بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد.
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [سورة الحجرات:1- 3].
هذه آيات أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول ﷺ من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام، فقال -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي: قبله، بل كونوا تبعًا له في جميع الأمور.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.
وقال قتادة: ذُكر لنا أن ناسًا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا كذا، وكذا لو صنع كذا، فكره الله ذلك، وتقدم فيه.
وَاتَّقُوا اللَّهَ أي: فيما أمركم به.
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ أي: لأقوالكم عَلِيمٌ بنياتكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه السورة من السور النازلة في المدينة، ومجمل آياتها يدور حول موضوع واحد، وهو: ما يتصل بالآداب والأخلاق.
التخلق والتأدب الذي ينبغي أن يكون عليه أهل الإيمان، بأدبهم مع الله -تبارك وتعالى، وأدبهم مع رسوله ﷺ، وأدبهم فيما يكون بينهم وبين الناس، أو مع أنفسهم، وما يرِد عليهم وينتابهم. أدب في تلقي الأخبار.
وكذلك أيضًا ما يتعلق بالمواقف حينما يحصل القتال بين أهل الإيمان من الإصلاح.
وكذلك أيضًا ما يتعلق بالتواضع، وترك الفخر والسخرية بالناس، وما شابه ذلك من ترك الغيبة، وما في معناها.
كل هذه الآداب وما ذكر بعده مما قاله الله عن الأعراب يرجع إلى هذه المعاني؛ تزكية النفوس، دعاوى الإيمان من غير أن يكون لذلك ما يصدقه في واقع الإنسان.
وقوله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هذا الخطاب لأهل الإيمان، فهذا يؤدب الله به عباده المؤمنين.
يَا أَيُّهَا الَّذِين َآمَنُوا انقادت قلوبهم وصدقوا، وأقروا وأذعنوا: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ.
الحافظ ابن كثير -رحمه الله- فسر هذا الموضع: أي: لا تسارعوا في الأشياء بين يديه، أي قبله، بل كونوا تبعًا له في جميع الأمور.
فإن "قدّم" هذه: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يحتمل أن تكون لازمة، يعني كونوا تبعًا له لا تتقدموا بين يديه، فتكون لازمة لا تحتاج إلى مفعول مقدر، وهذا الذي ذهب إليه طوائف من أهل العلم، وممن اختاره الواحدي، ومن المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله، وهو ظاهر كلام الحافظ ابن كثير: "بل كونوا تبعًا له في جميع الأمور".
يعني: لا تتقدموا بين يديه.
الآخرون الذين يقولون: إنها متعدية تحتاج إلى مفعول يقولون: لَا تُقَدِّمُوا رأيًا لَا تُقَدِّمُوا اقتراحًا لَا تُقَدِّمُوا تشريعًا لَا تُقَدِّمُوا تحليلاً أو تحريمًا.
يعني هناك مقدر محذوف، فالذين قالوا: إنها متعدية قالوا: حُذف المتعلَّق، يعني المقدر المحذوف، والقاعدة عند الأصوليين -كما مضى في مناسبات متعددة: "أن حذف المتعلَّق يفيد العموم".
فيكون: لَا تُقَدِّمُوا شيئًا من الأشياء، لا تقدموا تحليلاً، ولا تحريمًا، ولا تشريعًا، ولا اقتراحًا، ولا رأيًا، سواء كان ذلك في الأمور التشريعية، التحليل والتحريم إلى آخره، أو كان بالرأي، والاقتراح قبل أن يتكلم، كما حصل في قصة وفد تميم، فإنه قد ثبت في أسباب النزول في صحيح البخاري: أن هذه الآية نزلت بسبب ما جرى بين أبي بكر، وعمر -رضي الله تعالى عنهما- لما قدم وفد تميم، فقبل أن يتكلم النبي ﷺ أبو بكر اقترح رجلاً أن يكون هو الذي يؤمّر على هؤلاء، واقترح عمر رجلاً آخر، ووقع بينهما مجاوبة، فأنزل الله : لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ[1].
النبي ﷺ لم يؤمّر أحدًا عليهم، ولم يتكلم، فلا يُتقدم بين يديه برأي ولا اقتراح، قبل أن يتكلم.
وهذا لا شك أنه من الأدب مع النبي ﷺ.
سبب النزول هذا يمكن أن يجري مع التفسير بأن "تقدم" هنا لازمة، يعني كونوا تبعًا له، فهذا يقتضي أن لا يُتقدم بين يديه إلى آخره برأي، فيكون ذلك من قبيل دلالة اللزوم.
ويمكن أن يكون سبب النزول هذا على معنى أنها متعدية: لَا تُقَدِّمُوا في اقتراح ورأي، ويدخل فيه من باب أولى التشريع، الحكم، أن يقول الإنسان، أن يتكلم بشيء، أن يحرم ما لم يحرمه الله، أو يحلل ما لم يحلله الله، أو يتكلم؛ كما ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا عن ابن عباس -رضي الله عنهما: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وهكذا ما جاء عن قتادة من قول بعضهم: لو أنزل في كذا وكذا، كأنه يقترح أن تنزل آيات في أمر لم تنزل فيه الآيات، وهكذا..
