بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
قال المفسر -رحمه الله تعالى:
والمقصود أن الرجل إذا كان في حجره يتيمة يحل له تزويجها، فتارة يرغب في أن يتزوجها، فأمره الله أن يمهرها أسوة أمثالها من النساء، فإن لم يفعل فليعدل إلى غيرها من النساء فقد وسع الله وهذا المعنى في الآية الأولى التي في أول السورة، وتارة لا يكون للرجل فيها رغبة لدمَامَتِها عنده أو في نفس الأمر، فنهاه الله أن يعضِلها عن الأزواج خشية أن يَشْركوه في ماله الذي بينه وبينها، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -ا- في الآية وهي قوله: فِي يَتَامَى النِّسَاء الآية [سورة النساء:127]: كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه، فإذا فعل ذلك بها لم يقدر أحد أن يتَزَوّجها أبدًا، فإن كانت جميلة وهويها تَزَوَّجَها وأكل مالها، وإن كانت دميمة منعها الرجال أبدا حتى تموت فإذا ماتت ورثها، فَحَرَّم الله ذلك ونهى عنه.
وقال في قوله: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [سورة النساء:127] كانوا في الجاهلية لا يورثِّون الصغار ولا البنات وذلك قوله: لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ [سورة النساء:127] فنهى الله عن ذلك وبيَّن لكل ذي سهم سهمه فقال: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [سورة النساء:11] صغيرًا أو كبيرًا، وكذا قال سعيد بن جبير وغيره.
وقال سعيد بن جبير في قوله: وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ [سورة النساء:127] كما إذا كانت ذات جمال ومال نكحتها واستأثرت بها كذلك إذا لم تكن ذات مال ولا جمال فانكحها واستأثر بها.
وقوله: وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [سورة النساء:127] تهييجًا على فعل الخيرات وامتثال الأمر وإن الله عالم بجميع ذلك وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمَّه.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فذكرنا بالأمس أن قوله -تبارك وتعالى: وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ [سورة النساء:127] يشمل المعنيين اللذين ذكرهما المفسرون من السلف ومن بعدهم وهما: الرغبة عن نكاحها والرغبة في نكاحها.
وقلنا: إن فيه مقدرًا محذوفًا هو إما "في" وإما "عن" وعلى كل حال فالقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة.
وقوله: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [سورة النساء:127] ذكر هنا أنهم كانوا لا يورثون الصغار مثلًا ويدخل فيه أيضًا كل من يصدق عليه هذا الوصف بأنه من المستضعفين كاليتامى الذين أوصى الله بهم فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة الأنعام:152] وكقوله: قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ [سورة البقرة:220] وقوله: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ [سورة الضحى:9] وما شابه ذلك.
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلًا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [سورة النساء:128-130].
يقول تعالى مخبرًا ومشرعًا عن حال الزوجين تارة في حال نفور الرجل عن المرأة، وتارة في حال اتفاقه معها، وتارة في حال فراقه لها.
فالحالة الأولى: ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من الحقوق عليه.
قوله: فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا [سورة النساء:128] يعني أن يتفقا على شيء يحصل به بقاؤها في عصمة الزوجية بإسقاط بعض حقوقها.
يقول -تبارك وتعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا [سورة النساء:128] الفرق بين النشوز والإعراض أن النشوز هو الترفع، فيمكن أن يقال -والله أعلم: خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أي خافت منه ترفعًا عنها؛ لأنه لا رغبة له فيها مما يؤدي إلى حصول تقصير في حقها أو ظلم لها أو استطالة عليها أو نحو ذلك، فهو يستعلي عليها بسبب بغضه لها أو بسبب كِبَر سنها أو نحو هذا.
وقوله: أَوْ إِعْرَاضًا يعني يحصل إعراض بوجهه أو إعراض عنها ببعض الحق فلا يؤديه لها كأن يترك وطأها أو المبيت عندها.
قوله: فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا أي عندئذٍ يمكنها أن تصطلح معه بصلح.
