وقوله: وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ هذا من علمه - تبارك وتعالى - للغيب، وهي كقوله: لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [سورة التوبة:47]، وقال أيضاً عن المنافقين الذين تولوا اليهود، ووعدوهم بالنصر، أو أن يتحد مصيرهم بمصيرهم، فإذا أُخرجوا خرجوا معهم قال: لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ [سورة الحشر:12]، فعلم ما سيكون، والحال التي يكونون عليها لو حصل أمر آخر غير ما وقع، وقال: وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ، فهم يسمعون القرآن، ويسمعون دعوة النبي ﷺ؛ ولكن لا يسمعون سماع فهم، فهم لا يفقهون عن الله ، وكما قال الله في مواضع عن المنافقين مثلاً وحالهم إذا سمعوا الوحي والقرآن، وما ينزل على النبي ﷺ يخرجون ويقولون: مَاذَا قَالَ آنِفًا [سورة محمد:16]، وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ أي: لأفهمهم، ثم قال: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ أي: أفهمهم لتولوا عن ذلك قصداً، وعناداً، بعد فهمهم، فهم لا يفقهون، ولو أنهم سمعوا سماع تفهم لما حصل لهم الإيمان لفساد قصدهم، فجمعوا بين عدم الفقه والفهم عن الله - تبارك وتعالى -، وفساد القصد، ومن كان بهذه المثابة - أي يجمع بين هذين الأمرين: لا علم له، ولا فهم، وليس له قصد صحيح إنما قصده فاسد - فقد جمع بين أصْلَي الضلال، فهذا مهما جاءته من الحجج، والبينات، والبراهين؛ لا يمكن أن يؤمن.