"وقوله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ روى الإمام أحمد، والترمذي، وابن جرير من طرق، عن عدي بن حاتم أنه لما بلغته دعوة رسول الله ﷺ فرَّ إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، فأُسرت أخته، وجماعة من قومه، ثمَّ منَّ رسول الله ﷺ على أخته، وأعطاها، فرجعت إلى أخيها، ورَغَّبته في الإسلام، وفي القدوم على رسول الله ﷺ، فقدم عَدِيٌّ المدينة، وكان رئيساً في قومه طيِّئ، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم، فتحدَّث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله ﷺ وفي عنق عَدِيّ صليب من فضة، فقرأ رسول الله ﷺ هذه الآية: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم وقال رسول الله ﷺ: يا عدي! ما تقول؟ أيُفرّك أن يقال: الله أكبر؟ فهل تعلم شيئًا أكبر من الله؟ ما يُفرك؟ أيفرّك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم مِن إله إلا الله؟، ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم، وشهد شهادة الحق، قال: فلقد رأيتُ وجهه استبشر ثم قال: إن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون.
وهكذا قال حذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وغيرهما في تفسير: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ إنهم اتبعوهم فيما حللوا، وحرموا.
ولهذا قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا أي: الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام، وما حلله حل، وما شرعه اتبع، وما حكم به نفذ.
لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أي: تعالى، وتقدس، وتنزه عن الشركاء، والنظراء، والأعوان، والأضداد، والأولاد، لا إله إلا هو، ولا رب سواه".