السبت 18 / شوّال / 1445 - 27 / أبريل 2024
[1] من قوله تعالى: {حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} إلى قوله تعالى: {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الآية:9
تاريخ النشر: ٢٢ / محرّم / ١٤٣٤
التحميل: 6427
مرات الإستماع: 15332

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سؤرة المؤمن وهي مكية، قال ابن عباس -رضي الله عنهما: "إنّ لكل شيء لُبابًا ولُباب القرآن آل حم"[1].

هذه السورة سورة المؤمن يقول: مكية، كل الحواميم نزلت بمكة، وإن اختلفوا في بعض الآيات، وهذه السورة تُذكر لها أسماء متعددة مثل: سورة المؤمن، وكذلك أيضًا سورة الطَّوْل، ذِي الطَّوْلِ [سورة غافر:3]، ويقال لها غير ذلك أيضًا، لكن قال: حم الأولى يعني هي أول الحواميم في ترتيب المصحف.

قال: ولُباب القرآن آل حم، أو قال: الحواميم.

لكل شيء لباب، لباب الشيء هو خالصه، لكن هذا في إسناده ابن لهيعة، وفيه كلام معروف.

قال: وقال مِسْعَر بن كِدَام: كان يقال لهن: العرائس، وروى ذلك كلَّه الإمام العالم أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمة الله تعالى عليه- في كتاب "فضائل القرآن".

هذا الكتاب مطبوع، وهو من أجلّ كتب فضائل القرآن وأحسنها، وأنفعها، كتاب مسند لهذا الإمام المتقدم أبو عبيد، توفى سنة 224 للهجرة، وهذا الكتاب فيه أكثر من تسعمائة حديث وأثر مسند، رتبه على أبواب، ويذكر فيه مسائل وأشياء ويرجح، وهو من أجل الكتب في فضائل القرآن، وطبع عدة طبعات منها ما اعتُني فيه بالنص مثل الطبعة المغربية في مجلدين، وهناك طبعات يمكن أن يستفاد منها من جهة الحكم على الروايات والتخريج، فلو جمع هذا وهذا؛ لأن الطبعة المغربية قد لا يجد فيها القارئ بغيته من الكلام على الروايات فيجده في طبعة أخرى، فهذا كتاب جليل القدر.

قال: وروى حميد بن زنجويه عن عبدالله قال: "إن مثَل القرآن كمثَل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلًا فمر بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دَمِثات، فقال: عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب وأعجب، فقيل له: إن مثَل الغيث الأول مثَل عِظَم القرآن، وإن مثَل هؤلاء الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن"، أورده البغوي.

إذا أطلق عبد الله فالمراد به ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه، ودَمِثات يعني لينات، دمث الخلق يعني لين الخلق.

قوله: "إن مثل الغيث الأول" يعني سور القرآن، وآيات عامة القرآن، وعِظم القرآن: معظم آيات وسور القرآن.

وهذا الأثر ثابت عن ابن مسعود ، لكنه موقوف.

وقال ابن مسعود : "إذا وقعتُ في آل حم فقد وقعت في روضات أتأنق فيهن".

بسم الله الرحمن الرحيم

حم ۝ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [سورة غافر:1-3].

أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا، وقد ورد في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي عمن سمع رسول الله ﷺ يقول: إنْ بُيِّتم الليلة فقولوا: حم، لا ينصرون[2]، وهذا إسناده صحيح.

يعني إن بيَّتكم العدو -جاء بألفاظ مقاربة- فقولوا: حم، لا ينصرون، يعني يكون هذا شعارًا لهم في المعركة، ففي بدر كان لهم شعار، وأُحد كان لهم شعار، حم لا ينصرون، وكان هذا فيما بعد أيضًا في الوقائع التي حصلت بين الصحابة صفين، والجمل، محمد بن طلحة السجّاد -رحمه الله- لما قتله الرجل الذي قال فيه:

يناشدني حاميمَ والرمحُ شاجرٌ فَهَلّا تلا حاميمَ قبل التقدُّمِ

لكن ما كان يقول: حم لا ينصرون، كان يقول: ناشدتك أذكِّرك حم كلما قابل أحداً، كان هو الذي يحمل راية أهل الشام، خرج برًا بأبيه، محمد بن طلحة السجاد، كما خرج عبد الله بن عمرو بن العاص وهو من عباد الصحابة، وعلمائهم بِرًا بأبيه مع أهل الشام.

