الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا۟ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنزتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنزونَ أي: يقال لهم هذا الكلام تبكيتاً، وتقريعاً، وتهكماً، كما في قوله: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ۝ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [سورة الدخان:48-49] أي: هذا بذاك، وهذا الذي كنتم تكنزون لأنفسكم؛ ولهذا يقال: من أحب شيئاً وقدمه على طاعة الله؛ عذب به، وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم؛ عذبوا بها، كما كان أبو لهب - لعنه الله - جاهدًا في عداوة الرسول ﷺ، وامرأته تعينه في ذلك، كانت يوم القيامة عونًا على عذابه أيضاً فِي جِيدِهَا أي: عنقها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [سورة المسد:5] أي: تجمع من الحطب في النار، وتلقي عليه؛ ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه - كان - في الدنيا، كما أن هذه الأموال لما كانت أعز الأشياء على أربابها؛ كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة، فيحمى عليها في نار جهنم، وناهيك بحرها، فتكوى بها جباههم، وجنوبهم، وظهورهم".


خص الجباه، والجُنوب، والظهور؛ فيمكن أن يقال: إن هذه المواضع أشد إيلاماً لما تحويه فهي أعضاء شريفة، وتحوي ما تحوي مما يحصل به شدة الألم إذا حصل إحراقها، ويحتمل أن يكون أراد - والله تعالى أعلم - جميع الجهات تكوى بها جباههم هذا الأمام، وجنوبهم يعني الأمام يدل على الخلف، والظهر يدل على المقدمة، والجبهة على أعلاه، والجنب على الناحية الأخرى الجنب الآخر، يعني أنه يحرق بالنار من كل الجوانب.

"وروى الإمام أبو جعفر بن جرير عن ثوبان أن نبي الله ﷺ كان يقول: من ترك بعده كنزاً مُثِّل له يوم القيامة شُجاعًا أقرع له زبيبتان، يتبعه، يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك، ولا يزال يتبعه حتى يُلقمه يده، فَيُقَصْقِصَها، ثم يتبعها سائر جسده[1]، ورواه ابن حبان في صحيحه[2]، من حديث يزيد، عن سعيد به، وأصل هذا الحديث في الصحيحين عن أبي هريرة [3].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها جنبه، وجبهته، وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس، ثم يَرَى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار[4] وذكر تمام الحديث".


هذا الجزء من الحديث هو الذي استدل به عامة أهل العلم على أن من منع الزكاة بخلاً أنه لا يكفر، يعني الله يقول: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ [سورة التوبة:11] فهذه من الأدلة على أن تارك الصلاة كافر؛ لأن مفهوم المخالفة في الآية أنه إن لم يفعل ذلك فليس من إخواننا في الدين، فهذا في الصلاة، والزكاة لو بقينا مع هذه الآية فقط فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ لفهم منها هذا، فإذا نظرت إلى الأحاديث والنصوص الواردة في الصلاة، والزكاة؛ تجد أن الأحاديث الواردة في الصلاة العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر[5]، بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة[6] إلى غير ذلك، أما الزكاة فمثل هذا الحديث يدل على أنه لا يكفر إن تركها، وامتنع منها بخلاً؛ لأنه قال هنا: ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، و إما إلى النار ولا يمكن أن يرى سبيله إلى الجنة إذا كان كافراً، و الله أعلم.

"وروى البخاري في تفسير هذه الآية عن زيد بن وهب قال: "مررت على أبي ذر بالرَّبَذة، فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟، قال: كنا بالشام، فقرأت: وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ فقال معاوية: ما هذه فينا ما هذه إلا في أهل الكتاب، قال: قلت: إنها لفينا وفيهم"[7]".
  1. جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري (14/232).
  2. رواه ابن حبان في صحيحه، برقم (3257)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وابن خزيمة في صحيحه برقم (2255).
  3. رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم (1338)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم (988).
  4. رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم (987).
  5. رواه النسائي، كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463)، والترمذي، كتاب الإيمان عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621)، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079)، وأحمد في المسند، برقم (23007)، وقال محققوه: إسناده قوي، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4143).
  6. رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم (82).
  7. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة براءة، برقم (4383).