الإثنين 23 / جمادى الأولى / 1446 - 25 / نوفمبر 2024
حديث "نهى رسول الله أن يبيع حاضر لباد.." إلى «لا يحل لمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب تحريم بيع الحاضر للبادي، وتلقى الركبان، والبيع على بيع أخيه، والخطبة على خطبته، إلا أن يأذن أو يرد، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، التحريم؛ لأن النهي ورد عن ذلك صريحًا، والأصل أن النهي للتحريم، بيع الحاضر للبادي، هذه الأمور المذكورة -كما سيأتي في هذه الأحاديث- كل ذلك من أجل التباعد عن كل ما يوغر الصدور، ويورث الشحناء والبغضاء والعداوة بين المسلمين؛ لأن الله -تبارك وتعالى- أمر بالاعتصام بحبله، والمؤاخاة بين أهل الإيمان وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا فكل ما يؤدي بالناس إلى العداوة والبغضاء والشحناء قد نهى عنه الشارع، فضلاً عما في ذلك من الضرر، والشريعة جاءت بدفع ورفع الضرر، فالضرر يزال، ولا ينبغي للإنسان أن يغلب مصلحة نفسه على حساب مصالح إخوانه في البيع والشراء، وغير ذلك من ألوان العقود والمعاملات، والنبي ﷺ قال: لا يؤمن أحدكم يحب لأخيه ما يحب لنفسه[1].

ومثل هذا السياق كما مضى في بعض المناسبات إذا قال: لا يؤمن نفى عنه الإيمان فإن ذلك يدل على انتفاء الإيمان الواجب، يعني: أن صاحبه من أهل الوعيد لا يؤمن نفى عنه الإيمان، لا يقال: هذا الإيمان الكامل الكمال المستحب، وإنما الكمال الواجب، فالواجب على المؤمن أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه.

وهنا باب تحريم بيع الحاضر للبادي، بيع الحاضر للبادي فيه مفاسد، ومن أبرز هذه المفاسد، وأعظمها: أن ذلك يرفع الأسعار على الناس، فيلحق بهم الضرر والحرج والمشقة، فهؤلاء الذين يأتون من خارج البلد ومعهم السلع ينزلون إلى الأسواق، ويريدون بيعها، ثم يتعجلون بالرجوع إلى بلادهم أو إلى أهلهم، سواء جاؤوا من بلد آخر أو من البوادي، فإذا جاء الحاضر، يعني: المستوطن في البلد، وقال: أعطني هذه السلعة، أنا أعرف الأسعار، وأعرف السوق، وأعرف التسويق، اتركها عندي في المستودعات، وأبيعها لك على التدريج، وأحول لك الثمن، فما الذي يحصل من هذا؟

ستباع بنفس سعر السوق، لكن لو أن الناس تركوا، فهذا يجلب بضاعة، وهذا يجلب بضاعة، فهو يريد أن يبيعها بيومه، ثم بعد ذلك ينصرف، فستنزل الأسعار، وينتفع الناس، فهذا يبيع سلعته، وهذا يشتري بسعر مناسب، لكن أن يتولى البيع نيابة عنه أحد من أهل البلد الذي عبر عنه هنا بالحاضر فإن ذلك يؤدي إلى هذا الضرر بالناس.

وتلقي الركبان، تلقي الركبان هذا أشد من بيع الحاضر للبادي، بيع الحاضر للبادي يعلمه الأسعار في البلد، وقد يبقي عنده هذه السلعة، فيبيعها على التدريج، أما تلقي الركبان فهذا أشد، فيذهب على مداخل البلد، على الطرق، فإذا جاء هؤلاء الركبان، هؤلاء يحملون معهم سمنًا، أو أقطًا، أو زبيبًا، أو فواكه، أو خضر، أو نحو ذلك، أو ثيابًا، أو دوابًا يريدون بيعها، فهذا يستقبلهم خارج البلد، وهم لا يعرفون السعر في البلد، فيأتي، ويفاوضهم، ويشتري منهم هذه السلع، ثم يذهب إلى السوق، ويبيع هذه السلع، لا يجوز ذلك؛ لأن هؤلاء إذا نزلوا إلى السوق باعوا ما بأيديهم، واشترى منهم الناس، وهذا يكون كواحد من الناس، لكن حينما يذهب، ويستقبلهم هناك، ويشتري منهم، فمعنى ذلك أنه سيأتي بها، ويبيع أو يحتكر، ويتحكم بالأسعار، ويضر الناس، الشريعة جاءت برفع الضرر، يعني: هذا الغلاء الذي يحصل، غلاء الأسعار، وما إلى ذلك، هذا كله بعض ما كسبت أيدينا، الشريعة احتاطت في هذه الأمور كلها.