وبعضهم يفرق بين النشوز والإعراض بأن النشوز هو التباعد، وأن الإعراض ألا يكلمها ولا يأنس بها، وهذا وإن قال به بعض أئمة اللغة مثل النحاس -رحمه الله- إلا أنه متقارب في المعنى، حيث إن التباعد هو بمعنى ألا يكلمها أو لا يأنس بها أو نحو ذلك، لكن نقول: إن النشوز معناه الترفع والاستعلاء والاستطالة عليها، أما الإعراض فهو أن لا يكون له رغبة فيها أو في بعض ما يتصل بها فيقصر في حقوقها، والله أعلم.
في قوله: أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا قراءة أخرى متواترة هكذا (أن يصَّالحَا بينهما) يعني أن يتصالحا.
يقول: "وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [سورة النساء:128] أي: الصلح عند المُشَاحَّة خير من الفراق" هذا التفسير فيه غرابة، وإنما يقال هذا في قوله: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ هكذا: والصلح عند المشاحَّة خير من الفراق.
وأما في قوله: وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ فيقال: هذا إخبار عن النفوس وما جبلت عليه، فالشح حاضر ومتمكن في النفوس غاية التمكن فهو أمر جبلت وطبعت عليه النفوس، والمرأة ربما لم تسمح نفسُها أن تتنازل بليلتها بالمبيت أو نحو ذلك لضرتها، فهي تريد حقها ولاسيما إن كانت لها ضرة فإنها تكون طالبة لذلك بصورة أكبر مما لو كانت وحدها كما هو مشاهد، والشح أيضًا موجود في الرجل فلا تراه تجود نفسه بما يطالب به من الحقوق إما وجوبًا وإما استحبابًا نظرًا لما جبلت عليه وطبعت عليه نفسه، ولذلك يحتاج إلى مجاهدة كبيرة من أجل التخلص من هذا الشح، ولهذا قال الله -: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة الحشر:9].
وفي قوله تعالى: وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [سورة النساء:128] يقول ابن جرير -رحمه الله: أي نفوس النساء بحيث إنها لا تطيب أن تترك شيئًا من حقها لتستأثر به ضرتها، ونقول: هذا المعنى داخل في عموم قوله: وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [سورة النساء:128] فالمرأة يكون فيها مثل هذا الأمر ويكون في الرجل أيضًا، وهو موجود فيه، فعموم الناس في أحوالهم المختلفة جبلوا على الشح وذلك خلق متمكن متجذر في النفوس يحتاج إلى مدافعة وصبر ومجاهدة حتى يتخلص منه الإنسان فيكون مفلحًا بذلك.
والشح هو أشد البخل، وبعضهم يقول: الفرق بينه وبين البخل أن الشحيح يبخل بما في يده ويتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، والبخيل يبخل بما في يده.
وبعضهم يقول: الشح أن يمنع ما في يده ولو كان من الحقوق الواجبة كالزكاة، بخلاف البخيل فهو يبخل فلا يتصدق ولا يبذل المال أو نحو ذلك، وبعضهم يرى أن الفرق بينهما أن أحدهما يتعلق بالصفة النفسانية والآخر بالفعل الناشئ عنها، وعلى كل حال فالشح لا شك أنه أشدُّ من البخل.
روى أبو داود الطيالسي عن ابن عباس -ا- قال: "خَشيتْ سَوْدَة أن يطلقها رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، لا تطلقني واجعل يومي لعائشة، ففعل، ونزلت هذه الآية: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا الآية [سورة النساء:128][1].
قال ابن عباس -ا: "فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز" [ورواه الترمذي وقال: حسن غريب][2].
وفي الصحيحين عن عائشة قالت: "لما كَبرت سودةُ بنتُ زَمعة -ا- وهبَتْ يومها لعائشة، فكان النبي ﷺ يقسم لها بيوم سودة"[3] وفي صحيح البخاري نحوه.
وأيضًا في مسلم بنحو هذا.
ومما صحَّ في سبب النزول أنها نزلت بسبب رافع حيث كان عنده امرأة قد أسنت ولم تتنازل عن حقها فأراد أن يفارقها وطلَّقها تطليقة، ثم لما قاربت انتهاء العدة سألها إن شاءت أن يراجعها بشرط أن تسقط حقها من المبيت، فقبلت ذلك ثم طالبت به بعد ذلك ثم طلقها.
