الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
الحديث عن آيات الباب، حديث «لا تظهر الشماتة لأخيك..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم، والشماتة، بمعنى: إظهار الفرح بما يحصل من المكروه للمسلم، فيظهر ذلك إما بطريق السخرية به، أو بما يدل على سروره وفرحه بذلك، الذي وقع من المكروه لهذا الإنسان، أو بغير ذلك من ألوان التصرفات الظاهرة، التي تدل على اغتباطه وفرحه بما وقع لأخيه.

فهنا النهي عن إظهار الشماتة، فهذا هو المحرم، لكن قد يكون الإنسان يعادي أحد من الناس، فيقع لذلك شيء من المكروه، فيقع في نفس الطرف الآخر شيء من الفرح، أو الشعور بالتشفي بسبب هذا المكروه، الذي وقع لمن يعاديه، فمثل هذا هل يؤاخذ الإنسان به بمجرد وقوعه في نفسه؟ الجواب: أنه لا يؤاخذ؛ لأن ذلك أمر قد يقع في قلبه، ولا يستطع أن يدفعه.

لكن حينما يُظهِر شيء من ذلك، فهذا هو المحرم، وهذه هي الشماتة، وليست الشماتة أن يقع في قلبه شيء لا يستطيع دفعه، فإن الإنسان قد يحمله شدة البغض والعداوة من أحد من الناس أنه قد يجد شيء من السلوى أو التشفي، حينما يرى به مكروهًا، أو يراه في حال تسوء.

مع أن هذا ليس من الكمالات، والكمال: أنه يحب لإخوانه ما يحب لنفسه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[1]، وقد يقع بين الناس شيء من الخصومات، وما إلى ذلك، إلا أنه يكون في حال من طيب النفس تجاه أخيه.

كما كان أصحاب النبي ﷺ، وقد ذكرت نماذج مما وقع بينهم من القتال، وما إلى ذلك، كما جرى لعلي وأهل الشام، وما قاله في حق عائشة -رضي الله عنها-، وفي حق عثمان، وفي حق طلحة والزبير.

فالمقصود: أن مثل ذلك إن لم يُظهَر فإن الإنسان لا يُؤاخذ به، والله تعالى أعلم.

قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] أي: أن هذه الأخوة الإيمانية تكون باعثة على كراهة ما يقع لأخيه من الأمور المكروهة، لا أن يكون الحال بعكس ذلك، فيفرح بمساءته، وما يقع له من الشر والضرر.

وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19] ما وجه الاستشهاد بهذا؟ هذه الآية هي الآية التاسعة عشر من سورة النور.

وصدر سورة النور معلوم أنه نزل فيه ستة عشر آية في قصة عائشة، وما حصل من الإفك: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19] فهذه الآية في ذلك السياق في سورة النور المراد بها -والله تعالى أعلم- فشوا الفاحشة: إما بالرغبة في ذلك، يعني: يحب أن تنتشر الفاحشة في المجتمع الإسلامي، فهذا داخل فيه، وهذا غير ما ذكرتُ بوجود الفرح والسرور بما يقع لمن يعاديه، فلا يستطيع دفعة.

فهذا إنسان يحب الفساد، ويحب انتشار الفاحشة، حتى لو لم يتصرف ويفعل، لكنه يود من داخله أن الفساد ينتشر في المجتمع، وأن التبرج ينشر في المجتمع، وأن الاختلاط ينتشر في المجتمع، وأن الزنا وما إلى ذلك ينتشر في المجتمع، وأن الطالبات يدرسن مع الطلاب في المدارس والجامعات، وما إلى ذلك، وأن المرأة تخرج متبرجة سافرة، فهذه الرغبة الموجودة عنده، والمحبة تكون في القلب فقط، لم يصدر منه تصرف زائد على ذلك في الخارج، فهذا داخل فيها.