حتى في الدعايات، هذا يفتح له محل أو معرض، ثم بعد ذلك يأتي، ويقيم دعايات سيارة لمن يشتري، سيارة لمن كذا، فيضر الناس، فينجفل الناس على هذا المكان، أو هذا السوق، ويتركون باقي الأماكن الأخرى، فهذه تجارة على حساب الآخرين، تجارة على حساب المحال والمتاجر الأخرى، فيمنع مثل هذا، هذا غير الدعايات المضللة الكاذبة، وأكثر الدعايات كاذبة، يقول لك: جربها، هي الأحسن طعمًا، هي الأفضل مثلاً نوعًا، أو يقول لك: هذه هي الأفضل تركيبًا، أو نحو ذلك من العبارات، استعمال العبارات أفعل التفضيل، وما أشبه ذلك من كلام لا حقيقة له، فيكون هذا ترويجًا لهذه البضائع بالكذب، والدعايات الكاذبة، وهذا حرام، وأكثر الدعايات للأسف اليوم هي على هذا، دعايات لا تبرأ بها الذمة.

فالشاهد: هذا تلقي الركبان -وسيأتي مزيد تفصيل لهذا إن شاء الله- والبيع على بيع أخيه، وكذلك الشراء على شراء أخيه، كيف يبيع على بيع أخيه؟

هذا رجل بائع عنده مشتري، فالبائع قال له: هذا الكتاب بعشرين ريال، فتراوضا على هذا السعر، وتواضعا عليه، فجاء الثاني، وقال: أنا أبيعك إياه بعشرة، باع على بيع أخيه، فهذا سيترك هذا البائع، ويذهب إلى الذي قال له: بعشرة، ويكون في هذا من إيغار الصدور، وأسباب العداوة ما فيه، وهذا أمر مشاهد، وقد يصل إلى حال من الاقتتال، ونحو ذلك، وقد حصل، أحد الباعة أخذ الآخر، يعني: هذا جزار، وهذا جزار، وهذا يضع من السعر قليلاً، فتغيظ عليه الآخر، فأخذه، وأضجعه، وذبحه كما تذبح الشاة عند متجره، والسبب أنه يبيع على بيعه، أنا أعطيك الكيلو بدلاً من أربعين بخمسة وثلاثين، فهذا يغتاظ، فكيف لو كان هذا على سبيل المضارة المحضة مما يفعله كثير من الناس اليوم، بعض الباعة، وبعض أصحاب المتاجر، وأصحاب الأسواق عصابات بمعنى الكلمة، عصابات، ولا يعرف هذا إلا من جربه، يدخل جديد في السوق في نوع من النشاط، أو التجارة، أو البيع والشراء بين هؤلاء تجار جملة مثلاً، ملابس، مواد بلاستيكية، ورقيات، قرطاسية، أو أي شيء، مواد بناء جديد، فماذا يفعل بعض هؤلاء؟

هؤلاء تجار في هذا العمل من عشرات السنين، فيأتون، ويضعون من السعر بحيث لا يستطيع أن يضع مثل ما يضعون، فيخسر، يعني: أقل من رأس المال بكثير، ولذلك أحيانًا تفاجؤون، وتستغربون أن بعض أنواع الفواكه، أو الألبان، أو غير ذلك تنزل إلى النصف، وإذا سألت الموزع، أو كذا ما الجديد، ما عندكم؟

