واختلفوا في هذه الأيام هل كل يوم منها كهذه الأيام، كما هو المتبادر إلى الأذهان؟ أو كل يوم كألف سنة كما نص على ذلك مجاهد والإمام أحمد بن حنبل، ويروى ذلك من رواية الضحاك عن ابن عباس - ا - ؟، فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق؛ لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت، وهو القطع.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله ﷺ بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة ،آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل[1].
يقول – رحمه الله - : "فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق؛ لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت وهو القطع" وقوله تعالى: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً [سورة الأعراف:163] أي: يوم ينقطعون عن الأعمال، وذلك يوم إجازتهم.
وعلى كل حال فالمشهور الذي دلت عليه الأدلة أن يوم السبت لم يقع فيه خلق، والله خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان ابتداء الخلق يوم الأحد.
وبالنسبة لأهل الجاهلية فإنهم كانوا يسمون يوم الأحد "أول" ويعتبرونه أول أيام الأسبوع، ويوم الجمعة كانوا يسمونه "عروبة".
والحاصل أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، ويوم السبت لم يقع فيه خلق، وآخر الخلق كان يوم الجمعة، وآدم ﷺ خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة.
وهذا الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة فيه إشكالان: الأول: أنه جعل الخلق مبتدأً يوم السبت، وهذا خلاف الأدلة الأخرى.
والإشكال الثاني: أنه جعل أيام الأسبوع كلها أيام خلق، فذكر السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة فصار الخلق في سبعة أيام، أضف إلى ذلك أنه ذكر في خلْق هذه الأشياء - التربة والشجر والمكروه والنور والدواب - يومَ الخميس، وخلْق آدم في يوم الجمعة، والله أخبر أنه خلق الأرض في يومين وخلق السماوات في يومين وأنه بثَّ أو قدر فيها أقواتها في يومين فصار ما يتعلق بالأرض جميعاً من خلْق ودَحْوٍ في أربعة أيام، فهنا جعل الخلق في سبعة أيام وهو مخالف لقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [سورة يونس:3].
وقد تكلم العلماء على هذا الحديث وقالوا: إنه غلط وليس عن رسول الله ﷺ وإنما هو مما رواه أبو هريرة عن بني إسرائيل، ورفْعه لا يصح إلى رسول الله ﷺ وقد قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في دروسه التي كانت في التفسير كلاماً جيداً يمكن الاستفادة منه.
وهذه الأيام قد جاء في روايات كثيرة أن أولها الأحد وآخرها الجمعة، والقرآن بيّن أنه خلق الأرض في يومين، ثم خلق فيها الجبال والأقوات والأرزاق في يومين، ثم خلق السماوات في يومين، فهي ستة أيام، ويوم السبت ليس منها، وما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن الله خلق التربة يوم السبت، وجعل في كل من أيام الأسبوع بعض الخلق وإن كان في صحيح مسلم فهو غَلَطٌ، غَلِط بعض الرواة في رفعه، والظاهر أنه أخذه أبو هريرة عن كعب الأحبار أو نحوه من الإسرائيليات؛ لأنه خلاف القرآن الصحيح أن السبت لم يكن من الأيام التي خُلق فيها شيء، وأن السماوات والأرض وما بينهما خلقت في ستة أيام من الأسبوع أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة، خلق الله فيه آدم بعد صلاة العصر.
وهذه الأيام قال بعض العلماء إنها كأيام الدنيا، وقال بعضهم: اليوم منها هو المذكور في قوله: وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [سورة الحـج:47] والله خلق السماوات والأرض وما بينها في ستة أيام - مع أنه قادر على أن يخلق الجميع في لحظة واحدة كلمح البصر - لحكمته .
قال بعض العلماء: أراد أن يعلّم خلقه التمهل في الأمور والتدرج فيها؛ ليقدروا عليها، وهو قادر على خلق ما يشاء في لحظة واحدة وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [سورة القمر:50] فهو يقول للشيء: كن فيكون، هذا معنى قوله: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [سورة الأعراف:54].
قال الحافظ ابن كثير: وأما قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [سورة الأعراف:54] فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله لا يشبهه شيء من خلقه، ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [سورة الشورى:11] بل الأمر كما قال الأئمة، منهم: نعيم بن حماد الخزاعي - شيخ البخاري - قال: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى.
وقوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا [سورة الأعراف:54] أي: يذهب ظلام هذا بضياء هذا، وضياء هذا بظلام هذا، وكل منهما يطلب الآخر طلباً حثيثاً أي: سريعاً لا يتأخر عنه.
في قوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا [سورة الأعراف:54] قراءة أخرى لعاصم وحمزة والكسائي بالتشديد يُغِّشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ.
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في معنى قوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ: "أي: يذهب ظلام هذا بضياء هذا، وضياء هذا بظلام هذا" أي يغشي الليل النهار ويغشي النهار الليل مع أنه ما ذكرت الآية إلا واحداً يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ [سورة الأعراف:54] ولذلك قال بعض أهل العلم: إنه ما ذكره من باب الاكتفاء، كما ذكرنا - مراراً - أنه قد يذكر أحد المتقابلين أو النظيرين اكتفاء به عن ذكر الآخر؛ لأنه يدل عليه، ولذلك فإن بعضهم يجعل من هذا قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [سورة المزمل:9] أي: والشمال والجنوب، وبعضهم يقول غير ذلك في هذا المثال، وكذلك هو الحال في قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى [سورة الأعلى:9] يعني وإن لم تنفع على أحد الأقوال في تفسير الآية، وكذلك قوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [سورة النحل:51] أي: والبرد.
فقوله: وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ أي: لا يفوته بوقت يتأخر عنه بل هو في أثره بلا واسطة يبنهما، ولهذا قال: يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ [سورة الأعراف:54] منهم من نَصَبَ ومنهم من رَفََع، وكلاهما قريب المعنى.
قوله: "منهم من نصَب ومنهم من رفعَ" يعني في الشمس والقمر والنجوم، فالرفع قراءة ابن عامر وهي قراءة متواترة والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ بأمره على أنها جملة اسمية من المبتدأ والخبر، يخبر الله عن تسخيرها.
وعلى قراءة النصب وهي قراءة البقية يكون ذلك عائداً على قوله: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [سورة الأعراف:54] يعني وخلق الشمس والقمر وخلق النجوم في حال كونها مسخرات.
يقول تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [سورة الأعراف:54] أي: هو الذي يخلق وهو الذي يحكم ويشرع ويأمر وينهى .
وقد فرَّق تعالى هنا بين الخلق والأمر وهذا مما استدل به أهل السنة على أن الأمر غير الخلق، وهو مما ردوا به على من قال بخلق القرآن، والله المستعان.
تبارك بمعنى كثرت بركته واتسعت، وبعضهم يقول: تبارك أي: تعاظم.
- كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - باب ابتداء الخلق وخلق آدم (2789) (ج 4 / ص 2149).
- أخرجه البيهقي في شعب الإيمان مرفوعاً عن أبي سعيد الخدري (4400) (ج 4 / ص 97) وقال الألباني: "موضوع" كما في ضعيف الترغيب والترهيب برقم (964).