ولا زال هذا إلى اليوم، يعني قبل أيام أحدهم يسأل عن قول بعضهم: لو كان الوحي متصلاً -يعني لم ينقطع- لنزلت آيات في كذا وكذا، من الوقائع والأحداث الجارية.
هذا من التقدم بين يدي الله ورسوله، وما يدريه أن الله ينزل في ذلك؟
فهذا لا يصح، ولا يُجترأ على الله -تبارك وتعالى- بهذه الطريقة.
هذا الأدب لا زالت الأمة عليه في عصر الصحابة -رضي الله تعالى عنهم، ولكن وقع الإخلال بذلك كثيرًا لما دخلت العلوم الكلامية، فمن نظر في كتب المتكلمين، والمسائل التي يجادلون فيها، وجد الجرأة التامة في هذا الباب، فتجد أنهم يتكلمون بجرأة على الله -تبارك وتعالى، لا يستطيع الإنسان أن يتفوه بها على سبيل النقل في مجادلاتهم ومخاصماتهم، وردودهم ومناقشاتهم، وافتراضاتهم، فهذا كله من التقدم بين يدي الله ورسوله.
ومن أقبح التقدم بين يدي الله ورسوله ﷺ: تقديم العقل والرأي على الوحي، يقدم عقله ورأيه، ويعرض النصوص على عقله، يعرض الوحي على عقله، فما قبله عقله قبله، وما رده عقله رده، فإن هذا من أعظم التقدم.
هذا وقع فيه طوائف أهل الكلام، وكذلك يقع فيه اليوم كثيرون ممن يدعون أنهم يحكّمون عقولهم في نصوص الوحي، وفي غيرها، وما لم تقبله تلك العقول الفاسدة ردوه وأنكروه، ولو كان ذلك في الصحيحين.
مما قد يؤيد أن "تقدم" هذه لازمة: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ما جاء في قراءة يعقوب، وهو أحد القراء الثلاثة المكملين للعشرة من القراءات العشر المتواترة: لَا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
لَا تَقَدَّمُوا يعني كونوا تبعًا له.
"تَقَدموا" هذه لازمة.
المتعدية تحتاج إلى مفعول.
لَا تُقَدِّمُوا رأيًا، لَا تُقَدِّمُوا حكمًا، لَا تُقَدِّمُوا تشريعًا، فيه مفعول به محذوف.
لكن: لَا تَقَدَّمُوا ما تحتاج إلى مفعول.
وفي أسباب النزول أيضًا في غير الصحيحين: ما جاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها: أن ذلك نزل في التقدم بين يدي صيام رسول الله ﷺ رمضان بيوم، يعني الذي يصوم آخر يوم من شعبان، فذكرت أن قومًا تقدموا بهذا الصيام، فنزلت الآية.
والمعنى أوسع من ذلك، ويمكن أن يكون هذا وهذا، كل ذلك وقع، فنزلت الآية، يعني وقع في وقت متقارب، أو أن الآية نزلت في قصة تميم مثلاً، ثم بعد ذلك وقعت واقعة أخرى، فنزلت الآية تذكيرًا بالحكم إذا كان النزول متباعدًا، هذا يحتمل.
إلا إذا سلكنا طريقة بعض أهل العلم في الترجيح بين الروايات الصحيحة بأن رواية البخاري مقدمة، وقلنا: سبب النزول هو وفد تميم، وما جرى بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما.
المؤلف في هذا المختصر لم يذكر سبب النزول في قوله: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ذكره في التي بعدها، وكذلك ابن كثير في تفسيره لم يذكره، ذكره في الآية التي بعدها.
وهنا كلام للحافظ ابن القيم في قوله: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [سورة الحجرات:1]: "فإذا كان سبحانه قد نهى عن التقديم بين يديه فأي تقديم أبلغ من تقديم عقله على ما جاء به؟!
قال غير واحد من السلف: "ولا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر".
ومعلوم قطعاً: أن من قدم عقله أو عقل غيره على ما جاء به فهو أعصى الناس لهذا النبي ﷺ، وأشدهم تقدماً بين يديه، وإذا كان سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته فكيف برفع معقولاتهم فوق كلامه، وما جاء به؟!
ومن المعلوم قطعاً: أنه لم يكن يفعل هذا في عهده إلا الكفار والمنافقون، فهم الذين حكى الله سبحانه عنهم معارضة ما جاء به بعقولهم وآرائهم، وصارت تلك المعارضة ميراثاً في أشباههم؛ كما حكى الله عن المشركين معارضة شرعه وأمره بقضائه وقدره، وورثهم في هذه المعارضة طائفتان:
إحداهما: إخوانهم المُباحية الذين خلعوا ربقة الشريعة من أعناقهم، ودانوا بالقدر.
والثانية: الذين عارضوا قضاءه وقدره بأمره، وقالوا: لا يمكن الجمع بينهما، فأبطلوا القدر بالأمر، وأولئك أقعد بالميراث من هؤلاء.
وقد ذكر سبحانه الأمثال العقلية التي عارض المشركون بها الوحي لتكون عبرة للمؤمنين، ومثلا للمعارضين: لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ [سورة الأنفال:42]"[2].
وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ هذا أدب ثانٍ أدب الله به المؤمنين ألا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي ﷺ فوق صوته.
وقد روي: أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما.