يقول: إن حم اسم من أسماء الله، هذا قيل في الحروف المقطعة في أوائل السور، ذكر فيها كما سبق نحو أربعين قولًا، منها أنها أسماء، وسبق أن هذا غير صحيح، وأن الحروف المقطعة حروف تهجٍّ ليس لها معنى في نفسها، ولكنها تشير إلى الإعجاز، وهكذا قيل في "طه" وفي "يس"، وفي "الم" فمثل هذا حذفه هو الأولى في المختصر، وحينما قال:

يناشدني حاميمَ والرمحُ شاجرٌ  

لا يقصد يناشدني الله، إنما كان يقول: اذكر حم، يعني السورة، وتكلم العلماء ماذا يقصد فيها.

قال: وَقَوْلُهُ: تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أَيْ: تَنْزِيلُ هَذَا الْكِتَابِ -وَهُوَ الْقُرْآنُ- مِنَ اللَّهِ ذِي الْعِزَّةِ وَالْعِلْمِ، فَلَا يُرَامُ جَنَابُهُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ الذَّرُّ وَإِنْ تَكَاثَفَ حِجَابُهُ.

وَقَوْلُهُ: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ أَيْ: يَغْفِرُ مَا سَلَفَ مِنَ الذَّنْبِ، وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وخَضَع لَدَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: شَدِيدُ الْعِقَابِ أَيْ: لِمَنْ تَمَرَّدَ وَطَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَعَتَا عَنْ أَوَامِرِ اللَّهِ، وَبَغَى، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ [سورة الحجر:49، 50] يَقْرِنُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ كَثِيرًا فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ؛ لِيَبْقَى الْعَبْدُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ.

هذا يستدل به من يقول: إن الإنسان في الحياة ينبغي أن يكون حاله على اعتدال واستواء فيما يتصل بالخوف والرجاء، فلا يغلب أحدهما على الآخر، فمن يقولون: ينبغي الاستواء يحتجون بمثل هذه النصوص.

فقوله -تبارك وتعالى: تَنزِيلُ الْكِتَابِ تنزيل مصدر، تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ وقد مضى الكلام على هذا المعنى وأنه لم يَرد النزول أو الإخبار عن إنزال شيء أنه من الله إلا القرآن، وأما الباقي فإما أن يرد مطلقًا، وإما أن يرد مقيدًا بغيره، كالسماء والجبال والأنعام ونحو ذلك، وهذا مما ذكره الحافظ ابن القيم، وشيخ الإسلام يستدلون به على مسألة أن القرآن هو كلام الله، هذا أحد أنواع الأدلة.

وكذلك أيضًا يُستدل به على مسألة العلو لله -تبارك وتعالى، وأن القرآن تلقاه جبريل مباشرة من الله، ولم يكن بواسطة باعتبار أنه أخذه مثلًا من بيت العزة، أو أن جبريل تلقفه تلقفًا روحانيًا كما يقول بعض المتكلمين، أو أن جبريل فهم المعنى وعبر عنه، كل هذا باطل، قال: الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.

غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ، "غافر الذنب وقابل التوب" التوب هذا مصدر من تاب يتوب توبة، وتوبًا، قابل التوب يعني توبة التائبين، وبعضهم يقول: إنه جمع توبة يعني أنه ليس بمصدر، وهنا غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فهذه أوصاف متتابعة، فعطفُ الأوصاف تارة يكون بالواو بذكر حروف العطف، وتارة بحذفها سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ۝ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ۝ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۝ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [سورة الأعلى:1-4].

إلى الملِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمام وليثِ الكتيبةِ في المُزدَحمْ

 فهنا ذَكر حرف العطف في بعضها وحذفه في البعض الآخر، والأصل أن العطف يقتضي المغايرة سواء كان ذلك باعتبار التغاير بين الذوات المتعددة، أو تغاير الصفات، وتعدد الصفات -يعني عطف الصفات المتغايرة- بمنزلة تعدد الذوات، نحن نقول بالنسبة لصفات الله : هي ملازمة لذاته -تبارك وتعالى- كما هو معروف ليست منفكة منفصلة عنها، لكن الكلام في اللغة: ينزَّل تعدد الصفات منزلة تعدد الذوات، فتأتي بالعطف، متعاطفة والموصوف واحد، فإذا كانت المباينة أكثر يعني بين الأوصاف كانت الواو أعلق وأولى بأن تذكر، كلما كان التباين أتم كان ذكر الواو آكد، فهنا إذا تأملت غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ "غافر الذنب وقابل التوب" فهنا ذكر الواو ولم يذكرها مع شديد العقاب مع أن هذا يختلف.

