الأحد 29 / صفر / 1447 - 24 / أغسطس 2025
يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُۥ مُسْتَطِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله:يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا أي: يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر.

هذا المعنى الذي مشى عليه ابن كثير -رحمه الله- بناء على أن أصل النذر بمعنى الوجوب أو الإيجاب، فالواجبات على المكلفين منها ما وجب ابتداءً أوجبه الشارع عليه، ومنها ما أوجبه المكلف على نفسه على سبيل التقرب إلى الله ، فهذا هو النذر المعروف، فهنا ابن كثير -رحمه الله- حمل قوله تعالى:يُوفُونَ بِالنَّذْرِ على الأمرين معاً، ما أوجبه الشارع ابتداءً مثل: الصلاة والزكاة...، يوفون به أي يؤدونه ويأتون به على مراد الله ، وكذلك ما أوجبوه هم على أنفسهم، يعني يأتون بالواجبات، هذا معنى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ على قول ابن كثير، وهذا قال به طائفة من السلف ، والقول الآخر: هو حمْله على ظاهره المتبادر، وذلك أن لفظة النذر لفظة شرعية لا تفسر بمجرد المعنى اللغوي، والألفاظ الشرعية إنما تحمل على المعاني الشرعية، فإن لم يوجد فالعرفية، فإن لم يوجد فاللغوية، بهذا الترتيب، وهذا معروف في أصول الفقه، وبالتالي فإن قوله تعالى:يُوفُونَ بِالنَّذْرِالنذر له معنى شرعي أوفِ بنذرك[1]، حينما سئل النبي ﷺ: نذرتُ، مباشرة أجابه بهذا الجواب، فالمقصود أنه له معنى شرعي وهو إيجاب المكلف على نفسه طاعة يتقرب بها إلى الله من غير إيجاب الشارع ابتداءً، هو الذي أوجب هذا على نفسه، لا يجب عليه، فهنا يُوفُونَ بِالنَّذْرِتحمل على ظاهرها المتبادر وعلى المعنى الشرعي، ولا تحمل على المعنى اللغوي ولها معنى شرعي، إنما تحمل ويرجع فيها إلى المعنى اللغوي حيث لا يوجد المعنى الشرعي ولا العرفي، يعني عرف المخاطبين وقت نزول القرآن ليس الآن، فهذه بما أن لها معنى شرعياً إذن تفسر به، فيقال:يُوفُونَ بِالنَّذْرِمدحهم على الوفاء بالنذر، ولهذا يقال: الوفاء بالنذر أمر واجب ويمدح عليه الإنسان، مع أن إنشاء النذر أمر مكروه، إنما يستخرج به من البخيل[2].

قال الإمام مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن مالك عن عائشة -ا- أن رسول الله ﷺ قال:من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يَعصي الله فلا يَعْصِه[3]، رواه البخاري من حديث مالك.

ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد، وهو اليوم الذي شره مستطير، أي: منتشر عام على الناس إلا من رحم الله.

قال ابن عباس -ا-: فاشيًا، وقال قتادة: استطار والله شرّ ذلك اليوم حتى مَلأ السماوات والأرض.

المستطير بمعنى المنتشر، شره مستطير أي شره عام منتشر، لا يمكن أن يتخلص منه إلا من خلصه الله ، ونسب الشر إلى اليوم ولا إشكال في هذا، والمقصود أن اليوم ظرف من الظروف، وإنما تقع فيه هذه الأهوال والأوجال، ولهذا جاءفَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا[سورة المزمل:17]،وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ[سورة البقرة:281]، مع أن اليوم ظرف لا يُتقى، ولكن هذا أسلوب عربي معروف، والمقصود اتقوا أوجال يوم، اتقوا أهوال يوم، فهذا اليوم شره مستطير أي الشر الواقع فيه كذلك.

  1. رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم، برقم (2043).
  2. رواه البخاري، كتاب القدر، باب إلقاء النذر العبد إلى القدر، برقم (6608)، وبرقم (6692) في كتاب الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر، ومسلم، كتاب النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يردّ شيئا، برقم (1639).
  3. رواه أبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية، برقم (3289)، والنسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة، برقم (3806)، والترمذي، كتاب النذور والأيمان عن ﷺ، باب من نذر أن يطيع الله فليطعه، برقم (1526)، وابن ماجه، كتاب الكفارات، باب النذر في المعصية، برقم (2126)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (479)، وفي إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/ 214)، برقم (2589).