السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
وَنَادَىٰٓ أَصْحَٰبُ ٱلْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَىٰهُمْ قَالُوا۟ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ۝ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ [سورة الأعراف:48-49].
يقول الله تعالى إخباراً عن تقريع أهل الأعراف لرجال من صناديد المشركين وقادتهم يعرفونهم في النار بسيماهم: مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ أي: كثرتكم وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [سورة الأعراف:48].

السيما هي العلامة كما قال تعالى: تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ [سورة البقرة:273] وعلامة أهل النار كما سبق في قوله: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [سورة طـه:102] أي أن عيونهم زرق، ومثل هذا قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [سورة آل عمران:106] يعني يُعرَفون بسواد وجوههم.
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [سورة الأعراف:48] أي: لا ينفعكم كثرتكم ولا جموعكم من عذاب الله، بل صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب والنكال.

مرات الإستماع: 0

"وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ [الأعراف: 47] الضمير لأصحاب الأعراف، أي: إذا رأوا أصحاب النار دعوا الله ألا يجعلهم منهم."

قوله: وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ يعني أصحاب الأعراف، يعني إذا وُجِّهَت أبصارهم، فالصرف هو رد الشيء من حالةٍ إلى أخرى.

"وَنَادَى أصحاب الْأَعْرَافِ رِجَالاً [الأعراف: 48] ... الذين في النار، قالوا لهم ذلك على وجه التوبيخ.

جَمْعُكُمْ يحتمل أن يريد جمعكم للمال، أو كثرتكم."

مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ يحتمل أن يكون المراد جمع المال، أو الكثرة، الكثرة يعني: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ الجمع الذي يكون لهم، والحشد، والكثرة؛ وهذا الثاني الذي اختاره ابن كثير[1].

مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ما أغنت عنكم كثرتكم، والثاني هذا - والله أعلم - كأنه هو الأقرب، كأنه المتبادر مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ لأن الاستكثار من المال إذا أريد فإنه عادةً يكون مصرحًا به مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ [الحاقة: 28] لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ [آل عمران: 10] لكن مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ يعني كثرتكم - والله أعلم -.

"وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف: 48] أي: استكباركم على الناس، أو استكباركم عن الرجوع إلى الحق، فـ "ما" ههنا مصدرية، و "ما" في قوله: مَا أَغْنَى استفهاميةٌ، أو نافية."

وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ إن كانت "ما" هذه مصدرية فإنها تُصاغ، وما بعدها بمصدر وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ما أغنى عنكم جمعكم، واستكباركم.

و"ما" في قوله: مَا أَغْنَى استفهامية، أو نافية مَا أَغْنَى عَنْكُمْ يعني ماذا أغنى عنكم على سبيل التوبيخ، ماذا أغنى عنكم؟ أو تكون نافية مَا أَغْنَى أي: لم يغنِ عنكم، جمعكم، واستكباركم.

  1. تفسير ابن كثير (3/422).