الجمعة 17 / شوّال / 1445 - 26 / أبريل 2024
الآية 11 و41 من سورة الرعد
تاريخ النشر: ٠٤ / رمضان / ١٤٢٨
التحميل: 1780
مرات الإستماع: 3109

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فمن الآيات التي قد يُستدل بها ويكون الاستدلال في غير موضعه قول الله -تبارك وتعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11]، فهذه الآية كثير من الناس يستدلون بها لربما في غير موضعها، وذلك أنك تسمع الواحد منهم يقول مخاطباً لغيره حينما يعظه ويحثه على إصلاح حاله ونفسه، وذاك يتعلل بطلب الهداية من الله دون أن يتخذ الأسباب التي يتوصل بها إلى هداية الله ، فيقول له الآخر: ابدأ بنفسك إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، وهكذا يقال في المجتمعات حينما يُراد إنهاضها وإصلاحها وتقويمها، يقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ، فعلى المسلمين إذا أرادوا الأخذ بأسباب القوة والنهوض من هذه الكبوة فعليهم أن يبدءوا بإصلاح أنفسهم حتى يغير الله ما بهم، هكذا يقال كثيراً، والذي يذكره السلف فمن بعدهم في معنى هذه الآية هو غير ما ذُكر، وذلك أنهم يقولون: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ، وذلك أن الناس إذا غيروا من الإيمان إلى الكفر غير الله حالهم وقلبها من النعمة إلى النقمة، ومن الغنى إلى الفقر، ومن القوة إلى الضعف، ومن الكثرة إلى القلة.

فالله لا يغير ما بقوم من نعمة أنعمها عليهم، ولا يسلب ذلك عنهم فيرفع عنهم عافيته حتى يكون التغيير مبتدَأً منهم، "حتى يغيروا ما بأنفسهم"، يُبدل الإيمان بالكفر، فيكفرون بالله ، يحصل منهم البطر، وكفر النعمة، والإعراض عن الله فتتبدل أحوالهم، فيذهب ما عندهم من الأموال، ويهلك ما عندهم من الحروث والثمار وما شابه ذلك، وهذا قال به جميع من وقفت عليه من المفسرين من السلف والخلف، ومن هؤلاء كبير المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله، وكذا ابن كثير، مع أن المعنى الأول الذي ذكرته ذائع على ألسنة الناس، وكثيراً ما يردده الدعاة وغيرهم، ومعنى الآية هو ما ذكرت -والله تبارك وتعالى أعلم، ولهذا قال الله بعد ذلك: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11]، وفي سورة الأنفال: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ [الأنفال:53]، هو المعنى الذي ذكرناه، لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53]، لا يسلبهم عافيته حتى يكون التغيير مبتدَأً منهم بالإفساد في الأرض، والإعراض عن دين الله ، هذا هو المقصود الذي ذكرنا الآية من أجله. 

مواد ذات صلة