الحاصل أن هذه الآية نزلت في هذا وفي حق سودة -ا؛ لأنه كما سبق أن الآية الواحدة قد تنزل في أسباب متعددة، فإن كان الزمان متقاربًا فقد نزلت فيهما جميعًا، وإن كان الزمان متباعدًا فيمكن أن تكون الآية نزلت أكثر من مرة، والله أعلم.
ويمكن أن يقال أيضًا: إن الصلح أن يحصل بينهما اتفاق على أمر وليس مجرد التخيير، يعني أن يصطلح معها مثلًا على أن تسقط يومها فتبقى في عصمته فهذا خيرُ لها من الطلاق؛ لأن بوقوع الطلاق تتشتت الأسرة، وهي تبقى بلا زوج، فبقاؤها تربي أولادها وترعاهم في ظل هذا الزوج خير من أ ن تبقى وحيدة.
الحديث الوارد في هذا أبعض الحلال إلى الله الطلاق فيه ضعف[4]، ولاشك أن الصلح خير إذا أمكن، أما إذا كانت الحياة ستبقى قلقة والمرأة ستعيش في شقاء وفي عذاب بسبب ظلمه وتقلب مزاجه وما أشبه هذا فقد يكون الطلاق خيرًا لها، لكن في الجملة الصلح خير إذا أمكن أن يصطلحوا.
أما إذا كان الرجل يضطرب ويغير ما اتفقوا عليه وينقض ذلك ويُكتَب عليه عند القاضي أمور ثم بعد ذلك إذا رجع لم يكترث بشيء من هذا فعندئذ يقول الله -تبارك وتعالى: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلًا مِّن سَعَتِهِ [سورة النساء:130].
سودة -ا- أرادت أن تبقى زوجة للنبي ﷺ لتكون زوجة له في الآخرة، وهذا بحد ذاته لاشك أنه من أعظم المغنم، أضف إلى ذلك أن بقاءها وزوجها رسول الله ﷺ أعظم الشرف.
فالحاصل أن المرأة قد يكون من مصلحتها البقاء في عصمة الزوج وإن أسقطت المبيت، بل وإن أسقطت النفقة، وهذا حل للأزواج وللزوجات؛ لأن المرأة إذا تقدمت بها السن لا يرغب بوطئها ولا نكاحها، وهذه سنة الله في الخلق، فيضطر الرجل أن يتزوج أو يتصبر -وهو ليس بحاجة إلى هذا التصبر والعذاب- أو يذهب إلى الحرام، وهذه هي الحقيقة الواقعة، فالرجل إما أن يتصبر ويتململ ويعيش بأمنيات، وإما إنه يبحث عن الحرام، وإما أن يتزوج، وهذا الأخير هو الطريق الصحيح، فإذا قامت قيامتها وأبت مثل هذا فإنه يخيرها فيقول لها: إما أن تبقي وإما أن أطلقك، فإن رأت أنه لا رغبة له فيها ويريد أن يطلقها فيمكن أن تسقط حقها فتقول: أبقى في عصمتك وأربي أولادي ولا أطالبك بالمبيت، وهذا خير لها من الطلاق.
وقوله: وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [سورة النساء:128] وإن تتجشموا مشقة الصبر على من تكرهون منهن وتقسموا لهن أسوة أمثالهن، فإن الله عالم بذلك وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء.
وقوله تعالى: وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ [سورة النساء:129] أي: لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن وقع القسْم الصوري ليلة وليلة، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع، كما قاله ابن عباس –ا- وعُبَيْدة السَّلْمَاني، ومجاهد، والحسن البصري، والضحاك بن مزاحم.
ورواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عائشة –ا- قالت: كان رسول الله ﷺ يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني: القلب، هذا لفظ أبي داود وهذا إسناد صحيح[5].
وقوله: فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ [سورة النساء:129] أي: فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [سورة النساء:129] أي: فتبقى هذه الأخرى مُعَلَّقة.
يعني أنه لا يملك قلبهK فإذا أحب إحداهن فليس له أن يتبع ذلك بالعمل، فتكون أخلاقه الحسنة ولسانه الطيب ووجه وإقباله على إحداهن، والأخرى منبوذة متروكة ليس لها إلا الزجر والإغلاظ وتضييع الحقوق وتقصير في النفقات وما أشبه ذلك، فهناك ما هو مستطاع وهناك ما هو غير مستطاع، فما لا يستطاع فالله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فالميل القلبي لا يؤاخذ عليه الإنسان.
