الإثنين 14 / ذو القعدة / 1446 - 12 / مايو 2025
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُۥ ۚ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُوا۟ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَفْتَرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

والمقصود أنه لما أخبر بما صاروا من الخسارة في الآخرة ذكر أنه قد أزاح عللهم في الدنيا بإرسال الرسل وإنزال الكتب كقوله: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [سورة الإسراء:15] ولهذا قال: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ [سورة الأعراف:53] أي: ما وعدوا به من العذاب والنكال والجنة والنار، قاله مجاهد وغير واحد.


قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ [سورة الأعراف:53] يعني وقوع ما أخبر به؛ لأن التأويل من الأَوْل وذلك يأتي لمعنيين: الأول: هو التفسير، وتأويل الكلام هو تفسيره، وتأويل الرؤيا يأتي بمعنى تفسير الرؤيا كما قال تعالى: نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ [سورة يوسف:36] أي بتفسيره، وتأويل الرؤيا أيضاً وقوعها وتحققها كما قال تعالى: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ [سورة يوسف:100] وذلك لما رأى الشمس والقمر قد سجدوا له.
ويأتي التأويل بمعنى ما يئول إليه الشيء في ثاني الحال، وتأويل الأمر هو فعل المأمور كما في حديث عائشة – ا - أنها قالت: "كان النبي ﷺ يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك الله اغفر لي يتأول القرآن"[1] أي: يمتثل قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [سورة النصر:3].
وتأويل الخبر يعني وقوع المخبر به وهو المراد بقوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ [سورة الأعراف:53] يعني وقوع ما أخبر به من القيامة والبعث والنشور والجنة والنار.
وأما صرف اللفظ من المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح فهذا اصطلاح حادث لا يفسر به القرآن؛ لأنه لا يجوز حمل القرآن على مصطلح حادث.

وقوله: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [سورة الأعراف:53] أي: يوم القيامة.
قال ابن عباس - ا - : يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ [سورة الأعراف:53] أي: تركوا العمل به وتناسوه في الدار الدنيا.
قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا [سورة الأعراف:53] أي: في خلاصنا مما صرنا إليه مما نحن فيه أَوْ نُرَدُّ إلى الدار الدنيا فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [سورة الأعراف:53] كقوله: وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [سورة الأنعام:27-28] كما قال هاهنا: قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [سورة الأعراف:53] أي: خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [سورة الأعراف:53] أي: ذهب عنهم ما كانوا يعبدونهم من دون الله فلا يشفعون فيهم ولا ينصرونهم ولا ينقذونهم مما هم فيه.

  1. رواه البخاري: (1/163)، ومسلم: (1/350).

مرات الإستماع: 0

"إِلَّا تَأْوِيلَهُ: هل ينظرون إلا عاقبة أمره، وما يؤول إليه من ظهور ما نطق به من الوعد، والوعيد."

يعني تصديق ما وُعِدُوا به، فالتأويل يأتي بمعنى المصير، والمرجع، والعاقبة كما هنا، فالتأويل يأتي بمعنى التفسير، تأويل الكلام بمعنى التفسير، وتأويل الرؤيا يأتي بمعنى التعبير، والتفسير لها، ويأتي بمعنى آخر، وهو ما يؤول إليه الشيء في ثاني حال، فيكون تأويل الأمر بفعل المأمور، وتأويل النهي بترك المنهي، وتأويل الخبر بوقوع المخبر به، وتأويل الرؤيا بتحققها هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا [يوسف: 100].

وتأويل الأمر: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ أنه كَانَ تَوَّابًا [النصر: 3].

قالت عائشة - ا -: كان يكثر أن يقول في ركوعه، وسجوده: سبحانك اللهم ربنا، وبحمدك، اللهم اغفر لي يتأوَّل القرآن[1] يعني ينفذ، يطبق، يمتثل ما أمر به.

فهنا: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يعني وقوع، وتحقق ما أخبر به، ووعد به.

"قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ أي: قد تبين، وظهر الآن أن الرسل جاءوا بالحق." 
  1. أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب التسبيح، والدعاء في السجود، برقم (817) ومسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع، والسجود، برقم (484).