ومن كان فوق ذلك ممن يتصرف تصرفات، فهو من باب أولى، مثل: الذي يدعو إلى ذلك بقلمه، ويكتب في صحف ووسائط ووسائل، ومواقع، ومنتديات، ويؤسس موقعًا لذلك، ويدخل فيه أيضًا الذي يدعو إليه بلسانه، فيتكلم في المجالس، ويتكلم على منابر، وسواء كان ينتسب للدين والعلم، أو لا ينتسب، يقول: ما فيها شيء، وكما يقول بعض من ينتسب للدعوة بعد ما ذهب إلى بلاد الغرب ليحاضر، فوجد الرجال والنساء، هؤلاء بمعزل عن هؤلاء، وبينهم حاجز، فغضب، وتضايق، وأظهر انزعاجه، وكتب عن هذا الموضوع، وكيف أن هؤلاء الشباب الذين ينضمون هذه الملتقيات نقلوا الثقافات التي في بلادهم والتقاليد والعادات إلى بلاد الغرب، فهو متضايق من هذا، فيقول: فما الإشكال لو بقوا معًا، فتعرفت هذه على هذا، لعلها توفق بزوج تسعد معه، وهذا شيخ، ويدعو ويعتبره كثير من الناس من علماء الأمة الأفذاذ، الذين يفهمون العصر ومعطياته، ويقول مثل هذا الكلام، وينزعج من الفصل بين الجنسين، فعلى كل حال أقول: قد يدعو الإنسان إلى ذلك بلسانه.

وقد يكون ذلك ببعض الممارسات مثل: أن يؤسس مشاريع وأعمال مختلطة، وقد يكون هذا أيضًا بنشر الصور الفاسدة والفاحشة في المجلات والصحف، ويؤسس مواقع في الإنترنت أو قنوات، ويضع فيها هذه الأشياء، بما يحصل به ما يغري بالفاحشة، هذا كله داخل في إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وهو أبلغ من مجرد محبة إشاعة الفاحشة.

ويدخل في ذلك أيضًا من يقع له ذلك في أسوء صوره وأشكاله وحالاته، وهو يوجد الأماكن التي تكون للبغاء، أو تسهِّل ذلك، أو تُوجد الدعاية له، فهذا كله داخل فيه.

لكن ما علاقة الموضوع هنا بباب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم؟ يعني: الشيخ يقول: إن عبد الله بن أبي فعل ذلك بالشماتة بعرض النبي ﷺ.

لكن ألا يقال: إن وجه الارتباط هو أن هذه المكروه الذي يقع للناس، يعني: هذا ابتلي ببلية، وهذا استزله الشيطان فوقع بمعصية، أو بكبيرة من الكبائر، سواء كانت بما يدنس السمعة، أو الشرف، أو غير ذلك.

فيظهر الشماتة به، ويفرح أنه تورط بذلك، ووقع فيه، ويبدأ يكتب بالتوتير وبالإنترنت، ويشهر به، ويقع في عرضة، أليس ذلك من محبة إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا؟ فهذه الصورة الآن، وهذا الذي وقع لهم أمور مكروه لا يحبها أحد لنفسه، سواء كان بما يسمى ما يتصل بالمشاكل التي تنافي الأخلاق والفواحش المعروفة، أو كانت من الكبائر الأخرى والمعاصي، والأمور المذمومة، فيفرح لذلك، ويشمت بهم، ويسر ويظهر السرور: أن ذلك وقع لهم، فهو اكتشاف عنده: أن فلان اكتُشف أن له علاقات بامرأة لا تحل له، وفلان شُوهد في المكان الفلاني، وفلان خرج مع مذيعة متبرجة، وفلان كذا، فيبدأ ينشر مثل هذه الأشياء، فهذا من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، هذا وجه لارتباط بين الآية وبين الباب.

