بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال المفسر -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى:
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة القصص:83، 84]، يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذين لا يريدون علوًّا في الأرض، أي: ترفعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبرًا بهم، ولا فسادًا فيهم، كما قال عكرمة: العلو: التجبر.
وقال ابن جُرَيْج: لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ تعظمًا وتجبرًا، وَلا فَسَادًا عملا بالمعاصي.
وروى ابن جرير عن عليٍّ قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه، فيدخل في قوله: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسـَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
وهذا محمول على ما إذا أراد بذلك الفخر والتطاول على غيره؛ فإن ذلك مذموم، كما ثبت في الصحيح، عن النبي ﷺ أنه قال: إنه أُوحي إليّ أنْ تواضَعُوا، حتى لا يفخَرَ أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد[1]، وأما إذا أحب ذلك لمجرد التجمّل فهذا لا بأس به، فقد ثبت أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أحب أن يكون ردائي حسنًا ونعلي حسنة، أفمن الكبر ذلك؟ فقال: لا، إن الله جميل يحبّ الجمال[2].
وقال: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ أي: يوم القيامة فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا أي: ثواب الله خير من حَسَنَة العبد، فكيف واللهُ يضاعفه أضعافًا كثيرة؟ فهذا مقام الفضل.
ثم قال: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يـَعْمَلُونَ، كما قال في الآية الأخرى: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة النمل:90] وهذا مقام الفصل والعدل.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله -تبارك وتعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، أشار إليها بذلك لرفعة وعلو مقامها ومنزلتها، والدَّارُ الْآخِرَةُ تعني اليوم الآخر بما فيه من الجنة والنار، ولكنها في هذا الموضع يراد بها الجنة، والذي يحدد ذلك هو السياق؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا فدل ذلك على أن المراد بالآخرة معنى خاص، وهو الجنة، وهذا الذي عبر عنه بقوله: نعيم الآخرة، أي أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول.
لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا والعلو في الأرض بمعنى الرفعة والتعاظم، ويدخل في ذلك الكبر وما إلى ذلك من المعاني، فكل من أراد أن يترفع في هذه الحياة الدنيا فإن فعله مذموم، وليس ذلك من أوصاف أهل الجنة سواءً كانت هذه الرفعة التي يطلبها -بعمل الآخرة، أو كانت بعمل الدنيا- من المباح، أو كانت من الأفعال المحرمة، فهذه ثلاثة أنواع وأقبحها وأسوؤها الأول، وهو من يريد الفخر والعلو والرفعة والحظوة في قلوب الخلق، والتعاظم بما يراد به ما عند الله -تبارك وتعالى- من العلم الشرعي، أو الدعوة إلى الله، أو الزهد؛ ليترفع به، يُظهر الزهد ليحصّل حظوة في قلوب الخلق.
فكل من طلب الرفعة والعلو في الدنيا بما يراد به وجه الله -تبارك وتعالى- فإن فعله مذموم، فإن هذه الأعمال الصالحة إنما تحمل العبد على مزيد من التذلل، والتواضع الذي هو معنى العبودية، فإن طلب ما هو من أضداد ذلك فإن فعله بلا شك قبيح، ويلي ذلك في القبح من طلب العلو بالظلم والتجبر على الخلق وألوان المعاصي التي يعصى الله -تبارك وتعالى- بها، فإن ذلك ليس من أوصاف أهل الجنة، وليس من أوصاف المؤمنين، ثم يلي ذلك من فعل الأفعال المباحة من جمع المال، وألوان الأعمال، والصنائع التي يقصد بها الرفعة في الدنيا والتعاظم على الخلق، والتطاول بذلك فإن فعله أيضاً مذموم، فهذه ثلاثة أصناف.
والمؤمن يكون مُخِبتاً لربه -تبارك وتعالى، لا يريد أن يتعاظم على أحد، ولا يطلب العلم للفخر ولا للمماراة، ولا لتحصيل مراتب دنيوية مادية، ولا لأمور معنوية تتسلل إليها النفس، وتطلبها من تحصيل الجاه والمحمدة، وما أشبه ذلك، تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ يتذكر الإنسان هذا المعنى دائماً، نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا فهي معانٍ حريّة بالتأمل في وقت غلبت فيه النزعة المادية لدى الكثيرين، وصارت هذه المطالب لربما مما يربى عليه الصغير، ويعلق به قلب الكبير، والله المستعان.
قال: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ هذا يكون في الأولى والآخرة، فالعاقبة لهم دائماً في الدنيا بالنصر، والظهور، والتمكين، والغلبة، ومثل هذا لا يعتبر ولا ينظر إليه باعتبار سنة أو عشر سنوات، وإنما إذا أردت أن تعرف أن العاقبة للمتقين انظر إلى صفحات التاريخ منذ نوح -عليه الصلاة والسلام- فقد كانت العاقبة للمتقين، فأظهر الله نوحاً ﷺ ونصره نصراً مؤزراً لما قال: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ [سورة القمر:10]، وقال: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالـْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ [سورة القمر:11-14].
وهكذا جاء الأنبياء بعده -عليهم الصلاة والسلام- هود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط ثم جاء أنبياء بني إسرائيل وكبيرهم موسى ﷺ فكانت العاقبة لهم جميعاً، حتى عيسى ﷺ مع أن الله رفعه، وتآمروا على قتله، وقصدوا ذلك، إلا أن الله –تبارك وتعالى- أخبر أنه سيجعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة.
