بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله -تبارك وتعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، هذه قراءة نافع وعاصم، قَرن: من القرار وهو البقاء والمكث في بيتها، وقراءة الجمهور بالكسر، {وقِرن في بيوتكن}، وبعضهم يقول: إن القراءتين بمعنى واحد، وبعضهم فرق بينهما فقال: إن الأولى: وَقَرْنَ من القرار، تقول: قر الماء في الحوض إذا استقر وسكن، بمعنى أنها لا تخرج إلا إلى حاجة معتبرة، والثاني على القراءة الثانية {قِرن} يكون من الوقار، والوقار معروف.
ووجه الارتباط بينهما على هذا المعنى أن الوقار ملازم للقرار، وكأنه أثرٌ عنه ونتيجة له، وذلك أن المرأة إذا قرت في بيتها فإن ذلك مظنة لوقارها، ومعلوم أن كثرة الخروج المرأة الخرّاجة الولاجة لا شك أن ذلك يذهب وقارها، فإذا كانت تخالط الرجال فإن ذلك أعظم، ويكون لها من الجرأة ما لا يكون للمرأة القارّة في بيتها التي لا تخرج.
وهذا أدبٌ أدَّب الله به أمهات المؤمنين، وهن قدوة لغيرهن من النساء، فلو كان في الخروج وكثرته خير للمرأة لما كان هذا التأديب لأزواج النبي ﷺ وإنما أدبهن بالأدب الكامل، ومن ثَمّ يقال: إن مكان المرأة هو بيتها، وليس الخروج منه، ولا يصح بحال من الأحوال أن تُسمَّى المرأة التي لا تعمل أجيرة هنا أو هناك أن يقال: إنها امرأة عاطلة، تعاني من بطالة، هذا الكلام غير صحيح، هي ليست عاطلة، وإنما هي قائمة بوظيفتها الطبيعية من القيام على شئون المنزل، القيام على شئون الزوج والأولاد وما شابه ذلك.
وأما المرأة التي تخرج فهي أجيرة، كانت مكفية بشرع الله إذ إن وليها من أب أو زوج أو غيره ملزم بالنفقة عليها والقيام بمصالحها دون أن تحتاج إلى خروج وعمل وكد فهذه قد كُفيت في الإسلام، وإن كانت محتاجة فإنها تعطى من بيت المال، ولا تحتاج إلى الخروج، تعطى من بيت مال المسلمين ما يكفيها، ويصلح لمثلها، وهذا من كمال الشريعة وعنايتها بالمرأة وإكرامها لها، لا أن يستعملها أجيرة تشقى وتعمل، لربما في أعمال لا تصلح إلا للرجال، أو تخالط الرجال، والله يقول: فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [سورة طه:117]، فأعاد الشقاء إلى الرجل، وذلك أنه الذي يخرج ويكدح ويطلب الرزق، ويتعرض للحر والبرد والشمس في هذا السبيل -والله المستعان، هذا أمر معلوم في الشرع.
وأما دعوى أن المجتمع لا يمكن أن يتقدم والأمة لا تتقدم إلا بخروج المرأة فهذا كذب، والجميع يعلمون أنه كذب، ولا نحتاج أن ندلل على هذا، فانظر إلى العالم من حولك في البلاد التي خرجت منها المرأة قبل نحو مائة سنة هل تحولوا إلى مجتمعات متقدمة ودول متقدمة صناعية عظمى؟ أبداً هم يعانون من بطالة ومشكلات مزمنة، وفقر، وما إلى ذلك، بل زاد ذلك عبئاً على المجتمع وإرهاقاً لميزانيات تلك الدول كما هو معلوم، وبقي الشباب لا يجدون شيئاً يكتفون به أو يسدون رمقهم أو رمق من يعولون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقول النبي ﷺ: وبيوتهن خير لهن في المسجد، الذاهبة للمسجد، والمرأة التي سألت النبي ﷺ عن خروجها إلى الصلاة معه: إني أحب أن أصلي معك، فقال: قد علمتُ، ثم بين لها بياناً واضحاً شافياً من مجموع الروايات أنها كلما كانت أبعد في بيتها في أبعد نقطة في البيت كلما كان أفضل من النقطة التي بعدها، حتى إن صلاتها في مسجد الحي أفضل من الصلاة في المسجد الجامع، وفي الجامع أفضل من خير صلاتها مع النبي ﷺ خلفه وفي مسجده، فكيف بالخروج؟ وهذه ليست من أمهات المؤمنين.