وروى البخاري عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: "كاد الخيِّران أن يهلكا، أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي ﷺ حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر -قال نافع: لا أحفظ اسمه- فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ.
قال ابن الزبير: فما كان عمر يُسمعُ رسولَ الله ﷺ بعد هذه الآية حتى يستفهمه.
حتى يستفهمه يعني لشدة خفض الصوت، فالنبي ﷺ يستفهم منه؛ لأنه لا يسمع كل ما يقول.
ولم يذكر ذلك عن أبيه -يعني أبا بكر ، انفرد به دون مسلم[3].
وفي رواية للبخاري عنه: أنه قَدِم ركب من بني تميم على النبي ﷺ، فقال أبو بكر: أمِّر القعقاعَ بن مَعْبد، وقال عمر: بل أمِّر الأقرع بن حابس[4]. الحديث.
وهكذا رواه هاهنا منفردًا به أيضًا.
وروى البخاري عن أنس بن مالك : أن النبي ﷺ افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده في بيته مُنَكِّسًا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر، كان يَرْفَعُ صوته فوق صوت النبي ﷺ، فقد حبط عمله، فهو من أهل النار، فأتى الرجل النبي ﷺ فأخبره أنه قال كذا وكذا، قال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: اذهب إليه، فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة[5] [تفرد به البخاري من هذا الوجه].
وروى الإمام أحمد عن أنس قال: لما نزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إلى قوله: وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ.
وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت، فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله ﷺ حبط عملي، أنا من أهل النار، وجلس في أهله حزينًا، ففقده رسول الله ﷺ، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تفقدك رسول الله ﷺ: مالك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي ﷺ، وأجهر له بالقول، حبط عملي، أنا من أهل النار، فأتوا النبي ﷺ فأخبروه بما قال، فقال: لا، بل هو من أهل الجنة.
قال أنس: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة.
فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف، فجاء ثابت بن قيس بن شماس، وقد تحنط ولبس كفنه، فقال: بئسما تُعوّدون أقرانكم، فقاتلهم حتى قُتل"[6].
هنا قوله في الرواية الأولى: قال ابن الزبير -رضي الله عنهما: فكان عمر يُسمع رسولَ الله ﷺ بعد هذه الآية إلى آخره، قال: ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر، وهو أبوه لأمه، يعني هو جده لأمه، والجد يقال له: أب، فأمه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنها.
وهنا في هذه الآية: النهي عن رفع الصوت فوق صوت النبي ﷺ أن يرفعوا صوتهم فوق صوته، والذي بعده: وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ.
فهذان أدبان متغايران: الأول: يتعلق برفع الصوت فوق صوت النبي ﷺ، يعني إذا كان بحضرته -عليه الصلاة والسلام- ما يكون صوت أحد من الحاضرين أرفع من صوت النبي ﷺ.
لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وإنما يكون صوتهم دون صوته، تأدبًا معه.
ورفع الصوت فوق صوته -عليه الصلاة والسلام- بحضرته، في مجلسه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن هذا ينبئ عن نوع من قلة الاكتراث، والجرأة، وسوء الأدب معه ﷺ، وهذا لا يجوز.
لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ فتكون دائمًا أصواتهم دون صوته.
هذا هو الأدب المذكور هنا.
الأدب الذي يليه يختلف عن هذا، فهو في مخاطبته ﷺ: وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ليس في أن يكون صوتهم فوق صوته، قد يكون النبي ﷺ في بيته لم يتكلم، فيأتي من يناديه من وراء الحجرات مثلاً: يا محمد، اخرج إلينا، فهنا ليس هذا من قبيل رفع الصوت فوق صوته؛ لأنه ليس بحضرتهم، أو لأنه لم يتكلم، وإنما في طريقة المخاطبة، الأدب في مخاطبته ﷺ، كيف يكون ذلك، وكيف يعبرون.
يعني هنا هذا الجهر له بالقول، الجهر ضد الإسرار، هذا الجهر بأي صفة يكون؟
لا يكون كما يجهر بعضكم لبعض في القول، كما يخاطب بعضكم بعضًا، كما ينادي بعضكم بعضًا، كما يدعو بعضكم بعضًا.
وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍفمن أهل العلم من حمل ذلك على رفع الصوت في مخاطبته ﷺ، أو في مناداته، كالذين ينادونه من وراء الحجرات.
فهذا سوء أدب معه بلا شك، يعني يرفع صوته وهو يخاطب النبي ﷺ، وهذا أمر مدرَك أنه خلاف الأدب، ولا زال الناس يعرفون هذا، ومن خاطب الكبير كالوالد أو غيره بطريقة يرفع فيها صوته في مخاطبته فإن هذا يدل على اجتراء عليه، وسوء أدب معه، وقلة اكتراث وهيبة.
المعنى الثاني قال به أيضًا طوائف من أهل العلم: أن المراد لا تنادوه وتدعوه باسمه ﷺ، لا تقولوا: يا محمد -عليه الصلاة والسلام، وإنما: يا نبي الله، يا رسول الله: وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ.
فالناس يدعو بعضهم بعضًا بأسمائهم: يا فلان، يا زيد، ولكن النبي ﷺ لا يكون هذا معه إطلاقًا، ولذلك جميع المواضع التي جاء فيها مخاطبة النبي ﷺ في القرآن لم يأتِ شيء من ذلك باسمه، وإنما: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [سورة الأنفال:64].