وفُسر هذا بظهور ما دعا إليه على يد النبي ﷺ وهي دعوة التوحيد، وما حصل من النصر والتمكين، والظهور على اليهود الذين أرادوا قتل عيسى -عليه الصلاة والسلام، فالتاريخ يُنظر إليه بهذا الاعتبار، ما يُنظر إليه في أيام يعايشها الإنسان.
ونحن في هذه الأيام نرى عبراً كباراً تستدعي الوقوف طويلاً فيعتبر بها كل عاقل، كم من الناس ممن يعيشون في هذا العصر لربما عاش في بيئة ظن أن هذا هو نهاية المطاف، وأن أهل الصلاح والتقوى لا عاقبة لهم إلا في الآخرة، ثم أرى الله الناس الآيات بأولائك الذين حاربوا كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، هذه آيات نشاهدها، ولا كان أحد يتصور أن يرى ذلك بهذه السرعة، وبهذه الطريقة التي تحطم أعتى المناوئين للدعوة والصلاح والإصلاح، فالعاقبة للمتقين، بقيت الدعوة، وذهب الذين حاربوها في تلك البلاد، بقي المصلحون وذهب كبار المفسدين، ولم يبقَ لهم شيء من الذكر الجميل، وتقشّع النفاق الذي كان يغشاهم صباح مساء، وتحول حامدهم إلى ذامٍّ، هذه عبر وآيات، يدرك المؤمن حقيقة ما أخبر الله عنه من أن وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
فكم من الناس مما في قلبه مرض وضعف، ممن إذا أصابه خيراً اطمأن به، وإذا أصابته فتنة انقلب على وجهه، وكم من إنسان قد ترك دينه ومبادئه من أجل مخلوق ضعيف تعاظم في عينه حتى ملأ عليه كل شيء، ثم يرى هذا المخلوقَ يتهافت، فيدرك المؤمن أن العاقبة للتقوى، وهذا في الدنيا وفي الآخرة.
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ثم قال: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا، قال: بأن جزاء الله خير من حسنة العبد وهذا صحيح، فإن جزاء الله على الحسنة بمجرده من غير مضاعفة هو خير من حسنة العبد من كل وجه، يكفيك أن حسنة العبد التي عملها إنما هي توفيق من الله، وهذا يحتاج إلى حسنة يشكر عليها، والحسنة الجديدة التي يشكر عليها هي من توفيق الله -تبارك وتعالى، ويكفيك أن هذه الحسنة التي يعملها لا تكافئ نعمة من نعم الله عليه، فهو لم يوفِّ بحق الله ، بإنعامه وإفضاله عليه بهذه النعم الظاهرة والباطنة، فهذه الأعمال التي يعملها هي تفضل من الله عليه، وهي لا تكافئ نعمة واحدة، ومع ذلك الله يجزيه عليها، بل يضاعف له الجزاء.
وهذا من معاني اسمه الشكور، كما قال الله -تبارك وتعالى: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [سورة البقرة:272]، كاملاً غيرَ منقوص، وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ، لا بتضييعه ولا ببخسه، ولا بمطل في الجزاء، وقال هنا: وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يـَعْمَلُونَ يعني بواحدة، وهذا من لطف الله -تبارك وتعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [سورة الأنعام:160] وأما السيئة فواحدة، وفي الآية الأخرى قال: وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة النمل:90]، والسيئة هنا في هذه الآية فسرت بالشرك، السيئة العظيمة التي تستحق الوصف الكامل بالسوء، فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِفهذا إنما يكون لأهل الإشراك، ولهذا فسرها كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- بهذا المعنى، وإلا فإن سائر السيئات قد تُكفر بأمور متنوعة كما هو معلوم.
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هـَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [سورة القصص:85-88].
يقول تعالى آمرًا رسوله -صلوات الله وسلامه عليه، ببلاغ الرسالة وتلاوة القرآن على الناس، ومخبرًا له بأنه سيرده إلى معاد، وهو يوم القيامة، فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة؛ ولهذا قال: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ أي: افترض عليك أداءه إلى الناس.
قوله هنا: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ قال: أي افترض عليك أداءه إلى الناس يعني افترض عليك البلاغ، تبليغ الوحي، وبعضهم كالزجاج فسره بفرض العمل به عليه ﷺ، فرض عليك ما يوجبه القرآن، وعامة المفسرين فسروا ذلك بالإنزال، قالوا: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ يعني أنزله عليك، وهذا الإنزال له متطلبات، وله لوازم، من هذه اللوازم البلاغ، ومن هذه اللوازم العمل بمقتضاه، فكأن الذين فسروه بالعمل أو بالبلاغ نظروا إلى لفظ "فرض" ففهموا منه معنى الإيجاب على ظاهره.
ومن قال: إن المقصود الإنزال يكون ما قاله الآخرون من فرض البلاغ أو فرض العمل من قبيل التفسير باللازم، يعني إذا فسرنا فَرَضَ بمعنى أنزل فيكون قول من قال: فرض العمل أو فرض البلاغ من قبيل التفسير باللازم؛ لأن إنزاله له مقتضيات ولوازم من العمل والبلاغ، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [سورة المائدة:76]، فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ [سورة الزخرف:43].
