَ ونحو ذلك مما لا علم لكم به كقوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ الآية [سورة الحـج:30].
ويدخل في هذا كل قول على الله بلا علم كالذي يفتي الناس بجهل ويتكلم في الأحكام، أو يفسر القرآن أو حديث رسول الله ﷺ بغير علم، كل ذلك يدخل في عموم قوله: وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:33].
- أخرجه البخاري في كتاب التفسير –باب تفسير سورة الأعراف (4361) (ج 4 / ص 1699) ومسلم في كتاب التوبة - باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (2760) (ج 4 / ص 2113).