إلا ما كان في مقام الخبر: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ [سورة الفتح:29] ﷺ، وما شابه ذلك، فهو في مقام الإخبار عنه -عليه الصلاة والسلام، لكن النداء يكون دائمًا بالنبوة، بينما الأنبياء الآخرون -عليهم الصلاة والسلام: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي [سورة الأعراف:144].
وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [سورة المائدة:116].
يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا [سورة هود:76] في مجادلته في قوم لوط .. وهكذا.
فالنبي ﷺ لم يرد شيء من ذلك في حقه -عليه الصلاة والسلام، هذا قال به بعض أهل العلم، ويمكن أن يكون ذلك جميعًا مما يدخل في الآية: وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ.
فيدخل في ذلك رفع الصوت، ويدخل في ذلك مناداة النبي ﷺ باسمه، لا تخاطبوه كما يخاطب بعضكم بعضًا، وإنما تأدبوا في خطابه.
هذا الأدب في الخطاب ينتظم الأمرين: خفض الصوت، وكذلك أيضًا: أن يناديه: يا نبي الله، يا رسول الله.
هؤلاء الذين وفدوا على النبي ﷺ، وقالوا: يا محمد، اخرج من وراء الحجرات -كما سيأتي: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ.
هذا سوء أدب مع النبي ﷺ لما فيه من الجهر بالقول، ولما فيه أيضًا من مناداته باسمه، ولما فيه من مناداته من وراء الحجرات، فإن هذا نوع جفاء.
هذه آداب ثابتة صحيحة أدب الله بها عباده مع نبيهم ﷺ، فهذا يدل على أن أصل هذه الآداب: أن رفع الصوت في المخاطبة خلاف الأدب، أن رفع الصوت فوق صوت الكبير كالوالد مثلاً أن هذا نوع من سوء الأدب، خصام الأولاد بحضرة أبيهم، رفع الأصوات، المرأة حينما ترفع صوتها، كذلك أيضًا مناداة الآخرين من وراء الدار، يصرخ من الشارع: يا فلان، هذا فيه نوع جفاء، والله أعلم.
قوله هنا: أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ.
ابن كثيريقول: أي إنما نهيناكم عن رفع صوتكم خشية -يعني كراهة- أن تحبط أعمالكم، وبعضهم -كالزجاج- يقول: أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ التقدير؛ لِأنْ تحبط أعمالكم وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أي: فتحبط.
فاللام - لِأنْ تحبط- المقدرة هذه لام الصيرورة، ويحتمل: أنها لام التعليل أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ.
والحُبوط بمعنى: الزهوق والبطلان، تذهب أعمالكم وتبطل.
وهذا البطلان هنا: أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ لا يلزم أن يكون ذلك ردة وخروجًا عن الإسلام، وإنما هذا حبوط بسبب ذنب عظيم، وقد مضى الكلام في بعض المناسبات على حبوط الحسنات بسبب السيئات، وحديث الرجال الذين يأتون يوم القيامة بمثل جبال تهامة البيضاء، فيجعلها الله هباء منثورًا، وذكر أن هؤلاء كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها[8].
فهؤلاء لم يأتوا بردة، فالذي يحبط جميع الأعمال: الإشراك بالله ، والذنوب كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- والحافظ ابن القيم: إنما تحبط ما يقابلها، يعني ما يكون بقدرها من الحسنات.
فهنا: أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ يعني أن تبطل، وقلنا في بعض المناسبات: إن العرب تقول كما في قول النبي ﷺ: وإنّ كل ما أنبت الربيع يقتل حبَطًا أو يُلم[9].
قلنا: إن الحَبَط هو أن تأكل الدابة حتى ينتفخ بطنها، ثم بعد ذلك يكون هلاكها، ينحبس ذلك في بطنها، فلا يخرج فتموت.
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ [سورة الحجرات:3].
يَغُضُّونَ أصل الغض النقص من كل شيء، وابن جرير يقول: أصله الكف في لين.
"غض": قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [سورة النور:30] يعني كف البصر عما حرم الله -تبارك وتعالى، الحط منه، فلا ينظر إلى الحرام.
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ في الأول: نهاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي.
وفي الثاني: نهاهم أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض.
فهذا كله يقتضي غض الصوت عنده ﷺ، سواء كان ذلك حينما يتكلم، فتكون أصواتهم دون صوته ﷺ في الارتفاع، وكذلك أيضًا في المخاطبة يغضون أصواتهم، فيتكلمون معه بلين وأدب، وخفض صوت.
هنا: امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى يعني كما يمتحن الذهب في النار، فيخرج شائبه، ويبقى خالصه، يعني اختبرها واصطفاها.
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى أخلصها للتقوى، محّضها للتقوى، فهذا الذي ذكره أهل العلم في تفسير هذا الموضع، كمقاتل ومجاهد وقتادة والفراء وابن جرير، وأمثال هؤلاء.
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى اختبرها واصطفاها، ومحضها وأخلصها للتقوى.