وقوله ﷺ: وبيوتهن خير لهن ليس المخاطب أمهات المؤمنين، فهذا لجميع النساء، وأن المرأة لا تكون أقرب إلى الله تعالى من كونها في أبعد شيء في بيتها وأظلمه، أبعد مكان في البيت وأظلم مكان في البيت، هذا هو الإسلام وشرع الله ، حيث يصون المرأة بعيداً عن الرجال، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة النور:18].
وإذا خرجت المرأة فالمرأة ضعيفة، المرأة ضعيفة وهي محل شهوة الرجل شاء أم أبى، شاءت أم أبت، فإذا بقيت حيث يراها الرجال تخالطهم فإنهم يتطلعون إليها، وينظرون إليها غالباً، ولا تكاد تسلم من نظرات وغير ذلك مما يشكوه النساء في العالم، وأما دعواهم أن هذا يكون بسبب الكبت وفصل الجنسين فنقول هذا المرض شكوى مرة من هذا الاختلاط والبلاء الذي أصابهم، فإذا خرجن للمسجد فليخرجن وهن تفلات، والتفلة كما فسره أبو عبيد وغيره في غريب الحديث بالمرأة غير المتطيبة المنتنة الريح، يعني رائحتها غير جيدة.
واليوم لا يوجد امرأة تخرج بهذه الصفة إذا خرجت من بيتها إذا اضطرت للخروج أو خرجت إلى المسجد، وإنما تخرج بأحسن حلة حتى لو كانت غير جميلة بالنقاب وما يحتف بالنقاب مع الطيب وأناقة العباءة -والله المستعان، فيخرجن وهن تفلات، تخرج في أطمارها، في ثياب ليست بتلك، وعباءة ليست بتلك؛ من أجل أن لا تلفت الأنظار، ولكن الشيطان ما يترك أحداً، جاء إلى المجتمعات التي ينتشر فيها الحجاب فعبث بالحجاب عبثاً، صيّره إلى فتنة، وجاء إلى الصالحين الذين لا يسمعون الأغاني والمعازف فدخل عليهم باسم الأناشيد التي كثير منها هي في الواقع أغانٍ وصاروا يسمعونها تحت مسمى آخر.
فالعبارات التي عبروا بها عن تبرج الجاهلية: تخرج تمشي بين يدي الرجال، هذا تبرج الجاهلية.
وهذه صورة ثانية.
وقال مقاتل بن حيان: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى والتبرج: أنها تلقي الخمار على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وذلك التبرج، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج.
فالتبرج من البروج وهو الظهور والانكشاف، هذه حقيقته، ومنه قيل للبرج ذلك لظهوره وانكشافه، فهنا هذه المعاني التي ذكرها السلف كقول مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال، هذه الجاهلية الأولى الآن، وهو في الواقع تبرج؛ لأنها صارت في حال من الانكشاف أمامهم، ولو كانت متحجبة حجاباً كاملاً لا يُرى منها شيء، فهو تبرج، والنبي ﷺ قال: ليس للنساء وسط الطريق[3].
والمعنى الآخر: لهن مشية وتكسر وتغنج فهذا أيضاً من التبرج، وكذلك قول من قال: أن تلقي الخمار على رأسها، بمعنى أن تظهر الزينة والمفاتن، كل ذلك يرجع إلى التبرج، فالتبرج يكون بالتكشف ونبذ الحجاب أو الإخلال به، ويكون بالمشي بين يدي الرجال، ويكون التبرج بكثرة الخروج، لا تقرّ المرأة في بيتها، خرّاجة ولاجة، فهذا من التبرج.