والحافظ ابن القيم -رحمه الله- تكلم على هذه المسألة كلاماً قيماً فقال -رحمه الله: "فأتي بالواو في الوصفين الأوليْن وحذفها في الوصفين الآخرين لأن غفران الذنب وقبول التوب قد يُظن أنهما يجريان مجرى الوصف الواحد لتلازمهما فمَن غفرَ الذنبَ قبلَ التوبَ فكان في عطف أحدهما على الآخر ما يدل على أنهما صفتان وفعلان متغايران، ومفهومان مختلفان لكل منهما حكمه:

أحدهما: يتعلق بالإساءة والإعراض وهو المغفرة.

والثاني: يتعلق بالإحسان والإقبال على الله تعالى والرجوع إليه وهو التوبة، فتقبل هذه الحسنة وتغفر تلك السيئة، وحسّن العطفَ ههنا هذا التغايرُ الظاهر، وكلما كان التغاير أبين كان العطف أحسن، ولهذا جاء العطف في قوله: هُوَ الأوَّلُ وَالآخر وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [سورة الحديد:3] وترك في قوله: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [سورة الحشر:23]، وقوله: الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [سورة الحشر:23]، وأما: شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ فترك العطف بينهما لنكته بديعة وهي الدلالة على اجتماع هذين الأمرين في ذاته سبحانه، وأنه حال كونه شديد العقاب فهو ذو الطول، وطوله لا ينافى شدة عقابه بل هما مجتمعان له، بخلاف الأول والآخر فإن الأولية لا تجامع الآخرية، ولهذا فسرها النبي ﷺ بقوله: أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء[3]، فأوليته أزليته، وآخريته أبديته"[4].

إذاً "غافر الذنب وقابل التوب" هما متقاربان فلئلا يُظن أن ذلك يرجع إلى معنى واحد جاءت الواو ليتبين أن هذه الأوصاف متغايرة، وكان الأمر لا يلتبس مع ما بعده شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ، مع شدة المباينة بين هذه الأوصاف، يقول: فتُركت الواو مع قوله ذي الطول باعتبار أن ذلك يجتمع له ، فإن الطول بمعنى التفضل أو الفضل على العباد كما سيأتي، الإحسان إليهم مع ما ذكر من معناه أنه الغنى والسعة ونحو ذلك، فإن التفضل والإحسان إنما يكون عن الغنى والسعة، فالمعنيان متلازمان، يعني ما ذكره السلف في معنى الطَّوْل كما سيأتي، فهنا "شديد العقاب ذي الطول"، فهذا التفضل، وهذا شدة العقاب، فيقول: حذفت الواو من أجل تقرير أن ذلك يجتمع له مع ما بينهما من المفارقة.

هذه المعاني التي تذكر هذه الدقائق في ذكر الواو ونحو ذلك هي اجتهادات واستنباطات تصيب وتخطئ، وأحيانًا يكون الكلام ليس بتلك الدرجة من الوضوح أو الجلاء، وقد لا يخلو من شيء من التكلف أحيانًا، فما ظهر من ذلك فلا بأس، وأحيانًا قد يذكر ما يستلطف ويوجد في مواضع أخرى ما يشكل عليه.

وقوله تعالى: ذِي الطَّوْلِ قال ابن عباس -رضي الله عنهما: يعني السعة والغنى.

هو مما جاء بمعنى السعة والغنى في القرآن في غير هذا الموضع، وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [سورة النساء:25] يعني ليس عنده من الغنى والسعة والمال ما يتمكن به من دفع الأموال للحرائر، فيرخص له بنكاح الأمة.

قال: والمعنى أنه المتفضل على عباده المتطول عليهم بما هم فيه من المنن والأنعام التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها.

وهذا المعنى الثاني هو الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، يعني المتفضل على عباده، ولا منافاة بين المعنيين؛ فإنه متفضل عن غنى وسعة.

وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا [سورة النحل:18] الآية.

وقوله -جلت عظمته: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي: لا نظير له في جميع صفاته فلا إله غيره ولا رب سواه، إِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي: المرجع والمآب فيجازي كل عامل بعمله، وهو سريع الحساب.

الله سريع الحساب يحاسبهم كنفس واحدة، وهذه الأوصاف التي ذكرها الله في صدر هذه السورة غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ هنا ذكر شدة عقابه -تبارك وتعالى- بين أوصاف تتصل بفضله ورحمته "غافر الذنب وقابل التوب"، والتي بعد "شديد العقاب" "ذي الطول" صاحب الفضل، فهذا كما قال الله -تبارك وتعالى: إن رحمتي سبقت غضبي[5]، فشدة العذاب بين هذه الأوصاف من الرحمة والإحسان إلى الخلق والمغفرة وقبول التوبة.

مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ۝ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ۝ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [سورة غافر:4-6].

يَقُولُ تَعَالَى: مَا يَدْفَعُ الْحَقَّ وَيُجَادِلُ فِيهِ بَعْدَ الْبَيَانِ وَظُهُورِ الْبُرْهَانِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا أَيِ: الْجَاحِدُونَ لِآيَاتِ اللَّهِ وَحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ، فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ أَيْ: فِي أَمْوَالِهِمْ وَنَعِيمِهَا وَزَهْرَتِهَا، كَمَا قَالَ: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ۝ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [سورة آل عمران:196، 197]، وَقَالَ تَعَالَى: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [سورة لقمان:24].

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُسَلِّيًا لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمِهِ بِأَنَّ لَهُ أُسْوَةً في مَنْ سَلَفَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ كَذَّبَهُمْ أُمَمُهُمْ وَخَالَفُوهُمْ، وَمَا آمَنَ بِهِمْ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، فَقَالَ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَهُوَ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثه اللَّهُ يَنْهَى عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَالأحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ أَيْ: مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ، وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ أَيْ: حَرَصُوا عَلَى قَتْلِهِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ رَسُولَهُ.

"ليأخذوه" بعضهم يقول: ليتمكنوا منه، ويحبسوه ويعذبوه ويصيبوا منه ما أرادوا، وبعض السلف يقول: ليقتلوه، فالأخذ هو القتل، والأولون يقولون: الأخيذ هو الأسير، أي ليأسروه، ليحبسوه، ليعذبوه وليجرجروه، وكل هذا واقع كما قال الله : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [سورة الأنفال:30] وهذه سنة الله في هذا الخلق.

أقوى صيغ العموم "كل"، وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ هذه الآية التي بين أيدينا "وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه" يعني يأخذوه بالقتل أو الأسر أو الإيقاع به والأذى، هذه سنة الله في الخلق فإذا عرف المؤمن أن جميع الرسل -عليهم الصلاة والسلام- لقوا الأذى من قومهم، وهمّ بهم قومهم أن يوصلوا إليهم الأذى بالقتل فما دونه فأتباع الرسل -عليهم الصلاة والسلام- لهم نصيب من هذا، هذه سنته الجارية.

فإذا رأى المؤمن الأذى، وما يحصل من أعداء الرسل من الكيد، والمكر الكبار وشدة العداوة والأذى فإنه لا يضيق ذرعًا بذلك، وإنما يعرف أنها سنة الله -تبارك وتعالى، وأن العاقبة لأهل الإيمان، وأن الله يدافع عن أوليائه، وأنه لا يسلمهم إلى أعدائهم، وإنما يبتليهم فيرفعهم، ولذلك كانت الرفعة دائمًا للرسل -عليهم الصلاة والسلام- ولأتباع الرسل إذا صبروا، وذلك الأذى لا يكون إلا رفعة وتطهيرًا، وتكون لهم الإمامة في الدين وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [سورة السجدة:24] صبروا على ماذا؟ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ فالصبر هو الطريق، ومن قل بصره في هذا الباب لربما ضاق عَطَنُه حينما يرى الأذى والكيد وقالة السوء التي تصدر من الأعداء لأهل الصلاح والخير والإيمان.

قال: وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ أي: ماحَلُوا بالشبهة ليردوا الحق الواضح الجلي.

"ليدحضوا" قال: ليردوا الحق يعني ليزيلوه، المكان الدَّحْض هو المزلقة التي تنزلق بها الأقدام، فالباطل داحض بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [سورة الأنبياء:18] فيقال: الباطل زاهق، وداحض بمعنى أنه زائل لا بقاء له، ولا دوام، فلا يستقر الباطل، ينزلق ويزول، ويضمحل ويذهب كما يذهب الغُثاء يذهب جُفاء فلا بقاء له ولا دوام، وإن ظهر على سطح الماء وارتفع وانتفش مع الزَّبد، وما يجتمع حوله من القش ونحو ذلك، فيظن الناظر إليه لأول وهلة أن له حجماً وقيمة، ولكن سرعان ما يزول ويذهب ويضمحل، هكذا شأن الباطل دائمًا.

قال: وقوله -جلت عظمته: فَأَخَذْتُهُمْ أي: أهلكتهم على ما صنعوا من هذه الآثام والذنوب العظام.