هنا في قوله -تبارك وتعالى: لَهُم مَّغْفِرَةٌ إلخ، قال: وقد روى الإمام أحمد في كتاب الزهد، وذكر قول عمر فيمن يشتهي المعصية، ومن لا يشتهي المعصية، ذكر أن هؤلاء ممن يدخل في قوله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى محضها وأخلصها.
الذي يشتهي المعصية فيجاهد نفسه، هذا كما قال النبي ﷺ في الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، قال له: أجران، لكن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة[10].
وهذا أرفع من ذاك، فهذا له أجران، ولكن القاعدة: أن المزية لا تقتضي الأفضلية.
له أجران، لكن ذاك مع السفرة الكرام البررة، ذاك أكمل حالاً.
وكذلك أيضًا الذي يجاهد نفسَه -نفسُه تطلب المعصية فيجاهد- فهذا يؤجر على المجاهدة، ويؤجر على صبره عن معصية الله ، وكفه عنها حينما تطلبها نفسه، فيتركها خوفًا من الله، فله هذه الأجور، ولكن الذي لا يخطر ذلك في باله لا يؤجر على مجرد الترك، يعني المعاصي التي لم تخطر على باله لا يؤجر على تركها، يعني أنت الآن جالس في هذا المكان، معاصٍ كثيرة لا تحصى، هل يقال: تأتيك الأجور الآن؛ لأنك ما عملت كذا، وما عملت كذا، وما عملت كذا؟
الجواب: لا، ولكن حينما تتهيأ الأسباب، وتوجد الدواعي: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله[11].
فهذا الذي يؤجر.
ذاك الذي لا تطلب نفسه المعصية، ليس المقصود المعصية المعينة؛ لأنه لا يشتهيها أو لا يحبها، أو لا يميل إليها، لا، إنما جنس المعاصي، لا تطلبها نفسه، هذا يعني أن نفسه قد تروضت بالإيمان، ارتاضت به، وأنها صارت في حال من كمال الإيمان، لم تعد هذه النفس تطلب سوى مرضاة الله -تبارك وتعالى، فهذا أكمل حالاً.
الشاطبي-رحمه الله- ذكر مراتب الناس من المنتسبين إلى العلم، ذكر لهم ثلاث مراتب: أعلى هذه المراتب من صار العلم سمة راسخة لهم، فهؤلاء الدواعي عندهم تنتفي، فلا يحتاجون إلى مجاهدات الطبقة التي قبلهم -الطبقة الثانية.
وتبقى أمور أخرى، قد لا تطلب نفسه الخمر والزنا، وما أشبه ذلك، لكنها قد تطلب الرئاسة، قد يكون العالِم بمنزلة من التقوى والورع ومن الترفع عن كل المدنسات هذه مما يقارفه كثير من الناس، لكن تبقى نفسه بهذه الجوانب تحتاج إلى مجاهدة كبيرة.
قال: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ.
والْحُجُرَاتِ جمع حجرة، وذلك يقال للبقعة التي عليها تحجير، التي عليها حجر، التي عليها جدار، أو نحو ذلك، يقال لها: حجرة.
المقصود بيوت نسائه، يقول: "كما يصنع أجلاف الأعراب" وهذا جاء في قصة بني تميم لما جاءوا فدعوه ﷺ أو دعاه بعضهم من وراء الحجرات، قال: أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ يعني لا يعقلون الأدب اللائق مع النبي ﷺ.
ثم أرشد إلى الأدب في ذلك، فقال: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ [سورة الحجرات:5] أي: لكان لهم في ذلك الخيرة، والمصلحة في الدنيا والآخرة.
ثم قال داعيًا لهم إلى التوبة والإنابة: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة الحجرات:5].
وقد ذُكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميمي، فيما أورده غير واحد، روى الإمام أحمد: عن الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله ﷺ من وراء الحجرات، فقال: يا محمد، يا محمد -وفي رواية: يا رسول الله[12]- فلم يجبه، فقال: يا رسول الله، إن مدحي لزين، وإن ذمي لشين، فقال: ذاك الله [13].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [سورة الحجرات:6- 8].
يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتَاطَ له، لئلا يحكم بقوله، فيكون في نفس الأمر كاذبًا أو مخطئًا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر.
وقد روي في سبب نزول هذه الآية قصة من طرق، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق، وهو: الحارث بن ضِرَار، والد جُويرية بنت الحارث أم المؤمنين -رضي الله عنها، قال الحارث بن ضرار الخزاعي: قدمت على رسول الله ﷺ، فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه، وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله، أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام، وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، وتُرسل إليَّ يا رسول الله رسولا إبَّان كذا وكذا ليأتيك بما جمَعتُ من الزكاة.
فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله ﷺ أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول، فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخْطة من الله ورسوله، فدعا بسَرَوات قومه، فقال لهم: إن رسول الله ﷺ كان وَقَّت لي وقتًا يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله ﷺ الخُلْف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت، فانطلِقوا فنأتي رسول الله ﷺ، وبعث رسول الله ﷺ الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة.
فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فَرَق -أي: خاف- فرجع فأتى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فغضب رسول الله ﷺ وبعث البعث إلى الحارث، وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفَصَل عن المدينة لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلى من بُعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله ﷺ كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة، وأردت قتله. قال: لا، والذي بعث محمدًا بالحق ما رأيته بَتَّةً ولا أتاني.
