الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَٱذْكُرُوٓا۟ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى ٱلْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

المصباح المنير المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة الأنفال:26].
ينبه تعالى عباده المؤمنين على نعمه عليهم وإحسانه إليهم، حيث كانوا قليلين فكثرهم، ومستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم، وفقراء عالة فرزقهم من الطيبات واستشكرهم، فأطاعوه وامتثلوا جميع ما أمرهم، وهذا كان حال المؤمنين حال مقامهم بمكة قليلين مستخفين مضطهدين يخافون أن يتخطفهم الناس من سائر بلاد الله، من مشرك ومجوسي ورومي، كلهم أعداء لهم لقلتهم وعدم قوتهم، فلم يزل ذلك دأبهم حتى أذن الله لهم في الهجرة إلى المدينة، فآواهم إليها وقيض لهم أهلها آووا ونصروا يوم بدر وغيره، وواسوا بأموالهم وبذلوا مهجهم في طاعة الله وطاعة رسولهﷺ.


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى -: وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة الأنفال:26] يمتن الله على عباده وكأنه يقول لهم: لماذا لا تنفرون لقتال عدوكم والله قد أنعم عليكم وفعل بكم ما فعل مع قلتكم وضعفكم فقواكم وأيدكم بنصره وآواكم؟، ومعنى يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ الخطف: هو الأخذ السريع، وقد حمل العلامة ابن كثير – رحمه الله - الناس على الأمم من فارس والروم وغيرهم، وقال ابن جرير - رحمه الله - : إن المؤمنين بمكة حينما كانوا خائفين لم يكن خوفهم من فارس والروم وإنما كان خوفهم من المشركين الذين كانوا يوجهون إليهم ألوان الأذى في سبيل الله.
قوله: فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ الإيواء هو الضم، والمعنى ضمكم إلى المدينة، وهذا لا ينافي قول من قال: ضمكم إلى الأنصار، فإن الأنصار كانوا بالمدينة.
قوله: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: من أجل أن تشكروا الله على هذا الإنعام.

قال قتادة بن دعامة السدوسي - رحمه الله - في قوله تعالى: وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ [سورة الأنفال:26] قال: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً وأشقاه عيشاً، وأجوعه بطوناً وأعراه جلوداً وأبينه ضلالاً، من عاش منهم عاش شقياً، ومن مات منهم ردي في النار يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلاً منهم، حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا الله على نعمه فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله.

كانت الفرس تسمي العرب ذباب الصحراء، ولما جاء الإسلام أعز الله من آمن به، وفي خلال عشرين سنة وصلت جيوش أهل الإسلام إلى حدود الصين، ولما تخلوا عن دينهم – إلا من رحم الله - صاروا أحط الأمم، وأضعف الناس في كل المجالات، وأصبحت دويلة إسرائيل تفوق الدول العربية بألف ضعف في مجال البحث العلمي والاختراعات، ومتوسط الدخل للفرد الواحد فيها ثمانية عشر ألف دولار، أما في البلاد العربية فمتوسط دخل الفرد حوالي ألفين وخمسمائة.
 
 

مرات الإستماع: 0

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة يونس:26}، يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح الحسنى في الدار الآخرة، كقوله تعالى: هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [سورة الرحمن:60].

يخبر تعالى أن من أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح لهم الحسنى في الدار الآخرة، والحسنى هي الجنة.
وقال بعض أهل العلم: الحسنى هي المثوبة الحسنة، وهي وصف لمقدر محذوف، لكن الأصل عدم التقدير، مهما أمكن الاستغناء عن التقدير فهو أولى منه، والقاعدة أن الكلام إذا دار بين الاستقلال والإضمار فالأصل فيه الاستقلال، وأكثر السلف على أن الحسنى هي الجنة.
وقوله: وَزِيَادَةٌ هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة على ذلك أيضاً، ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته.

وقد رُوي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الكريم عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس ، وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن سابط ومجاهد وعكرمة وعامر بن سعد وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم من السلف والخلف، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد عن صهيب : أن رسول الله ﷺ تلا هذه الآية: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وقال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو، ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويخرجنا من النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه فو الله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم[1]، وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة.
قول ابن كثير – رحمه الله - في الزيادة: "هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة على ذلك أيضاً..." هذا قول لبعض السلف.
وقال بعض أهل العلم: الحسنى هي لؤلؤة لها أربعة أبواب مجوفة، فقال هنا: ما يعطيهم من هذا النعيم.
قال: "والرضا عنهم" يعني الزيادة هي الرضا عن أهل الإيمان لحديث أبي سعيد الخدري : أن النبي ﷺ قال: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟، فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا[2]، وقال : وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [سورة التوبة:72].
قال: "وما أخفاه لهم من قرة أعين وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته" وهذا القول جمع المعاني التي ذكرها السلف، وهو وجه حسن من التفسير، لكن الذي عليه كثير من علماء أهل السنة أن الزيادة المراد بها النظر إلى وجه الله – تبارك وتعالى - لأن الله عطف الزيادة على الجنة، والنعيم والقصر المجوف من لؤلؤ كله من الجنة، فدل على أن الزيادة أمر زائد على نعيم الجنة، ويدل على هذا المعنى ما ورد من تفسير النبي ﷺ للزيادة بأنها النظر إلى وجه الله تعالى.
وقوله تعالى: وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ [سورة يونس:26] أي: قتام وسواد في عرصات المحشر، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة.
وَلاَ ذِلَّةٌ [سورة يونس:26]، أي: هوان وصغار، أي لا يحصل لهم إهانة في الباطن ولا في الظاهر، بل هم كما قال تعالى في حقهم: فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [سورة الإنسان:11]، أي: نضرة في وجوههم وسروراً في قلوبهم، جعلنا الله منهم بفضله ورحمته آمين.


قوله: وَلاَ يَرْهَقُ أي: لا يلحق، وقال بعضهم: وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ أي: لا يغشى وجوههم.
وقال ابن كثير – رحمه الله - في القَتر: "أي: القتام والسواد" وبعضهم فسر القتم بالكآبة، وفسره البعض: بدخان النار، والأقرب – والله أعلم - في معنى قوله: وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ أي: سواد يعلوها.
وقول ابن كثير: "في عرصات المحشر" يعني أن الكفار والمجرمين يحشرون ويعرضون على النار تغشاهم الكآبة، ويكونون في حال من الخشوع، كما قال – تبارك وتعالى -: خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ [سورة الشورى:45]، وقال – سبحانه -: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة آل عمران:106-107].

  1. رواه أحمد (31 / 270)، برقم (18941).
  2. رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدا (4 /2176)، برقم (2829).