فهذه الأمور التي وقعوا فيها أولاً هي أمور لا يحبها الله، ففرحه بذلك، وإظهار هذا الفرح، هو من جملة إشاعة الفرح في الذين آمنوا، ومن جهة أخرى: فإن مثل هذا التصرف هو إشاعة لها، ونشر لها؛ ولذلك قال بعض أهل العلم في آية النور هذه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19] أنه يدخل فيها الذين يتحدثون على سبيل الإخبار فقط، لا القذف، كأن يقول: أما سمعتَ ما قال فلان؟ فهذا داخل فيه وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور:16] الإنسان لا ينطق، ولا يتكلم في مثل هذه الأشياء: بل قال بعض أهل العلم: إن نسخ لفظ آية الرجم، مع بقاء الحكم، وهي قوله: "الشيخ والشيخة -يعني: المحصن والمحصنة- إذا زنيا، فرجموهما البتة نكالاً من الله" قالوا: نُسخ لفظها تنزيه للأسماع؛ لئلا تطرقها مثل هذا الأمر العظيم، كيف المحصن يزني؟ وكيف يقع هذا؟ وكيف تقع مثل هذه البلية والمصيبة؟ فنزّه الأسماع عنها؛ لأن طرق ذلك للأسماع يهونه، فتذهب شفافية القلب تجاه المنكر؛ ولهذا فإن من الناس من يكون ذلك منه على سبيل الغيرة، قد يعمل في جهاز حسبة، أو قد يكون متطوعًا، أو قد يكون غيرة ومتتبع لمنكرات، فكل ما جلس بمجلس بدأ يتحدث عن الحكايات والتفاصيل والقصص، والأمور التي وقعت هنا وفي الكرنيش، وفي البحر، وفي اليمين، وفي اليسار، ومسك كذا، وشاب مع فتاة بسيارة، وحصل كذا، وجدوهم في حال من كذا، وجدوهم في حال من كذاك، وتفاصيل، فمثل هذه الأشياء الذي تعرض بهذه الطريقة الغبية تهون، ما نتيجتها، يهون وقعها على النفوس، فالإنسان الذي لم تطرق نفسه هذه الأشياء يبقى قلبه في حال من الحياء والحيوة، والشفافية تجاه هذه الأمور، بعكس من يكون في الفاحشة.

فالشاهد: أن مثل هذه الأمور حينما تذكر وأسوأ من ذلك أن تذكر على منبر، فبعض الوعاظ يذكر أشياء -والله يستحي الإنسان منها، ويعرق جبينه، وأنا أمسح جبيني أحيانًا، وأقول: اللهم لا تشمت بنا، اللهم لا تشمت بنا.

فيسمع هؤلاء الليبراليين والمنحرفين، فيقولون: ويش هؤلاء الجهلة والأغبياء؟ يجلس على المنبر ويتباكى ويذكر قصص مفصلة، وجد شاب مع فتاة في حال كذا، وجدوا في السيارة، وليس عليهم كذا، وهل هذه طريقة في الوعظ والتعليم؟

هذا من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، فيهون ذلك على الأسماع، وقد سمعنا بعض هؤلاء الناس الذين يذكر لهم مثل هذه الأشياء، يقول: يحلي لك ما شفت شيء، لماذا يقول: يحلي لك، ما شفت شيء؟ لأنه سامع أعظم وأعظم، فهذه الأشياء التي جاء بها هذا الإنسان، ومتضايق منها، وحامل هم كبير بسببها، ذاك سامع أكثر وأكثر، فما عادت تأثر فيه.

ثم أيضًا مثل هذا النقل والإشاعة والإذاعة في الواقع تحرك النفوس المريضة، فبعض الناس يتلذذ بسماعها، شعر أو لم تشعر.

وأمر زائد على هذا، وهو أن نفوس أهل الإيمان يحصل لها شيء من الانكسار، والحزن، والهم، والغم، فيتسلط الشيطان ويجد مدخلاً، فيلقي في قلوبهم الإحباط واليأس، فيخرج أحدهم من هذا المكان وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله، ويبدأ الشيطان يطرب ويرقص.

