الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
[44] من قول الله تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ} الآية 172 إلى قوله تعالى: {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} الآية 175.
تاريخ النشر: ٢٣ / ذو القعدة / ١٤٢٦
التحميل: 3116
مرات الإستماع: 2080

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى:

وقوله: فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ [سورة النساء:171] أي: فصدقوا بأن الله واحد أحد لا ولد له ولا صاحبة، واعلموا وتيقنوا بأن عيسى عبد الله ورسوله؛ ولهذا قال تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ [سورة النساء:171] أي: لا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وهذه الآية كالتي في سورة المائدة حيث يقول تعالى: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ [سورة المائدة:73] وكما قال في آخر السورة المذكورة: وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي [سورة المائدة:116] وقال في أولها: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ الآية [سورة المائدة:72] فالنصارى -عليهم لعنة الله- من جهلهم ليس لهم ضابط ولا لكفرهم حد، بل أقوالهم وضلالهم منتشر، فمنهم من يعتقده إلهًا، ومنهم من يعتقده شريكاً، ومنهم من يعتقده ولدًا، وهم طوائف كثيرة لهم آراء مختلفة وأقوال غير مؤتلفة، ولقد أحسن بعض المتكلمين حيث قال: لو اجتمع عشرة من النصارى لافترقوا على أحد عشر قولاً.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالطوائف المنحرفة من النصارى متفقون على الكفر والضلال والتثليث ولكنهم يختلفون في تفصيل ذلك، فهم يقولون: هو جوهر واحد ولكن له ثلاثة أقانيم، ثم يختلفون في تفسير الأقانيم هل هي صفات أو غير ذلك، فبعضهم يقول: هي الوجود والحياة والعلم، وبعضهم يقول: إنه الله وعيسى وجبريل. 

وبعضهم يقول: إن الوجود يرمز إلى الله والحياة إلى جبريل، وبعضهم يقول: الله وعيسى ومريم، إلى غير ذلك من كفرهم الذي يختلفون فيه كثيراً، ولو طلب منهم أن يفسروا هذا التثليث كيف يكون ثلاثة في واحد لم يستطيعوا، ولذلك فإن من أفسد العقائد البشرية هي عقيدة التثليث، وأهل هذه العقيدة أكثر ما ينازعون فيه ويُحتج عليهم به هي عقيدة التثليث التي هي أصل اعتقادهم وأعظم قضية في دينهم، وهم ليسوا متثبتين منها ولا على يقين إطلاقاً.

ولقد ذكر بعض علمائهم المشاهير عندهم وهو سعيد بن بطْرِيق -بطْرَكُ الإسكندرية- في حدود سنة أربعمائة من الهجرة النبوية أنهم اجتمعوا في المجمع الكبير الذي عقدوا فيه الأمانة الكبيرة التي لهم.

سعيد هذا هو ابن بطريق، لكن البطريك هو رئيس الأساقفة عند النصارى كما قال: "بطرك الإسكندرية" أي مقدمهم أو رئيس رؤساء الأساقفة، وقد يطلق مثل هذا على العالم عند اليهود لكنه اشتهر عند النصارى.

أنهم اجتمعوا في المجمع الكبير الذي عقدوا فيه الأمانة الكبيرة التي لهم، وإنما هي الخيانة الحقيرة الصغيرة.

هذا حينما تركوا العمل بالتوراة لشدة كراهيتهم لليهود فبقوا من غير شريعة؛ لأن عيسى لم يبعث بشرع جديد، فلم يكن عندهم قانون يتحاكمون إليه ولا نظام يضبطون معاملاتهم وسلوكهم به، فالذي حصل أنهم اخترعوا هذا القانون الذي سموه بالأمانة الكبيرة.

وذلك في أيام قسطنطين باني المدينة المشهورة، وأنهم اختلفوا عليه اختلافًا لا ينضبط ولا ينحصر فكانوا أزيد من ألفين أَسْقُفًا.

الأسقف هو مرتبة دينية أعلى من القسيس ودون المطرم عندهم.

فكانوا أزيد من ألفين أَسْقُفًا، فكانوا أحزابًا كثيرة، كل خمسين منهم على مقالة، وعشرون على مقالة، ومائة على مقالة، وسبعون على مقالة، وأزيد من ذلك وأنقص، فلما رأى منهم عصابة قد زادوا على الثلاثمائة بثمانية عشر نفرًا وقد توافقوا على مقالة، فأخذها الملك ونصرها وأيدها -وكان فيلسوفًا داهية- ومَحَقَ ما عداها من الأقوال، وانتظم دَسْتُ أولئك الثلاثمائة والثمانية عشر.

