السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
أَهَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ٱدْخُلُوا۟ ٱلْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَآ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ

المصباح المنير المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ [سورة الأعراف:49] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - : يعني: أصحاب الأعراف ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ [سورة الأعراف:49].

إذا فسرت الإشارة في قوله: أَهَؤُلاء أنها عائدة إلى أصحاب الأعراف فيكون ذلك ليس من كلام أصحاب الأعراف وإنما هو كلام متكلم آخر يقول: أَهَؤُلاء يعني أصحاب الأعراف الذين أقسمتم أيها المشركون أنهم لن ينالهم الله برحمة يقال لهم: ادخلوا الجنة.
والقول الآخر أن هذا من تمام كلام أصحاب الأعراف يقولون لأهل النار: أَهَؤُلاء أي أصحاب الجنة الذين كنتم تحتقرونهم في الدنيا وتقولون عنهم: لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ [سورة الأحقاف:11] وتقولون: إنَّ الآخرة - لو كان ثمَّ بعث - لكم كما قال قائلكم: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا [سورة مريم:77] وكما قال بعضكم: مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا [سورة هود:27] وأشباه ذلك مما كنتم تحتقرونهم به وترجّون لأنفسكم أنه لو كان بعث ونشور فإن الآخرة ستكون لكم! أي هاهو يقال لمن احتقرتموهم: ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ [سورة الأعراف:49].
وقول من قال: إن قوله: أَهَؤُلاء عائد إلى أصحاب الأعراف، لعله حمله على ذلك القرينةُ المذكورة في الآية وهي قوله: ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ [سورة الأعراف:49] باعتبار أن أهل الجنة قد دخلوا الجنة وما بقي إلا هؤلاء قد حبسوا عنها وذلك أن أهل النار يسيئون الظن بهم لكن يجدونهم قد قيل لهم: ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ [سورة الأعراف:49].
وقد قال جماعة من السلف: إن أصحاب الأعراف هم آخر من يدخل الجنة ممن لم يدخل النار، والعلم عند الله .

مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - وقوله: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ [سورة الأنفال:49].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - في هذه الآية قال: لما دنى القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين، وقلل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون: غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم، فظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك، فقال الله: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
وقال قتادة: رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لأمر الله، وذكر لنا أن أبا جهل عدو الله لما أشرف على محمد ﷺ وأصحابه قال: والله لا يعبد الله بعد اليوم، قسوة وعتواً.
وقال عامر الشعبي: كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالإسلام، فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ.
وقوله: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ أي: يعتمد على جنابه، فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ أي: لا يضام من التجأ إليه، فإن الله عزيز منيع الجناب عظيم السلطان، حكيم في أفعاله لا يضعها إلا في مواضعها، فينصر من يستحق النصر، ويخذل من هو أهل لذلك.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى -: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ معلوم أن المنافقين أنهم أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، والنفاق لم يظهر إلا بعد غزوة بدر، فالمسلمون قبل ذلك لم يكن لهم شوكة، وكانوا قلة ضعفاء، فلا حاجة للنفاق، بل كانوا يظهرون العداوة، فلما انتصر المسلمون في غزوة بدر قال عبد الله بن أبي: هذا أمر قد توجه فادخلوا فيه ظاهراً، يعني لا قبل لكم بمعاندته ومحاربته، فبدأ النفاق، ومكة لم يكن فيها نفاق، والمهاجرون لم يكن فيهم منافق، ولم يشهد بدر أحد من المنافقين، ويكفي أن يقال: هذا من أهل بدر، وقول الله  : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ، نزل بعد بدر بمدة وذلك لأن سورة الأنفال لم تنزل جملة واحدة، فمنها ما نزل بعدها بمدة وهذه الآية منها، وهي مما يتصل بغزوة بدر وهو الأقرب؛ لقوله - تبارك وتعالى - قبلها: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ [سورة الأنفال:48]، فهذه في بدر ثم قال بعدها: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ، أي: وذكر إذ يقول المنافقون في ذلك الحين، وقوله: وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ من أهل العلم من يقول: إنهما بمعنى واحد، وهم المنافقون، كما في قوله: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا  [سورة الأحزاب:12]، وبعضهم يقول: هم قوم من المسلمين ضعفاء الإيمان، لم يثبت الإيمان في قلوبهم، وقال بعض السلف، كما نقل من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس: أن قائل ذلك هم أهل الإشراك، فقال المشركون: غر هؤلاء دينهم. ففسر المنافقين والذين في قلوبهم مرض بالمشركين، ونقل أيضاً عن قتادة ما يدل على أن قائل ذلك هو أبو جهل، وجاء هذا في رواية أصرح من هذا ولكنها لا تصح، وكذلك قول الشعبي: كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالإسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر، أي: أن قائل ذلك هم قوم دخلوا في الإسلام وخرجوا مكرهين مع المشركين يوم بدر، فقال بعضهم هذا، وهذا الذي قال به ابن جرير - رحمه الله -، قال: هم قوم من المسلمين لم يستحكم الإيمان، أو قوم من المشركين تكلموا بالإسلام ولم يستحكم ذلك في قلوبهم، وبعضهم يفسره بغير هذا، والنبي ﷺ أرسل زيد بن حارثة   يبشر الناس بالنصر في المدينة، ممن تخلف عن رسول الله ﷺ ؛ لأن الصحابة الذين بقوا في المدينة كثير، ما كانوا يتوقعون القتال واللقاء مع العدو، والنبي ﷺ لم يعزم على أحد بالخروج، فقال أسامة بن زيد لما جاء زيد بن حارثة، قال من قال من الناس لا سيما اليهود: إن هذا قد أصيب بعقله، يقولون: لشدة وهول ما رأى الرجل وقع له شيء في عقله، من شدة الخوف، لما قتل أصحابه وشردوا فجاء وهو لا يعي ما يقول، لما ذكر أن المسلمين انتصروا وقتل فلان وفلان وفلان وفلان، من المشركين هذا أمر غير معقول ولا يخطر على بال أحد، فقالوا ذلك، حتى قال أسامة : لما دخل أبي دارنا سألته: أحقاً يا أبي، هل هذا صحيح، فقال: نعم، فهذا الإشكال هو الذي جعل الكثير من السلف يفسرونها بمثل هذه الأقوال، يعني قوله: الْمُنَافِقُونَ بالمشركين، أو بأناس من المسلمين ممن كان في مكة لم يثبت الإيمان في قلوبهم، وإن سلم بهذا التفسير يكون هذا هو الموضع الوحيد الذي أطلق فيه النفاق على غير المعنى المشهور، حتى الذين كانوا بمكة ما كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، يمكن أن يفسر بأنهم  في قلوبهم مرض لما وقع منهم من التقصير، وخروجهم مع المشركين لم يعذروا به، والله قال فيهم وفي أمثالهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا [سورة النساء:97]، وقد قتل جماعة من هؤلاء الذين خرجوا مع المشركين، فهذا يمكن أن يفسر به الذين في قلوبهم مرض بلا إشكال، لكن يبقى ذكر المنافقين، ومما يدل على أن السورة منها ما نزل متأخراً قوله - تبارك وتعالى -: وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ [سورة الأنفال:60]، وقوله: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ، كثير من المفسرين يقولون: هم اليهود، وبعضهم يقول: هم بني قريظة، وبعضهم يقول: هم أهل النفاق؛ لأنهم هم الذين لا نعلمهم، فهذا يكون نزل بعد ذلك بعد وجود النفاق، وبعد ما وقع من قريظة، وقوله - تبارك وتعالى -: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء [سورة الأنفال:58]، كثير من المفسرين يقولون: هم اليهود، وبعضهم يقول: هم يهود بني قريظة كما وقع ذلك في يوم الخندق، وقوله تعالى: الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ [سورة الأنفال:56] كثير من السلف فسرها باليهود، وبعضهم فسرها ببني قريظة، فهذا كله يدل على أن من السورة ما نزل متأخراً، والله أعلم.
وقول أبي جهل نقلاً عن قتادة من قبيل المرسل، قال: والله لا يعبد الله بعد اليوم قسوة وعتواً.
 