قوله:لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قال: إلى يوم القيامة، هذا قال به كثير من المفسرين من السلف -رضي الله تعالى عنهم- مثل مجاهد وعكرمة والزهري والحسن، واختاره الزجاج من أهل المعاني.
روى البخاري في التفسير من صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما: لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قال: إلى مكة.
وهكذا رواه النسائي في تفسير سننه، وابن جرير وهكذا روى العَوْفيّ، عن ابن عباس: لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ أي: لرادك إلى مكة كما أخرجك منها.
وقال محمد بن إسحاق، عن مجاهد في قوله: لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ إلى مولدك بمكة.
هذا كالذي قبله إلى مولدك بمكة، وإلى مكة لا فرق، وهذا القول نُسب إلى جمهور المفسرين، يعني أن ذلك وعد للنبي ﷺ بأن يرجعه الله -تبارك وتعالى- إلى أرضه التي هاجر منها، ومعلوم أن سورة القصص من السور المكية، ويذكرون استثناءات لكن هذه الاستثناءات تحتاج إلى دليل، وعامة ما يذكر إنما هو بالنظر إلى المعنى، يعني مثل هذه الآية إذا فُسرت بهذا التفسير لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ، فإن بعضهم بالنظر إلى هذا المعنى سيقول: إن هذه الآية مدنية فهي وعد له بعد الهجرة بأن يرجعه الله إلى مكة، فخروجه -عليه الصلاة والسلام- من مكة ليس هو آخر العهد بها.
وهذا كما قال الله ليوسف -عليه الصلاة والسلام- لما ذهب به إخوته ليلقوه في البئر قال: وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ [سورة يوسف:15] أي إلقاؤك في البئر ليس هو النهاية، ستدور الأيام وسيأتي اليوم الذي ستقول لهم: ألم تذكروا حينما فعلتم ما فعلتم؟ معنى ذلك أنه سيقول لهم هذا في موقف المنتصر، ولهذا قال لهم فيما بعد: هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ [سورة يوسف:89]، فذكّرهم، فهذا تطمين له، فيوسف ﷺ كان عنده وعد من الله، علم أن إلقاءه في البئر ليس هو النهاية، وأن الأمور سترجع حتى يكون له الظهور على إخوته ويخبرهم بما فعلوا لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا.
فالمقصود هنا لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ أي إلى مكة على هذا التفسير، فيقول هؤلاء: إن هذه الآية مدنية يخبر الله بها نبيه ﷺ أنه سيرجع في النهاية إلى مكة، ورجوعه إلى مكة يعني انتصاره وظهوره على المشركين؛ لأنه لا يمكن أن تفضي القضية إلى مصالحة بين النبي ﷺ والمشركين يحصل معها ترك أو فعل ما طلبوه وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [سورة القلم:9]، المتاركة أن يترك آلهتهم، ويترك دينه فيرجع ويعيش معهم في مكة لا يتعرض لهم، ولا يتعرضون له، تعايُش كما يقال، لكن هذا لا يمكن، فلابد من الدعوة إلى التوحيد وهم لن يتقبلوا ذلك، ومن ثم فإن رجوعه مرة أخرى إلى مكة يعني انتصاره،.
الشاهد أن هؤلاء غالباً يقولون: الآية مدنية باعتبار المعنى، وهذا غير صحيح، وإذا فسرت بهذا المعنى -مع أن هذا المعنى هو أحد الأقوال- يمكن أن يقال: إنها أيضاً مكية؛ لأن الأصل في السورة المكية أن جميع الآيات مكية إلا ما دل الدليل عليه، لو فسرت بأن المقصود بالرد يعني إلى مكة لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ أي: مكة فيقال: هذا مما نزل قبل وقوع حكمه، والمقصود بالحكم ليس الحلال والحرام، وإنما حكمه يعني مقتضاه، وهناك آيات نزلت قبل وقوع مقتضاها مثل: جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ [سورة ص:11].
وكلام عمر في مثل هذا: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [سورة القمر:45] ما كان في مكة جمع، وكان المسلمون في حال من الاستضعاف، فلما كان يوم بدر كان النبي ﷺ يثب في الدرع ويردد هذه الآية، وهكذا في عدد من الآيات التي قيل: إنها مدنية باعتبار المعنى، فهذا فيه نظر، وسيأتي في سورة العنكبوت ما هو أوضح من هذا في الكلام على المنافقين في سورة مكية مع أن المشهور أنه لا وجود للنفاق في مكة قبل الهجرة، وهذه المقولة المشهورة جداً التي لا تكاد تجد ما يخالفها فيها نظر، فحمل الآيات على أنها نازلة بمكة أو بالمدينة باعتبار المعنى فيه نظر، والله تعالى أعلم- فهذان معنيان في قوله: لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ القيامة أو إلى مكة، وهذا منسوب إلى الجمهور.
القول بأن ذلك يعني الجنة هو يرجع إلى القيامة لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ يعني الآخرة فهو ميعاد، قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ [سورة سبأ:30]، قال: وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره -عليه الصلاة والسلام- قال به جماعة من السلف من الصحابة فمن بعدهم، كأبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- وأرضاه وأبي مالك، وقال جماعة من السلف، ومنقول عن مجاهد وأبي صالح هذا القول: إن المقصود مكة.
