"خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الأعراف: 69] أي: خلفتموهم في الأرض، أو جعلكم ملوكًا".
خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الأعراف: 69] يقول: "أي: خلفتموهم في الأرض، أو جعلكم ملوكًا" وقد عرفنا أن الخلفاء: جمع خليفة، وأن الخلافة هي النيابة عن الغير، يقال: خلفه أي: قام بالأمر عنه، إما بعده، أو معه، وأن أصل المادة: هي مجيء الشيء بعد شيء، يقوم مقامه إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30] يعني: يخلف بعضهم بعضًا، فقوم عاد جاءوا بعض قوم نوح، فخلفوهم بهذا الاعتبار، وإن لم يكونوا في موضعهم الذي كانوا فيه؛ ولذلك قال: "خلفتموهم في الأرض".
"قوله تعالى: وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً [الأعراف: 69] كانوا عظام الأجسام، كان أقصرهم ستين ذراعًا، وأطولهم مائة ذراع".
البسطة هي السعة في أصلها، وهي تدل على امتداد الشيء وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة: 247] فتكون في الأمور المعنوية، وتكون أيضًا في الخلق، والطول، وضخامة الأجسام.
أما قوله: "كان أقصرهم ستين ذراعًا، وأطولهم مائة ذراع" فالله تعالى أعلم بذلك، آدم - عليه الصلاة، والسلام - كان طوله ستين ذراعًا، فهل كانوا أطول من آدم - عليه الصلاة، والسلام - كما يُفهم من قوله: وَزَادَهُ بَسْطَةً؟ الذي يظهر أنه زادهم بسطة على قوم نوح - عليه الصلاة، والسلام - كما هو ظاهر الآية، فهل كانوا أطول من آدم، والخلق لا يزل يتقاصر؟ فهؤلاء أوتوا بسطة في الأجسام، لكن قوله: "إن أطوالهم كانت مائة ذراع" معناه أنهم أطول من آدم - عليه الصلاة، والسلام - بأربعين ذراعًا، لكن هذا إنما، ورد من جهة أخبار بني إسرائيل، ولا يُعتمد على مثل هذا، وكذلك ما يذكره بعض المفسرين من أخبارهم، وطولهم، ونحو ذلك، فكل هذا مما تُلقي عن بني إسرائيل - فالله أعلم -.
"قوله تعالى: آلَاءَ اللَّهِ [الأعراف: 69] نِعمه حيث وقع".
حيث وقع يعني في القرآن، أن آلاء الله هي النعم، وهي جمع، واحدها: ألاً، وإلى، كما قال هود - عليه الصلاة، والسلام - في ذكر هذه النعم، والآلاء: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ [الشعراء: 132] ثم ذكرها: أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الشعراء: 133 - 134].