الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب الزكاة أورد المصنف -رحمه الله- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار قيل: يا رسول الله! فالإبل؟ قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة؛ بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها؛ رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار قيل يا رسول الله! فالبقر، والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر، ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها؛ رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر، وأما التي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها، فاستنت شرفا، أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر، فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات قيل: يا رسول الله ! فالحمر؟ قال: ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[1]متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.

هذا الحديث حديث عظيم في هذا الباب، وفيه وعيد لمن لا يخرج زكاة المال، وهو وإن ذكر فيه بعض الأصناف إلا أن ذلك لا يدل على الحصر، فقد سئل النبي ﷺ عن بعض هذه الأموال، ولو سئل عن غيرها، لو سئل عن العقار مثلا، لو سئل النبي ﷺ عن ألوان من الأموال الزكوية كالزروع، والثمار، ونحو ذلك فإن النبي ﷺ لربما أجاب بنحو ما سمعتم، والله تعالى أعلم.

قال هنا: ما من صاحب ذهب ولا فضة ويدخل في هذا النقود، فإنها ترجع إلى الذهب والفضة لا يؤدي منها حقها ويدخل في ذلك الحلي بأنواعه المستعمل، وغير المستعمل؛ بناء على أنه تجب فيه الزكاة لا يؤدي منها حقها ما حقها؟ هو الزكاة إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره.

نحن نلاحظ أن القضيب عند الحداد، قضيب الحديد يتحول لونه إلى أحمر، يتلهب كأنه جمر، ولو أنه وضع على شيء؛ فإنه يذيبه، فكيف بالذهب والفضة التي هي الأشد في إيصال الحرارة وتقبلها وتخزينها، يعني تتفاعل مع الحرارة أكثر مما يتفاعل الحديد، فإذا وضعت في نار جهنم التي فضلت على هذه النار بسبعين ضعفا كيف تكون؟

فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره هذه الثلاث ذكرها النبي ﷺ يحتمل أن يكون ذكر هذه الأمور الثلاثة باعتبار أن الجبين هذا يتصل بالوجه الذي هو أشرف الأعضاء، فالإنسان يجمع هذه الأموال لتحصيل الوجاهات، والظهر وذلك أنه يجمع الأموال من أجل أن يكسو ظهره، والجنب ربما لأنه ينأى بجنبه عن المحتاج والفقير، ونحو ذلك بخلا أو تعاليا وتعاظما، وربما يكون ذلك باعتبار أنه يكوى بها الجهات المختلفة، يعني: الوجه والظهر والجنب، يعني الجوانب، فهذه جهاته: الأمام والخلف والجانبان، فيكوى بذلك، المقصود أنه يعذب بها جميعا، يشوى جسمه بهذه الصفائح، كلما بردت أعيدت له -نسأل الله العافية- في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.

الحرائق أيها الإخوان، الذين يحترقون، مدة الاحتراق تقدر بثواني، الاحتراق الذي يصل إلى الدرجة الثالثة -نسأل الله العافية للجميع- التي تصل إلى داخل اللحم، وربما وصلت إلى العظم، أعلى مستويات الحريق، هذه ثواني في نار الدنيا، فيتحول الإنسان إلى حال -نسأل الله العافية- يذهب الجلد، ثم بعد ذلك تبدأ ألوان الآلام الشديدة التي لا يستطيع معها أن ينام، وإذا احترق بطنه، وجنبه، وظهره لا يستطيع أن ينام، لا على بطن، ولا جنب، ولا ظهر، ويعطونه مهدئات، فإذا تركوه ساعة في يوم، أو ساعتين، أو نحو ذلك؛ فإنه يصيح بأعلى صوته، ثم يبدأ اللحم يتنفط؛ لأنه لا يوجد جلد يمسكه، فيبدأ بالتنفط، وتظهر أشياء غريبة، ومرتفعات، ومنخفضات، وأشياء لا يوجد جلد، فلا بد من وضع جلد فوق هذا، ولا تسأل عن التشوهات هذا في الدنيا في ثواني، هناك في خمسين ألف سنة، نحن كم نعيش؟ خمسين سنة؟ سبعين سنة؟ مائة سنة؟ خمسين ألف سنة يعذب.

