الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
الحديث عن آيات الباب، وحديث «من صلى علىَّ صلاة..»، «أولى الناس بي يوم القيامة..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا كتاب الصلاة على رسول الله ﷺ.

والصلاة على النبي ﷺ يختلف معناها بحسب من صدرت عنه.

فصلاة الله -تبارك وتعالى- على الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما مضى في بعض المناسبات إذا صلى الله على عبده فهذا يعني أنه ذكره في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة بمعنى الاستغفار، وصلاة المؤمنين بمعنى الدعاء، أي: يدعون له بالرحمة.

وأصل الصلاة معناها الدعاء، هذا أصلها في كلام العرب، فهو دعاء خاص.

قال: باب فضل الصلاة على رسول الله ﷺ قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] جاء هنا بالفعل المضارع بصيغة الجمع (يصلون) استعمله في صلاة الله وصلاة الملائكة استعمالاً واحدًا، فقوله: يُصَلُّونَ يرجع إلى الجميع، وهذا مثال على استعمال المشترك في معنييه أو معانيه، وهو الأرجح من أقوال الأصوليين أن ذلك جائز، ولا إشكال فيه، فهو مشترك، لفظ واحد يستعمل وله أكثر من معنى، وتكون هذه المعاني مرادة للمتكلم.

فهنا الله يصلي على النبي ﷺ والملائكة يصلون؛ فصلاته لها معنى، وصلاة الله وصلاة الملائكة لها معنى، والفعل المعبر عنه بذلك واحد، لكنه جاء للمعنيين معًا، ثم خاطب أهل الإيمان بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا فهذا أمر من الله -تبارك وتعالى-، فيدل ذلك على أن أصل الصلاة على النبي ﷺ واجبة، ولكن العلماء اختلفوا في تفصيل ذلك.

فبعضهم خص الوجوب بالصلاة، وبعضهم زاد عليه، مثل بعد التشهد: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد... إلى آخره.

وبعضهم زاد على ذلك وقال: إنه إذا ذُكر وجبت الصلاة عليه، والنبي ﷺ قال: البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ[1]، والله أمر بذلك، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا لكن الأمر المطلق يتحقق بواحدة في الأصل، ما لم يدل دليل على خلاف ذلك؛ ولهذا قال من قال: إن ذلك يتحقق في الصلاة، وبعضهم قال: يتحقق ولو في العمر مرة، وهذا بعيد هنا في هذا المثال، فالصلاة على النبي ﷺ تارة تكون واجبة، كما في الصلاة، بل بعضهم يعد ذلك من الأركان في الصلاة، كما هو معروف، وإذا ذكر النبي ﷺ عند الإنسان في مجلس هل يجب عليه أن يصلي عليه؟ من أهل العلم من قال: إن ذلك واجب، ومنهم من قال: إنه مستحب، ومنهم من قال: إذا صلى عليه بعض أهل المجلس، فقد تحقق ذلك، وأنه يسقط الفرض عن الباقين، وإذا تكرر ذلك في المجلس الواحد هل يجب؟ أو يقرأ من كتاب مثلاً، ويرد ذكر النبي ﷺ هل يجب على الناس أن يكرروا؟

البخيل من ذكرت عنده ولم يصل عليّ هذا هو البخيل، طيب هذا معلق على شرط، والأصل أن المعلق على شرط يتكرر بتكرره؛ ولهذا يقال: بأن الأفضل أنه لو تكرر ذلك في المجلس مرارًا، فالأفضل أن يكرر السامع الصلاة على النبي ﷺ، ولكن هل يجب هذا في المجلس الواحد أن يكرره كلما ذكر؟ كثير من أهل العلم يقولون: لا يجب، وليس ذلك محل اتفاق، لكن المؤمن إذا سمع مثل هذا البخيل من ذكرت فهذا كلما ذكر صلى على النبي ﷺ؛ وذلك لا يضره، ومن هنا أيضًا لا يحسن أن يكتب (ص) كما هي طريقة المستشرقين، وقد سرت إلى كثير من الكاتبين، لا سيما في القرن الماضي، في وقت انبهر الناس فيه -في أوائل القرن الماضي- بتحقيقات المستشرقين للتراث، فتجد في هذه الكتب (ص) يعني: رمز إلى الصلاة على النبي ﷺ، أو (صلعم) اختصار ﷺ، فهذا لا يحسن، وإنما يكتب الإنسان ﷺ؛ ولها أوقات تتأكد فيها، وهناك أحوال تكون مستحبة فيها قطعًا، وليست بواجبة، كما سيأتي، كما في يوم الجمعة، وليلة الجمعة، ونحو هذا.

وهنا قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ كيف نصلي عليه، كما جاء في حديث بشير بن سعد؛ لما قال: قد علمنا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ فكان الجواب: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم...[2] الذي نقوله بعد التشهد، فهذه أكمل الصيغ، ولكن ذلك يتحقق بقول الإنسان، يعني: إذا ذكر النبي ﷺ أن يقول ﷺ يوم الجمعة وليلة الجمعة، لو قال: اللهم صل على محمد، اللهم صل على محمد، اللهم صل على محمد، وأكثر من هذا، فقد حقق المطلوب، لكن لو أنه جاء بالصيغة الكاملة، وقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد... إلخ، فهذا أكمل، كما في الاستغفار، لو قال الإنسان: أستغفر الله، أستغفر الله، يتحقق المقصود، لكن لو أنه جاء بسيد الاستغفار، فهذا أكمل، وهنا قال: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا فجمع بين الصلاة والتسليم على النبي ﷺ؛ ولهذا يقال: نحن مطالبون بالجمع بينهما، فإذا ذكر النبي ﷺ نقول ذلك، بل أيضًا يصلى على آله -عليه الصلاة والسلام- كما علمنا في حديث بشير بن سعد وغيره من الأحاديث.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، فإذا اختصر الإنسان وقال: اللهم صل على محمد وآله وسلم، فهذا أكمل، فالجمع بينهما مطلوب، والصلاة عرفنا معناها، والسلام معروف، وبهذا لا يقول الإنسان محمد ، وإنما يقول: عليه الصلاة والسلام، هذا بالنسبة لرسول الله ﷺ تحقيقًا لهذا الأمر من الله ، لكن في غير النبي ﷺ من ذكر الملائكة والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فلو أنه قال جبريل موسى وإبراهيم ، فهذا لا إشكال فيه، فإذا زاد الصلاة، فقال: جبريل ﷺ، وميكال ﷺ، وإبراهيم -عليه الصلاة والسلام، ﷺ-فهذا أكمل، ولكن هل نحن مطالبون بذلك؟ الجواب: لا، بمعنى: أنه غير متأكد، كما هو في حق النبي ﷺ؛ لأن ذلك إنما أمرنا به على سبيل الخصوص، طيب غير الأنبياء وغير الملائكة -عليهم الصلاة والسلام- هل يقال: فلان عليه السلام؟ أو علي عليه السلام، وفاطمة عليها السلام؟ أول شيء نقول لهذا القائل: هل تقول أبو بكر عليه السلام؟ وعمر عليه السلام، ما سمعنا بهذا، فلماذا يخص علي ، وفاطمة -رضي الله عنها- بهذا؛ ولهذا قال ابن كثير -رحمه الله- وبعض أهل العلم: إن ذلك مما سرى إلى أهل السنة من الشيعة، المعنى صحيح، لكن لماذا التخصيص؟ فالذي يعاب هو التخصيص أو المداومة، بل إن بعض أهل العلم قال بالكراهة أن يصلى أو يسلم على غير الأنبياء، قالوا: كما لو قالوا: محمد مع أن المعنى صحيح، فالنبي ﷺ عز من العزة، وجل: فهو جليل القدر -عليه الصلاة والسلام-، المعنى صحيح، لكن في عرف الاستعمال يقال الله ، محمد ﷺ، وأبو بكر ، وعلي ، وفاطمة -رضي الله عنها-.

فالمقصود: أن المعنى صحيح، فلو أن الإنسان قال: ﷺ، أو قال: عليه السلام، لكن بشرط ألا يخصص أحدًا من أصحاب النبي ﷺ، فيكون مضاهيًا لأهل البدع.

الأمر الثاني: ألا يكون على سبيل المداومة، أما على سبيل التبع فلا إشكال، يقول: اللهم صل على محمد، اللهم صل وسلم على محمد وآله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين، هذا بالإجماع، لكن على سبيل الإفراد والاستقلال هل يقول الإنسان مثل هذا؟ يعني تقول مثلاً: أبو صالح ﷺ، هل هذا يصح؟ الجواب: نعم، صحيح لا إشكال فيه، هذا جائز، والله قال لرسوله ﷺ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103] صل عليهم يعني: قل: اللهم صل على فلان إذا جاؤوا بالزكاة؛ ولهذا قال النبي ﷺ: اللهم صل على آل أبي أوفى[3]؛ ولما قال: صل عليّ يا رسول الله، وعلى زوجي، جاؤوا بزكاة مالهم، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى فيقال هذا في مثل هذا المقام، لكن لا يتخذ ذلك عادة في ذكر الناس، حينما يذكرون لا من الصحابة، ولا من بعدهم، وإنما يترضى عن الصحابة، ويترحم على من بعدهم، هذا صار شائعًا في عرف الاستعمال، ومشى عليه الناس، مع أن ذلك صحيح كما سبق لو قيل لغير الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، ثم ذكر أحاديث.

منها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا[4] رواه مسلم.

وهذا من باب أن الحسنة بعشر أمثالها، والله كما في الحديث القدسي الذي سبقت الإشارة إليه في بعض المناسبات وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم[5]، وهنا في الصلاة على نبيه ﷺ إذا صلى العبد على رسول الله صلاة واحدة -عليه الصلاة والسلام- صلى الله عليه بها عشرًا، وتصور إذا صلى الله على العبد، وذكره في الملأ الأعلى، وصلاته تعني: أمورًا إضافية، يدل على ذلك قول الله -تبارك وتعالى-: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ [الأحزاب:43] لاحظ التعليل {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب:43] فإذا صلى الله على عبده، فهذا معناه: أنه يهديه وينقله من هداية إلى هداية، والهدايات كثير جدًا، والناس يتفاوتون فيها، هدايات في العلم، وهدايات في العمل.

فهنا الله يصلي عليه عشرًا، ويذكره في الملأ الأعلى، ويحصل له هدايات بسبب ذلك، فإذا استشعر الإنسان ذلك أكثر من الصلاة على النبي ﷺ، وكانت تلك مزية لأهل حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنهم يكثرون من هذا لاشتغالهم بالحديث، فهم أكثر الناس صلاة على النبي ﷺ، وشتان بين صلاة العبد وصلاة الرب - وتقدست أسماؤه-.

وهكذا حديث ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة رواه الترمذي، وقال: حديث حسن[6].

وهذا الحديث تكلم فيه أهل العلم، وضعفه بعضهم؛ لضعف راو فيه، ووثقه آخرون؛ ولهذا منهم من حسنه؛ الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- ضعفه في عدد من كتبه، وفي بعضها حسنه لغيره، كما في صحيح الترغيب والترهيب[7]، وكما في موارد الظمآن على زوائد ابن حبان.

على كل حال قال -على فرض صحة الحديث-: أولى الناس بي قد يكون أولى الناس بقربي، وأولى الناس بشفاعتي، وأولى الناس بمحبتي.

وجاء حديث آخر غير حديث ابن مسعود ، وهو حديث معاذ عند البيهقي وغيره -وهو أيضًا لا يصح- يدل على أن المراد بذلك يوم القيامة، القرب من النبي ﷺ يوم القيامة، قال: أكثرهم عليّ صلاة على كل حال لعل هذا يكفي.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه أحمد ط الرسالة برقم (1736) وقال محققو المسند: "إسناده قوي" وابن حبان برقم (909) وصححه الألباني.
  2. أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد برقم (405).
  3. أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام، ودعائه لصاحب الصدقة برقم (1497) ومسلم في الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقته برقم (1078).
  4. أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل له الوسيلة برقم (384).
  5. أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَيُحَذِركُم اللهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:28] برقم (7405) ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة، باب الحث على ذكر الله تعالى، برقم (2675).
  6. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الوتر، باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- برقم (484) وضعفه الألباني.
  7. صحيح الترغيب والترهيب (2/136) (1668).

مواد ذات صلة