الأحد 13 / ذو القعدة / 1446 - 11 / مايو 2025
ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۚ فَٱلْيَوْمَ نَنسَىٰهُمْ كَمَا نَسُوا۟ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وقوله: فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا [سورة الأعراف:51] أي: يعاملهم معاملة من نسيهم؛ لأنه تعالى لا يشِذّ عن علمه شيء ولا ينساه كما قال تعالى: فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى [سورة طـه:52] وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة كقوله: نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ [سورة التوبة:67] وقال: كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [سورة طـه:126] وقال تعالى: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا [سورة الجاثية:34].
وقال العوفي عن ابن عباس - ا - في قوله: فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا [سورة الأعراف:51] قال: نسيهم الله من الخير ولم ينسهم من الشر.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - قال: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا.
وقال مجاهد: نتركهم في النار، وقال السدي: نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.
وفي الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، فيقول: أظننت أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول الله تعالى: فاليوم أنساك كما نسيتني[1].
النسيان في كلام العرب يأتي لمعنيين، يأتي بمعنى ذهاب المعلوم من الذهن، والسهو هو الذهول عنه مع بقائه في الذهن، كما قال صاحب المراقي:
ذهاب ما علم قل نسيان والعلم في السهو له اكتنان
ويأتي النسيان بمعنى آخر هو الترك، وهو المراد هنا والله تعالى أعلم، وهذا معنى معروف في كلام العرب.
قوله: نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ [سورة التوبة:67] أي أعرضوا عن أمره ونهيه وتركوه وراء ظهورهم فتركهم الله في الآخرة وأعرض عنهم ولم تنلهم رحمته بل تركوا في النار، ولا حاجة أن يقال: إن النسيان هنا من قبيل المجاز ولا يحتاج مثل هذا المقام إلى تطويل، وإنما يقال: النسيان في كلام العرب يأتي لهذا وهذا، والمقصود به هنا الترك، والله تعالى أعلم.
  1. أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق (2968) (ج 4 / ص 2279) 

مرات الإستماع: 0

"فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ أي: نتركهم."

نتركهم، هذا مروي عن ابن عباس - ا - من طريق ابن أبي طلحة[1].

وجاء عن مجاهد: "نتركهم في النار"[2].

وعن السُّدي: "نتركهم من الرحمة"[3] كل هذه المعاني قريبة، وترجع إلى شيء واحد.

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ: يلقى الله العبد فيقول: أي فل - أي: فلان - ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل، والإبل، وأذرك ترأس، وتربع، فيقول: بلى، فيقول: فظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني[4]

فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ أي: نتركهم، والنسيان كما مضى في بعض المناسبات يأتي بمعنى نسيان المعلوم، وذلك بمعنى الذهول عنه، ذهاب المعلوم يُقال له نسيان، حفظت مسألة، ونسيت هذه المسألة، فذهاب المعلوم من الذهن يُقال له: نسيان، كما قال في المراقي:

زوالُ ما عُلم قُلْ نسيانُ والعلمُ في السَّهْوِ له اكتنانُ[5].

يعني السهو يكون العلم موجود لكن سهى عنه، لكن النسيان كأنه محي، وذهب من الذهن، فهذا النسيان، ويأتي بمعنى الترك: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر: 19] بمعنى الترك، وهذا المعنى هو المراد هنا، وأما المعنى الأول الذي هو الذهول عن المعلوم فهذا يتنزه ربنا - تبارك، وتعالى - عنه لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [طه: 52].

"كَمَا نَسُوا الكاف للتعليل.

وَمَا كَانُوا عطفٌ على كما نسوا أي لنسيانهم، وجحودهم."

  1.  تفسير الطبري (10/238).
  2.  الدر المنثور في التفسير بالمأثور (3/470) وتفسير مجاهد (ص: 337).
  3.  الدر المنثور في التفسير بالمأثور (3/470).
  4.  أخرجه مسلم، في أوائل كتاب الزهد، والرقائق، برقم (2968).
  5.  نشر البنود على مراقي السعود (1/66).