هذا استثناء مِن ضرْب مدة التأجيل بأربعة أشهر لمن له عهد مطلق ليس بمؤقت؛ فأجله أربعة أشهر، يسيح في الأرض، يذهب فيها لينجو بنفسه حيث شاء، إلا من له عهد مؤقت، فأجله إلى مدته المضروبة التي عوهد عليها، وقد تقدمت الأحاديث: "ومن كان له عهد مع رسول الله ﷺ فعهده إلى مدته"، وذلك بشرط ألا ينقض المعاهد عهده، ولم يظاهر على المسلمين أحداً أي: يمالئ عليهم مَن سواهم، فهذا الذي يوفى له بذمته، وعهده إلى مدته؛ ولهذا حرض الله - تعالى - على الوفاء بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي: الموفين بعهدهم".
فهذا الاستثناء إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا يحتمل كما قال الزجاج أنه يعود إلى براءة: بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة التوبة:1]، ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا، وذهب كبير المفسرين ابن جرير إلى أنه يعود إلى ما قبله وهو قوله: وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ [سورة التوبة:3] فهذا يكون استثناء منه، وكلام ابن كثير - رحمه الله - هنا واضح، وهو مرتبط بالمعنى، تفسير على المعنى، يعني لم يربطه بلفظ بعينه، والعادة أن النحاة وأهل اللغة حينما يقولون: يعود إلى كذا يذكرون لفظة معينة يربطون الاستثناء بها، وابن كثير - رحمه الله - أعاده إلى المعنى قال: هذا استثناء من ضرب مدة التأجيل بأربعة أشهر لمن له عهد مطلق ليس بمؤقت إلى آخره، يعني ضرب مدة التأجيل بأربعة فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [سورة التوبة:2]، إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ فيكون ذلك عائداً إلى المعنى، بمعنى أن بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ فيستثنى منه هؤلاء، وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ فيستثني منه هذا، فربطه بالمعنى.