الحمد لله الخير كثير، وليس الأمر كذلك، لكن في تاجر جديد في السوق فتح مصنعًا، فيريدون إخراجه من السوق، فهذا التاجر القديم يتحمل، فيبيع بنصف السعر، وهذا ما يستطيع، فيبقى لمدة شهر، ولشهرين، ثم بعد ذلك يخرج من السوق، يخسر، ما يستطيع أن يجاريهم، حتى الأشياء التي قد يتفرد بها هذا، يرسلون بعض المندوبين، ويشترون منه، ويبيعونها بأقل من السعر الذي اشتروه منه، يعني: هذه قد تكون من مصنع هو الذي يصنعها، ما توجد عند آخرين، فيشترونها منه، ثم يضعون من السعر بأقل من رأس المال، ولا يستطيعه صاحب المصنع أن يبيع بهذا السعر، مصنع جديد، فيبقى لمدة شهر، لمدة شهرين، ثم يخرج من السوق، هذا الذي يحصل لدى كثير من هؤلاء.

يأتي إنسان، ويقول: أنا أريد أن أقيم مشروعًا في صناعة اللباس، ملابس الأطفال، أو ملابس النسائية المحتشمة، ثم تلتف عليه هذه العصابة، ويبيعون بأسعار أقل، ويحاربونه غاية المحاربة، حتى يخرج من السوق، فهذا نهى عنه الشارع، البيع على بيع أخيه، والشراء على شراء أخيه، جاء هذا الإنسان يريد أن يشتري هذه الأرض، كم قيمة هذه الأرض؟

بأربعمائة ألف، جاء آخر للبائع قال: أنا أشتريها منك بأربعمائة وخمسين، أنا أشتري منك هذه الدار، هو يريد أن يبيعها بمليون وخمسمائة ألف مثلاً، قال: أنا أشتري منك هذه الدار بمليون وستمائة ألف، هذا يسبب عداوة بين الناس، لا يجوز، هذا حرام، والبيع على بيع أخيه، لاحظ على بيع أخيه، هذا أخوك في الإيمان إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ والخطبة على خطبته لاحظ هذه قيدها إلا أن يأذن، أو يرد موضوع الخطبة، إذا خطب من أناس امرأة، متى يكون هذا؟

إذا أعطي الضوء الأخضر، يعني: لو أنه تقدم الآن، ولا زالوا يسألون عنه، وما أجابوه بشيء إلى الآن، فيجوز لآخر أن يتقدم، وثالث، ورابع، لا إشكال، لكن إذا أعطي الضوء الأخضر، يعني: قيل: مرحبًا بكم، فهنا لا يجوز لأحد أن يتقدم إلا أن يكون لا يعلم، أو يأذن له الخاطب، يقول له: لا بأس تقدم، أنا أؤثرك على نفسي، أو يرد، يعني: يقولون له: نحن والله نعتذر إليك، ففي هذه الحالة يجوز لغيره أن يتقدم، فصارت عندنا الأحوال:

الأولى: أن يخطب، ولم يرد عليه إلى الآن أي رد، لا إيجابي، ولا سلبي؛ فيجوز للآخرين أن يتقدموا.

الحالة الثانية: أن يرد عليه بالإيجاب، والموافقة المبدئية، فلا يجوز لأحد أن يتقدم إلا بإذنه.

الحالة الثالثة: أنه أجيب بالرفض، فهنا يجوز للآخرين أن يتقدموا، فصار عندنا هذه الحالات، الخطبة على خطبته إلا أن يأذن، أو يرد.

ثم ذكر حديث أنس قال: نهى رسول الله ﷺ أن يبيع حاضر لباد[2] -كما سبق- هذا غريب جاء ومعه سلعة، فيأتي الحاضر، ويقول: أنا أبيعها لك، هؤلاء جاؤوا للحج ومعهم بضائع يريدون أن يبيعوها في الموسم، فيأتي بعض أهل البلد يقولون: لا دعها عندي، أنا أبيعها على التصريف، على مدة، أو يقول: أنا أتولى بيعها؛ لأني عارف الأسعار، وعارف البلد، وعارف كل شيء، فيقول: دعني أنا سأقوم بهذا، فتستغرب بلادهم رخيصة، وهذا جاء معه هذه السلع، ووضعها بسعر البلد هنا، كيف عرف هذه الأسعار، وكيف تخيل هذا، وهناك يبيعونها بعشر السعر.

