قوله: ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ [سورة الأعراف:38] يعني في جملة أمم من أمثالكم وعلى صفاتكم.
وقوله: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا [سورة الأعراف:38] كما قال الخليل : ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ الآية [سورة العنكبوت:25].
وقوله تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [سورة البقرة:166-167].
يقصد الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أن قوله تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا [سورة الأعراف:38] أنها تلعن أهل ملتها، يعني إذا اجتمعت هذه الأمم في النار، اجتمع أولها وآخرها فيلعن بعضها بعضاً ويتبرأ بعضها من بعض، فالأمة الواحدة يحصل بينها هذا في النار، وليس المقصود أن كل أمة تلعن الأمة الأخرى، وإنما الأمة الواحدة إذا ادّاركوا في النار بأن دخل الأولون ودخل الآخرون وقع بينهم هذا اللعن والتبرؤ، فيتبرأ الأتباع من المتبوعين ويتبرأ المتبوعون من الأتباع، ويتبرأ آخرهم من أولهم وأولهم من آخرهم - نسأل الله العافية - ، وهذا المعنى هو المعنى المتبادر المشهور الذي عليه عامة المحققين من المفسرين، أي كلما دخلت أمة لعنت وشتمت أهل ملتها، وهذا صرح به جماعة من أهل العلم ككبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله - ويدل على هذا المعنى قوله تعالى بعد ذلك: وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ الآيات [سورة الأعراف:39].
يعني أدرك بعضهم بعضاً فاجتمعوا فيها.
الحافظ ابن كثير – رحمه الله - من دقة عبارته جمع بين معنيين مشهورين في قوله تعالى: قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ [سورة الأعراف:38] فالمعنى الأول: أي أخراهم دخولاً في النار، أي الطائفة المتأخرة التي دخلت تقول للتي دخلت قبلها، والمعنى الثاني قَالَتْ أُخْرَاهُمْ يعني الأتباع يقولون للمتبوعين، فالحافظ ابن كثير - رحمه الله - ما احتاج أن يرجح بين المعنيين، بل جمع بينهما فقال عن الآخرة: أي دخولاً وهم الأتباع بمعنى أن الأتباع يدخلون بعد المتبوعين؛ لأن المتبوعين تقدّموهم حيث كانوا قبلهم وهم قدوتهم في الشر والضلال الكفر.
وقوله: قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ [سورة الأعراف:38] أي: قد فعلنا ذلك وجازينا كلاً بحسبه، كقوله: الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا الآية [سورة النحل:88] وقال تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ [سورة العنكبوت:13] وقال: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ الآية [سورة النحل:25].
يعني باعتبار أن الأتباع أضلوهم فتحملوا ذنوب أنفسهم وذنوب من وقع لهم الإضلال عليهم، وهؤلاء الأتباع أيضاً لا يخلو الواحد منهم من أن يضل غيره كأن ينشئ ولده على الكفر أو نحو ذلك كما قال ﷺ: فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه[1] وكذلك يحصل منه أن يقتدي به ويتأثر به، ويقبل منه غيرُه فيحصل منه إضلال له، فيتحمل ذلك أيضاً كما تحمل الذي قبله، لذلك قال: لِكُلٍّ ضِعْفٌ [سورة الأعراف:38].
- أخرجه البخاري في كتاب الجنائز - باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام (1293) (ج 1 / ص 456) ومسلم في كتاب القدر - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (2658) (ج 4 / ص 2047).