فلما دخل الحارث على رسول الله ﷺ قال: منعتَ الزكاة، وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسول رسول الله ﷺ، خشيت أن يكون كانت سخطة من الله ورسوله، قال: فنزلت سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ إلى قوله: حكيمْ[14]، ورواه ابن أبي حاتم والطبراني.
هذا الحديث في سبب النزول هو واحد من روايات متعددة عن جماعة من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم، وأيضًا جاء في ذلك جملة من الروايات المرسلة عن جمع من التابعين، وهذه الرواية قال عنها الحافظ ابن كثير -رحمه الله: إنها من أحسن ما روي في سبب نزول الآية.
الروايات الواردة في الباب لا تخلو من ضعف، ولكن هذه الروايات قد يعتضد بعضها ببعض، فيتقوى هذا السبب بمجموعها، فيكون سبب النزول له أصل، والمفسرون مطبقون على ذلك، وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- في كتاب "الاستيعاب": أن ذلك بإجماع المفسرين.
فعلى كل حال الروايات كثيرة، فهذا يدل على أصل لهذه الواقعة أنها نزلت بسبب ما ذكر.
وقوله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا تلك هي الآداب مع النبي ﷺ، وهذا تأديب آخر للأمة في تلقي الأخبار.
إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ الفسق أصله معروف، وهو الخروج، تقول: فسقت الفأرة من جحرها يعني خرجت منه للإفساد، وفسقت النواة يعني خرجت من التمرة.
فهذا أصله في اللغة، الخروج.
وأما في الشرع فهو: الخروج عن طاعة الله -تبارك وتعالى، إما خروجًا مطلقًا، وهو الكفر، فالكافرون هم الفاسقون.
فالكافر يقال له: فاسق، وكذلك أيضًا العاصي يقال له ذلك، فالخروج المطلق الكفر يقال له: فسق، والخروج الذي يكون دونه يقال له: فسق.
ولهذا في المثال الذي يذكره الأصوليون دائمًا ولا يكاد يخلو منه كتاب فيما يتعلق بمفهوم الموافقة الأولوي، يقولون: إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا فإن جاء كافر فمن باب أولى، ثم يستدركون يقولون: قد يكون الكافر عدلاً في دينه، يتحرز من الكذب، بحيث يكون دينه يحرم عليه الكذب، فيقولون: هذا من قبيل مفهوم الموافقة الأولوي الظني وليس القطعي، هكذا يقولون، لكن إذا أدركنا هذا المعنى وهو أن الفاسق يشمل هذا وهذا فلا حاجة لهذا الكلام.
وسبب النزول لا يكون ذلك مخصصًا للعموم.
إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فـ فَاسِقٌ هنا نكرة في سياق الشرط، أيّ فاسق، سواء كان فسقًا أكبر أو فسقًا أصغر.
فَتَبَيَّنُوا مفهوم المخالفة: أنه إن جاء عدل فخبره يقبل.
وكذلك أيضًا هنا الأمر بالتبين والتثبت يدل على أن خبر الفاسق لا يرد مطلقًا، وإنما يطلب فيه التبين والتثبت، فهذا قدر زائد.
وإذا كان الأمر كذلك: إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا فكما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله: من هنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال، لاحتمال فسقه في نفس الأمر، فكيف بمجهول العين؟ مجهول الحال لا يقبل خبره، فكيف بمجهول العين؟
واليوم الناس كثير يكتبون بمعرِّفات مجهولة، وأسماء ورموز، وأبو فلان، وأبو فلان، ويقولون إفكًا عظيمًا، لا تقف له الجبال.
كذب وبهت، ويتلقى خبرَهم كثيرٌ من الناس كأنه وحي منزل، من مجاهيل لا يدرى ما حال هؤلاء الناس، من هو هذا الكاتب؟ هل هو إنسان من أهل الإيمان أصلاً أحمق؟ أو من غيرهم ممن يدس عليهم هذه الدسائس، ويفسد بينهم، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء؟ هل هذا من الرافضة؟ ما تدري، فيكتب من يكتب، ويتلقى من يتلقى، وينشر من ينشر.
وهذا أبعد ما يكون عن هذا الأدب الذي أدب الله به عباده: إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا هذه الرسائل التي تنتشر بـ"الواتس آب": قل كذا، احذر من كذا، لا تقل كذا، افعل كذا، إلى آخره، بروايات لا تصح، أو بمعلومات غير صحيحة، أو نحو ذلك، وينشرها الناس، فيتلقفونها وهم لا يعرفون مصادرها أصلاً، فهذا لا يجوز، إذا كان الفاسق يُتثبت منه وهو معروف، فكيف بهؤلاء المجاهيل؟! والله المستعان.
إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا هنا في الأصل ما تكلم على هذا الموضع.
فَتَبَيَّنُوا هذا التبين، ما المراد به؟
التبين يعني أنهم يتفحصون ويتعرفون على هذا الخبر، هل هو صدق أو كذب.
وفي القراءة الأخرى وهي قراءة سبعية متواترة، قراءة حمزة والكسائي: {فتثبتوا} فهذا التثبت يعني الأناة، وعدم العجلة، تريثوا حتى يظهر هذا الخبر وينكشف هل هو حق أو باطل، صدق أو كذب.