الآن لو قيل للإنسان: هذه الجمرة التي توضع للطيب، نريد فقط دقيقة واحدة، تضع أصبعا واحدا، أصغر الأصابع عليها، وانظر دقيقة واحدة هل تستطيع؟ ما تستطيع، تجد الإنسان يشعر بالألم في جميع الجسم، فكيف بمثل هذا، والإنسان أحيانا يبخل بهذا المال، بهذه الزكاة، وما علم أنها زيادة في المال وبركة، وطهارة للمال، وطهارة للنفس، وأنها أفضل من الصدقة.

قال: حتى يقضى بين العباد إذا فيه أناس يعذبون يوم القيامة، ليس العذاب فقط في القبر، وليس العذاب فقط في النار، وإنما هناك تعذيب في المحشر، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار، هذا القدر احتج به من قال: إن تارك الزكاة لا يكفر كفرا يخرج من الملة؛ لأنه إن كان سيرى سبيله إلى الجنة فمعنى ذلك أنه ليس بكافر؛ لأن الله حرم الجنة على الكافرين.

قيل: يا رسول الله فالإبل، قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها طبعا حق الإبل الزكاة إن كانت سائمة، وإن كانت عروض تجارة فحقها أن يخرج فيها زكاة عروض التجارة، ومن حقها حلبها يوم وردها، يعني حينما ترد على الماء، فإنه يعطي من حضر، يعطي من سأل، يعطي الفقراء من لبنها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، قاع قرقر يعني أرض مستوية، تصور فلاة، وهذا الإنسان ممدد، ثم بعد ذلك هنا بطح، قد يفهم منه أنه ينام على بطنه، فتطأ ظهره، لكنه لا يلزم ذلك، فقد يكون مستلقيا على ظهره، المقصود أنه ممدد لها، ولهذا جاء في بعض روايات الحديث فتخبط وجهه بأخفافها [2] يعني ترمحه كما يعبر العوام، وضربها في الدنيا ليس بالشيء اليسير، يقتل، فكيف في الآخرة، فهذا الرجل مستكثر لربما منها، لربما عنده مائة، أو أكثر، ربما يفاخر بها، فهنا يبطح لها في قاع قرقر، أرض مستوية، أوفر ما كانت، يعني من ناحية السمن، والامتلاء، لا يفقد منها فصيلا، الفصيل ولد الناقة، واحدا.

تطأه بأخفافها، وتعضه بأفوافها وعضة الإبل قد تقتل -كما هو معلوم- وقد تقطع العضو كلما مر عليه أولاها؛ رد عليه أخراها وهكذا يعذب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة لو قيل لصاحب الإبل الآن: هات ما عندك من هذه الإبل، وسنضعك ممددا لها، تربط، ويذهب أولاها، وآخراها، تعضك، وتطؤك، أو تتبرع بها جميعا؛ قال: لا، خذوها، ماذا أريد بالمال بعد هذا، ليس دون النفس شيء، كيف بيوم، هي تطؤه مرة واحدة، ومع ذلك يتخلص منها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

قيل: يا رسول الله فالبقر، والغنم قال: ولا صاحب بقر، ولا غنم لا يؤدي منها حقها وحقها ما هو؟ الزكاة إن كانت سائمة، ويدخل في حقها حلبها يوم وردها، وإن كانت من عروض التجارة؛ أخرج فيها زكاة عروض التجارة إلا إذا كان يوم القيامة؛ بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء العقصاء ما هي؟ العقصاء هي الملتوية القرنين، قرونها ملتوية، لا، تكون قرونها هكذا، بارزة؛ من أجل أنها توجع في نطحها ولا جلحاء والجلحاء هي التي لا قرون لها، يكون لها قرون يوم القيامة، تتغير ولا عضباء والعضباء هي مكسورة القرن، فيرجع إليها قرنها تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها؛ رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

