السبت 19 / ذو القعدة / 1446 - 17 / مايو 2025
وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥٓ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ۝ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ۝ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ۝ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  [سورة الأعراف:65-69].
يقول تعالى: وكما أرسلنا إلى قوم نوح نوحاً كذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً .
قال محمد بن إسحاق: هم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح .
قلت: هؤلاء هم عاد الأولى الذين ذكرهم الله، وهم أولاد عاد بن إرم الذين كانوا يأوون إلى العمد في البر كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ۝ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ۝ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ [سورة الفجر:6-8]؛ وذلك لشدة بأسهم وقوتهم كما قال تعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [سورة فصلت:15].

فقوله: "قال محمد بن إسحاق: هم ولد عاد بن إرم.." إلى آخر ما ذكر، هذه الأنساب التي يذكرونها، وأسماء هذه الأمم، وأسماء الأنبياء الذين بعثوا إليهم من جهة النسب، يوجد فيها اختلاف في الروايات الواردة في ذلك من جهة الزيادة والنقص، والتقديم والتأخير، وضبط هذه الأسماء وما يتعلق بحروفها أيضاً، فالله تعالى أعلم.
وقوله: "الذين كانوا يأوون إلى العمد" يعني أنهم - على ما ذكره بعض المؤرخين - كانوا يضعون الخيام ذات العماد العالية الرفيعة؛ لطول قاماتهم، وقد ذكروا من ضخامة أجسامهم وطول قاماتهم شيئاً كثيراً حتى أوصله بعضهم إلى ستين ذراعاً في السماء، وحتى زعم بعضهم أن رأس الواحد منهم بقدر القبة، وزعم بعضهم أن عين الواحد منهم تلد فيها الذئبة أو الكلبة، وذكروا أشياء هي من قبيل المبالغات، حتى ذكروا أن حبة البر في ذلك الزمان بقدر كلية البقرة، وأن الرمانة يجلس فيها العشرة من الرجال، وأشياء قد لا تصدق، فالله تعالى ذكر أنه أعطاهم بسطة وقوة ولكن مثل هذه الأشياء التي يذكرها بعض المؤرخين قد يكون فيها كثير من المبالغات، فالله تعالى أعلم.
وقد كانت مساكنهم باليمن بالأحقاف، وهي جبال الرمل.

وفي بعض الروايات "وهي حبال الرمل" وأظن أنها أدق، والمقصود بحبال الرمل الكثبان المتواصلة، وهذا معروف في جنوب الجزيرة العربية، وهو ما يعرف بالربع الخالي الآن، فهم في جنوب الربع الخالي، وذكر بعضهم أن إرم هذه تطل على البحر عند بلدة يقال لها: الشِّحر وهي معروفة إلى اليوم، فبعضهم قال: إنها كانت تطل على البحر، وعلى كل حال هم في تلك الناحية، في حبال الرمل قريباً من حضرموت.
قوله تعالى: إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ [سورة الأحقاف:21] يعني حبال الرمل، وهذا يدل على أن هذا المكان منذ ذلك الحين وذلك الزمان – قريباً من زمن نوح وقبل إبراهيم - وهو بهذه الصفة تقريباً، وما يزعمه بعضهم أن تلك الناحية ليست كما هي الآن وإنما كانت شيئاً آخر هذا فيه نظر؛ فالآية تقول: أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ [سورة الأحقاف:21] يعني حبال الرمل، لكن لا يلزم أن تكون حبال الرمل لا يتخللها أنهار أو لا يكون فيها شيء من الجنات وما أشبه ذلك.
 
وروى محمد بن إسحاق عن أبي الطفيل عامر بن واثلة سمعت علياً يقول لرجل من حضرموت: "هل رأيت كثيباً أحمر يخالطه مَدَرة حمراء ذا أراكٍ وسِدْر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت، هل رأيته؟"
المدر هو قطع الطين اليابس.
قال: نعم يا أمير المؤمنين، والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه؟ قال: "لا، ولكني قد حدثت عنه" قال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: "فيه قبر هود " [رواه ابن جرير].
وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن، فإن هوداً دفن هناك، وقد كان من أشرف قومه نسباً؛ لأن الرسل إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم، ولكن كان قومه كما شُدِّد خلقهم شدد على قلوبهم، وكانوا من أشدِّ الأمم تكذيباً للحق، ولهذا دعاهم هود إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى طاعته وتقواه.

قبر هود في تلك الناحية، وكان يزار محلٌ يزعم الناس أنه قبر هود  ولست أدري هل لا يزال عندهم شيء من هذا أو لا؟ فأهل البدع القبوريون يزورون محلاً هناك ويزعمون أنه قبر هود، لكن طبعاً لا يثبت مكان بعينه أنه قبر هود، ولذلك يوجد عند أهل الشام مكان يزعمون أيضاً أنه قبر هود ، ولست أدري أيضاً هل هذا الأمر موجود إلى الآن أو لا؟ لكن على كل حال ذكر هذا أهل العلم في كتبهم، وهذا لا يستغرب؛ فقبر الحسين في كربلاء، وفي مصر، وفي الشام، كما يزعمون وكذلك السيدة زينب موجودة في مصر وفي الشام، وهكذا تجد القبر الواحد موجوداً في أكثر من مكان!!
وعلى كل حال هؤلاء أحياناً يخترعون مكاناً بأن يقول بعضهم: إنه رأى الولي الفلاني في المنام وهو في المكان الفلاني ويقول: اتخذ هنا مكاناً أو مقاماً أو مزاراً، فينسب إلى هذا الشخص أنه في ذلك المكان ويأتون ويتعبدون عنده، وهكذا تبتكر أماكن جديدة لنفس الشخص بهذه الطريقة، وهكذا تلعب بهم الشياطين.
 

مرات الإستماع: 0

"أَخَاهُمْ [الأعراف: 65] أي: واحدًا من قبيلتهم، وهو معطوفًا على "نوحًا" وهودًا بدلٌ منه، أو عطف بيان، وكذلك أخاهم صالحًا، وما بعده، وما هو مثله حيث وقع".

فقوله: "أَخَاهُمْ أي: واحدًا من قبيلتهم" وبيَّنا في بعض المناسبات أن الأخوة قد تكون باعتبار النسب، كالانتساب إلى أبٍ، أو قبيلةٍ، أو نحو ذلك، وقد تكون باعتبار الاجتماع في البلد الواحد، وهو أحد الأقوال في قوله - تبارك، وتعالى -: وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا [الأحزاب: 18] وكذلك أيضًا قد تكون باعتبار الدين إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] وأيضًا هو أحد الأقوال في قوله تعالى: وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا [الأحزاب: 18] يعني: من المنافقين.

فقوله هنا: "وهو معطوفًا على نوح" لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [الأعراف: 59] وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف: 65] يعني: أرسلنا أخاهم هودًا.

يقول: "وهو بدلٌ منه" يعني بدل من عاد، يعني كأنه قال: أرسلنا هودًا، أو أرسلنا أخاه، فالبدل يقوم مقام المبدل منه، يقول: "أو عطف بيان" ونحن عرفنا أن الفرق بين عطف البيان، والبدل: أن الثاني إذا كان أوضح من الأول، وهو هو، فإنه يكون من قبيل عطف البيان، فهنا وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف: 65] فهود من حيث المراد أوضح من أخاهم، فهو عطف بيان بهذا الاعتبار، يقول: "كذلك أخاهم صالحًا" أي: معطوف على أرسلنا نوحًا "وهو مثله حيث وقع".