لما بَيَّن تعالى حال المنافقين المتخلفين عن الغَزَاة رغبة عنها ،وتكذيباً، وشكاً؛ شرع في بيان حال المذنبين الذين تأخروا عن الجهاد كسلاً وميلاً إلى الراحة، مع إيمانهم، وتصديقهم بالحق فقال: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ أي: أقروا بها، واعترفوا فيما بينهم وبين رَبِّهم، ولهم أعمال أُخرَ صالحة، خلطوا هذه بتلك، فهؤلاء تحت عفو الله، وغفرانه.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في أناس معينين إلا أنها عامة في كل المذنبين الخاطئين، المخلِّطين، المتلوثين.
وقال ابن عباس: "وَآخَرُونَ نزلت في أبي لُبابة وجماعة من أصحابه، تخلفوا عن غزوة تبوك، فقال بعضهم: أبو لبابة وخمسة معه، وقيل: وسبعة معه، وقيل: وتسعة معه، فلما رجع النبي ﷺ من غزوته ربطوا أنفسهم بسواري المسجد، وحلفوا لا يحلهم إلا رسول الله ﷺ، فلما أنزل الله هذه الآية: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ أطلقهم النبي ﷺ، وعفا عنهم".
وروى البخاري عن سَمُرَة بن جُنْدَب قال: قال رسول الله ﷺ لنا: أتاني الليلة آتيان فابتعثاني، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلَبِن ذهب، ولَبِن فضة، فتلقانا رجال شَطْرٌ مِن خلقهم كأحسن ما أنت رَاءٍ، وشطْرٌ كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا فَقَعُوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذا منزلك، قالا: أما القوم الذين كانوا شَطْرٌ منهم حَسَن، وشطرٌ منهم قبيح؛ فإنهم خلطوا عملاً صالحًا، وآخر سيئاً؛ فتجاوز الله عنهم[1]، هكذا رواه البخاري مختصرًا، في تفسير هذه الآية.
- رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة التوبة:102]، برقم (4397).