على سبيل المثال: العسل الكيلو يمكن أن يصل هنا من تلك البلاد التي هي جنات وأنهار وأزهار بعشرة ريالات، عسل طبيعي من تركيا، من داغستان، الجمهوريات الإسلامية، البلقان، وما شابه ذلك، إفريقيا، يصل إلى هنا بعشرة ريالات، أنا سمعت هذا من كثيرين، يقولون: نأتي بها بعشرة ريالات واصل، هم يسألون أحيانًا أسئلة شتى، بعضهم يقول: نبيع الكيلو بمائتين وخمسين ريال، يجوز؟

كيف تبيعه بمائتين وخمسين؟

قال: لو بعته بعشرين، بضعف السعر الناس يقولون: هذا سكر ما هو طبيعي، فما يقتنعون، فأبيعه لهم بمائتين، وخمسين، فيشترونه يجوز، أو ما يجوز؟ بعض الباعة يسأل هذا السؤال، يقولون: هذا هو الواقع، ويفرغونه في هذه الزجاجات، وهم يأخذون بالدن.

فالشاهد: أن هذا الذي جاء مثلاً للحج معه دنان السيارة مليئة بالدنان، حينما تسأله تستغرب، يضع لك سعر مثل سعر العسل في البلد، أو أثاث، أو نحو ذلك، كيف هذا، وهو عندكم ما يبلغ عشر هذا المبلغ؟ السبب أنه جالس وبجانبه آخر يبيع نيابة عنه من أهل البلد، هذا ما يجوز، لا يجوز أن يتولى البيع عنه واحد من أهل البلد، لا يبع حاضر على باد.

قال: وإن كان أخاه لأبيه وأمه[3] متفق عليه، يعني: حتى لو كان من أقرب الناس إليه، هذا جاء من بلد آخر، ومعه بضاعة جاء للحج، وأخوه في البلد، ما يجوز أن يتولى البيع أخوه، لماذا؟

لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، دعه هو يبيع بما شاء من السعر، لكن إذا تولى البيع عنه ذاك، هذا يعرف الأسعار من جهة، ومن جهة يمكن أن يسافر ذاك، وتبقى السلعة، فهي ليست بهم بالنسبة إليه؛ لأن عنده من يبيع في البلد، وهو ربحان في الغالب أصلاً، يعني: هو جاء بها، ويبيعها هنا يمكن بأضعاف السعر في بلده، قال: وإن كان أخاه لأبيه، وأمه.

ثم ذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق[4] متفق عليه.

لا تتلقوا السلع يعني: هذا تلقي الركبان، يخرج خارج البلد، ويستقبل هؤلاء، ويقول: تعال، يأشر على الطريق أنا أشتري منك، ويدخل في هذا صور أخرى كثيرة، لكن هل يدخل في هذا من كان على مداخل السوق؟

يعني: الآن لما تذهب لمعارض السيارات قبل أن تصل إلى المعارض في المداخل، والطرق المؤدية إليها تجد مجموعة من الناس يشيرون إليك بأيديهم جميعًا، يريد أن يتلقاك من أجل أن تبيع له قبل أن تدخل إلى السوق فتعرف الأسعار، هل هذا من تلقي الركبان؟

بعض العلماء يقول: نعم من تلقي الركبان؛ لأنه هنا قال: حتى يهبط بها إلى الأسواق حتى يدخل السوق، وليس يدخل البلد، وبعض أهل العلم -حتى قاله بعض الصحابة-: بأنه إذا وصل، ودخل البلد، وهؤلاء في أطراف السوق، أو نحو ذلك، فليس عليه من حرج، ولا عليهم، من أهل العلم من أجاز هذا، لكن إذا نظرنا إلى العلة في كون هذا ما يعرف السعر، وتلقوه، فأخذوها، وباعوها، فالعلة موجودة، حتى لو كانوا على أطراف السوق، قبل أن يهبط إلى السوق، قبل أن يصل إلى السوق، وهذا -كما سبق- يؤدي إلى هذه المفاسد، بالإضافة إلى الاحتكار.