هذا الجزاء من جنس العمل، وفي المختصر هذا لم ينبه عليها، فما أدري أهي في الأصل أو لا، وابن كثير كثيرًا ما ينبه على أن الجزاء من جنس العمل، ويذكر عقوبات الأمم كيف كانت من جنس أفعالهم، فهنا هؤلاء وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ، قال الله تعالى: فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ.

قال: فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ أَيْ: فَكَيْفَ بَلَغَكَ عَذَابِي لَهُمْ، وَنَكَالِي بِهِمْ؟ قَدْ كَانَ شَدِيدًا مُوجِعًا مُؤْلِمًا.

قَالَ قتادة: كان والله شديدًا.

وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ أَيْ: كَمَا حَقَّتْ كلمةُ الْعَذَابِ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ كَذَلِكَ حَقَّتْ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوكَ وَخَالَفُوكَ يَا مُحَمَّدُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَكَ فَلَا وُثُوقَ لَهُ بِتَصْدِيقِ غَيْرِكَ، والله أعلم.

هنا قوله -تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ "أنهم أصحاب النار" يحتمل أن تكون بدلًا من "كلمة"، فكلمته التي حقت عليهم أنهم أصحاب النار، ويحتمل أن تكون للتعليل يعني لأنهم أصحاب النار، ويحتمل أن تكون بمعنى: بأنهم أصحاب النار، يعني إذا قلنا: إنها للتعليل أي لأجل أنهم يستحقون النار، حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ حقت يعني وجبت وثبتت ولزمت كلمة ربك على هؤلاء أنهم أصحاب النار.

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ۝ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۝ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [سورة غافر:7-9].

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ حَمَلة الْعَرْشِ الْأَرْبَعَةِ وَمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْكُرُوبِيِّينَ بِأَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، أَيْ: يَقْرِنُونَ بَيْنَ التَّسْبِيحِ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ النَّقَائِصِ، وَالتَّحْمِيدِ الْمُقْتَضِي لِإِثْبَاتِ صِفَاتِ الْمَدْحِ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِ أَيْ: خَاشِعُونَ لَهُ أَذِلَّاء بَيْنَ يَدَيْهِ.

هؤلاء هم أشراف وسادة الملائكة من حملة العرش ومن حوله، وبعضهم يقول: كجبريل وميكال وإسرافيل، فهؤلاء من أعظم الملائكة الكرام -عليهم الصلاة والسلام، وبعضهم يقول: إن هؤلاء ملائكة العذاب؛ لأن ملائكة الرحمة يقال لهم: الروحانيون، وهذا يحتاج إلى دليل، فيقولون: هذا مأخوذ من الكرب وهو الشدة، لكن هذا يحتاج -أيضاً- إلى دليل.

وبعضهم يقول: الكُروبيون هم المقربون؛ لأن أصل هذه المادة الكاف والراء والباء تدل على القرب، وهذا لا ينافي قول من قال: إنهم سادة الملائكة وحملة العرش ومن حوله، وورد في هذا آثار فيما أعلم أنه لا يصح منها شيء مرفوعًا للنبي ﷺ.

فالله ما سماهم بالكروبيين ولا سماهم النبي ﷺ، وإنما قال: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، يعني: متلبسين بحمده -تبارك وتعالى.

وقوله: حملة العرش الأربعة باعتبار أنه ورد عن بعض السلف في بعض الآثار أنهم أربعة: اثنان يقولان كذا، واثنان يقولان كذا، لكن هذه الروايات فيها ضعف، وأما قوله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [سورة الحاقة:17]، فقالوا: هذا حينما يأتي لفصل القضاء، والرواية التي يعتمد عليها في هذا مثلها -والله أعلم، فلا يصح أن يثبت منها مثل هذا الأمر.

والضمير في قوله: أَذِلَّاء بَيْنَ يَدَيْهِ يرجع إلى الله ، أي يؤمنون بالله، وليس المقصود العرش، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ أي: بربهم.

قال: وَأَنَّهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ مِمَّنْ آمَنَ بِالْغَيْبِ، فَقَيَّضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ أَنْ يَدْعُوا لِلْمُؤْمِنِينَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ سَجَايَا الْمَلَائِكَةِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَانُوا يُؤمِّنون عَلَى دُعَاءِ الْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: إِذَا دَعَا الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلِهِ[6].

يعني الملائكة -عليهم الصلاة والسلام- أخبر الله وأخبر رسوله -عليه الصلاة والسلام- أنهم يلعنون بعض الناس، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [سورة البقرة:161]، وكذلك أيضًا الأحاديث الواردة في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت فبات وهو ساخط عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح[7] إلى غير ذلك، فهذا دعاء عليهم بالطرد والإبعاد من رحمة الله -تبارك وتعالى.

