الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۝ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [سورة التوبة:103-104].
أمر الله تعالى رسوله ﷺ بأن يأخُذَ من أموالهم صدقَة يطهرهم، ويزكيهم بها، وهذا عام؛ وإن أعاد بعضُهم الضمير في "أموالهم" إلى الذين اعترفوا بذنوبهم، وخلطوا عملاً صالحًا، وآخر سيئاً".


يعني خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أي من أموال المؤمنين، صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا يعني الزكاة، وبعضهم قال: إن هذا يرجع إلى ما قبله وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً، وهذه الصدقة بعضهم يقول: هي صدقة خاصة يتطهرون بها كما جاء عن كعب بن مالك أنه بذل ماله لرسول الله ﷺ لما تاب الله عليه قال: "إن من توبة الله عليّ أن أنخلع من جميع مالي"[1]، فالشاهد أن تصدقهم يكون له هذا الأثر تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، والضمير "الهاء" في الموضعين تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ قيل: يرجع إلى النبي ﷺ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ أنت، وبعضهم يقول: إن الأول للصدقة خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ أنت بأخذك إياها تزكيهم بها، والقاعدة أنه مهما أمكن توحيد مرجع الضمائر فإنه أولى من تفريقه، وعلى هذه القاعدة يمكن أن يقال: إن الضمير في الموضعين يرجع إلى النبي ﷺ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا أنت، والقول الآخر أيضاً تحتمله الآية.

"ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون، وإنما كان هذا خاصًا برسول الله ﷺ؛ ولهذا احتجوا بقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً الآية، وقد رَدَّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديقُ أبو بكر، وسائر الصحابة، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يُؤدونها إلى رسول الله ﷺ، حتى قال الصديق: "والله لو منعوني عِقالاً - وفي رواية: عَناقًا - يُؤدُّونه إلى رسول الله ﷺ لأقاتلنهم على منعه".
وقوله: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أي: ادع لهم، واستغفر لهم، كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله ﷺ إذا أُتِيَ بصدقة قوم صَلَّى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صَل على آل أبي أوفى[2].
وقوله: إنّ صَلاتك: قرأ بعضهم: "صلواتك" على الجمع".


هذه قراءة الجمهور خلافاً لحمزة، وحفص، والكسائي؛ قرءوه بالإفراد، ولا منافاة بين القراءتين كلاهما يرجع إلى شيء واحد؛ لأن صَلاتك صلاة هذا مفرد مضاف إلى كاف الخطاب، مضاف إلى معرفة، والمفرد إذا أضيف فإن ذلك يكون بمعنى الجمع، يعني يكسبه العموم فـ صَلاتك و"صلواتك" المعنى واحد.

"وآخرون قرءوا: إِنَّ صَلاتَكَ على الإفراد.
سَكَنٌ لَهُمْ قال ابن عباس: رحمة لهم".


يعني السكن هو ما تسكن إليه النفس، وتطمئن به، فتسكن نفوسهم بما يحصل لهم من الرحمات بسبب هذه الصلوات وهي دعاء النبي ﷺ لهم.

"وقوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ أي: لدعائك عَلِيمٌ أي: بمن يستحق ذلك منك ومن هو أهل له".
  1. رواه النسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي، برقم (3823).
  2. رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقة، برقم (1078).