وصور الاحتكار اليوم من هذا القبيل، وما يشبهه، وما يلحق به: الوكالات، وكالات متنوعة للسلع اليوم للأجهزة، والسيارات، وغير ذلك، فتجد لو كان هؤلاء أصحاب المصانع يأتون، ويبيعون مباشرة؛ لنزلت الأسعار لربما إلى النصف، لكن يأتي هذا فيأخذ هذه الوكالة، ولا يباع شيء إلا عن طريقه، فيؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار، فيأخذ نسبة من الأرباح كبيرة جدًا لربما تصل إلى الثلث، أو أكثر من ذلك في بعض الأحيان، فهذه الوكالات هي نوع من الاحتكار، سواء، وكالة أطعمة، أو مراكب، أو مواد إلكترونية، أو مفروشات، أو أثاث، أو غير ذلك، مواد بناء، كل هذا الوكالات هي من الاحتكار، وإنما الواجب أن يأتي بها إلى السوق، والناس يشترون، ما يحتكرها واحد على هؤلاء، فترتفع الأسعار.

ثم ذكر حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: لا تتلقوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد فقال له طاووس – طاووس بن كيسان من أصحاب ابن عباس –: ما قوله: لا يبع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارًا، يعني: لا يقوم بالنيابة عنه بالبيع في السوق[5] متفق عليه.

وعن أبي هريرة قال: نهى رسول الله ﷺ أن يبيع حاضر لباد، قال: ولا تناجشوا[6].

النجش هو: أن يرفع سعر السلعة من لا يريد الشراء، وإنما ليوقع الآخرين فيها، يعني: بيع من يزيد، يأتي بسيارة، أو طعام، أو نحو ذلك، فيقول: هذا بمائة، فيأتي من يقول: بمائة وخمسين، وهو لا يريد الشراء، يريد يرفعها، يعني: أحيانًا يجتمع هؤلاء مثل العصابة، يتفقون بالسوق على أن يرفعوا الأسعار، فيأتي: إنسان يريد الشراء، ولا يشعر، ويرى هذا التنافس، فيقول: بمائة وخمسين، والثاني يقول: بمائتين، الثالث يقول: بمائتين وخمسين، الرابع يقول: بألف، فيشتريها هذا بألف ومائة، وقد لا تساوي ثلاثمائة، ولم يشعر، ولم يعلم أن هؤلاء لا يريدون الشراء.

وبعضهم قد يشتري، وهو لا يريدها، لكن لما رأى رغبة هذا فيها أراد أن يزيد في السعر حتى يأخذها، ثم يقول له: أعطني فرق السعر، فيرفع رفعًا لا يقره أهل المعرفة لهذه السلعة بحال من الأحوال، ولذلك شوهد من بعض هؤلاء أنه إذا قيل له: لا نريدها بعدما اشتراها، يلاحقه حتى يخرج من السوق، يقول: طيب خذها بالقيمة التي اشتريتها فيها، لماذا؟

لأنه أخذها حينما رأى رغبته فيها، يأتي أحيانًا أصحاب معدات، أصحاب مقاولات عندهم مشروع، يريدون أن يشتروا معدات في أماكن البيع بالمزايدة، ويأتي أناس لا يريدون هذه السلع، فيرفع، ويرفع، ويرفع لعله يظفر بها حتى يبيع على هؤلاء بسعر أعلى في مكانها، وهو لا حاجة له بها، فهذا فيه ضرر على الناس.