قيل: يا رسول الله فالخيل؟ الخيل ليس فيها زكاة على الراجح، قال: الخيل ثلاثة فما ذكر هنا الزكاة هي لرجل وزر، ولرجل ستر، ولرجل أجر فيها تفصيل، وذلك أن الخيل يوجد فيها ما ليس في غيرها، وقد قيل: إنها سميت بالخيل؛ لاختيالها، ولهذا تجد عند أرباب هذه الأنعام من الأخلاق، والصفات ما يناسب حالها، فتجد عند أهل الغنم السكينة، وتجد عند أهل الإبل الشدة، والصلف، والرعونة، والقسوة مما يناسب طبيعتها، كما قال النبي ﷺ في الشدة: القسوة وغلظ القلوب في الفدادين[3] من رعاة الإبل من ربيعة، ومضر، وأما الخيل فقد تجد فيهم بعض صفات هذه الخيل.

المقصود: أن هذه الخيل ذكر النبي ﷺ أنها ثلاث هي لرجل وزر، ولرجل ستر، ولرجل أجر، فأما التي هي له وزر: فرجل ربطها رياء، وفخرا، ونواء نواء يعني حربا لله ورسوله، معاداة للإسلام وأهله، نواء على أهل الإسلام، فهي له وزر وأما التي هي له ستر: فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينس حق الله في ظهورها يعني ربطها في سبيل الله، يجاهد عليها هو لم ينس حق الله في ظهورها، ولا رقابها ما حق الله في ظهورها؟

حقه في ظهورها أنه يركبها للجهاد، وأنه لربما حمل عليها من يحتاج إلى ذلك، وأما في رقابها فذلك بأن يتقي الله فيها فيطعمها، ويقوم عليها بما يجب، فهي له ستر وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام يعني أنه جعلها يجاهدون عليها، كأنه جعلها وقفا سبيلا لهم، لم يجعلها لنفسه في مرج، أو روضة المرج الأرض ذات النبات فما أكلت من ذلك المرج، أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات هذا شيء عظيم جدا وكتب له عدد أرواثها، وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها.

الطول الحبل الذي تربط به، الخيل ليست كالغنم، أو الإبل، تربط الخيل بحبل طويل؛ لأنها تحتاج تنطلق، تذهب، وتأتي، يقول: ولا تقطع طولها، فاستنت شرفا، أو شرفين شرفا أو شرفين يعني: شوطا أو شوطين، تذهب حتى تصل إلى مكان مرتفع، أو نحو ذلك، ثم تقف، ثم ترجع، فهذا شوط إلا كتب الله له عدد آثارها، وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات طيب لو كان يريد أن يسقيها، فهذا أبلغ، وأعظم في أجره.

ولما سئل عن الحمر يعني الحمير؛ قال: ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ يعني إن استعملها في طاعة الله في الجهاد؛ يؤجر، حمل عليها الآخرين؛ فإنه يؤجر، سار فيها إلى معصية الله؛ يكون عليه وزر، فهذه الآية جامعة، فكذلك يقال في السيارة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ يقول: ما لي في السيارة؟ نقول: هذه الآية، إن كان هذه السيارة اشتراها، وهو يقصد بها أن يكتفي عن الناس، وأنه يذهب بها إلى المساجد، وإلى مجالس العلم والذكر، وفي طاعة الله فإن ذلك يؤجر عليه فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وإن كان اشترى سيارة من أجل أن يذهب بها إلى المعصية، وإلى أماكن الأسواق، ونحو ذلك؛ ليتتبع النساء والعورات، وما إلى هذا، ويذهب إلى أماكن اختلاط، وأماكن تبرج، وأماكن فتنة، فمثل هذا فإنها تكون عليه وزر، فمن الناس من يشتري سيارة لهذا الغرض، بعضهم قد يشتري سيارة من أجل أن يهرب عليها الخمور أو المخدرات، أو نحو ذلك؛ فتكون عليه وزرا، وهكذا في كل الأشياء التي يقتنيها الإنسان، فإن ذلك يكون بحسب نيته وقصده، والله المستعان.

هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم (987).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الحيل، باب في الزكاة وألا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق، خشية الصدقة، برقم (6957).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب اللعان، برقم (5303)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه، برقم (51).

مواد ذات صلة