وبعضهم فسره بغير هذا جميعاً، بغير هذه الأقوال كلها، ففسَّر المعاد بالعادة، وليس الموعد، لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ يعني إلى عادتك لرادك إلى عادتك من الموت، أو إلى عادتك حيث ولدت، يعني بمكة، قال: إن المعاد هنا ليس من العود وإنما من العادة، معاد يعني متعود، تقول: هذا معاد فلان يعني عادته، والشيء الذي اعتاده، إلا إذا فسر الرد هنا بالتصيير لَرَادُّكَ أي مُصيِّرك، فحتى لا يكون هناك تكرار: مصيرك إلى معاد، فيفسر المعاد بالعود لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ أي مكة مثلاً، فالمعاد فسر بالعادة، وفسر بالعود، وعلى كل واحد من هذين التفسيرين اختلف في ما يراد به: إلى عادتك من الموت، إلى عادتك إلى المنزل والمكان الذي ولدت فيه ونشأت فيه، أو إلى الموت، وفي الثاني إِلَى مَعَادٍ أي موعد وهو الموت أو الآخرة الجنة، مكة، والذي يميل إليه ابن جرير -رحمه الله- أن المعاد هنا بمعنى العادة، مع أن هذا خلاف قول عامة المفسرين سلفاً وخلفاً.
الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هو من أحسن من يتكلم على طريقة توجيه الآيات فهو في غاية الأهمية، فروي أن المقصود بيت القدس، لكن النبي ﷺ خرج من مكة ولم يخرج من بيت المقدس، فابن كثير يوجه القول بأنه مَعَادٍ يعني بيت المقدس، هذه الأقوال المروية عن ابن عباس -رضي الله عنهما- لا تخالف تفسيره المعاد بيوم القيامة باعتبار أن بيت المقدس وبلاد الشام عموما هي أرض المحشر؛ لأنه حينما تسمع مثل هذا القول لأول وهلة لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ أي بيت المقدس تقول: لا علاقة لبيت المقدس بما نحن فيه، فيقال: هذا مرتبط بالتفسير الآخر وهو أنه يوم القيامة، فذاك بلاد الشام أرض المحشر، فهذا مفيد في توجيه الأقوال، فبعض الأقوال ربما الإنسان يستبعدها لأول وهلة.
وقوله: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍأي: قل لِمَنْ خالفك وكذبك يا محمد من قومك من المشركين ومَنْ تبعهم على كفرهم قل: ربي أعلم بالمهتدي منكم ومني، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار، ولِمَنْ تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى مذكِّرًا لنبيه نعمته العظيمة عليه وعلى العباد إذ أرسله إليهم: وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ أي: ما كنت تظن قبل إنزال الوحي إليك أن الوحي ينزل عليك، إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي: إنما نزل الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك، فإذا منحك بهذه النعمة العظيمة فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا أي: معينًا لِلْكَافِرِينَ أي: ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم.
في قوله -تبارك وتعالى: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مثل هذا يذكر على سبيل التنزل، هو يعلم -عليه الصلاة والسلام- أنه على هدى، ولكنهم لا يسلّمون له ظاهراً بذلك، فيقول: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ، فهذا يقال: للمجادلين بالباطل الذين لا ينقادون للحق، كما في قوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [سورة سبأ:24]، فأحدنا على حق والآخر على باطل، ولم يقل: إني على الحق، وأنتم على الباطل، فالذي لا يقبل الحق ولا ينقاد إليه ولا يثمر معه الجدال لربما لا يوقف معه في مثل هذه الأمور.
وقوله -تبارك وتعالى: وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ أداة الاستثناء هنا "إلا"، والاستثناء منقطع بمعنى لكن، إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ أي: معيناً للكافرين، والفاء هذه مشعرة بالتعليل، وتدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، فبهذا الإنعام عليك بإنزال الكتاب فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ لا تكونن معيناً لهم، وهكذا ينبغي أن يكون العالم، ألا يكون ظهيراً للمجرمين.
وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزلَتْ إِلَيْكَ أي: لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك، لا تلوي على ذلك ولا تباله؛ فإن الله مُعْلٍ كلمتك، ومؤيدٌ دينك، ومظهر ما أرسلت به على سائر الأديان؛ ولهذا قال: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ أي: إلى عبادة ربك وحده لا شريك له، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وقوله: وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ أي: لا تليق العبادة إلا له ولا تنبغي الإلهية إلا لعظمته.
وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم، الذي تموت الخلائق ولا يموت، كما قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ [سورة الرحمن:26، 27]، فعبر بالوجه عن الذات، وهكذا قوله هاهنا: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ أي: إلا إياه.
وقد ثبت في الصحيح، من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لَبيد: ألا كلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلٌ[3].
وقوله: لَهُ الْحُكْمُ أي: الملك والتصرف، ولا معقب لحكمه، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي: يوم معادكم، فيجزيكم بأعمالكم، إن كان خيرا فخير، وإن شرا فشر.
آخر تفسير سورة القصص ولله الحمد والمنة.