يعني أن المبرر لاختيار مقالة أهل التثليث التي اعتمدها قسطنطين هي أنهم زادوا على الثلاثمائة بقليل! فهم أكثر مجموعة كانت عند النصارى اتفقت على قول بهذا العدد، فاعتمد قولهم ديناً لهم بهذه الطريقة!!

وبنيت لهم الكنائس ووضعوا لهم كتبًا وقوانين وأحدثوا فيها الأمانة التي يلقنونها الولدان من الصغار ليعتقدوها ويُعَمّدونهم عليها، وأتباع هؤلاء هم الملكية، ثم إنهم اجتمعوا مجمعاً ثانيًا فحدث فيهم اليعقوبية، ثم مجمعًا ثالثًا فحدث فيهم النسطورية، وكل هذه الفرق تثبت الأقانيم الثلاثة في المسيح ويختلفون في كيفية ذلك، وفي اللاهوت والناسوت على زعمهم هل اتحدا أو ما اتحدا، أو امتزجا أو حل فيه؟ على ثلاث مقالات! وكل منهم يكفر الفرقة الأخرى، ونحن نكفر الثلاثة.

اللاهوت يقصدون به الإله والناسوت يعني الناس ويريدون عيسى -عليه الصلاة والسلام- أي هل اتحد معه أو مازجه كما يمازج الملح الماء مثلاً، أو أنه حل فيه ولم يتحد معه، يوجد خلاف بينهم في هذه الأقوال التي هي كلها في غاية الكفر والضلال.

وكل منهم يكفر الفرقة الأخرى، ونحن نكفر الثلاثة.

هكذا هي عقائدهم الفاسدة ومع ذلك ترى من أبناء المسلمين من يغتر ويعجب بهم ويقلدهم وينشر مبادئهم وأزياءهم وأفكارهم وما عندهم من حضارة -كما يزعمون- فتفسد العقائد والأخلاق في أوساط المسلمين.

حدثني أحد الإخوة أنه لقي شاباً صغيراً عمره ست عشرة سنة قد تنصر ولبس الصليب وتخلى عن دين الإسلام؛ بسبب ما يشاهده في القنوات وإن كان قد رجع عن هذا بعد أن بقي على هذا الأمر مدة، ولله الحمد، لكن نقول: إن هذه الأمور الجسام تقع بسبب إتيانهم بالفاتنات والممثلات ويعرضونهم على أنهم في غاية البريق واللمعان والنجومية وتركز الكاميرا على الصليب الذي يلبسه في رقبته وفي يده وعلى الوشم فيدمن الشاب رؤية هذا الأشياء ويعجب بها غاية الإعجاب ثم يجد نفسه قد دخل في دينهم، ولا غرابة.

وقد رأيت عند هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيساً مليئاً بالصلبان وقالوا: إنها مما يلبسها الشباب في السوق، وقالوا: إنهم وجدوا أحد الشباب الصغار في السادسة عشرة من عمره -وهو ابن لأحد الدعاة- يلبس لباساً في غاية السوء، فقلت: هلا سألتموه؟ فقالوا: سألناه هل أنت مقتنع بهذا الصليب؟ فقال: إنه تجديد!!

يا تُرى هل هؤلاء القوم بهذه العقائد مما يصح أن نُعجب بهم أو بعقائدهم؟ فالله المستعان.

ولهذا قال تعالى: انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ [سورة النساء:171] أي: يكن خيراً لكم إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ [سورة النساء:171] أي: تعالى وتقدس عن ذلك علواً كبيراً.

لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً [سورة النساء:171] أي: الجميع ملكه وخلقه، وجميع ما فيها عبيده، وهم تحت تدبيره وتصريفه، وهو وكيل على كل شيء، فكيف يكون له منهم صاحبة وولد؟ كما قال في الآية الأخرى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ الآية [101سورة الأنعام:] وقال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ۝ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا [سورة مريم:88-89] إلى قوله: فَرْدًا [سورة مريم:95].

لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا [سورة النساء:172-173].

روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس -ا- قوله: لَّن يَسْتَنكِفَ لن يستكبر وقال قتادة: لن يحتشم.

