الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَٰهِهِمْ ۖ يُضَٰهِـُٔونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَبْلُ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ۝ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [سورة التوبة:30-31].
وهذا إغراء من الله - تعالى - للمؤمنين على قتال المشركين الكفار من اليهود، والنصارى؛ لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة، والفِرْية على الله - تعالى -، فأما اليهود فقالوا في عُزَير : "إنه ابن الله" - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً -.
وأما ضَلال النصارى في المسيح فظاهر؛ ولهذا كَذَّب الله - سبحانه - الطائفتين فقال: ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ أي: لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم، واختلاقهم، يُضَاهِئُونَ أي: يشابهون قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أي: من قبلهم من الأمم، ضلوا كما ضل هؤلاء، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ وقال ابن عباس: لعنهم الله، أَنَّى يُؤْفَكُونَ؟ أي: كيف يضلون عن الحق وهو ظاهر، ويعدلون إلى الباطل؟"


فقوله - تبارك وتعالى -: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ هذه المقالة أضافها الله إلى اليهود، ويحتمل أن يكون ذلك من العام المراد به الخصوص، وَقَالَتِ الْيَهُودُ يعني طائفة من اليهود، من العام المراد به الخصوص، وهذا هو الظاهر - والله تعالى أعلم -، ومعروف أن العام منه ما هو عام باقٍ على عمومه، ومنه ما هو عام مخصوص، ومنه ما هو عام يراد به الخصوص، فهذا من هذا النوع الثالث باعتبار أن الذي قال ذلك هو بعض اليهود لا كل اليهود، ويمكن أن يضاف إلى جميع اليهود إذا كانوا يعتقدون هذا وقالوه، أو قاله أحدهم، أو بعضهم، وأقره الآخرون فيضاف إليهم، وهذا كثير في القرآن، ولما كان طوائف اليهود لا تقول بهذا القول، وإنما قال به بعضهم صح أن يقال: إنه من العام المراد به الخصوص - والله تعالى أعلم -، وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، والمرويات الواردة في هذا مأخوذة عن بني إسرائيل، وعامتها يدور على أن عزير جاءهم بالتوراة بعد أن ذهبت حينما غزاهم بُخْتُنَصَّر، فلم يبقَ شيءٌ منها، يعني أن بُختُنصَّر أتلفها؛ مسخ التوراة، وما كانوا يحفظون الكتاب، فجاء عزير بالتوراة على تفاوت في تلك الروايات، واختلاف كيف حصل له ذلك، وهل هو الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها؟ ولا يثبت في هذا شيء عن النبي ﷺ - والله تعالى أعلم -، فالشاهد أن هذه المرويات الإسرائيلية تقول: إن سبب هذه المقالة هو أنه جاءهم بالتوراة فبالغوا في تقديسه، وتعظيمه، وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فأضاف القول إلى الأفواه، ويحتمل أن تكون الإضافة إلى الأفواه هنا بمعنى أنه قول لا يجاوز الأفواه، بمعنى أنه لا حقيقة له كما قال الله : وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ [سورة النور:15] في قصه الإفك فـذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ أي أنه قول لا يجاوز الأفواه، لا حقيقة له، ويحتمل أن يكون المراد التأكيد، ويسجل ذلك عليهم، كما تقول: كتب ذلك بيده، وتقول: مشيت إليه برجلي، ونظرت إليه بعيني، وقد يكون منه أيضاً قوله: وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [سورة الأنعام:38]، يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ [سورة البقرة:79]، وما شابه ذلك يحتمل أن يكون المعنى في كل موضع ما يناسبه، يعني مثلاً وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ يعني قد يعبر بالطائر عن الإسراع، ولا يقصد به الطائر الحقيقي، قد يعبر بهذا فأكده، وأراد أن يبين أنه طائر ذو جناحين فقال: وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ يحتمل هذا، تقول: طاروا إليه زَرافاتٍ، ووُحداناً؛ يعني أسرعوا إليه، وهنا يقول: ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، يحتمل هذا وهذا، ويُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يقول: أي يشابهون، هذا صحيح، المضاهاة: هذا يضاهي هذا أي يحاكيه، ويشابهه، وقوله: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ هذه الكلمة تأتي للدعاء، وتأتي بمعنى اللعن، وهو عائد إلى الدعاء، "قاتله الله" أي لعنه الله، وقد قال بعض السلف: كل "قاتله الله" في القرآن فهي بمعنى لعنه الله، ثم صار ذلك أيضاً يستعمل في كلام العرب للتعجب ولا يقصد معناه، يقال: قاتله الله ما أشجعه!، قاتله الله ما أصبره!، ما أجلده!، ما أحذقه!، ما أحفظه!، فيكون مثل: ترِبتْ يداه، ورغِم أنفُه، وما أشبه ذلك.