قوله -تبارك وتعالى- هنا: وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكـُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أصلٌ ينبغي أن يسير عليه كل من دعا إلى الله -تبارك وتعالى: أنه بما فتح الله عليه ووفقه إليه ألا يكون معيناً وظهيراً لأعداء الله -تبارك وتعالى، وألا يصده ما يواجَه به من الأذى فيدفعه إلى أن يتحول عن مبادئه وما أمره الله -تبارك وتعالى- به رجاء أو خوفاً من المخلوقين، فإنما يدعو إلى ربه وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ، لا تكون دعوته إلا إلى الله ، ولا يتحول إلى داع إلى غيره، وتأمل في هذه المعاني تجد عجباً، ومن ينحرف من الدعاة إلى الله هنا وهنا إنما هو بإغفالهم لهذه المعاني، وتحتها من الهدايات مالا يقادر قدره لو تأملها الإنسان ووقف عندها.
وقوله -تبارك وتعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ فينبغي أن يكون التوجه إليه وحده لا شريك له، وأما التعلق بمخلوق فالمخلوق يذهب، فيبقى هؤلاء قد تعلقوا بلا شيء ثم يأتي مخلوق آخر فيتعلقون به ثم يذهب، وهكذا فإنما يكون التوجه إلى الله والتعلق به وحده دون سواه.
وقوله -تبارك وتعالى- هنا: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ يعني إلا إياه، يعني بالوجه الذات إِلا وَجْهَهُ فهذا إذا قاله من يثبت صفة الوجه لله -تبارك وتعالى- فإن ذلك قد يحتمل، فالله -تبارك وتعالى- ذكر الوجه هنا في هذه الآية وذكره في آيات أخرى وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [سورة الرحمن:27]، وكذلك جاء في نصوص متنوعة كما في الحديث: لأحرقتْ سُبُحات وجهه[4]، وصفة الوجه ثابتة بأدلة كثيرة.
فإذا كان القائل يثبت صفة الوجه كما هو الشأن بالنسبة لابن كثير -رحمه الله- فعندئذٍ قد يخطئ العالم أو يصيب في تفسير موضع من المواضع، فيكون ذلك من قبيل الخطأ في التفسير فحسب، يعني مثل هذه الآية شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لا يرى أنها من آيات الصفات أصلاً، ولا تعلق لها بصفة الوجه مع أنه يثبت صفة الوجه بأدلة أخرى، ويفسر هذه بشيء آخر، وابن القيم -رحمه الله- خالفه في هذا وأثبت -كما في كتابه القيم "الصواعق المرسلة" وغيره- هذه الآية بأنها من آيات الصفات، والذين ناظروا شيخ الإسلام ابن تيمية من المتكلمين من الأشاعرة المناظرة المعروفة في الواسطية احتجوا عليه بتأويل السلف لما قال لهم: أمهلكم ثلاث سنوات، أعطاهم الواسطية وقال لهم: هاتوا شيئاً يخالف قول السلف فيها، وتحداهم أن يأتوا بتأويل عن السلف، فجاءوا في المجلس الآخر قالوا: وجدنا، فذكر لهم الآية قبل أن يذكروها، وبين المراد بها عنده.
فهذا قال به بعض السلف، وليس ذلك بتأويل، وإنما هم ما عدوها أصلا من آيات الصفات ومن فسره بالذات فيكون ذلك من قبيل التفسير باللازم، وهذا لا إشكال فيه إذا كان يثبت الصفة.
فابن تيمية لا يرى أنها من آيات الصفات وإنما المقصود به التوجه، لكنه يثبت صفة الوجه بأدلة أخرى، لكن هذا الذي فهمه من هذه الآية أن المقصود التوجه واضح؟ ما كان في هذه الوجهة، فغاية ما هنالك أن الذي يقول: إنها من آيات الصفات يقول: هذا من قبيل الخطأ في التفسير فقط، وهذا لا يسلم منه أحد، بخلاف من وضع قواعد منحرفة وحاكَمَ النصوص إليها كأن يؤول آيات الصفات مثلا، كلما جاءت آيات الصفات أوّلها، فرق بين هذا وبين ما نحن فيه.
كلام ابن كثير يعني أنه يرى أن القول الآخر: الوجهة من لوازم القول الأول، إذا كان كل شيء هالك إلا وجهه، فينبغي أن يكون التوجه إليه وحده، هذا كثير في تفسير الحافظ -رحمه الله- يوجه الأقوال، ويجمع بينها، وهذا هو الذي يفيد ويؤصل طالب العلم.
قال أحمد بن عيسى في شرح قصيدة ابن القيم -رحمه الله: "قوله: والعرش والكرسي الخ: المستثنى من الهلاك في قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ.."[5]، يتكلم هنا على مسألة وهي كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ، يرِد على هذا مثلا أن الحور في الجنة، والجنة أنهما مخلوقتان مثلا، وابن القيم -رحمه الله- في النونية يقول:
والعرش والكرسي لا يفنيهما | أيضا وإنهما لمخلوقان |
والحور لا تفنى كذلك جنة ال | مأوى وما فيها من الولدان |
ولأجل هذا قال جهم إنها | عدم ولم تخلق إلى ذا الآن |
والأنبياء فإنهم تحت الثرى | أجسامهم حفظت من الديدان |
ما للبلى بلحومهم وجسومهم | أبدا وهم تحت التراب يدان |
وكذاك عَجْب الظهر لا يبلى بلى | منه تركب خِلقة الإنسان |
هذه الأشياء التي لا تفنى.