لفظة "يستنكف" إذا فسرت بالاستكبار فإن هذا تفسير لها بما يقارب معناها، وإلا فإن الله قال: وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ [سورة النساء:172] فالاستنكاف يمكن أن يفسر بالأنفة فنقول: لَّن يَسْتَنكِفَ يعني لن يأنف، والله أعلم، فكلمة يأنف قريبة من كلمة يستكبر، والكبر معروف، وإذا قلت: فلان يأنف من كذا فالمعنى أنه يترفع عن هذا الشيء، فهذا يمكن أن يفرق به بين الاستنكاف والاستكبار، ومن يقول بالترادف فيمكن أن يقول: إنهما مترادفان، والله تعالى أعلم.

الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ولهذا قال: وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا [سورة النساء:172] أي: فيجمعهم إليه يوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجور فيه ولا يَحِيف، ولهذا قال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ [سورة النساء:173] أي: فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسَعَة رحمته وامتنانه.

وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ أي: امتنعوا من طاعة الله وعبادته واستكبروا عن ذلك فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا [سورة النساء:173] كقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [سورة غافر:60] أي: صاغرين حقيرين ذليلين كما كانوا ممتنعين مستكبرين.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا [سورة النساء:174-175].

يقول تعالى مخاطبًا جميع الناس ومخبراً بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم، وهو الدليل القاطع للعُذْر، والحجة المزيلة للشبهة؛ ولهذا قال: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا [سورة النساء:174] أي: ضياءً واضحاً على الحق، قال ابن جُرَيج وغيره: وهو القرآن.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ [سورة النساء:175] أي: جمعوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم. وقال ابن جريج: آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن. [رواه ابن جرير].

فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ [سورة النساء:175] أي يرحمهم فيدخلهم الجنة ويزيدهم ثواباً ومضاعفة ورَفعاً في درجاتهم من فضله عليهم وإحسانه إليهم.

وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا [سورة النساء:175] أي: طريقاً واضحاً قَصْداً قَوَاماً لا اعوجاج فيه ولا انحراف، وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات.

الضمير في قوله تعالى: آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ هل يعود إلى أقرب مذكور وهو الله -تبارك وتعالى- أي آمنوا بالله واعتصموا بالله، أم يعود إلى المحدَّث عنه وذلك أن الله -تبارك وتعالى- يقول: قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ [سورة النساء:174-175] يعني اعتصموا بهذا النور المبين الذي أنزله -تبارك وتعالى؟

ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- هنا القولين، حيث ذكر قول ابن جرير أنه القرآن لأنه المحدث عنه، وذكر القول الآخر فقال: "أي: جمعوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم" فقوله: "والتوكل على الله في جميع أمورهم" يفيد أن الضمير يرجع إلى الله في قوله: وَاعْتَصَمُوا بِهِ والمعنى أنهم توكلوا عليه ولجئوا إليه وركنوا إلى جنابه وثوقاً بكفايته ، وعلى كل حال فالآية تحتمل المعنيين، لكن إذا نظرنا باعتبار المحدث عنه فإن الضمير يرجع إلى القرآن، وهو كقوله: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا [سورة آل عمران:103] أي بالقرآن، وهذا ما اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله، والله تعالى أعلم.

وإذا أردنا أن نرجح بطريقة أخرى فنقول: إن الضمير يعود إلى الله فإن طريق الترجيح من جهة القواعد هو أنّ توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها، فإذا قلنا: إن الضمير في قوله: وَاعْتَصَمُوا بِهِ يرجع إلى القرآن فإن باقي الضمائر ترجع إلى الله وذلك أن قوله: فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ [سورة النساء:175] يعني الله -جل وعلا- وكذلك الضمائر في قوله تعالى: فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا [سورة النساء:175] كلها ترجع إلى الله -تبارك وتعالى- فلما كان توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها فإنه يقال: إن الضمير في قوله: وَاعْتَصَمُوا بِهِ [سورة النساء:175] يرجع إلى الله تعالى.

والمقصود أن هذا وجه في الترجيح بين الأقوال، فإما أن نقول: إن المحدث عنه هو القرآن فنترك قاعدة "الضمير يرجع إلى أقرب مذكور"، ونترك قاعدة توحيد الضمائر، أو نقول: الأصل أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور -وهو الله- أضف إلى ذلك قاعدة "توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها".

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

مواد ذات صلة