الأحد 28 / شوّال / 1446 - 27 / أبريل 2025
وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُوا۟ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓا۟ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ۝ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [سورة التوبة:118-119].
روى الإمام أحمد أن عبد الله بن كعب بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عَمِى - قال: سمعت كعب بن مالك يحدّث حديثه حين تخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله ﷺ في غَزاة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر، ولم يعاتَب أحدٌ تخلف عنها، وإنما خرج رسول الله ﷺ يريد عِير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد، ولقد شهدتُ مع رسول الله ﷺ ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذْكَر في الناس منها، وأشهر، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنه في تلك الغزاة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول الله ﷺ قَلَّما يريد غزوة يغزوها إلا وَرّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله ﷺ في حَرٍّ شديد، واستقبل سفراً بعيداً، ومفازًا، واستقبل عدوا كثيرًا فَجَلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وَجْهَه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله ﷺ كثير، لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - فقال كعب: فَقَلّ رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله ، وغزا رسول الله ﷺ تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل، وأنا إليها أصْعَر".


أصْعَر يعني أميل.

"فتجهز إليها رسول الله ﷺ والمؤمنون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقضِ من جهازي شيئاً، فأقول لنفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمَّر بالناس الجد، فأصبح رسول الله ﷺ غادياً والمسلمون معه، ولم أقضِ من جهازي شيئاً، وقلت: الجهاز بعد يوم أو يومين، ثم ألحقه، فغدوت بعدما فَصَلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئاً من جهازي، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً، فلم يزل ذلك يَتمادى بي حتى أسرعوا، وتفارط الغزوُ، فهممت أن أرتحل فأدركهم - وليت أنّي فعلتُ -، ثم لم يقدّر ذلك لي، فطفقت إذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسول الله ﷺ فَطُفتُ فيهم يحزنني ألا أرى إلا رجلاً مَغْموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذره الله ، ولم يذكرني رسول الله ﷺ حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟، قال رجل من بني سَلمة: حبسه يا رسول الله بُرْداه، والنظر في عَطْفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئسما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً! فسكت رسول الله ﷺ، قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله ﷺ قد تَوجَّه قافلاً من تبوك حضرني بَثّي".