قال الشارح -رحمه الله تعالى: "قوله: والعرش والكرسي الخ: المستثنى من الهلاك في قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ثمانية أشياء نظمها الجلال السيوطي فقال:
ثمانية حكْمُ البقاء يعمها | من الخلق والباقون في حيز العدم |
هي العرش والكرسي ونار وجنة | وعَجْب وأرواح كذا اللوح والقلم"[6] |
يعني أن قوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ، وقوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [سورة الرحمن:26] عام مراد به الخصوص، وابن القيم -رحمه الله تعالى- قال: "وأما احتجاجكم بقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ فإنما أتيتم من عدم فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن نظير احتجاج إخوانكم بها على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما"[7].
هو يتكلم عن التي سبقت كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ فقالوا: إن الجنة إذاً غير موجودة؛ لأن فيها الحور العين، وفيها كذا، فلو كانت موجودة فإنها تفنى فيرد عليهم.
قال ابن القيم -رحمه الله: "وإنما وفق لفهم معناها السلف وأئمة الإسلام، ونحن نذكر بعض كلامهم في الآية، قال البخاري في صحيحه: "يقال: كل شيء هالك إلا وجهه إلا ملكه، ويقال: إلا ما أريد به وجهه".
وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله:" فأما السماء والأرض فقد زالتا لأن أهلهما صاروا إلى الجنة وإلى النار وأما العرش فلا يبيد ولا يذهب لأنه سقف الجنة والله -سبحانه وتعالى- عليه فلا يهلك ولا يبيد".
وأما قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه فذلك أن الله أنزل: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر الله تعالى عن أهل السموات وأهل الأرض أنهم يموتون فقال: كُلُّ شَيْءٍ هَالِك، يعني ميت إلا وجهه؛ لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت، انتهى كلامه.
وقال في رواية أبي العباس أحمد بن جعفر بن يعقوب الإصطخري ذكره أبو الحسين في كتاب الطبقات قال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: "هذه مذاهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بعروتها، المعروفين بها، والمقتدَى بهم فيها من لدن أصحاب نبينا ﷺ إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق".
وساق أقوالهم إلى أن قال: "وقد خلقت الجنة وما فيها، وخلقت النار وما فيها، وخلقهما الله، وخلق الخلق لهما، ولا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدا".
فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه وبنحو هذا من متشابه القرآن قيل له: كلُّ شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالكٌ"[8].
فهذا الجواب المختصر، هذا خلاصته كل شيء هالك مما كتب الله عليه الفناء، يعني هو عام مراد به الخصوص، مثل قوله: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [سورة الأحقاف:25] يعني مما سيقت لتدميره، فهي لم تدمر السماوات والأرض والجبل.
وقال -رحمه الله: "والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء، ولا للهلاك، وهما من الآخرة لا من الدنيا، والحور العين لا يمتْنَ عند قيام الساعة، ولا عند النفخة، ولا أبدا؛ لأن الله خلقهن للبقاء لا للفناء، ولم يكتب عليهن الموت، فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع، وقد ضل عن سواء السبيل"[9].
ويقول الشيخ عبد الرحمن المحمود -بعد هذه المقدمة: نعود إلى ما ذكره من أمثلة من الكتاب، وأمثلة من السنة.
أولاً: أمثلة من الكتاب:
قال تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ [سورة البقرة:115] يقول شيخ الإسلام عن صفة الوجه: لما كان إثبات هذه الصفة مذهب أهل الحديث والمتكلمة الصفاتية من الكلابية والأشعرية والكرامية..."[10] انتهي.
المتكلمة الصفاتية يعني الذين أثبتوا جملة من الصفات، يعني هناك متكلمة لا يثبتون الصفات أصلاً وهم المعتزلة أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات، المتكلمة الصفاتية هم الذين أثبتوا ما أثبتوه من الصفات على تفاوت بينهم هل هي سبع أو أكثر.
وقال: "وكان نفيها مذهب الجهمية من المعتزلة، وغيرهم ومذهب بعض الصفاتية من الأشعرية وغيرهم"[11] انتهى.
فكل من وقع في شيء من التجهم يقال له: جهميّ، وهؤلاء جهمية، مذاهبٌ الجهميةُ، فيدخل فيه الأشاعرة والمعتزلة والجهمية المحضة بالإطلاق الواسع، وتجد كثيراً في كلام أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين لكنه قد يراد به طائفة الجهمية المحضة الذين أنكروا الأسماء والصفات أتباع الجهم بن صفوان، والأشاعرة هم أفراخ المعتزلة، والمعتزلة أفراخ الجهمية كما يقال، ويقال للأشاعرة: أهل السنة بالإطلاق الواسع في أبواب الإمامة، وفي مقابل الشيعة فيدخل في ذلك الطوائف المنسوبة إلى أهل السنة بهذا الإطلاق، فيدخل فيهم الأشاعرة وطوائف من المتكلمين في مقابل الشيعة، لكن إذا قيل: السنة المحضة فهم من كان على طريقة السلف -رضي الله تعالى عنهم.
وقال: "وكان نفيها مذهب الجهمية من المعتزلة وغيرهم، ومذهب بعض الصفاتية من الأشعرية وغيرهم، صار بعض الناس من الطائفتين كلما قرأ آية فيها ذكر الوجه جعلها من موارد النزاع، فالمثبت يجعلها من الصفات التي لا تُتأول بالصرف، والنافي يرى أنه إذا قام الدليل على أنها ليست صفة فكذلك غيرها، مثال ذلك قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ [سورة البقرة:115] أدخلها في آيات الصفات طوائف من المثبتة والنفاة، حتى عدها أولائك -كابن خزيمة- مما يقرر إثبات الصفة، وجعل النفاة تفسيرها بغير الصفة حجة لهم في موارد النزاع"[12] انتهى.