وهنا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا، لكن هؤلاء الذين آمنوا ذكر أوصافهم في هذه الآية، وهذا ينبغي أن يُعتبر وأن يعرض الإنسان نفسه عليه دائمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا فغير التائبين لا يستحقون هذا الاستغفار، وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ فالمضيع المفرط الذين كان أمره فرطًا لا يستحق هذا الاستغفار، إنما يكون هذا لأصحاب التوبة ولزوم الصراط المستقيم، يعني الذين يتبعون الوحي، أما الذين يتبعون المسالك المنحرفة، وينتحلون النحل الضالة فإن هؤلاء لا يصدق عليهم ذلك.

ولاحظ هذا الدعاء رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ فهم يدعون لهم، ويدعون أيضًا لأزواجهم، ولآبائهم ولذرياتهم، لكن لمن كان صالحًا منهم، فوجود هذا الصلاح والإيمان والتوبة، والعمل الصالح، ولزوم الصراط المستقيم، واتباع الكتاب والسنة من كل وجه هو الطريق لمثل هذه المقامات العالية والرتب الشريفة التي تجعل هؤلاء الذين هم أشرف الملائكة، وأعظم الملائكة يستغفرون لهم، ويدعون لهم بهذا الدعاء، ولآبائهم وأزواجهم وذرياتهم، تدعو لهم عظام الملائكة، هذا ليس بالأمر السهل.

ونحن نمر على هذه الآية لربما دون أن نقف عند هذا المعنى العظيم الذي تضمنته، فيحتاج المؤمن أن يعرض نفسه دائمًا على هذه الأوصاف هل هو محقق لها؟ فإذا كان مثل هؤلاء الملائكة يستغفرون له فإنه يستلذ بالأعمال الصالحة، وبما يلاقيه من المشاق في سبيل ذلك ولا يظهر عليه التبرم ولا الضجر ولا الضيق من قيامه بوظائف العبودية المتنوعة -وهي أبواب واسعة- ولسان حاله دائمًا وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [سورة طه:84]، فيؤخذ من هذه الآية المسارعة، فموسى ﷺ قال: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ.

فينبغي أن يسارع الإنسان ويبادر في القيام بوظائف العبودية، ما يتباطأ ويتثاقل، ولهذا أخبر الله عن المنافقين: وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى [سورة النساء:142]، فهي ثقيلة عليهم، ينظر الإنسان هل تثقل عليه هذه العبادات، يتبرم بها، لا يقوم إلى الصلاة إلا في حال من الكسل والتثاقل؟

قال: قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَب: حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَأَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ.

هذا لا يقال من جهة الرأي، فإن كان ذلك مما تُلقي عن رسول الله ﷺ فهذا له حكم المرسل، باعتبار أن شهر بن حوشب لم يذكر الواسطة، ولا يقال: إنه من قبيل المقطوع حكمًا يعني إنه من قول التابعي مثلًا، وإنما ذلك من الأمور الغيبية، ما لم يكن قد تُلقي من بني إسرائيل، وفي غير هذا الأثر أنهم أربعة: اثنان يقولان كذا، واثنان يقولان كذا.

قال: وَلِهَذَا يَقُولُونَ إِذَا اسْتَغْفَرُوا لِلَّذِينِ آمَنُوا: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا أَيْ: إِنَّ رَحْمَتَكَ تَسَع ذُنُوبَهُمْ وَخَطَايَاهُمْ، وَعِلْمُكَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ أَيْ: فَاصْفَحْ عَنِ الْمُسِيئِينَ إِذَا تَابُوا وَأَنَابُوا وَأَقْلَعُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ، وَاتَّبَعُوا مَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ، وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ أَيْ: وَزَحْزِحْهُمْ عَنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ، وَهُوَ الْعَذَابُ الْمُوجِعُ الْأَلِيمُ.

رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ أَيْ: اجْمَعْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ فِي مَنَازِلَ مُتَجَاوِرَةٍ، كَمَا قَالَ -تبارك تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [سورة الطُّورِ:21] أَيْ: سَاوَيْنَا بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْمَنْزِلَةِ، لِتَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ، وَمَا نَقَصْنَا الْعَالِيَ حَتَّى يُسَاوِيَ الدَّانِيَ، بَلْ رَفَعْنَا النَّاقِصَ فِي الْعَمَلِ، فَسَاوَيْنَاهُ بِكَثِيرِ العمل، تفضلًا منا ومنة.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ سَأَلَ عَنْ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا طَبَقَتَكَ فِي الْعَمَلِ، فَيَقُولُ: إِنِّي إِنَّمَا عَمِلْتُ لِي وَلَهُمْ، فَيُلحَقُونَ بِهِ فِي الدَّرَجَةِ، ثُمَّ تَلَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هَذِهِ الْآيَةَ: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

قَالَ مُطرِّف بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّير: أنصحُ عبادِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الملائكةُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وأغَشُّ عِبَادِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الشياطينُ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أَيِ: الَّذِي لَا يُمَانَعُ وَلَا يُغَالَبُ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، الْحَكِيمُ فِي أَقْوَالِكَ وَأَفْعَالِكَ مِنْ شَرْعِكَ وَقَدَرِكَ.

هذا من المواضع التي يرد فيها السؤال وهو لماذا لم تختم الآية بالغفور الرحيم كآية المائدة إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ؟ [سورة المائدة:118]، وقد مضى الكلام على هذا، وهو أنه حينما يغفر ويتجاوز لا يكون ذلك عن عجز عن الأخذ والمعاقبة، وإنما يكون ذلك عن عزة واقتدار مع حكمة، حيث يضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها، هذا يذكر هنا، ويزاد عليه جواب آخر هناك في آية المائدة.

قال: وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ أي: فعْلها، أو وبالها ممن وقعت منه.

يعني فعل السيئات أو وبال السيئات، وبين الأمرين ملازمة؛ فإذا وقاهم السيئات وقاهم مغبة السيئات وما ينشأ ويتأثر وينتج عنها، وكذلك فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ إلى أن قال: وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ يعني عاقبة السيئة، والسيئة قيل لها ذلك؛ لأنها تسوء صاحبها حينما يرى ذلك في صحيفة أعماله، حينما يرى عواقبها فإنه يستاء من ذلك، فيكون المعنى وقِهِم سوء عاقبة السيئات التي كانوا يعملونها، وعلى المعنى الأول أنها السيئات وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ يعني فلا يواقعونها، لكن قوله: وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ يشير إلى الآخرة يوم الجزاء، فيكون قهم السيئات يعني قهم شؤمها، ومغبتها وعاقبتها وجزاءها.

قال: وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ أي: يوم القيامة فقد رحمته، أي لطفت به، ونجيته من العقوبة، وذلك هو الفوز العظيم.

هناك كلام لابن القيم حول هذه الآية فيه معانٍ بديعة وجيدة، حينما يقف الإنسان مع هذه المعاني يعرف ضعفه وعجزه وقصوره في الفهم والعلم، يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في قول ربنا: وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ [سورة غافر:9]: "فهذا يتضمن طلبَ وقايتهم من سيئات الأعمال وعقوباتها التي تسوء صاحبها، فإنّه سبحانه متى وقاهم العملَ السيّئ وقاهم جزاءه السيّئ"[8].

جمع بين المعنيين: يقيهم المواقعة للسيئات، وكذلك جزاء السيئات.

وقال -رحمه الله: "وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ أظهرُ في عقوبات الأعمال المطلوبِ وقايتها يومئذ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ سَأَلُوهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقِيَهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، وَهَذَا هُوَ وِقَايَةُ الْعُقُوبَاتِ السَّيِّئَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي سَأَلُوا وِقَايَتَهَا الْأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ"[9].

الآن مَن يقول: إنها الأعمال يقول: قهم عذاب الجحيم، هذه مغبة السيئات وعقوبة السيئات، فكيف يفسر وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ يعني عقوبات السيئات؟ قهم عذاب الجحيم مرة ثانية؟ فيكون تكرارًا.

وقال -رحمه الله: "يَكُونُ الَّذِي سَأَلَهُ الْمَلَائِكَةُ نَظِيرَ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ ﷺ.

وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ وِقَايَةُ شُرُورِ سَيِّئَاتِ الْأَعْمَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَهِيَ سَيِّئَاتٌ فِي أَنْفُسِهَا.

قِيلَ: وِقَايَةُ السَّيِّئَاتِ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: وِقَايَةُ فِعْلِهَا بِالتَّوْفِيقِ فَلَا تَصْدُرُ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: وِقَايَةُ جَزَائِهَا بِالْمَغْفِرَةِ، فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا، فَتَضَمَّنَتِ الْآيَةُ سُؤَالَ الْأَمْرَيْنِ، وَالظَّرْفُ تَقْيِيدٌ لِلْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ لَا لِلْجُمْلَةِ الطَّلَبِيَّةِ.

