الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [سورة الأنفال:29] قال ابن عباس - ا - والسدي ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة   ومقاتل بن حيان وغير واحد: فُرْقَاناً مخرجاً، زاد مجاهد: في الدنيا والآخرة.
وفي رواية عن ابن عباس - ا - : فُرْقَاناً نجاة، وفي رواية عنه: نصراً.
وقال محمد بن إسحاق: فُرْقَاناً أي: فصلاً بين الحق والباطل، وهذا التفسير من ابن إسحاق أعم مما تقدم، وهو يستلزم ذلك كله، فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وُفق لفعل الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا، وسعادته يوم القيامة، وتكفير ذنوبه - وهو محوها - وغفرها - سترها عن الناس - ، وسبباً لنيل ثواب الله الجزيل، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة الحديد:28].


الجمع بين الأقوال من أحسن ما يكون في التفسير ولا حاجة إلى الترجيح بين الأقوال المذكورة في معنى قوله: فُرْقَاناً، فقد قيل: النصر، وقيل: النجاة، وقيل: الفصل بين الحق والباطل، مع أن أقرب الأقوال القول بأن معنى فُرْقَاناً الفصل بين الحق والباطل، فإنه موافق للسياق، ويدل عليه بعض الآيات في القرآن الكريم، كقوله – تبارك وتعالى- : وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة الأنفال:41] فقيل لغزوة بدر: يوم الفرقان؛ لأنها فرقت بين الحق والباطل، وكقوله تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [سورة الفرقان:1].
وقد جمع العلامة ابن كثير – رحمه الله - بين الأقوال المذكورة في معنى قوله – تبارك وتعالى - : يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً بقوله : "وهو يستلزم ذلك كله، فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وُفق لفعل الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا، وسعادته يوم القيامة، وتكفير ذنوبه - وهو محوها -، وغفرها - سترها عن الناس -، وسبباً لنيل ثواب الله الجزيل"
قال : وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [سورة الأنفال:29]، قال بعض أهل العلم في معنى هذه الآية وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ أي: يكفر صغائر الذنوب، وَيَغْفِرْ لَكُمْ أي: يغفر الكبائر.
وقال بعض أهل العلم: وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، أي: يكفر الذنوب التي تقدمت ومضت، وَيَغْفِرْ لَكُمْ أي: ما سيأتي من الذنوب والمعاصي.
 ويمكن أن تفسر هذه الآية بالرجوع إلى أصل المعنى اللغوي، وهذا الذي مشى عليه كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله - فقال: وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ أي: يمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بينكم وبينه، وَيَغْفِرْ لَكُمْ​​​​​​​ يغطيها فيسترها عليكم، فلا يؤاخذكم بها.