فنحن بحاجة أن نلقي على الناس الكلام الذي يقوي القلوب، ويدفع الناس إلى العمل والإصلاح، لا أن يشعر الناس أن الدنيا فاسدة، وأن لا سبيل للإصلاح، وأن الشر وأهله قد طغوا وبغوا وغلبوا، لا يمكن هذا، فسنة المدافعة قائمة، والعاقبة للمتقين.

فهذا الذي يأتي ويلقي مثل هذه الأشياء في أسماع هؤلاء الحضور، وهم يستمعون إليه، هذا يجني على نفسه، ويجني على هؤلاء، وهذا يدخل في قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19] وإن لم يحب، لكن فعله هذا موافق لهم، فقد يكون معذورًا لقصده، ونيته إلى آخره، لكن فعله ينبغي أن يُنكر، فكل هذه الأمور مجتمعه هي آثار سلبية، ولا يوجد مصلحة مثل هذا، فتنزه الأسماع، ولا يُتحدث بهذه القضايا في المجالس إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19] فهم متوعدون في الدنيا قبل الآخرة.

وبعض هؤلاء أصحاب المواقع والكتابات، أو بعض رؤساء تحرير الصحف، لا يجد فرصة فيها شيء عن المرأة إلا وينشرها في الصفحة الأولى، وفي أعلى الصفحة، قضية تتعلق باختلاط، وقضية تتعلق بمزيد من إخراج المرأة، والدفع بها خارج بيتها، ومكان طهرها وعفافها وقرارها إلا ويضع هذا الخبر.

وأولئك الذين يكتبون بأسماء نساء، وكان هؤلاء كثير في السنوات الماضية، والآن بدأ يجترئ بعض النساء، يكتبن، وبعض الرجال ثبت أنه في بعض الصحف يكتب باسم امرأة، ويضع صورة امرأة في أعلى المقال، وهو رجل.

وبعضهم كتب بأكثر من اسم، وهم رجال، يريدون أن يجرؤوا المرأة، شياطين تعمل، وقد اعترف بعض من تاب من هؤلاء أنهم يتبادلون الأدوار، وأنهم يكتبون بأسماء مستعارة، وأسماء نساء، وكل ذلك تجرئة لنساء المجتمع، وجر لأقدامهن.

فهذا الأمر ينبغي أن يلاحظ، وأن يُتقى، فلا يقع الإنسان بذلك من حيث يشعر، أو من حيث لا يشعر.

ثم ذكر حديث واثلة بن الأصقع قال: قال رسول الله ﷺ: لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك[2] رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن".

هذا الحديث لا يصح عن النبي ﷺ، فهو حديث ضعيف، وإن كان المضمون والمعني صحيح، فالإنسان قد يشمت بغيره، فيعافى ذاك، ويبتلى هذا، بل قد يرى الإنسان من نفسه أنه لا يتكلم، مع أن الله لا يؤاخذ بما حدث الإنسان به نفسه، لكن قد يلاحظ مرارًا أن الشيء يقع في نفسه فيراه واقعًا، يعني: يدور في خلده من انتقاص، أو انتقاد، أو شماتة لم يظهرها، فيرى ذلك في نفسه وأهله، وهذا كثير.

قال: "وفي الباب حديث أبي هريرة السابق في باب النهي عن التجسس" يعني: نهى فيه النبي ﷺ عن الأمور التي من شأنها أن توقع بهذا لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخوانًا فلا يفرح لما يقع لأخيه المسلم، وكذلك قوله: كل المسلم على المسلم حرام وذكر الدم والمال والعرض، فهذا مما يقع للمسلم تلك المكارة، فقد تقع في ماله أو في نفسه، أو في عرضه، فالشماتة يكون فيما متصل في عرضه، فهذا حرام عليه، والله المستعان.

نسأل الله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، وأن يقيم ألسنتنا، وأن يحفظنا وإياكم من مساخطه، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه برقم (13) ومسلم في الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه... برقم (45).
  2. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع برقم (2506) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (ص: 901) (6245).

مواد ذات صلة