مرات الإستماع: 0

"أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ من كلام أصحاب الأعراف خطابًا لأهل النار، والإشارة بهؤلاء إلى أهل الجنة، وذلك أن الكفار كانوا في الدنيا يقسمون أن الله لا يرحم المؤمنين، ولا يعبأ بهم، فظهر خلاف ما قالوا."

أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ أهل الأعراف يخاطبون أهل النار أَهَؤُلَاءِ يقصدون أهل الجنة، يقول: لأن الكفار كانوا في الدنيا يقسمون أن الله لا يرحم المؤمنين، ولا يعبأ بهم، فظهر خلاف ما قالوا. 

أَهَؤُلَاءِ يعني أهل الجنة الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ أيها الكفار أن الله لا يرحمهم، وهذا القول هو الذي اختاره جماعة من المفسرين، كالواحدي[1] والحافظ ابن القيم[2] كذلك من المعاصرين الشيخ عبد الرحمن السعدي[3] والشنقيطي[4] والطاهر بن عاشور[5].

"وقيل: أولئك خطابًا لأهل النار، والإشارة بهؤلاء إلى أصحاب الأعراف."

وقيل: هي من كلام الملائكة خطابًا لأهل النار أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ السياق هو في كلام أهل الأعراف، والأصل أن يكون الكلام لمتكلمٍ واحد إلا لدليل، يقول: وقيل هي من كلام الملائكة خطابًا لأهل النار، والأول أقرب - والله أعلم - أنه من كلام أصحاب الأعراف لأهل النار.

يقول: والإشارة بهؤلاء إلى أصحاب الأعراف، هذا على القول بأن القائل هم الملائكة يخاطبون أهل النار، وليس القائل أصحاب الأعراف، يعني هذا على القول الثاني أَهَؤُلَاءِ يعني أصحاب الأعراف، وهذا القول مروي عن ابن عباس - ا - من طريق ابن أبي طلحة[6] أن القائل بذلك الملائكة يخاطبون أهل النار، والإشارة بقوله: أَهَؤُلَاءِ إلى أصحاب الأعراف الذين لم يدخلوا الجنة بعد، وقال به جماعة من المفسرين كمقاتل بن سليمان[7] وهو قولٌ آخر للواحدي[8] في كتابه "الوجيز".

والحافظ ابن القيم عدَّه قولاً قويًا تحتمله الآية[9] لكنه رجَّح الأول، وقالوا تعليلاً لهذا القول: بأن أهل الأعراف حين قالوا لأهل النار ما سبق: وَنَادَى أصحاب الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف: 48] فيقولون عيَّرهم أهل النار بتخلفهم عن دخول الجنة، فتقول الملائكة عندئذٍ: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف: 49] لكن هذا لا دليل عليه، أن أهل النار يعيرونهم، ثم يأتي الرد من الملائكة؛ لأن الأصل أن الكلام لمتكلمٍ واحد، وعلى القول الثاني يكون هذا من الموصول لفظًا المفصول معنىً، يعني الكلام الأول لأصحاب الأعراف يخاطبون أهل النار: وَنَادَى أصحاب الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ۝ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ [الأعراف: 48 - 49].

يكون قول: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ من كلام الملائكة على هذا القول، فيكون ظاهر الكلام الاتصال أنه لمتكلمٍ واحد، وهو منفصل من جهة المعنى إذ هو لمتكلمين، لقائلين، وهذا خلاف الأصل، والأقرب - والله أعلم - أنه من كلام أصحاب الأعراف يخاطبون أهل النار، وأن الإشارة بقوله: أَهَؤُلَاءِ إلى أهل الجنة، أدخلوا الجنة، تقديره قد قيل لهم.