فالقراءة الأولى تكون في التفحص، والثانية في التريث، عند من فرق بين القراءتين، وبعض أهل العلم قال: هما بمعنى واحد، وإحداهما تفسر الأخرى، فنحن مأمورون بالتبين الذي هو التثبت.
وكما بينا أن هذه الألفاظ قد لا تتفق في المعنى من كل وجه، يعني في المعنى الأصلي، والمعنى التكميلي، وإنما يوجد فروقات بينها، والله أعلم.
هنا قال: فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ يعني كراهة: أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ يعني حينما تتلقون خبر هذا الفاسق -ومن باب أولى المجهول- فقد تقعون في مغبة ذلك، ويلحقكم معرته، فتصيبوا: قَوْمًا بِجَهَالَةٍ تكونوا بذلك مقارفين لما يوجب الإثم، فتقعون فيما لا يحل الوقوع فيه: فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ يتبين أن هذا الأمر لا حقيقة له، وهذه الندامة قد تحصل في الدنيا، وقد تحصل في الآخرة.
تحصل في الدنيا لأهل الإيمان لمن قلبه لا يزال حيًّا بالإيمان، فإذا انكشف له هذا الأمر أنه غير صحيح فإنه يندم، ولكن من طمس الله بصيرته ومات قلبه -نسأل الله العافية- فإنه وإن تبين له أن هذا باطل ذهب وزاد عليه أضعافه من الأكاذيب، وأصر على نسبة الباطل لمن يخاصمهم أو يخالفهم أو يعاديهم، أو يتوقع على الأقل أنهم يخالفونه، وإن لم يسمع منهم شيئًا، لكن هو يتوقع أنهم لا يوافقونه على باطله، فهو يرميهم بالعظائم، فإذا تبين له أن ما قاله غير صحيح زاد من الأكاذيب.
وهذه اليوم سوق رائجة، ليس لها خطام ولا زمام، ولكن كما قال الله : وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ [سورة الأنعام:113].
فهذا كله مما جرت به إرادة الله ، فيقع بسبب ذلك من هان على الله ، وصار يتخبط في هذه الضلالات.
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ يعني هذه نعمة ومنة من الله ، بحيث يكون الرجوع إليه نهاية لهذه الأمور والمشكلات، وما يرِد على المجتمع المسلم، وما يعرض له.
والذين يقومون بعد ذلك مقامه ﷺ من بعض الوجوه هم حملة ميراثه، وهم العلماء، فيرجع الناس إليهم: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [سورة النساء:83] فأولو الأمر منهم هم كل من يرجع إليه الناس من العلماء، ونحوهم، ممن يصدر الناس عن رأيهم، يعني يرجعون إلى كبارهم، فهذا يكون سببًا لدفع شرور وتمزق وخلاف.
وقوله: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ذكرنا هناك في تفسير الآية أن هذا يشمل: أولى بالمؤمنين من أنفسهم بالمحبة وبالاتباع والطاعة، وأن النفس إذا أمرت بشيء وأمر النبي ﷺ بشيء فإن أمره يكون مقدمًا، وأن حكمه نافذ فيهم، بحيث يكون أنفذ من حكم الواحد على نفسه.
كل هذه المعاني داخلة في قوله: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْويدخل فيه أيضًا: من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دَينًا أو ضَياعًا فإليّ وعليّ[15].
قوله: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ يعني للحقكم بسبب ذلك عنت وهو المشقة، ويقال ذلك للإثم والهلاك، بمعنى: أنكم تركبون المراكب الصعبة التي لا تورث خيرًا، ولا توصلكم إلى مطلوب.
لَعَنِتُّمْ للحقكم الشقاء والتعب والعنت، فدل على أن هذه الآراء المجردة التي يختلف الناس فيها، فتتفرق أنظارهم: أن هذه لا يصح أن يعول الناس عليها، وإنما ينبغي أن يرجعوا إلى الوحي، فتكون هذه العقول والآراء مستضيئة بنور الوحي، ويكون حاكمًا عليها، ولا يقدم رأيه، أو رأي غيره بمجرده: لَعَنِتُّمْ فإن ذلك يورث العنت.
وهنا كلام للحافظ ابن القيم -رحمه الله- يقول: "والنبأ هو الخبر الغائب عن المخبر إذا كان له شأن.
والتبين طلب بيان حقيقته، والإحاطة بها علما.
وهاهنا فائدة لطيفة وهي أنه سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق وتكذيبه ورد شهادته جملة، وإنما أمر بالتبين، فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه عمل بدليل الصدق ولو أخبر به من أخبر، فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته، وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثير منهم يتحرى الصدق غاية التحري، وفسقه من جهات أخر، فمثل هذا لا يرد خبره ولا شهادته، ولو رُدت شهادة مثل هذا وروايته لتعطلت أكثر الحقوق، وبطل كثير من الأخبار الصحيحة، ولاسيما مَن فسقه من جهة الاعتقاد والرأي، وهو متحرٍّ للصدق، فهذا لا يرد خبره ولا شهادته.
وأما من فسقه من جهة الكذب، فإن كثر منه وتكرر بحيث يغلب كذبه على صدقه فهذا لا يقبل خبره، ولا شهادته، وإن ندر منه مرة ومرتين ففي رد شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد -رحمه الله"[16].