وهذه الصورة التي ذكرها مقاتل أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده، فهي تلبس خماراً لكنها لا تشده، هذه الجاهلية الأولى، فكيف باليوم حيث تُظهر المرأة لربما كل شيء إلا العورة المغلظة في أماكن كثيرة في هذا العالم؟! هذا ما كان يتصور في الجاهلية الأولى، والجاهلية تطلق يراد بها الحالة التي كان عليها العرب قبل الإسلام، وهي حالة واقعية نفسية وبعيدة عن الله -تبارك وتعالى- والاهتداء بهديه، هذه هي الجاهلية، لكنه قال هنا: الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى، أين الجاهلية الأولى؟
بعضهم قال: ما بين آدم ونوح، وحديث ابن عباس: ما بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام[4]، يعني يقصد القائل ما بعد ذلك، حينما وقع الشرك، يعني بعد العشرة القرون، وهذا لا دليل عليه.
وبعضهم يقول: إنها زمن ولادة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام، وبعضهم يقول: ما بين داود وسليمان، وهذا غير صحيح، هؤلاء كان لهم مُلك وهم أنبياء، ومثل هذا لا يتصور أن توجد فيه حالة كهذه.
وبعضهم يقول: ما بين عيسى ومحمد ﷺ، فالجاهلية الأولى هي التي كان الناس عليها قبل الإسلام، ولا يلزم من ذكر الأولى أن يوجد أخرى، ومن نظروا إلى هذه الملازمة أنه يلزم قالوا: ابحثوا عن الجاهلية الثانية، فجعل بعضهم الجاهلية الأولى ما بين نوح وآدم أو ما بين إدريس ونوح باعتبار أن إدريس قبل نوح -عليهما السلام، أو زمن ولادة إبراهيم أو غير ذلك من أجل أن يقولوا: إن الجاهلية الثانية هي التي كان عليها الناس قبل الإسلام، وبعضهم قال: إن الجاهلية الأولى التي كان عليها الناس قبل الإسلام، والجاهلية الثانية هي ما يقع من الذنوب والمعاصي وكذا بعد الإسلام.
ولا حاجة إلى هذا -والله تعالى أعلم؛ إذ إنه لا يلزم من ذكر الأولى أن يوجد ثانية، كما قال الله : وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى [سورة النجم:50]، لا يلزم أنه يوجد عاد ثانية، وإنما يكون المراد بقوله: الْأُولَى يعني: المتقدمة، الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى.
وموضوع المرأة وخروج المرأة، والمنع من خروجها أحياناً يقال: هذا تخلف القرون الوسطى، وما علموا أن التخلف هو في تبرجها وخروجها عن الفضيلة وعن القرار في البيت، وكلمة الفضيلة تغيظ أعداء الله ، تغيظهم كثيراً، فصاروا يرددون هذه الكلمة على سبيل السخرية، دعاة الفضيلة، ويقولون: أنتِ جوهرة مكنونة، يسخرون سخِرَ الله منهم -والله المستعان، يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا [سورة الأعراف:27]، نزع اللباس هذا كله مما يدعو إليه الشيطان وشياطين الإنس من تلامذته الذين تشيّخ بعضهم حتى صار إبليس من تلامذته، والله المستعان.
بمعنى أنها تبقى في البيت، لكن أحياناً يكون بقاؤها في البيت أسوأ وأفسد لها من خروجها، يعني قد تخرج إلى دراسة أو إلى التحفيظ أو نحو ذلك، وتنتفع وتستفيد، أو تنفع فلا إشكال في هذا، وبصرف النظر فإن بقاء المرأة في البيت لا يعني بالضرورة أنها تكون على حال من الصلاح والإصلاح كما هو المعلوم اليوم في هذا الاشتغال الذي اشتغل به كثير من الناس من الرجال والنساء وهم في بيوتهم، هذه الأجهزة والوسائط التي صارت تقرب البعيد، ويصل منها الإنسان إلى كل ما يريد، وصارت المرأة لربما تجلس في بيتها في حال من الفساد والإفساد عبر هذه الشبكة أو عبر الهاتف أو غير ذلك، فإذا بقيت في البيت وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فهي في حالة من الذكر، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ، لا تبقى في البيت فارغة تشتغل بما يضرها.