النفاة ينفون الصفة، لكن يقولون: بما أن هذه الآية فسرها بعض السلف بغير الصفة فكذلك باقي الصفات الواضحة الصريحة تفسر بمثل هذا، يحتجون بالمتشابه.
وقال: "ثم ذكر قصته في المناظرة التي عقدت له فقال: ولهذا لما اجتمعنا في المجلس المعقود..."[13] انتهى.
هذه المناظرة في الواسطية قالوا له: اكتب عقيدتك، فقال: هذه كتبتها منذ سنين، يقصد الواسطية كتبها في جلسة بين العصر والمغرب، وقال: خذوها ثلاث سنوات وأخرجوا لي شيئاً واحداً يخالف قول السلف؛ لأنهم قالوا له: قل هذه عقيدة الإمام أحمد ونخليك، قال: لا، هذا لا اتصال له بالإمام أحمد، هذا مذهب السلف، وهو ما دل عليه الكتاب والسنة، فهذا لا يختص بالإمام أحمد فقط، وإن كان الإمام أحمد من أئمة أهل السنة.
ثم قال الشيخ المحمود: "ثم ذكر قصته في المناظرة التي عقدت له فقال: ولهذا لما اجتمعنا في المجلس المعقود وكنت قد قلت: أمهلت كل من خالفني ثلاث سنين إذا جاء بحرف واحد عن السلف يخالف شيئاً مما ذكرته كانت له الحجة، وفعلت وفعلت، وجعل المعارضون يفتشون الكتب فظفروا بما ذكره البيهقي في كتاب الأسماء والصفات في قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ، فإنه ذكر عن مجاهد والشافعي أن المراد: قِبلة الله، فقال أحد كبرائهم في المجلس الثاني: قد أحضرت نقلا عن السلف بالتأويل، فوقع في قلبي ما أَعدَّ، فقلت: لعلك قد ذكرت ما روي في قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ قال: نعم، قلت: والمراد بها قبلة الله، فقال: قد تأولها مجاهد والشافعي وهما من السلف، ولم يكن هذا السؤال يرِدُ عليّ، فإنه لم يكن شيء مما ناظروني فيه صفةَ الوجه، ولا أُثبتها، لكن طلبوها من حيث الجملة، وكلامي كان مقيداً كما في الأجوبة، فلم أرَ إحقاقهم في هذا المقام، بل قلت: هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلاً."[14] انتهى.
فشيخ الإسلام يقول لهم: هذه الآية فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ليست من آيات الصفات حتى تقولوا: إننا أولناها.
وقال: "بل قلت هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلاً، ولا تندرج في عموم قول من يقول لا تُؤول آيات الصفات، قال: أليس فيها ذكر الوجه؟ فلما قلت: المراد بها قبلة الله قال: أليست هذه من آيات الصفات؟ قلت: لا، ليست من موارد النزاع، فإني إنما أُسلم أن المراد بالوجه هنا القبلة، فإن الوجه هو الجهة في لغة العرب، يقال: قصدت هذا الوجه وسافرت إلى هذا الوجه أي إلى هذه الجهة، وبعد أن زاد هذا شرحا قال في كلام مهم جداً: ولكن من الناس من يسلم أن المراد بذلك جهة الله، أي قبلة الله، ولكن يقول: هذه الآية تدل على الصفة، وعلى أن العبد يستقبل ربه ويقول: إن الآية دلت على المعنيين، فهذا شيء آخر ليس هذا موضعه، والغرض أنه إذا قيل: فثَمَّ قبلة الله لم يكن هذا من التأويل المتنازع فيه الذي ينكره منكرو تأويل آيات الصفات، ولا هو مما يستدل به عليهم المثبتة، فإن هذا المعنى صحيح في نفسه والآية دالة عليه، وإن كانت دالة على ثبوت صفة فذاك شيء آخر"[15] انتهى.
يعني من قال: إنها من آيات الصفات يعتقد أن المقصود بها الجهة أو الوجهة، فهو خطأ في التفسير فقط، لكن حينما يأتي للنصوص الواضحة الصريحة ويؤولها فهذا انحراف، مثل صفة الساق يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ [سورة القلم:42]، قال ابن عباس: عن كرب، والعرب تقول: كشفت الحرب عن ساق يعني عن شدة، يعني فهذا بعض السلف كما ترون فسر الساق بالكرب، لكنهم يثبتون أصل الصفة، يعني ما يقولون في قوله ﷺ في ذكر المحشر: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ يعني: عن شدة وحرب، فهذا لا يمكن تأويله، وفي مثل ذلك في الوجه لأحرقتْ سُبُحات وجهه ما انتهي إليه بصره من خلقه[16]، لا يمكن تأويله.