"ادْخُلُوا الْجَنَّةَ [الأعراف: 49] خطابٌ لأهل الجنة إن كان من كلام أصحاب الأعراف، تقديره: قد قيل لهم ادخلوا الجنة، وخطابٌ لأهل الأعراف إن كان من كلام الملائكة."

الآن ادخلوا الجنة، أهل الجنة دخلوا الجنة، وكما هو ظاهر الآيات، وأهل النار دخلوا النار، فأهل الجنة ينادون أهل النار يخبرونهم أنهم قد، وجدوا ما، وعدهم ربهم حقا، ويقولون: هل، وجدتم ما، وعد ربكم حقا؟ قالوا: نعم، فظاهر هذا أن هؤلاء دخلوا الجنة، وهؤلاء دخلوا النار.

كذلك حينما ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء، أو مما رزقكم الله، دلَّ على أنهم قد لاقوا النعيم، ودخلوا الجنة، فهنا قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ قد يُفهم منه أنهم لم يدخلوها بعد، فيقال لهم: ادخلوا الجنة، وكأن هذا هو الذي حمل أصحاب القول الثاني على القول بأن قائل ما سبق هم الملائكة، يخاطبون أصحاب الأعراف الذين لم يدخلوها بعد، فيقال لهم: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أما أهل الجنة فقد دخلوا، فكيف يقال لهم: ادخلوا الجنة، فهذا الذي حمل أصحاب القول الثاني على هذا القول، لما يقال لهم: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ قالوا: إذا هذا خطاب لأهل الأعراف، وليس من كلام أهل الأعراف لأهل الجنة؛ لأن أهل الجنة دخلوا.

وأصحاب القول الأول قالوا: إن معنى قول الله : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يعني أنه من كلام أصحاب الأعراف، التقدير: قد قيل لهم ادخلوا الجنة، فكأنه إخبار عما قيل لهم بصيغة الأمر حكايةً لما سبق. 

يقول: وخطابٌ لأهل الأعراف إن كان من كلام الملائكة.

وبعضهم يقول: هو من كلام الله لأهل الجنة، هو من كلام الله، ادخلوا الجنة، هم دخلوها، فيكون هذا كالتطمين لنفوسهم، وتثبيت هذا الدخول، وإقرارهم على هذا النعيم، وهذا الذي اختاره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي[10] وقبله أبو جعفر ابن جرير[11] أنه من كلام الله ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يقول لهم: لأهل الجنة ادخلوا الجنة، باعتبار أنه إذا كان من كلام أصحاب الأعراف، أصحاب الأعراف هم الذين كان الكلام عنهم: وَنَادَى أصحاب الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ۝ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ [الأعراف: 48 - 49] يعني هل يملك أصحاب الأعراف أن يقولوا لأهل الجنة: ادخلوا الجنة؟!

هم لا يملكون هذا، ولهذا قال هؤلاء أنه من كلام الله  فيكون من الموصول لفظا المفصول معنى.

إذًا يحتمل أن يكون من كلام الملائكة، أو من كلام الله، أو من جملة كلام أصحاب الأعراف، ويكون ليس أمرًا لهم بالدخول، وإنما حكاية للدخول في صيغة الأمر - والله أعلم -.

  1.  الوجيز للواحدي (ص: 396) والتفسير الوسيط للواحدي (2/372).
  2.  طريق الهجرتين، وباب السعادتين (ص: 384).
  3.  تفسير السعدي (ص: 290).
  4.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (3/301).
  5.  التحرير، والتنوير (8 - ب/146).
  6.  تفسير ابن كثير (3/422).
  7.  تفسير مقاتل بن سليمان (2/39).
  8.  الوجيز للواحدي (ص: 396).
  9.  طريق الهجرتين، وباب السعادتين (ص: 384).
  10.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (4/315).
  11.  انظر: تفسير الطبري (10/230) وتفسير الطبري (20/642).