الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَقُلِ ٱعْمَلُوا۟ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المصنف - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة التوبة:105].
قال مجاهد: هذا وَعيد، يعني من الله - تعالى - للمخالفين أوامره بأن أعمالهم ستعرضُ عليه - تبارك وتعالى -، وعلى الرسول ﷺ، وعلى المؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة كما قال: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [سورة الحاقة:18]، وقال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [سورة الطارق:9]، وقال: وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [سورة العاديات:10] وقد يظهر ذلك للناس في الدنيا، وقال البخاري: قالت عائشة - ا -: إذا أعجبك حُسن عمل امرئ فقل: اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ".


فقول مجاهد: إن هذا وعيد إذا ضم إليه قول عائشة - ا - نخرج من ذلك بأنه وعيد للمنحرفين الظالمين، وهو حث، وتنشيط، وتبشير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات، فالآية فيها هذا الأمر العام للجميع وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ اعمل وسيظهر هذا العمل إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، والنبي ﷺ قال: أنتم شهداء الله في الأرض[1]، فالله مطلع على الأعمال، والنبي ﷺ في حياته يرى عملكم فيما يراه منه، أو يبلغه، ويراه أهل الإيمان، فمن الناس من يكون مُجداً في طاعة الله - تبارك وتعالى - فيكون ذلك تنشيطاً له، ومن الناس من يكون مقصراً في طاعة الله، مُجداً في معصيته، ومخالفة أمره؛ فهذا وعيد له؛ ليرعوي، فإن الله مطلع عليه، وأهل الإيمان يرون عمله ويكرهونه، ويدل على ذلك حديث أنس التالي:

"وقد ورد في الحديث شبيه بهذا، روى الإمام أحمد - رحمه الله - عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له؟ فإن العامل يعمل زمانًا من عمره  -أو: بُرهَة من دهره - بعمل صالح لو مات عليه لدخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئًا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحًا، وإذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله قبل موته، قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه[2] تفرد به أحمد.


هذا الحديث الصحيح يدل على معنى كبير وهو أن الناس يعملون ثم بعد ذلك تنكشف بعض الحقائق التي قد تكون خافية على الناس، وذلك من جهة حال هذا الإنسان، وما يصير إليه، فعلّمنا النبي ﷺ لئلا نتعلق بأحد من الناس، أو نبالغ في الثناء عليه، أو نجعله إماماً؛ نذب عن أقواله، ونشتغل بالمدافعة عنه، وبتقديمه، ومحبته، وتقديسه، وإطرائه، ثم بعد ذلك تتغير الحال، ويصير هذا الإنسان الذي كان يعمل عملاً صالحاً يعجب منه الناس أصبح يعمل بخلاف ذلك، فيُسقَط بأيدي هؤلاء الناس، ويحبط كثيرون!! ولهذا قال ابن مسعود : "من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة"[3]، ولذلك:

أحبِبْ حبيبَك هوناً ما عسى أن يكون بغيضَك يوماً ما

فالذين يبالغون في المدح، ويبالغون في المحبة، والإطراء، والتقديم؛ فهؤلاء قد يندمون على ما بذلوا من جهود كبيرة، وأضاعوا من أوقات طويلة بالدفاع عن فلان، وبيان منزلة فلان وما شابه ذلك، فالله لا يضيع عنده شيء، والأمة تعرف الصادق من الكاذب، ومن يمثّل، يعني ليست النائحة الثكلى كالمستأجَرة، لا بد أن يظهر ويتبين ولو بعد حين - والله المستعان -.

  1. رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت، برقم (1301)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب فيمن يُثنَى عليه خير أو شر من الموتى، برقم (949).
  2. رواه أحمد في المسند، برقم (12214)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  3. رواه البيهقي موقوفاً في السنن الكبرى، برقم (20136)، وضعفه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (193).