وقوله: وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ، الآيات هنا في موضوع اجتماع أزواج النبي ﷺ على المطالبة بالتوسعة في النفقة، لِمَا كان عليه الحال من الضيق والشدة، فهن لا يملكن ما يُخرجن معه الزكاة، ففيه بشارة أو إشارة إلى ما سيكون من الفتوح، وصار أزواج النبي ﷺ بتلك المثابة، يعني من بعده -عليه الصلاة والسلام.
قال: وقوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا نص في دخول أزواج النبي ﷺ في أهل البيت هاهنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً، إما وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح.
يعني العبرة بعموم اللفظ والمعنى لا بخصوص السبب، فصورة السبب داخلة في عموم اللفظ أو المعنى قطعاً، وإخراجها منه بالاجتهاد ممنوع، هذه قاعدة، لا يجوز إخراج صورة السبب بالاجتهاد من العموم، عموم اللفظ أو المعنى، فهذه نازلة في أزواج النبي ﷺ، إذاً هن ممن قصد، وعني بهذه الآية، هن من أهل بيته، لكن أهل البيت يطلق بإطلاقات متعددة، بحسب المقام وقد يفهم ذلك من السياق أو من قرائن أخرى، فيطلق بإطلاق واسع فيدخل فيه أزواج النبي ﷺ كما في هذا الموضع؛ لأن ذلك سبب النزول، ويدخل فيه عليٌّ والحسن والحسين وفاطمة ، وأهل بيت النبي ﷺ، ويطلق بإطلاق دونه، يعني أضيق منه، ويراد به من حُرم الصدقة وهم أهل أربعة أبيات: آل علي، وآل عباس، وآل عقيل، وآل جعفر، هؤلاء أهل بيت النبي ﷺ أربعة أبيات، ويطلق بإطلاق أضيق من هذا، وهو ما دل عليه حديث الكساء، لما دخل فيه علي والحسن والحسين وفاطمة -رضي الله تعالى عنهم، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فطهرهم تطهيراً[5]، ولم يدخل فيه أم المؤمنين، فهذا إطلاق أضيق.
فهنا في هذه الآيات لا شك أن أزواج النبي ﷺ داخلات في ذلك، ولا يقال: إنه عبر هنا بالضمير الدال على الذكور، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ أو كاف الخطاب، أو الصيغ الدالة على الذكور أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، فهذا يجاب عنه بأحد جوابين، يعني قد يقول قائل: هذه صيغة للمذكر، فلماذا لم يقل: إنما يريد الله ليذهب عنكن الرجس أهل البيت؟
الجواب: يقال: إما من باب التغليب، تغليب المذكر على المؤنث كما هو الغالب في الاستعمال، وذلك أن من أهل البيت علي والحسن والحسين -رضي الله تعالى عنهم، وإما أن يقال: إن لفظة "الأهل" مذكرة وهي تطلق على الزوج، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ [سورة هود:81] وزوجته قال: إِلاَّ امْرَأَتَكَ، دل على أنها داخلة فاستثناها، قال الله : رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [سورة هود:73]، إبراهيم ﷺ يعني زوجته داخلة في هذا، وَسَارَ بِأَهْلِهِ [سورة القصص:29] موسى ﷺ يعني زوجته، فالزوجة يقال لها: أهل، ولفظة أهل مذكرة، فروعي بذلك اللفظ، فجاءت الصيغة بخطاب المذكر لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ما قال: عنكن، وَيُطَهِّرَكُمْ.
قال: وروى ابن جرير عن عِكْرِمة أنه كان ينادي في السوق: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، نزلت في نساء النبي ﷺ خاصة، وهكذا روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قال: نزلت في نساء النبي ﷺ خاصة.
وقال عكرمة: من شاء باهلتُه أنها نزلت في شأن نساء النبي ﷺ؛ فهن سبب النزول دون غيرهن يدخل فيه غيرهن على سبيل التوسع والعموم.
وروى ابن جرير عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة -رضي الله عنها: خرج النبي ﷺ ذات غداة، وعليه مِرْط مُرَحَّل من شَعْر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة -رضي الله عنها- فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال ﷺ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[6]، رواه مسلم.
هذا بالإطلاق الضيق، وخروجه ﷺ قال هنا: في مرط مرحل، المرط: كساء من صوف، وقد يكون من خز، تخرج به المرأة تجلبب به، جلباب، ومرحل يعني عليه صور الرحال، منقوشة عليه يعني، مرط مرحل، منقوش عليه، منسوج عليه صور الرحل.
