إذا جاءت الطامة الكبرى، يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى، ذلك اليوم يوم القيامة الذي هو يوم الطامة الكبرى، هو اليوم الذي يتذكر الإنسان فيه عمله، إن خيراً فخير، وإن شرا فشر.
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى جنس الإنسان، كل الناس ينظر فيما عمل، وما قدَّم، وهنا عُبر بالسعي، وقد مضى أن السعي يقال للعمل، وسواءً كان ذلك العمل بطاعة الله، أو العمل بمعصيته، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى [النازعات: 22، 23]، وهو يدل على المبادرة، والله يقول: وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [النجم: 40] يعني: عمله، فهنا يتذكر ما سعى، يبدأ يعيد الأعمال، ويراجع سعيه، وما صدر عنه، فمثل هذا يحتاج من العبد إلى تذكر قبل ذلك اليوم من أجل أن لا تتحقق خسارته، فيندم، ولا ينفعه عندها الندم، كل أحد سيتذكر في ذلك اليوم ما سعى، إذن فليقدم بين يدي هذا السعي في الدنيا حساباً، وليقدم أيضاً معه، وبعده حساباً، فيكون الحساب قبل العمل، وفي أثنائه، وبعده، قبل العمل بالنظر في الوجهة، وموضع هذا العمل هل هو من محابّ الله، أو من مساخطه؟ ومعه فهو يلاحظ استصحاب النية الصحيحة كي لا تتحول، مع النظر المستمر الدائم في ملاحظة هذا العمل أن يأتي به على الوجه المشروع، وليس القضية أن يؤدي الإنسان ِأي عمل، وإنما كيف عَمِل؟ كيف أدى هذه الأعمال والعبادات؟ والله يقول: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2]، ما قال: أيكم أكثر عملاً، فإذا قرأ القرآن قبل أن يقرأ يكون له محاسبة، وأثناء القراءة يكون له محاسبة، هل هذه القراءة على الوجه المطلوب؟ وهل هو مستصحب للنية الصالحة فيها؟ وكذلك أيضاً بعد العمل من صلاة وغير ذلك، هل هذا العمل جاء على الوجه المشروع؟ هل هذا العمل يقربني إلى الله، أو أنه يحتاج إلى توبة؟ ولهذا الإنسان يستغفر بعد الصلاة، وبعدما يقضي النسك، فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة: 200]، هذه مقامات للذكر، والمراجعة، والإخبات بعد العمل، لا أن يبقى في غفلة تامة، فإذا وافَى القيامة عند ذلك نظر في عمله فتذكر ما قدَّم وأخَّر، ثم بعد ذلك يندم، فهذه الأنفاس هي خزائن للأعمال، وسيجد الإنسان خزائن كثيرة فارغة ما استغلها بشيء يعود عليه بطائلة، وهناك خزائن فيها أعمال قد تكون ناقصة، وهناك خزائن مليئة باللغو، وما لا فائدة فيه، وهناك خزائن مليئة بالشرور، والمعاصي، وبعضها في أثواب طاعات، وصور قربات، يعني عبادات لم يكن له فيها نية، أو لم يأتِ بها على الوجه المطلوب المشروع فرُدّت، وكل هذا يكون في كفة السيئات.