ينبه تعالى عباده المؤمنين على نعمه عليهم وإحسانه إليهم، حيث كانوا قليلين فكثرهم، ومستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم، وفقراء عالة فرزقهم من الطيبات واستشكرهم، فأطاعوه وامتثلوا جميع ما أمرهم، وهذا كان حال المؤمنين حال مقامهم بمكة قليلين مستخفين مضطهدين يخافون أن يتخطفهم الناس من سائر بلاد الله، من مشرك ومجوسي ورومي، كلهم أعداء لهم لقلتهم وعدم قوتهم، فلم يزل ذلك دأبهم حتى أذن الله لهم في الهجرة إلى المدينة، فآواهم إليها وقيض لهم أهلها آووا ونصروا يوم بدر وغيره، وواسوا بأموالهم وبذلوا مهجهم في طاعة الله وطاعة رسولهﷺ.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى -: وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة الأنفال:26] يمتن الله على عباده وكأنه يقول لهم: لماذا لا تنفرون لقتال عدوكم والله قد أنعم عليكم وفعل بكم ما فعل مع قلتكم وضعفكم فقواكم وأيدكم بنصره وآواكم؟، ومعنى يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ الخطف: هو الأخذ السريع، وقد حمل العلامة ابن كثير – رحمه الله - الناس على الأمم من فارس والروم وغيرهم، وقال ابن جرير - رحمه الله - : إن المؤمنين بمكة حينما كانوا خائفين لم يكن خوفهم من فارس والروم وإنما كان خوفهم من المشركين الذين كانوا يوجهون إليهم ألوان الأذى في سبيل الله.
قوله: فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ الإيواء هو الضم، والمعنى ضمكم إلى المدينة، وهذا لا ينافي قول من قال: ضمكم إلى الأنصار، فإن الأنصار كانوا بالمدينة.
قوله: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: من أجل أن تشكروا الله على هذا الإنعام.
كانت الفرس تسمي العرب ذباب الصحراء، ولما جاء الإسلام أعز الله من آمن به، وفي خلال عشرين سنة وصلت جيوش أهل الإسلام إلى حدود الصين، ولما تخلوا عن دينهم – إلا من رحم الله - صاروا أحط الأمم، وأضعف الناس في كل المجالات، وأصبحت دويلة إسرائيل تفوق الدول العربية بألف ضعف في مجال البحث العلمي والاختراعات، ومتوسط الدخل للفرد الواحد فيها ثمانية عشر ألف دولار، أما في البلاد العربية فمتوسط دخل الفرد حوالي ألفين وخمسمائة.