وَتَأَمَّلْ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْخَبَرُ عَنِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ مَدْحِهِمْ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، وَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اسْتِغْفَارِهِمْ تَوَسُّلَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِسَعَةِ عِلْمِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ، فَسَعَةُ عِلْمِهِ يَتَضَمَّنُ عِلْمَهُ بِذُنُوبِهِمْ وَأَسْبَابِهَا وَضَعْفِهِمْ عَنِ الْعِصْمَةِ، وَاسْتِيلَاءِ عَدُوِّهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَهَوَاهُمْ وَطِبَاعِهِمْ وَمَا زُيِّنَ لَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَعِلْمَهُ بِهِمْ إِذْ أَنْشَأَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذْ هُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَعِلْمَهُ السَّابِقَ بِأَنَّهُمْ لَابُدَّ أَنْ يَعْصُوهُ"[10].

فكل هذا في ذكر العلم.

وقال -رحمه الله: "وَأَنَّهُ يُحِبُّ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ سَعَةِ عِلْمِهِ الَّذِي لَا يُحِيطُ بِهِ أَحَدٌ سِوَاهُ.

وَسَعَةُ رَحْمَتِهِ تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَا يَهْلَكُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَهْلِ تَوْحِيدِهِ وَمَحَبَّتِهِ، فَإِنَّهُ وَاسِعُ الرَّحْمَةِ لَا يُخْرِجُ عَنْ دَائِرَةِ رَحِمَتِهِ إِلَّا الْأَشْقِيَاءَ، وَلَا أَشْقَى مِمَّنْ لَمْ تَسَعْهُ رَحْمَتُهُ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَغْفِرَ لِلتَّائِبِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا سَبِيلَهُ، وَهُوَ صِرَاطُهُ الْمُوَصِّلُ إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَطَاعَتُهُ، فَتَابُوا مِمَّا يَكْرَهُ، وَاتَّبَعُوا السَّبِيلَ الَّتِي يُحِبُّهَا، ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَقِيَهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، وَأَنْ يُدْخِلَهُمْ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا، وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- وَإِنْ كَانَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَإِنَّهُ وَعَدَهُمْ بِهَا بِأَسْبَابٍ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا: دُعَاءُ مَلَائِكَتِهِ لَهُمْ أَنْ يُدْخِلَهُمْ إِيَّاهَا بِرَحْمَتِهِ الَّتِي مِنْهَا أَنْ وَفَّقَهُمْ لِأَعْمَالِهِمْ وَأَقَامَ مَلَائِكَتَهُ يَدْعُونَ لَهُمْ بِهَا.

ثُمَّ أَخْبَرَ –سُبْحَانَهُ- عَنْ مَلَائِكَتِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا عَقِيبَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة غافر:8].

أَيْ مَصْدَرُ ذَلِكَ وَسَبَبُهُ وَغَايَتُهُ صَادِرٌ عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِكَ وَكَمَالِ عِلْمِكَ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ، وَالْحِكْمَةَ كَمَالُ الْعِلْمِ، وَبِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ يَقْضِي مَا شَاءَ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، فَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مَصْدَرُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ"[11].

  1. لم أجده بهذا اللفظ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ: "لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ، وَسَنَامُ الْقُرْآَنِ الْبَقَرَةُ، وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ لُبَابًا، وَلُبَابُ الْقُرْآَنِ الْمُفَصَّلُ، وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لِتَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّ أَصْغَرَ الْبُيُوتِ لَلْجَوْفُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ شَيْءٌ"، برقم (8644)، وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 135)، في الكلام على حديث رقم (588).
  2. رواه الترمذي، كتاب الجهاد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الشعار، برقم (1682)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (3097).
  3. رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول عند النوم، برقم (5051)، والترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه، برقم (3400)، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب دعاء رسول الله ﷺ، برقم (3831)، وأحمد في المسند، برقم (8960)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (4424).
  4. بدائع الفوائد، لابن القيم (3/ 52، 53).
  5. رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ [سورة هود:7]، وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ [سورة التوبة:129]، برقم (7422).
  6. رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، برقم (2732).
  7. رواه مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها، برقم (1436).
  8. الداء والدواء، لابن القيم (269).
  9. المصدر السابق.
  10. المصدر السابق (269، 270).
  11. المصدر السابق (270، 271).

مواد ذات صلة