وروى الحافظ أبو يعلى عن علي قال: "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله ﷺ يصلي تحت شجرة ويبكي حتى أصبح"[1].
وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: "النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة من الشيطان"[2].
وقال قتادة: النعاس في الرأس، والنوم في القلب، قلت: أما النعاس فقد أصابهم يوم أحد، وأمر ذلك مشهور جداً، وأما الآية الشريفة إنما هي في سياق قصة بدر، وهي دالة على وقوع ذلك أيضاً، وكأن ذلك كائن للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر الله، وهذا من فضل الله ورحمته بهم ونعمته عليهم، وكما قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [سورة الشرح:5-6]، ولهذا جاء في الصحيح أن رسول الله ﷺ لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق وهما يدعوان أخذت رسول الله ﷺ سنة من النوم، ثم استيقظ مبتسماً فقال: أبشر يا أبا بكر فهذا جبريل على ثنايا النقع..[3]، ثم خرج من باب العريش وهو يتلو قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [سورة القمر:45].
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى - : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ [سورة الأنفال:11] وفي قراءة ابن كثير وأبي عمرو إذ يغشاكم النعاسُ وعلى هذه القراءة يكون النعاس فاعل.
أما قراءة إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ، أي: أن الله يعشيكم النعاس، وقد نقل عن قتادة – رحمه الله - أن النعاس في الرأس والنوم في القلب، والنعاس هو مقدمة النوم وما يعتري الإنسان من الضعف الطبيعي بحيث لا يغيب عن الإدراك بالكلية، ومن أهل العلم من يقول: السِّنة في الرأس والنعاس في العين، والنوم في القلب.
وفي حالة الحرب والخوف يذهب النوم من الإنسان من شدة الفزع، لكن الله – تبارك وتعالى - نزَّل على عباده المؤمنين النعاس أمنة منه فحصل لهم بذلك طمأنينة القلب وارتفاع عوارض الخوف والفزع، وحصل لهم راحة الجسد.
فالنعاس في الحرب أمنة من الله، وفي الصلاة من الشيطان، وقد قال بعض السلف فيمن ينام في مجالس العلم: ذاك حمار في مسلاخ إنسان.
قال: "وهم تحت الحجف"، الحجف هي تروس يستظلون بها من المطر.
وقوله: لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ [سورة الأنفال:11]، أي: من حدث أصغر أو أكبر، وهو تطهير الظاهر، وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ [سورة الأنفال:11] أي: من وسوسة وخاطر سيئ، وهو تطهير الباطن، كما قال تعالى في حق أهل الجنة: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا [سورة الإنسان:21] فهذا زينة الظاهر، وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا [سورة الإنسان:21] أي: مطهراً لما كان من غل أو حسد أو تباغض وهو زينة الباطن وطهارته، وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ [سورة الأنفال:11] أي: بالصبر والإقدام على مجالدة الأعداء وهو شجاعة الباطن، وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [سورة الأنفال:11] وهو شجاعة الظاهر، والله أعلم.
قوله: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [سورة الأنفال:11] ذكرت هذه الآية فوائد نزول المطر على المجاهدين، فقوله: لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ أي: الطهارة من الجنابة، فقد أجنب بعض الصحابة فاحتاجوا إلى الماء، فوسوس إليهم الشيطان، كيف تزعمون أنكم على حق ولم تجدوا الماء؟ وكيف تلقون عدوكم غداً على غير طهارة؟
قال – تبارك وتعالى - : وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ [سورة الأنفال:11] أصل الرجز العذاب، فالشيطان يلقي الوساوس والخواطر وهي تزعج الإنسان وتقلقه ويصل الأمر بالبعض إلى حد أنهم يتمنون الخلاص من هذه الحياة، لشدة ما يجد، ومن الناس من يجلس من صلاة العصر إلى آذان المغرب في دورة المياه يعيد الوضوء، وبعضهم وصل به الأمر إلى حالات انهيار وبكاء، فهم في عذاب وشقاء بسبب الشيطان.
قوله : وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ [سورة الأنفال:11] أي: ترتفع عنهم خواطر السوء، وتطمئن القلوب ويربط عليها حتى يصير الثبات غالباً ومهيمناً عليها، ولهذا عبر بعلى ولم يقل: وليربط قلوبكم.
قال: وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [سورة الأنفال:11] الضمير يرجع إلى المطر الذي نزل، مع أنه يحتمل أنه يرجع إلى أقرب مذكور، ويكون المعنى الربط على القلوب يكون سبباً لتثبيت الأقدام، وذلك أن القلب إذا حصل له الثبات ثبت القدم في أرض المعركة فلا ينهزم الإنسان، وإنما ينهزم لضعف قلبه، وغلبة دواعي الخوف عليه، والراجح – والله أعلم - أن الضمير يرجع إلى المطر فقد كان سبباً في تثبيت الأقدام في ساحة القتال.
- رواه الإمام أحمد (1/125) ، برقم (1023) وأبو يعلى (1/242)، برقم (280)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة، باب إباحة بكاء المرء في صلاته إذا لم يكن ذلك لأسباب الدنيا (6/32)، برقم (2257)، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الدليل على أن البكاء في الصلاة لا يقطع الصلاة مع إباحة البكاء في الصلاة (2/52)، برقم (899).
- رواه الطبراني في المعجم الكبير (9 / 288)، برقم (9451)، وعبد الرزاق في مصنفه (2 / 499)، برقم (4219).
- دلائل النبوة، للبيهقى (3 / 54)، ورواه البخاري من حديث ابن عباس - ا - قال: قال النبي ﷺ يوم أحد هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب رواه البخاري، كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدرا (4/1468)، برقم (3773) .