وفي هذا الإطلاق الضيق لا يدخل فيه أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن، والله أعلم.
ولا يقال: إنهن سبب النزول بمعنى أن ذلك يختص بهن، وإن أهل البيت إنما يراد به أزواج النبي ﷺ، هذا لا يقول به أحد، والقول بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا يقتضي أن يقال بإطلاق، وإنما يقال في هذه الآيات: العبرة بخصوص السبب، أنها نزلت في أمهات المؤمنين، لكن الأدلة الأخرى دلت على أن أهل البيت أوسع من ذلك، وأنه يدخل فيه غيرهن.
قوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الإرادة هنا شرعية، ومعلوم أن الإرادة الشرعية يمكن أن تتخلف، وهذا قول أهل السنة قاطبة، فأدَّبهم بهذه الآداب من أجل أن يحصل لهم هذا التطهير أن يجتنبوا المدنسات، والرافضة يقولون: إن هذه الإرادة كونية، وإذا كانت كونية معناها لابد من تحقق المراد، ومن ثم زعموا العصمة للأئمة.
ويمكن أن يجاب عنهم بأجوبة من أدناها أن يقال: إذا كانت إرادة كونية فإن ذلك لا يلزم إذا أذهب عنهم الرجس، لا يلزم منها العصمة، فالخطأ يرد، وإنما الرجس هو كل شيء مستقذر حساً أو معنى مما تعافه النفوس والفِطر، فإنه يقال له: رجس، ولما كان الإثم والذنب والمعصية والشرك والكفر كل ذلك من الأمور التي هي من أعظم المستقذرات الحسية، كانت من قبيل الرجس؛ ولهذا أطلق الرجس على هذا وهذا، إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [سورة المائدة:90]، وقال عما أهل به لغير الله قال: فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا [سورة الأنعام:145]، فسماه بذلك، وهكذا، فهذه الأمور وكذلك ما يحصل به تدنيس الأعراض هو من قبيل الرجس، والله أذهب عنهم كل هذه الأمور من الخبائث والمقذرات المدنسات حساً ومعنى، فإذا قلنا: إن الإرادة كونية، لكن لا يلزم من هذا ما يتصل بالخطأ أنه قد رُفع، فتكون العصمة، هذا غير صحيح؛ لأن ذلك ليس من الرجس، فالخطأ ليس من الرجس، إنما الرجس إثم وكل مستقذر حساً ومعنى.
ثم يقال له: إذا كانت هذه إرادة كونية فأهل البيت أوسع من الأئمة الاثني عشر مثلاً، الذين تنسبون لهم العصمة، هناك غير هؤلاء، فهل كل هؤلاء من المعصومين؟ والإرادة شرعية دينية لا يلزم منها العصمة، ولو قيل: إنها كونية لا يلزم منها العصمة، لكن أهل السنة يقولون: هي شرعية، وهذا هو الصحيح.
- رواه أبو داود بهذا اللفظ، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، برقم (565)، والبخاري، كتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم، برقم (858)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، برقم (442)، ولفظهما: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله.
- رواه أبو داود بهذا اللفظ، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، برقم (567)، وأحمد في المسند، برقم (5468)، وبرقم (5471)، وقال الألباني: "قلت: وإسناده حسن"، في إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل، برقم (515)، وصححه في صحيح أبي داود، برقم (576).
- رواه البيهقي في شعب الإيمان، برقم (7823)، وابن حبان في صحيحه، برقم (5601)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (856)، وفي صحيح الجامع برقم (5425).
- الطبقات الكبرى لابن سعد (1/53)، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، (7/19)، برقم (33928)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (3289).
- رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة الأحزاب، برقم (3205)، وأحمد في المسند، برقم (26597)، وقال محققوه: "حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف شهر بن حوشب، وبقية رجاله رجال الشيخين، زبيد: هو ابن الحارث اليامي".
- رواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم، باب فضائل أهل بيت النبي ﷺ، برقم (2424).
- رواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل علي بن أبي طالب ، برقم (2408).