"يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ أي: يقومون من القبور، إذا دعاهم الرب - تبارك وتعالى - لموقف الحساب ينهضون سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: "إلى عَلَم يسعون"، وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير: "إلى غاية يسعون إليها"، وقد قرأ الجمهور: "إلى نَصْب" بفتح النون وإسكان الصاد، وهو مصدر بمعنى المنصوب، وقرأ الحسن البصري: نُصُبٍ بضم النون والصاد وهو الصنم، أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النُّصُب إذا عاينوه.
يُوفِضُونَ يبتدرون أيهم يستلمه أول، وهذا مروي عن مجاهد، ويحيى بن أبي كثير، ومسلم البطين، وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس، وأبي صالح، وعاصم بن بهدلة وابن زيد، وغيرهم".
هنا قوله - تبارك وتعالى -: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ، الْأَجْدَاثِ يعني القبور.
سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ يعني يسرعون إلى موضع الحساب هنا قال: لموقف الحساب ينهضون سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: إلى عَلَم يسعون، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله - يعني كأنهم يسرعون إلى شيء منصوب لهم، هذا معنى علم، شيء منصوب، نُصبَ لهم، فهم يسرعون إليه، فقراءة الجمهور بفتح النون وسكون الصاد: "نَصْب"، وقراءة ابن عامر وحفص بضم النون والصاد: "نُصُب".
والنُّصُب: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يقال: لما نُصبَ فعبد من دون الله - تبارك وتعالى - فهذا النُّصْب، وكذلك النُّصُب، والجمع الأنصاب، فمثل هذا يختلف العلماء في محمله فيما يتصل بكونه جمع نُصُب، يقول: الأنصاب جمع نُصُب، وهو جمع الجمع، نُصُب جمع، وأنصاب جمع الجمع.
وبعضهم يقول: إن النُّصُب جمع نصاب وهو الحجر، أو الصنم الذي يذبح عليه، ومنه قول الله - تبارك وتعالى -: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3].
وبعضهم يقول: كل ذلك بمعنى واحد، بحركاته المتنوعة: نَصْب، ونُصُب كما يقول النحاس - رحمه الله -: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ إلى غاية، وما يَنصب الإنسان إليه بصره يقال له ذلك أيضًا، فما نُصب للإنسان من راية، أو موضع أيْ علم، شيء منصوب إلى شيء وضع لهم، يُدعون إليه كعلم، ونحوه، أو راية تنصب لهم، فيسرعون إليها، فهذا: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ، بعض السلف كالحسن يقول: كانوا إذا طلعت الشمس ابتدروا إلى أصنامهم يتمسحون بها، يعبدونها من دون الله - تبارك وتعالى -، لا يلوي آخرهم على أولهم.
والمقصود: أن هؤلاء يسرعون غاية الإسراع، يُوفِضُونَ الإيفاض هو الإسراع، يخرجون من قبورهم في حال من الإسراع إلى موضع الحساب بهذه الصفة: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ.