الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(216) دعاء الكرب " الله الله ربي ولا أشرك به شيئا "
تاريخ النشر: ٠٤ / ذو الحجة / ١٤٣٥
التحميل: 1789
مرات الإستماع: 1823

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

هذا الذكر هو آخر ما أورده المصنفُ فيما يتَّصل بدُعاء الكرب، وهو ما جاء من حديث أسماء بنت عُميس -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسولُ الله ﷺ: ألا أُعلمك كلمات تقولينهنَّ عند الكرب -أو في الكرب-؟ الله ربي لا أُشرك به شيئًا.

هذا الحديث أخرجه أبو داود[1]، وابن ماجه[2]، وسكت عنه أبو داود، وقد عرفنا أنَّ ما سكت عنه أبو داود فهو صالحٌ للاحتجاج عنده، وقال عنه المنذري: لا ينزل عن درجة الحسن[3]. وقد يكون على شرط "الصحيحين"، أو أحدهما.

وحسَّنه جمعٌ من أهل العلم: كالحافظ ابن حجر[4]، والسيوطي[5]، والألباني[6]، ثم بعد ذلك تراجع فصححه، وقال عنه أبو نُعيم: غريبٌ من حديث عمر؛ تفرد به ابنُه عن هلال مولاه عنه[7]. فهو حديثٌ ثابتٌ صحيحٌ.

فالنبي ﷺ يقول لأسماء -رضي الله تعالى عنها-: ألا أُعلمك كلمات، هكذا بأسلوب العرض الذي يقتضي التَّشويق وجذب الانتباه من أجل أن تتشوف إلى ذلك.

تقولينهنَّ عند الكرب، أو في الكرب، وهذه الكلمات التي علَّمها النبيُّ ﷺ أن تقول: الله ربي تكررت لفظة الجلالة مرتين، الله، الله ربي، فلفظ الجلالة (الله) الأول مُبتدأ، والثاني تأكيدٌ لفظي له.

وهذا التَّكرار للفظ الجلالة فيه إشارة إلى عِظم هذا الاسم الكريم، وما تضمّنه من صفة الإلهية، وكذلك أيضًا الاستلذاذ بذكره -تبارك وتعالى-، واستحضار لعظمته، والتَّأكيد لوحدانيَّته، فهذا الاسم عرفنا في الكلام على الأسماء الحسنى أنه تعود إليه جميع الأسماء الحسنى لفظًا ومعنًى؛ تعود إليه لفظًا: فهي تُعطف عليه دائمًا، يأتي قبلها، وتعود عليه معنًى؛ بمعنى: أنَّ الإلهية جامعة لسائر الصِّفات، فإنَّه لا يكون إلهًا إلا مَن كان ربًّا، غنيًّا، حميدًا، قويًّا، عزيزًا، وما إلى ذلك.

والمعنى: بأنَّ إلهي الذي أعبده وأخصّه بجميع أنواع العبادة: الخوف، والرَّجاء، والذلُّ، والتَّوكل، والخضوع، وما إلى ذلك؛ هو ربي الذي ربَّاني بنِعَمه الظَّاهرة والباطنة، وهو الذي خلقني؛ ولذلك جاء به في مقام الخبر: الله، الله، فلفظ الجلالة (الله) مبتدأ، و(ربي) خبر.

فذكر هذين الاسمين الكريمين المتضمنين لأعظم الصِّفات الإلهية والربوبيَّة، فالربّ هو المربي خلقَه، هو السيد، هو المالك، هو المتصرف، هو الذي أوجدنا من العدم، وهو الذي يملك النَّفع والضّر، فكلّ ذلك إليه.

لا أُشرك به شيئًا، فهذا أيضًا توحيدٌ؛ وذلك بمعنى: لا أتَّخذ معه شريكًا في العبادة كائنًا مَن كان، فـ(شيئًا) هنا نكرة في سياق النَّفي، وهي تُفيد العموم، ولا يُشرك به شيئًا في قليلٍ ولا كثيرٍ، بأي نوعٍ من أنواع الشِّرك، سواء كان ذلك في المقاصد والنِّيات: كالرِّياء، والسُّمعة، أو كان ذلك في غيره من توجيه العبادة، وإرادة غير الخالق -تبارك وتعالى- بشيءٍ من طوافٍ، أو ذبحٍ، أو دعاءٍ، أو نذرٍ، أو غير ذلك.

إذًا هذه الجملة على اختصارها قد اشتملت على تحقيق التوحيد بشقّيه: النَّفي والإثبات؛ نفي العبودية عن كلِّ ما سوى الله -تبارك وتعالى-، وإثبات ذلك له وحده.

وهذا -كما سبق- يدلّ على أنَّ التوحيد هو أعظم مفزعٍ لتجلية الكروب، والنَّجاة من الشَّدائد، فكلّ هذه الأحاديث -كما ترون- قد اشتملت على التوحيد والتَّوسل، فجاء بالتوحيد من أجل إزالة الكرب.

فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم ممن حقّق التوحيد ظاهرًا وباطنًا، وأن يُعيننا وإياكم على ذكره وشُكره وحُسن عبادته.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا.

اللهم لا تدع لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلا غفرتَه، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا كربًا إلا نفَّسته، ولا دَيْنًا إلا قضيتَه، ولا حاجةً من حوائج الدُّنيا والآخرة إلا أعنتنا على قضائها ويسَّرتها برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المؤمنين.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

 

  1. أخرجه أبو داود: باب تفريع أبواب الوتر، بابٌ في الاستغفار، برقم (1525)، وصححه الألباني.
  2. أخرجه ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب الدعاء عند الكرب، برقم (3882)، وصححه الألباني.
  3. "الترغيب والترهيب" للمنذري ت: عمارة (1/38).
  4. "نتائج الأفكار" لابن حجر (4/90).
  5. "الجامع الصغير من حديث البشير النذير" (1/249).
  6. "صحيح الجامع"، برقم (4388).
  7. "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (6/593).

مواد ذات صلة