يقول - تعالى - لنبيه - صلوات الله وسلامه عليه -: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين أمرتك بقتالهم، وأحللت لك استباحة نفوسهم، وأموالهم، اسْتَجَارَكَ أي: استأمنك، فأجبه إلى طلبته حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ أي: القرآن تقرؤه عليه، وتذكر له شيئاً من أمر الدين تقيم عليه به حجة الله، ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ أي: وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده، وداره، ومأمنه، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ أي: إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله، وتنتشر دعوة الله في عباده.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في تفسير هذه الآية، قال: إنسان يأتيك يسمع ما تقول، وما أنزل عليك، فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه، حيث جاء.
ومن هذا كان رسول الله ﷺ يعطي الأمان لمن جاءه مسترشدًا، أو في رسالة، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم: عروة بن مسعود، ومِكْرَز بن حفص، وسهيل بن عمرو، وغيرهم واحدًا بعد واحد، يترددون في القضية بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين رسولَ الله ﷺ ما بهرهم، وما لم يشاهدوه عند ملك، ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.
ولهذا أيضاً لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول الله ﷺ قال له: أتشهد أن مسيلمة رسول الله؟، قال: نعم، فقال رسول الله ﷺ: لولا أن الرسل لا تقتل لضربت عنقك[1]، وقد قيض الله له ضرب العنق في إمارة ابن مسعود على الكوفة، وكان يقال له: ابن النوَّاحة، ظهر عنه في زمان ابن مسعود أنه يشهد لمسيلمة بالرسالة، فأرسل إليه ابن مسعود فقال له: إنك الآن لست في رسالة، وأمر به فضربت عنقه، لا رحمه الله، ولعنه.
والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة، أو تجارة، أو طلب صلح، أو مهادنة، أو حمل جزية؛ أو نحو ذلك من الأسباب، فطلب من الإمام أو نائبه أمانًا؛ أُعطي أمانًا ما دام مترددًا في دار الإسلام، وحتى يرجع إلى مأمنه، ووطنه".
بل حتى لو أعطاه أحد من عامة المسلمين الأمان فلا يجوز لأحد أن يقتله.
- رواه أحمد في المسند، برقم (3708)، وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف، يزيد: وهو ابن هارون سمع من المسعودي - وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة - بعدما اختلط، والمسعودي أيضا كان يغلط فيما يرويه عن عاصم - وهو ابن أبي النجود - وهو متابع، وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة الأسدي.