ثم قال الشيخ المحمود: "ويبقى دلالة قوله: فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِعلى فثم قبلة الله، هل هو من باب تسمية القبلة وجهاً باعتبار أن الوجه والجهة واحد؟ أو باعتبار أن من استقبل وجه الله فقد استقبل قبلة الله، فهذا فيه بحوث أخرى ليس هذا موضعها، وفي نقض التأسيس أشار إلى ما ذكره هنا مع زيادة في الشرح والتوضيح، وقال: في أثناء ذلك: فهذا القول ليس عندنا من باب التأويل الذي هو مخالفة الظاهر أصلا، وليس المقصود نصر هذا القول بل بيان توجيهه، وأن قائليه من السلف لم يكونوا من نفاة الصفة، ولا ممن يقول: ظاهر الآية ممتنع، ثم ذكر ثلاثة احتمالات في هذه الآية"[17] انتهى.
فغاية ما هنالك أن يقال لهذا المجادل الذي يجد بعض الأقوال للسلف في مثل هذه الآية ونحوها: أنت تثبت الصفة أو لا تثبتها؟ فالسلف كانوا يثبتون الصفات، ولكن قد يختلف تفسيرهم عند آية ليست صريحة، فإذا كنت تثبت أصل الصفة فلا إشكال، أما أن يكون التعلق بالمتشابهات لضرب المحكمات فهذا هو طريق أهل الزيغ، وَأَمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ [سورة آل عمران:7]، وهذا لا يختص بباب الصفات وإنما هو في كل الأبواب.
فقد يؤتى إلى بعض الأحاديث في الصحابة مثلا في قوله ﷺ: أصحابي أصحابي، فيمن يردون عليه الحوض فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك[18] حينما يذادون عن الحوض فيحتج الرافضي ويقول: الصحابة ارتدوا، ويترك الآيات التي تدل على فضلهم كقوله: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ [سورة الفتح:29]، ووَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ... الآية [سورة التوبة:100]، ولَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [سورة الفتح:18] وما إلى ذلك من النصوص المحكمة، ويأتي إلى متشابه ليلغي هذه المحكمات، فهذا طريق أهل الزيغ.
وفي مسألة غض البصر قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [سورة النور:30]، وقال: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [سورة النور:31]، وقد يأتي من يريد أن ينسف النصوص الواضحة في تحريم الكذب ويستدل على جوازه بحديث عبد الله بن عمرو في الرجل الذي قال النبي ﷺ: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فقال، لاحيت أبي فآليت أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني هذه الثلاث[19]، يريد أن ينظر في عمله، ثم أخبره فيما بعد أنه لم يكن هناك ملاحاة ولا شيء مما ذُكر، وإنما أراد أن ينظر في عمله، فيأتي من يريد أن يستبيح الكذب، فيترك النصوص المحكمة الآن ويلجأ إلى مثل هذا، فهذا طريق أهل الزيغ، فتلغى الشريعة بكاملها بهذه الطريقة في كل الأبواب.
وفي الغِيبة مثلاً حديث:ائذنوا له فبئس أخو العشيرة[20]، يَستدل به على جواز الغيبة ويترك الأحاديث الواضحة، كقول النبي ﷺ: أتدرون ما الغيبة؟[21]، ويترك قول الله: وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْم َأَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [سورة الحجرات:12]، نصوص واضحة ومحكمة ويأتي بنص متشابه، وفيما يتعلق بالخلوة بالمرأة الأجنبية، والاختلاط بالنساء يترك إياكم والدخول على بالنساء[22]، ماخلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما[23] يترك مثل هذه النصوص ويتشبث ببعض النصوص من المتشابه، ولربما جمع ذلك بعض مَن في قلبه مرض من طلاب العلم لبعض الزنادقة، فيتعلقون بها ويلبّسون بها على الناس، بما يكتبون في تلك الأعمدة من الضلال، والنفاق والمحادة لله، ولرسوله ﷺ فهذه طريقة أهل الزيغ: اتباع المتشابه وترك المحكم، والله تعالى أعلم.
- رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، برقم (2865).
- رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم (91).
- رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، برقم (5795)، ومسلم، في بداية كتاب الشعر، برقم (2256).
- رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله : إن الله لا ينام، وفي قوله: حجابه النور لو كشفه لأحرق سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، برقم (179).
- شرح القصيدة النونية (1/ 96).
- شرح القصيدة النونية (1/ 96).
- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم (47).
- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، للعلامة ابن القيم الجوزيه (47، 48).
- المصدر السابق (48).
- موقف ابن تيمية من الأشاعرة، عبد الرحمن المحمود (1150).
- موقف ابن تيمية من الأشاعرة، عبد الرحمن المحمود (1150).
- موقف ابن تيمية من الأشاعرة، عبد الرحمن المحمود (1150).
- المصدر السابق (1150).
- المصدر السابق (1150، 1151).
- المصدر السابق (1151).
- رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله : إن الله لا ينام، وفي قوله: حجابه النور لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، برقم (179).
- المصدر السابق (1151، 1152).
- رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [سورة النساء:125]، برقم (3171)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا ﷺ وصفاته، برقم (2297).
- رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (19180)، وقال محققوه: حديث صحيح.
- رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، برقم (5707)، وفي باب المداراة مع الناس، برقم (5780)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب مداراة من يتقي فحشه، برقم (2591).
- رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة، برقم (2589).
- رواه البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المُغِيبة، برقم (4934)، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم (2172).
- رواه الترمذي، كتاب الفتن عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في لزوم الجماعة، برقم (2165)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وأحمد في المسند، برقم (177)، وقال محققوه: حديث صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2546).