الإثنين 24 / جمادى الآخرة / 1447 - 15 / ديسمبر 2025
لَا تُبْقِى وَلَا تَذَرُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ [سورة المدثر:28] أي: تأكل لحومهم، وعروقهم، وعَصَبهم، وجلودهم، ثم تُبدل غير ذلك".

لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ معروف أن أهل النار لا يموتون فيها، فـ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لا يفهم منها أنهم يصيرون إلى العدم، وأن النار تفنيهم، الله أخبر أنه: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا [سورة النساء:56] فكلام الحافظ ابن كثير في غاية الدقة، هذا الموطن موطن إشكال عند بعض المفسرين، سؤال يطرح لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ معناها أنها تفنيهم، لا يبقى منهم شيء، ومعلوم أنهم في النار يعذبون أبداً؛ فكيف يجاب عن هذا السؤال؟

عبارة الحافظ ابن كثير فيها الجواب: لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ أي: أنها تحرقهم، تحرق العصب، والعظم، واللحم، ولا تبقي من ذلك شيئاً، لكنه يجدد، كلما أحرقت شيئاً وأتلفته جُدد ذلك لصاحبه، فيعذب هكذا دائماً، وإلا فهي تحطم كل شيء، حُطَمة وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ۝ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ۝ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ۝ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ [سورة الهمزة:5-8] تتوقد عليهم، فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ [سورة الهمزة:9] فقوله: لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ الجواب عنه: أن النار تحطمهم، وتحرقهم، ثم بعد ذلك يحصل لهم تجدد في الجلود وغيرها لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ مثلما يقال: لا يترك له شاردة، ولا واردة، فكثير من أهل العلم يقولون: هذا للتوكيد لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ، وبعضهم يقول: لا تبقي شيئاً من أبشارهم، أو جلودهم أو كذا، ولا تذر شيئاً من أبعاضهم، وأجزائهم؛ إلا أحرقته، فهذا أسلوب عربي معروف يراد به أنها تأتي عليهم بحيث لا يَبقى لهم شيء إلا أحرقته، هذا المراد لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ.

"وهم في ذلك لا يموتون، ولا يحيَوْن، قاله ابن بريدة وأبو سنان وغيرهما".