السبت 28 / صفر / 1447 - 23 / أغسطس 2025
وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُوا۟ جَنَّةً وَحَرِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى:وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا[سورة الإنسان:13] أي: بسبب صبرهم أعطاهم ونَوّلهم وبوّأهم جَنَّةً وَحَرِيرًاأي: منزلا رحباً، وعيشا رَغَدًا، ولباسًا حَسَنًا.

وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الدّاراني قال: قرئ على أبي سليمان الداراني سورة:هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ فلما بلغ القارئ إلى قوله:وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا قال: بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا.

هذا كله على ترك الشهوات وعلى فعل الطاعات، والصبر على أقدار الله المؤلمة، فلم يحصل لهم الجزع والتسخط، إنما رضوا بما قدر الله عليهم، و تفسير ذلك بالشهوات يمكن أن يخرج باعتبار أن شهوة الإنسان هي ما يميل إليه بطبعه، ولا شك أن النفس تميل إلى الجزع في حال المصيبة، وتميل إلى الدعة، فيكون ذلك سبباً لترك الطاعة، فإن الداعي إلى ذلك كله إنما هو الهوى الذي يتجارى في نفس الإنسان، ولذلك هنا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا يفسر بذلك كله، يقال:وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواعلى الطاعة، حبسوا النفس على طاعة الله ، وهذا فيه مشقة من جهات عدة، وصبروا على ترك المعصية، وصبروا على ما يقع أيضاً من الأكدار والنصَب فهي دار الكبد، مكابدة،لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [سورة البلد:4]، من كان يظن أنها محل للراحة فهو مخطئ، ومن طال عمره كثرت أحزانه، فالمقصود أنه هنا ذكر الجزاء وأضافه إلى هذا السبب وهو أنهم بسبب صبرهم جازاهم هذا الجزاء، فهم صبروا وفطموا النفوس عن مطلوباتها وأهوائها وشهواتها ومحبوباتها، ضيقوا عليها في الدنيا فأفضى بهم ذلك إلى سعة الآخرة،الدنيا سجن المؤمن[1]، فحبسوا النفوس عن الأهواء، فحصل لهم هذا الانفراج في الآخرة فعوضهم الله من سعة الجنة وبردها ونعيمها وألوان اللذات التي فطموا النفوس عنها في الدنيا بما لا يقارن ألبته بلذات هذه الدنيا الفانية المنغصة.

وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا[سورة الإنسان:12]، الجنة تدل على السعة والبرودة، والإمام الزهري حينما زوج غلاماً له لقيه في الغداة وهو ذاهب إلى صلاة الفجر فقال: كيف وجدت أهلك؟ قال: جنة، وجدتها جنة، قال: الحمد لله، فيقول الإمام أحمد -رحمه الله-: فتلطفت به؛ لأبين له المراد، معناها أنها ما لاءمته؛ لأن الجنة تعني السعة والبرودة، وذلك من الصفات المذمومة في معاشرة النساء، وإنما يطلب الضيق والحرارة-السخونة-، فالمقصود أن الجنة تدل على السعة والبرودة، فَهُم الصبر يورث لهم شيئاً من الخشونة والضيق، فأفضى ذلك بهم إلى السعة ولين العيش،جَنَّةً وَحَرِيرًا، الجزاء من جنس العمل.

  1. رواه مسلم، في أوائل كتاب الزهد والرقائق، برقم (2956).