وقال ابن القيم -رحمه الله- في قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ فتحبيبه سبحانه الإيمان إلى عباده المؤمنين هو إلقاء محبته في قلوبهم، وهذا لا يقدر عليه سواه، وأما تحبيب العبد الشيء إلى غيره فإنما هو بتزيينه وذكر أوصافه وما يدعو إلى محبته، فأخبر سبحانه أنه جعل في قلوب عباده المؤمنين الأمرين: حبه، وحسنه الداعي إلى حبه، وألقى في قلوبهم كراهة ضده من الكفر والفسوق والعصيان، وأن ذلك محض فضله ومنته عليهم، حيث لم يكلهم إلى أنفسهم، بل تولى هو سبحانه هذا التحبيب والتزيين، وتكريه ضده، فجاد عليهم به فضلاً منه ونعمة، والله عليم بمواقع فضله ومن يصلح له ومن لا يصلح، حكيم بجعله في مواضعه"[17].
"وذكر هذا عقب قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِثم جاء به بحرف الاستدراك، فقال: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ يقول سبحانه لم تكن محبتكم للإيمان وإرادتكم له وتزيينه في قلوبكم منكم، ولكن الله هو الذي جعله في قلوبكم كذلك فآثرتموه ورضيتموه، فلذلك لا تقدموابين يدي رسولي ولا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر، فالذي حبب إليكم الإيمان أعلم بمصالح عباده منكم وأنتم فلولا توفيقه لكم لما أذعنت نفوسكم للإيمان، فلم يكن الإيمان بمشورتكم وتوفيق أنفسكم، ولا تقدمتم به إليها، فنفوسكم تقصر وتعجز عن ذلك، ولا تبلغه"[18].
يعني هنا يقول: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ فلم تقعوا في هذه الأمور وهذا العنت وما يوجبه؛ لأن اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ فارتاضت نفوسكم بذلك، فصاروا يقبلون، أو يذعنون، أو يرجعون، أو يأتمرون بأمر النبي ﷺ، وينقادون له.
وقال -رحمه الله: "فلو أطاعكم رسولي في كثير مما تريدون لشق عليكم ذلك، ولهلكتم وفسدت مصالحكم وأنتم لا تشعرون، ولا تظنوا أن نفوسكم تريد لكم الرشد والصلاح كما أردتم الإيمان، فلولا أني حببته إليكم وزينته في قلوبكم، وكرهت إليكم ضده لما وقع منكم، ولا سمحت به أنفسكم"[19].
وقوله: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [سورة الحجرات:7] أي: حببه إلى نفوسكم وحسنه في قلوبكم.
وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أي: وبغض إليكم الكفر والفسوق، وهي: الذنوب الكبار.
والعصيان وهي جميع المعاصي.
وهذا تدريج لكمال النعمة.
يعني هنا الكفر هذا هو الأعظم، ثم الفسوق الذنوب الكبار، والعصيان ما دون ذلك، هكذا فسره ابن كثير، ابن جرير -رحمه الله- فسر الفسوق بالكذب هنا، مع أن الفسوق أعم من ذلك، لكن من أجل أن يفرق بينه وبين المعصية باعتبار أن العصيان يوجب الفسوق، قال: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ أي: الكذب والعصيان، يعني سائر المعاصي.
والمعنى -والله أعلم- أعم من هذا، وابن كثير حمل الفسوق على ما هو أكبر من العصيان، وإلا فكل ذلك خروج عن طاعة الله -تبارك وتعالى، كما أن الكفر -كما سبق- خروج عن طاعة الله ، فحينما ذُكرت هذه مجتمعة متتابعة دل ذلك على أن كل واحد منها له معنى يخصه، والله أعلم.
الرشد هو الاستقامة على طريق الحق مع الثبات والتصلب، ومنه الرشادة، وهي تقال للصخرة.
يعني الشاهد من إيراد هذا الحديث هو ما جاء في مضامينه من قوله: اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا إلى آخره.
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، رقم (4845).
- الصواعق المرسلة (3/ 998).
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، رقم (4845).
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، رقم (4847).
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، رقم (4846).
- رواه أحمد، رقم (12399) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم".
- رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، رقم (6478 ).
- رواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الذنوب، رقم (4245)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (2346).
- رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها (6427)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، رقم (1052).
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [سورة النبأ:18] رقم (4937)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع به، رقم (798).
- رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، رقم (660)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم (1031).
- رواه أحمد، رقم (27203)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي، رقم (3267)، وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف".
- رواه أحمد، رقم (15991)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي، رقم (3267)، وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف".
- رواه أحمد (18459)، وقال محققو المسند: "حسن بشواهده"، وقال الألباني: "وهذا إسناد صحيح" كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/ 234).
- رواه البخاري، كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب الصلاة على من ترك دينا، رقم (2399)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (867)، وهذا لفظ مسلم.
- مدارج السالكين (1/ 368).
- شفاء العليل (1/ 57).
- مدارج السالكين (1/ 416).
- المصدر السابق.
- رواه أحمد في المسند، برقم (15492)، والنسائي في السنن الكبرى، رقم (10370)، وفي عمل اليوم والليلة، رقم (609)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، رقم (1/ 259).