قال: لا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه وقد مضى هذا ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها[7] تسأل طلاق أختها ليس المقصود الأخت الشقيقة بطبيعة الحال، أو الأخت من النسب، لا، وإنما المقصود الأخوة الإيمانية، تسأل طلاق أختها، سواء كانت ضرة، يعني: رجل له زوجتان، أو زوجات، فإحداهن تقول: طلقها، أو كانت غير زوجة، يعني: لم تتزوجه، وتريد أن تتزوجه، فتقول له: طلق فلانة؛ من أجل أن تتزوجه، أن يأخذها، فهذا لا يجوز.

قال: لتكفأ ما في إنائها ما معنى تكفأ ما في إنائها؟ يعني: كأنها إذا صرفته عن تلك، فطلقها، تحول ما كان يعطيها من نفقة، وما إلى ذلك من حقوق، تحول إليها، فكأنها كفأت ما في إنائها، وهذا لا يجوز لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[8] لا يجوز للمرأة أن تطلب طلاق أختها.

وفي رواية: قال نهى رسول الله ﷺ عن التلقي، تلقي الركبان يعني، وأن يبتاع المهاجر للأعرابي، المهاجر يعني: الحاضر، للأعرابي، يعني: الذي قدم من الصحراء، من البادية، وأن تشترط المرأة طلاق أختها، لو جاء، وخطب امرأة، كزوجة ثانية، قالت: لا، أنا ما أوافق إلا إذا طلقتها، بشرط أن تطلقها، هذا لا يجوز، شرط باطل.

وأن يستام الرجل على سوم أخيه، هذا في السوم، غير البيع والشراء، ذاك تراوضوا على البيع، وهنا في السوم، فهذا يسوم، يقول: تبيعني هذا بعشرة؟ الثاني يقول: تبيعني إياه بإحدى عشر؟ ليس من لا يزيد، ولكن سامه، تبعني هذه الأرض بمائة ألف؟ قال: تبعني هذه الأرض بمائة وعشرين؟ هذا لا يجوز، وهو جالس في مكتب، وسمعه يسوم الأرض، يقول له: أنا آخذها منك بمائة، قال: أنا آخذها منك بمائة وعشرين –لاحظ- هنا ما حصل تواضع على السعر، هناك البيع على بيع أخيه، والشراء على شراء أخيه، يعني: اتفقوا على السعر، هنا سوم فقط، فإذا كان ليس بطريق من يزيد، فلا يجوز، لكن لو كان بطريق من يزيد فهذا جائز لا إشكال فيه، هذا يذكر سعرًا، لكن لمن يريد الشراء.

قال: ونهى عن النجش، والتصرية[9] متفق عليه، والمقصود بالتصرية: أن يترك الدابة لا تحلب أيامًا، فتكون قد امتلأ ضرعها باللبن، فيأتي بها إلى السوق، فيرغب الناس في شرائها، فإذا حلبوها؛ تبين أنه ليس فيها من هذا الحليب شيء، إنما هو مجتمع في أيام، فهذا لا يجوز.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له[10] متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.

وعن عقبة بن عامر أن رسول الله ﷺ قال: المؤمن أخو المؤمن هذه العلة فلا يحل لمؤمن لا يحل، يعني: هذا يحرم عليه أن يبتاع على بيع أخيه يبتاع، يعني: يشتري ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر[11] رواه مسلم، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم (13)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، برقم (45).
  2. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب: لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة، برقم (2161)، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، برقم (1523).
  3. أخرجه مسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، برقم (1523).
  4. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب النهي عن تلقي الركبان وأن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز، برقم (2165)، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم تلقي الجلب، برقم (1517).
  5. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب: هل يبيع حاضر لباد بغير أجر، وهل يعينه، أو ينصحه، برقم (2158)، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، برقم (1521).
  6. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب لا يبيع على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، حتى يأذن له أو يترك، برقم (2140).
  7. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب لا يبيع على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، حتى يأذن له أو يترك، برقم (2140).
  8. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم (13)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، برقم (45).
  9. أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الطلاق، برقم (2727)، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية، برقم (1515).
  10. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع، برقم (5142) ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه، حتى يأذن أو يترك، برقم (1412).
  11. أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه، حتى يأذن أو يترك، برقم (1414).

مواد ذات صلة