الثلاثاء 15 / ذو القعدة / 1446 - 13 / مايو 2025
فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [سورة التوبة:55].
يقول تعالى لرسوله ﷺ: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ كما قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [سورة طه:131]، وقال: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ۝ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55-56]، وقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قال الحسن البصري: "بزكاتها، والنفقة منها في سبيل الله".
وقوله: وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ أي: ويريد أن يميتهم حين يميتهم على الكفر ليكون ذلك أنكى لهم، وأشد لعذابهم - عياذاً بالله من ذلك -، وهذا يكون من باب الاستدراج لهم فيما هم فيه".


فقوله - تبارك وتعالى - هنا: فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ تفسير الحسن - رحمه الله - أن تعذيبهم بما يطالبون به من الحقوق يعني كالزكاة، وأن ذلك يشق عليهم، ويؤلم نفوسهم كما قال الله - تبارك وتعالى - عن المنافقين: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ [سورة التوبة:98]، فهو يرى أن هذا الذي أُخذ منه أنه مال لا عوض له، فهو لا يرجو العاقبة في الآخرة، والجزاء عند الله ، وإنما يدفع هذا المال ليدفع التهمة عن نفسه، وهو كاره، ولا يرجو عليه ثواباً فهكذا قال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لكن الأقرب من هذا - والله تعالى أعلم - هو أن تعذيبهم بها هو ما يحصل لهم من العناء، والشقاء، والنصَب بجمعها كما هو الحال بالنسبة لطلاب الدنيا التي صارت الدنيا هي شغلهم، وغايتهم، فيشْقوْن في جمعها، ويقضون الزمان الطويل في تحصيلها من طرق كثيرة، فيحصل لهم من التعب الشيء الكثير، أضف إلى ذلك ما يحصل لهم من العناء، والتعذيب بسببها من جهة حياطتها، وحفظها، والإبقاء عليها؛ فهو مشغول بها، يشقى بجمعها، ويشقى بحفظها، ويتفرق قلبه معها قال حذيفة : "اللهم إني أعوذ بك من تفرق القلب"، وفسر هذا بأن يكون له في كل وادٍ مال، فصاحب المال يشقى بماله في جمعه، وفي حفظه، وهو دائماً يفكر في هذا المال أين يضعه، وأين يثمره، وإذا خسر تألم بسبب هذا، وحصل له من النكد، والتنغيص، ولربما مات من الغم كما هو مشاهد، فطلاب الدنيا إذا نزلت الأسهم نزل عنده الضغط، وإذا ارتفعت الأسهم ارتفع الضغط، فهو في عناء، وعذاب، ومنهم من يطلق امرأته! ومنهم من يصاب بجلطة! ومنهم من يصاب بطاعون!! كل هذا من أجل هذا المال، ولو أن إنساناً قيل له: أنت عندك الآن مائة مليون، ربما لا يستطيع أن ينام الليلة يفكر هذه المائة مليون يا ترى ماذا سيصنع بها؟ هل سيضعها في استثمار؟ وأين هذا الاستثمار؟ وإذا رأى بعض الأمور التي يتخوفها من بوادر حرب أو نحو ذلك بدأ يفكر أين يضع هذه الأموال؟ في دولارات، أو يورو، أو ذهب، أو يوزعها ويفرقها يضع شيئاً في هذا، وشيئاً في هذا، وشيئاً في هذا احتياطا؟، وإذا بدأ يفتح بها أعمالاً ومشروعات يفتح عشرين مشروعاً؛ من أجل إذا خسر هذا يعوضه الآخر، ويفتح له منجرة، ومخبزاً، وحدادة، وكل شيء، ويشقى هنا وهناك، وكان من الممكن أن يكتفي ببعض هذا، لكن أهل الدنيا يشقون في جمعها فهذا هو المعنى - والله تعالى أعلم -، وهو أحسن ما ذكر في تفسيرها، وهو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير، ورجحه ابن القيم بقوة، وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ أيضاً يكون هذا المال سبباً لمزيد من غفلتهم، ولهوهم، واشتغال قلوبهم ،فتنقضي أيامهم من غير توبة، ولا إيمان؛ فيكون مصيرهم إلى النار.