بثي يعني الحزن

"فطفقت أتذكر الكَذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه غداً؟ أستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله ﷺ قد أظلّ قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً، فأجمعتُ صدقه، وصَبَّح رسول الله ﷺ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له - وكانوا بضعة وثمانين رجلاً - فيقبل منهم رسول الله ﷺ علانيتهم، ويستغفر لهم، ويكل سرائرهم إلى الله - تعالى - حتى جئت، فلما سلَّمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي: تعال، فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال لي: ما خلَّفك، ألم تك قد اشتريت ظهراً؟، قال: فقلت: يا رسول الله! إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سَخَطه بعذر، لقد أعطيتُ جَدَلاً، ولكنه - والله - لقد علمتُ لئن حَدّثتك اليوم بحديث كَذب ترضى به عني؛ ليوشكن الله أن يُسْخطك عليّ، ولئن حدثتك بصدق تَجدُ عَليّ فيه؛ إني لأرجو عقبى ذلك من الله ، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أفرغ، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال: فقال رسول الله ﷺ: أمّا هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك، فقمت وقام إليَّ رجال من بني سلمة واتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عَجَزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما اعتذر به المتخلفون فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله ﷺ لك، قال: فوالله ما زالوا يؤنّبوني حتى أردت أن أرجع فأُكذِّب نفسي، قال: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا ما قلتَ، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قلت: فمن هما؟ قالوا: مُرَارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً لي فيهما أسوة، قال: فمضيت حين ذكروهما لي، قال: ونهى رسول الله ﷺ المسلمين عن كلامنا - أيها الثلاثة - من بين من تخلف عنه، فاجتنبََنَا الناس، وتغيّروا لنا، حتى تنكرَتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشَب القوم وأجلَدهم، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف بالأسواق، فلا يكلمني أحد، وآتي رسول الله ﷺ وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم، وأقول في نفسي: "حَرّك شفتيه برد السلام عليّ أم لا؟" ثم أصلي قريباً منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ، فإذا التفت نحوه أعرَض، حتى إذا طال عليّ ذلك من هجر المسلمين مَشَيت حتى تسورت حائط أبي قتادة - وهو ابن عمي، وأحب الناس إليّّ - فسلمت عليه؛ فوالله ما رد عليّ السلام، فقلت له: يا أبا قتادة! أنشُدُك الله: هل تعلم أني أحب الله، ورسوله؟ قال: فسكت، قال: فعدتُ فنشدته فسكت، فعدت فنشدته فقال: "الله ورسوله أعلم"، قال: ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسوّرت الجدار، فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نَبَطِيٌّ من أنباط الشام ممن قَدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ قال: فطفِقَ الناس يشيرون له إليّ، حتى جاء فدفع إليّ كتاباً من ملك غسان، وكنت كاتباً فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، وإن الله لم يجعلك في دار هَوان، ولا مَضْيَعة، فالحق بنا نُواسكَ، قال: فقلت حين قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء، قال: فتيممت به التنور فَسَجرته به، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين؛ إذا برسول رسول الله ﷺ يأتيني، فقال: إن رسول الله ﷺ يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها، ولا تقربها، قال: وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء، قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله ﷺ فقالت له: يا رسول الله! إن هلالا شيخ ضائع، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا، ولكن لا يقربَنَّك، قالت: وإنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله ﷺ في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، قال: فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله ﷺ، وما أدري ما يقول رسول الله ﷺ إذا استأذنته وأنا رجل شاب؟ قال: فلبثنا عشر ليال، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نَهى عن كلامنا، قال: ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله - تعالى - منا: قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت؛ سمعت صارخاً أوفى على جبل سَلْع يقول بأعلى صوته: أبشر يا كعب بن مالك، قال: فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء فرج، فآذن رسولُ الله ﷺ بتوبة الله علينا حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قِبَل صاحبيّ مبشرون، وركض إليّ رجُل فرسًا، وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت ثوبيّ، فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أؤم رسول الله ﷺ، يلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بتوبة الله، يقولون: لِيَهْنِك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله ﷺ جالس في المسجد حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يُهرول، حتى صافحني، وهَنَّأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله ﷺ قال وهو يبرُق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مَرّ عليك منذ ولدتك أمّك، قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا، بل من عند الله، قال: وكان رسول الله ﷺ إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، حتى يعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله، وإلى رسوله، قال: أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت: يا رسول الله! إنما نجاني الله بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدَّث إلا صدقاً ما بقيت، قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ أحسن مما أبلاني الله - تعالى -، والله ما تعمدت كَذبَةً منذ قلت ذلك لرسول الله ﷺ إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي، قال: وأنزل الله - تعالى -: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۝ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ۝ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي رسولَ الله ﷺ يومئذ ألا أكون كَذَبْتُه فأهلك كما هلك الذين كَذَبوه حين كَذَبُوه؛ فإن الله - تعالى - قال للذين كَذَبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد قال الله - تعالى -: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ۝ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [سورة التوبة:95-96]، قال: وكنا أيها الثلاثة الذين خُلفوا خُلّفنا عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله ﷺ حين حلفوا، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسولُ الله أمرَنا حتى قضى الله فيه، فلذلك قال الله - تعالى -: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وليس تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر؛ مما خُلِّفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له، واعتذر إليه؛ فقبل منه".
هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته[1]، رواه صاحبا الصحيح: البخاري ومسلم بنحوه.
فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الآية الكريمة بأحسن الوجوه، وأبسطها، وكذا رُوي عن غير واحد من السلف في تفسيرها كما رواه الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قال: "هم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومُرارة بن الربيع، وكلهم من الأنصار"".


هذا الحديث عظيم فيه أحكام فقهية، وفيه فوائد إيمانية كثيرة جداً، وقوله هنا: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قال: وليس تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خُلفنا بتخلفنا عن الغزو؛ وإنما هو عمن حلف له، واعتذر إليه؛ بمعنى وعلى الثلاثة الذين خُلفوا ليس المراد خُلفوا عن الغزو؛ لأنه لو كان كذلك لقال وعلى الثلاثة الذين تخلفوا، وإنما قال: خُلِّفُوا يعني أُخروا، وأُرجئ أمرُهم، فالذين اعتذروا إلى النبي ﷺ قبل عذرهم، واستغفر لهم، وتركهم، وهؤلاء الثلاثة أرجأهم ﷺ، وكما سبق أنه قال لكعب: قم حتى يقضي الله في أمرك، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فبقوا خمسين ليلة حتى نزل في شأنهم قرآن يتلى، وتاب الله عليهم.

"ولما ذكر تعالى ما فرّج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق، والكرب؛ من هجر المسلمين إياهم نحواً من خمسين ليلة بأيامها، وضاقت عليهم أنفسهم، وضاقت عليهم الأرض بما رَحُبت؛ أي: مع سعتها، فسُدّدت عليهم المسالك والمذاهب، فلا يهتدون ما يصنعون، فصبروا لأمر الله، واستكانوا لأمر الله، وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسولَ الله ﷺ في تخلفهم، وأنه كان عن غير عذر، فعوقبوا على ذلك هذه المدة، ثم تاب الله عليهم، فكان عاقبة صدقهم خيراً لهم، وتوبة عليهم".
  1. رواه البخاري، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك وقول الله : وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [سورة التوبة:118]، برقم (4156)، ومسلم، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، برقم (2769).