لكن كما قلنا مرارًا: إن خطاب الشارع إذا توجه إلى المكلف في أمر غير مقدور فإنه يتوجه إلى سببه أو إلى أثره فهنا يتوجه إلى الأثر، فلا يكون الإنسان متبعًا ميل القلب بإقبال الوجه وما إلى ذلك من الأمور العملية على إحداهن، والأخرى لها الزجر والإبعاد والتقصير والتضييع لها ولحقوقها فهذا لا يجوز، وأما في الجماع فإنه لا يجب عليه أن يعدل بينهن في الجماع لكنه يجب أن يعدل في المبيت بمعنى أنه يبيت عند هذه ليلة مثلًا وعند هذه ليلة -إلا إذا أسقطت حقها- لكن إذا بات عند هذه فجامعها فإنه لا يجب عليه أن يجامع الثانية في ليلتها، وإنما الواجب هو المبيت فقط.
ولهذا جاء في قراءة أبيّ قال: فتذروها كالمسجونة، يعني إنها ليست زوجة كالزوجات وإنما يحبسها في عصمته بحيث لا تستطيع أن تتصرف وتتزوج ويتقدم إليها الخطاب، وليست بذات زوج يؤدي إليها حقوقها، فهي حبيسة عنده، والنساء أسيرات كما قال النبي ﷺ استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عوانٍ عندكم[6].
وروى أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وأحد شِقَّيْهِ ساقط[7].
وقوله: وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة النساء:129] أي: وإن أصلحتم في أموركم وقسمتم بالعدل فيما تملكون، واتقيتم الله في جميع الأحوال غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض.
يعني وإن أصلحتم في أموركم وأصلحتم ما حصل من تقصير وتضييع لحقوق الزوجة فإن الله يغفر؛ لأن الذنوب والجرائم والمخالفات التي يقع فيها إفساد وتضييعٌ لحقوق الغير يجب فيها الإصلاح كما قال الله في كثير من المواضع التي يذكر فيها التوبة، كتوبة المفسدين والمرتدين وما أشبه ذلك: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ [سورة البقرة:160] ولذلك من بثّ بدعة يُتَّبع فيها أو نَشر فسادًا أو نحو ذلك فإنه يطالب بإزالة آثار ذلك بقدر استطاعته.
ولو أن إنسانًا ضيَّع حقوق زوجته أو زوجاته وظلم وقصَّر في الحقوق فإنه مطالب أن يصلح ما أفسد في أموره كلها مع هؤلاء الزوجات، وأن يتقي الله فيما يأتي وما يذر وأن يتقي الله في حدوده كلها فلا ينتهكها وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة النساء:129].
ثم قال تعالى: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلًا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [سورة النساء:130] وهذه هي الحالة الثالثة وهي حالة الفراق، وقد أخبر الله تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه بأن يعوضه بها من هو خير له منها، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه.
وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [سورة النساء:130] أي: واسع الفضل عظيم المن حكيمًا في جميع أفعاله وأقداره وشرعه.
- أخرجه أبو داود في كتاب النكاح - باب في القسم بين النساء (2137) (ج 2 / ص 208) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1479).
- أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ باب تفسير سورة النساء (3040) (ج 5 / ص 249) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقمه.
- أخرجه البخاري في كتاب النكاح - باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك (4914) (ج 5 / ص 1999) ومسلم في كتاب الرضاع - باب جواز هبتها نوبتها لضرتها (1463) (ج 2 / ص 1085).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق – باب حدثنا سويد بن سعيد (2018) (ج 1 / ص 650) وضعفه الألباني كما في ضعيف الجامع برقم (44).
- أخرجه أبو داود في كتاب النكاح - باب في القسم بين النساء (2136) (ج 2 / ص 208) والدارمي في كتاب النكاح – باب القسمة بين النساء (2207) (ج 2 / ص 193) وقال حسين سليم أسد: "إسناده صحيح" وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (4593).
- أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع - باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (1163) (ج 3 / ص 467) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7880).
- أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح - باب القسمة بين النساء (1969) (ج 1 / ص 633) وأحمد (8549) (ج 2 / ص 347) وقال الأرنؤوط: " إسناده صحيح على شرط الشيخين " وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1949).