الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًۢا بَعْدَ إِذْ هَدَىٰهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۝ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [سورة التوبة:115-116].
يقول تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة، وحكمه العادل: إنه لا يضل قوماً بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة، كما قال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ الآية [سورة فصلت:17].
وقال مجاهد في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ قال: بيان الله للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه لهم في طاعته، ومعصيته؛ عامة، فافعلوا أو ذَروا.
وقال ابن جرير: يقول الله - تعالى -: وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية، ووفقكم للإيمان به، وبرسوله؛ حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا، فأما قبل أن يبين لكم كراهية ذلك بالنهي عنه، ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه؛ فإنه لا يحكم عليكم بالضلال، فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يُؤمر، ولم يُنْهَ؛ فغير كائن مطيعاً، أو عاصيًا فيما لم يؤمر به، ولم يُنه عنه".


فقوله - تبارك وتعالى - هنا: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ، هذه جاءت بعد قوله: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [سورة التوبة:113]، فعامة أهل العلم على أن هذه الآية الثانية وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا مرتبطة ومتعلقة بالآية الأولى، بمعنى أن الله لا يؤاخذ ولا يحاسب من استغفر للمشركين قبل أن يبين الله حكم ذلك، فإن الناس لا يلزمهم التكليف، ولا يقع عليهم حكم، ولا يحاسبون على عمل؛ إلا إذا سبق لهم من الله البيان، وهذا معلوم من شروط التكليف العامة، فإن التكليف - كما هو معلوم - له شروط عامة، وله شروط خاصة، فمن شروطه العامة القدرة يعني عند المكلف بمعنى الأهلية، وبلوغ الخطاب، وتبقى الشروط الخاصة في كل عبادة بحسبها مثل الصلاة: دخول الوقت، والطهارة وما أشبه ذلك، فهذه الآية عامة أهل العلم يقولون: تتعلق بما قبلها، وهي وإن كانت متعلقة بما قبلها إلا أن حكمها عام في كل شيء: أن الله لا يكلف الناس، ولا يؤاخذهم، ولا يحاسبهم؛ حتى يسبق منه بيان لهم، ولهذا جمع بين هذين المعنيين مجاهد - رحمه الله - هنا في هذا الأثر الذي نقله الحافظ ابن كثير - رحمه الله - قال: بيان الله للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة يعني أن هذا أوْلى ما يدخل تحت معنى الآية، ثم قال: وفي بيانه لهم في طاعته ومعصيته عامة؛ فهذا خفي من ظاهر الآية، ظاهر الآية وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ في كل شيء، فلا يطالبهم بشيء من الأوامر، ولا يحاسبهم على شيء من الأعمال؛ إلا إذا سبق منه بيان لهم في ذلك - والله أعلم -.