يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين، والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم.
قال الشعبي: "السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية".
وقال أبو موسى الأشعري ، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، والحسن، وقتادة: "هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله ﷺ".
فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين، والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم، أو سَبَّهم، أو أبغض، أو سبَّ بعضهم، ولا سيما سيدُ الصحابة بعد الرسول ﷺ، وخيرهم، وأفضلهم، أعني الصديقَ الأكبر، والخليفة الأعظم؛ أبا بكر بن أبي قحافة ، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة، ويُبغضونهم، ويَسُبُّونهم - عياذًا بالله من ذلك -، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبُّون من ؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن ، ويسبون من سبه الله، ورسوله ﷺ، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهؤلاء هم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون، ولهذا هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون".
فقوله - تبارك وتعالى -: وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ أقوال المفسرين في بيان المراد من وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ متعددة مختلفة فمنهم من قال: هم أهل بدر، ومنهم من قال: من صلى إلى القبلتين، وهنا أيضاً قال: من شهد بيعة الرضوان إلى غير ذلك من الأقاويل المتعددة، وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ يدخل فيهم أهل بدر، ومن صلى إلى القبلتين، ويدخل فيهم أهل بيعة الرضوان، والله يقول: لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ [سورة الحديد:10] وهذا الفتح كثير من أهل العلم يقولون: هو صلح الحديبية، وبعضهم فسره بفتح مكة، ولا شك أن الصحابة على مراتب، فأعظمهم الخلفاء الأربعة، ثم بعد ذلك بقية الستة من العشرة، ثم سائر أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، فهؤلاء هم خيار الصحابة وأفضلهم الذين شهد الله لهم بالرضا لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [سورة الفتح:18]، وهم أفضل وأعلى مرتبة ممن أسلم بعد الفتح، ويدخل في قوله: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ من أسلم بعدهم من الصحابة، ومن جاء بعدهم ممن لم يدرك النبي ﷺ إلى يوم القيامة وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ كما قال الله في سورة الحشر حينما ذكر الطوائف الثلاث: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ [سورة الحشر:8]، ثم بعد ذلك قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ [سورة الحشر:9]، ثم بعد ذلك قال: وَالَّذِينَ جَاءُُوا مِن بَعْدِهِمْ [سورة الحشر:10] يدخل فيها من أسلم بعد ذلك إلى يوم القيامة من العرب وغيرهم، وهكذا قوله - تبارك وتعالى - في سورة الجمعة: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [سورة الجمعة:3] فإن الآخرين في سورة الجمعة منهم من فسره بمن أسلم بعد هذا، ومنهم من فسره بالتابعين، ومنهم من فسره بفارس، قال وهكذا: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قيل: في الفضل والمنزلة، وقيل: لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ يعني في الزمان ما أدركوهم، يأتون من بعدهم، فالشاهد أن هذه الآيات جميعاً تذكر هؤلاء الذين يأتون من بعد المهاجرين، والأنصار - رضي الله تعالى عن الجميع -، وهناك في سورة الحشر وصفهم بأنهم يقولون: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا [سورة الحشر:10]، فهذا يدل على كونهم يدعون لهم، ولا يحملون غلًّا عليهم، ويدل على أنهم على طريقهم، ومنهاجهم، وأنهم يقتفون آثارهم، وكلام أهل العلم في هذا كابن عمر وغير ابن عمر حينما يسمعون رجلاً يتكلم في أصحاب النبي ﷺ يقولون: هل أنت من السابقين الأولين؟ هل أنت من فقراء المهاجرين؟ يقول: لا، هل أنت من: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ الأنصار؟ فيقول: لا، فيقال: وأنا أشهد أنك لست من وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ فمن سب الصحابة ، وعاداهم، وأبغضهم - كالرافضة - فإنه قطعاً ليس على طريقهم، ومنهاجهم، فقوله هنا: رضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ إلى آخر ما تكلم عنها، رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ على ظاهره إثبات صفة الرضا لله ، ولا يصح أن يفسر بمجرد لازمه كأن يقال: جازاهم، وأحسن إليهم، وأثابهم رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ يعني أثابهم، وأجزل لهم المثوبة، وأحسن لهم العاقبة، فرضوا عنه؛ كما جاء في الحديث في الشهداء الذين قتلوا في بئر معونة أنا لقينا ربنا فرضي عنا، وأرضانا، فـ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ هذه قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير تجري من تحتها الأنهار، وبناءً على القول الراجح في الأحرف السبعة وأن عثمان جمع الناس على حرف واحد هو حرف قريش، وأنه أمر الناس حينما كتب في المصاحف أن يقتصروا على القراءة التي بها يقرءون، ويحرقوا ما عداها من صحيفة، ومصحف، فكانوا يقرءون بتلك المصاحف وهي على طريقة الكتابة آنذاك غير منقطة، ولا مشكولة، فدخل في الأحرف السبعة ما يحتمله الرسم العثماني، وهو ما عرف بعد ذلك بالقراءات، وهذه التي في هذا المثال في هذه الآية تَجْرِي تَحْتَهَا وتجري من تحتها هذه كتبها عثمان في مصحف هكذا، وفي مصحف هكذا، وهذا يدل على أنها من حرف قريش، فما كان من حرف قريش كهذه ومثل: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ [سورة النحل:44]، وبالزبور فظاهر هذا يكون كله مرجعه إلى حرف قريش، فكتبها بالمصحف بهذه اللفظة، وباللفظة الأخرى في مصحف آخر.