الثلاثاء 27 / ذو الحجة / 1446 - 24 / يونيو 2025
وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [سورة المزمل:8] أي أكثِرْ من ذكره، وانقطع إليه، وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك.

قال: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًاهنا ما فسر هذا القدر تحديدًا واذكر اسم ربك قال: أكثِرْ من ذكره، وهذا أقرب ما يكون إلى طريقة السلف في التفسير، حيث إنه لا يراعي كل لفظة فيأتي بما هو على وزانها، ويحلل هذه اللفظة، ويشققها، ثم بعد ذلك يقع في إشكالات، واذكر اسم ربك الله يقول: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ[سورة الأعلى:1] يعني سبح ربك ذاكرًا اسمه، أو نزه اسمه؛ هذا المقصود، هل المقصود تنزيه الله أو تنزيه الاسم؟ سبح اسم ربك، وهنا: واذكر اسم ربك، بعضهم يقول: هذا في ابتداء الصلاة المقصود وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ أي في ابتداء صلاتك، وبعضهم يقول: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ هو أمر بدعائه بأسمائه الحسنى وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[سورة الأعراف:180]، واذكر اسم ربك أي إذا أردت أن تدعو فادع ربك ذاكرًا اسمه، قل: يا رب، يا الله، يا رحمن، و"اسم" هنا مفرد مضاف،"اسم ربك"، والمفرد إذا أضيف فإن الإضافة تكسبه العموم، كأنه قال: واذكر أسماء ربك في استفتاح الصلاة عند الدعاء، والإنسان يدعو أو غير ذلك من المعاني، كقول بعضهم: دُم على ذكره ليلًا ونهارًا، مثل قول ابن كثير هنا: أكثِرْ من ذكره، أو يكون المقصود: واذكر اسم ربك المراد الذكر بمعنى الاستحضار الذي ينافي الغفلة في مقامات الوعد والوعيد، أي يكون القلب حاضرًا ذاكرًا لله غير غافل، فهو في مقامات يرجو ما عند الله، ويحتسب في أعماله الصالحة، وفي مقامات يتذكر عذاب الله فيرعوي، ويكف عما لا يليق، وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ فالله لم يحدد لونًا من ألوان الذكر، وإنما قال: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ فيدخل فيه الإكثار من اللهج بذكر اسمه وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ، وقد يدخل فيه أيضاً تنزيه هذا الاسم، وتنزيه المسمى به ، ودعاؤه، فيكون ذكر الله جاريًا على لسانه: سبحان الله، لا إله إلا الله، الحمد لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا كله من ذكر اسم الرب ، وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا تبتل تبتُّلًا أو تبتيلًا؟ إذا أردت أن تذكر المصدر فإنك تقول: تبتل تبتُّلًا، لكنه عدل عنه هنا قال: وتبتل إليه تبتيلًا، وأصل التبتُّل الانقطاع، ومنه مريم البتول - رحمها الله - إما لأنها منقطعة عن نظائرها من نساء العالمين ليس لها نظير، وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ[سورة آل عمران:42]، أو لأنها منقطعة عن الأزواج، أو لأنها منقطعة لعبادة الله  كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً[سورة آل عمران:37]، والمقصود بالمحراب مكان العبادة، فالتبتُّل معناه الانقطاع، نهى النبي ﷺ مثلًا عن التبتل يعني الانقطاع عن الدنيا بترك التزوج، وما أشبه ذلك.

وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا كلمة "تبتيلًا" على وزن تفعيلا تدل على الكثرة، فذكر الفعل "تبتل" ليدل على التعمل، والتدرج، وربما التكلف، وتبتيلًا يدل على المبالغة، فعبر بهذا وهذا، بالفعل وبهذه الصيغة من المصادر تبتيلًا الدالة على الكثرة.

قال تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ[سورة الشرح:7] أي: إذا فرغت من أشغالك فانصب في طاعته، وعبادته؛ لتكون فارغ البال، قاله ابن زيد بمعناه أو قريب منه، قال ابن عباس، ومجاهد، وأبو صالح، وعطية، والضحاك، والسدي: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا أي أخلص له العبادة.

فسر التبتيل هنا بمعنى الإخلاص، وهذا لا إشكال فيه؛ لأنه إذا كان مخلصًا فمعناه أنه لا يلتفت لغير الله ، وإنما ينحصر قصده، ووجهته في طلب مرضاة الله ، فينقطع عن غيره، هذا وجه تفسيره بالإخلاص، فلا إشكال فيه تبتل إليه تبتيلًا: انقطع لعبادته.

وقال الحسن: "اجتهد، وأبْتِلْ إليه نفسك".

وأبتلْ إليه نفسك يعني انقطع لعبادته، حينما نقول: التبتل، والبتل، وما أشبه ذلك يدل على الانقطاع لا نقصد الانقطاع بمعنى الإبانة، والبتر، إنما الانقطاع معناه أنه يداوم على هذا، ويستمر، ولا يلتفت إلى شيء آخر، أي يعتكف على تحقيق هذا المعنى، هذا معنى الانقطاع، وليس معناه ما قد يتوهم، ولا زال الناس يستعملون مثل هذا المعنى إلى اليوم، أنت إذا أردت أن تصف للإنسان طريقًا، وأن يستمر عليه تقول له: بَتِّل أي لا تلتفت، ولا تتوقف، ولا تنحرف يمنة؛ ولا يسرة، وإذا أراد الدوام قال: بَتْلة يعني دائمًا، هذا مستعمل، فهذا المقصود بالانقطاع، يقولون: انقطعَ لهذا العمل بمعنى أنه كرس جهده فيه، فلان منقطع لعبادة الله أي مشمر فيها، ومستمر.

ومنه الحديث المروي: نهي عن التبتُّل يعني الانقطاع إلى العبادة، وترك التزوج.