الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: هذه فائدة فيما يتعلّق بما ذكرته سابقًا من قول الذَّهبي -رحمه الله- في عبدالرحمن بن الحارث بن هشام: أنَّه ليست له صُحبة، وإنما رُؤية. قال: "وتلك صحبة مُقيدة"[1].
وذكرنا أنَّ البغوي والطبراني عدُّوه في جملة الصحابة ، وأنَّ البخاري وأبا حاتم عدُّوه في جملة التابعين[2].
فالمقصود أنَّه أدرك النبيَّ ﷺ وهو صغيرٌ، وقلنا: إنَّ مَن لم يكن مميزًا، وقد أدرك النبيَّ ﷺ- فقد تكون روايتُه عن النبي ﷺ محمولةً على غير الاتِّصال.
هذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في "الإصابة" يقول: "وأطلق جماعةٌ أنَّ مَن رأى النبيَّ ﷺ فهو صحابي".
يقول: "وهو محمولٌ على مَن بلغ سنَّ التَّمييز، إذ مَن لم يُميّز لا تصحّ نسبة الرؤية إليه، نعم يصدق أنَّ النبي ﷺ رآه، فيكون صحابيًّا من هذه الحيثية، ومن حيث الرِّواية يكون تابعيًّا"[3].
هذا الذي قصد الذَّهبي بالصُّحبة المقيّدة. واضح؟
هو لم يكن مُمَيِّزًا، فهو لا يعقل حينها.
والذهبي في "الموقظة" يتحدّث عن صيغة (قال)، وأنَّها لا تدلّ على الاتِّصال، وأنَّها قد اغتفرت في الصَّحابة، كقول الصحابي: قال رسولُ الله ﷺ. يقول: "فحكمها الاتِّصال إذا كان ممن تُيُقّن سماعه، فإن كان لم يكن له إلا مجرد رؤية، فقوله: قال رسول الله ﷺ محمولٌ على الإرسال"، وسمّى جماعةً[4].
كذلك ذكر أيضًا الحافظُ ابن رجب في شرحه لـ"علل الترمذي"[5]، وكذلك أيضًا جاء في "فتح المغيث" قال: "وأمَّا الصَّغير غير المميز: كعبدالله بن الحارث بن نوفل، وعبدالله ابن أبي طلحة الأنصاري، وغيرهما ممن حنَّكه النبيُّ ﷺ ودعا له، ومحمد بن أبي بكر الصّديق المولود قبل الوفاة النبوية بثلاثة أشهر وأيام، فهو وإن لم تصحّ نسبة الرؤية إليه؛ صَدَق أنَّ النبي ﷺ رآه، ويكون صحابيًّا من هذه الحيثية خاصّةً، وعليه مشى غيرُ واحدٍ ممن صنَّف في الصَّحابة".
ثم قال: "خلافًا للصّفاقسي -شارح البخاري-، فإنَّه قال في حديث عبدالله بن ثعلبة: وكان النبي ﷺ قد مسح وجهه عام الفتح، قال ما نصّه: إن كان عبدُالله هذا عَقَل ذلك، أو عقل عنه كلمةً؛ كانت له صُحبة، وإلا كانت له فضيلة، وهو في الطبقة الأولى من التابعين. وإلى هذا ذهب أيضًا العلائي"[6].
قوله: "فترتيب السور على ما هو الآن عليه من فعل عثمان وزيد بن ثابت، والذين كتبوا معه المصحف، وقد قيل: إنَّه من فعل النبي ﷺ. وذلك ضعيفٌ".
هذه المسألة فيها خلافٌ مشهور، ويترتب عليها أمرٌ، وهو ما يتّصل باعتبار المناسبات بين السور، ولعلي أشرتُ إلى ذلك في المرة الماضية، أليس كذلك؟
وذكرنا كلام أهل العلم في ترتيب السور، فمن قائلٍ بتوقيفٍ، ومن قائلٍ بأنَّه كان عن اجتهادٍ من أصحاب النبي ﷺ، لكنَّهم استأنسوا بما عهدوا من قراءة النبي ﷺ، وأنَّ بعض السور قد عُرِف ترتيبها في زمن النبي ﷺ، وعرفنا ما يحتجّ به هؤلاء، وما يحتجّ به المخالفون لهم، أليس كذلك؟ هذا مضى.
فعلى كل حالٍ، القول بأنَّ ترتيب السور ليس بتوقيفٍ ينسبه بعضُهم إلى الجمهور من أهل العلم، ومن هؤلاء: الحافظ ابن كثير -رحمه الله-، والقاضي عياض، وكذلك أيضًا الباقلاني[7].
والمؤلف هنا -كما ترون-، وكذلك ابن عطية[8]، وممن يميل إلى هذا من المعاصرين: الطاهر ابن عاشور[9]. كلّ هؤلاء يقولون: بأنَّه لم يكن عن توقيفٍ من النبي ﷺ، وكما أنَّ هؤلاء يستدلون بأدلةٍ، فإنَّ الآخرين أيضًا يستدلون بأدلةٍ، كقوله ﷺ: لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب [10]، وهو مُخرّج في "الصحيح"، وسمَّاها: فاتحة الكتاب، وهي أول سورةٍ فيه، مع أنها ليست أول ما نزل، فوَضْعُها قبل سائر سور القرآن هذا مما يحتجّ به هؤلاء.
وهكذا قول النبي ﷺ: اقرؤوا الزَّهراوين: البقرة، وسورة آل عمران[11]، وهو في "صحيح مسلم"، وقول ابن مسعودٍ في بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: "هنَّ من العتاق الأول، وهُنَّ من تلادي"[12]. وهو مُخرّج في "الصحيح"، يعني: أنها من السور العتيقة القديمة التي تلقَّاها من النبي ﷺ، فذكرها بهذا الترتيب.
فهذا كلّه يدلّ عند هؤلاء على أنَّ ترتيب السور كان بتوقيفٍ من رسول الله ﷺ.
والآخرون يحتجّون بمثل حديث حُذيفة قال: "صليتُ مع النبي ﷺ ذات ليلةٍ، فافتتح البقرة، فقلتُ: يركع عند المئة، ثم مضى، فقلتُ: يُصلي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلتُ: يركع بها، ثم افتتح النِّساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها"[13].
وأولئك يُجيبون عن هذا أيضًا بجوابٍ معروفٍ، فيقولون: إنَّ النبي ﷺ فعل ذلك، ولكن هذا الفعل لا يقتضي أنَّ ترتيب السور ليس بتوقيفٍ؛ إذ إنَّ القراءة لا يُطلب فيها هذا الترتيب، يعني: القراءة في الصلاة، أو خارج الصلاة، وإن كانت مراعاة هذا الترتيب عندهم أفضل، ويستدلون بأدلةٍ أخرى.
وعلى كل حالٍ، قد مضى الكلامُ على هذه المسألة.
نَقْطُ القرآن: المراد بالنَّقط، يعني: تارةً يُراد به: نقط الإعراب، بمعنى: العلامات التي تُوضَع في أواخر الكلم؛ لتبيين حال الكلمة من الإعراب، بحسب العوامل الدَّاخلة عليها، هذا يُسمّى: نقط الإعراب، الذي تطور فيما بعد وتحول إلى هذه العلامات التي نعرفها اليوم، فكان ذلك في البداية يُوضع على صورة نُقط على آخر حرف بالكلمة، فهذا بعضهم يقول: إنَّه كان على يد أبي الأسود الدؤلي، نقط الإعراب.
يعني: إذا قيل: النَّقط، فتارةً يُراد به: النَّقط الذي يكون بمعنى الحركات التي تطورت وصارت إلى ما نجده اليوم، يُسمّى: نقط الإعراب.
وما يُذكر في ذلك من الحكايات: أنَّ أبا الأسود الدؤلي حينما طُلِبَ منه ذلك، بعضهم يقول: إنَّ الذي طلب منه هو الأمير ابن زياد، وأنَّه امتنع من هذا. وبعضهم يقول: إنَّه أرصد له رجلًا يقرأ، فقرأ: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (ورسولِهِ) [التوبة:3]، وأنَّ ذلك أفزع أبا الأسود، ثم بعد ذلك وافق على وضع هذه العلامات.
فكان قد تحرّج من وضع شيءٍ لم يكن على عهد رسول الله ﷺ، ولم يُسبَق إليه، لكن مثل هذه الرِّوايات ليس عندنا -فيما أعلم- شيءٌ منها يثبت، وبعضهم يقول غير هذا على كل حالٍ.
النوع الثاني من النَّقط: وهو ما يُسمّى بـ"نقط الإعجام"، يعني: من أجل أن تُميز بين الحروف؛ فالتاء نقطتان أعلى الحرف، والياء نقطتان أسفل الحرف، والجيم نقطة أسفل الحرف، والخاء نقطة أعلى الحرف، والحاء بالمهملة، فهذا يُقال له: نقط إعجام، تميز فيه بين الحروف، والأول نقط الإعراب؛ من أجل تمييز حركة الحرف.
فبعضهم يقول: إنَّ أول مَن بدأه هو يحيى بن يعمر. وبعضهم يقول: نصر بن عاصم، المتوفى سنة تسعين للهجرة. وبعضهم يقول: الذي فعله هما يحيى ونصر، اشتركا في ذلك.
ثم تطور هذا النَّقط، فما يتعلّق بنقط الإعراب حصل له تطور على يد الخليل بن أحمد المتوفى سنة خمسٍ وسبعين ومئة، فجاء بالشكل الجديد الذي نعهده اليوم، وإن كان مع بعض المغايرة اليسيرة، يقولون: كانت فيه الكسرة ياء صغيرة تحت الحرف، يعني: كما نجد في بعض العلامات التي في المصحف للوصل هكذا، واضح؟
يكون لها رأسٌ مثل الياء الصغيرة، ثم مع الوقت أُزيل هذا الرأس، والانحناء الذي فيها، وصارت مجرد ألفًا ممدودة، يعني: مائلة، نائمة تحت الحرف، الكسرة المعروفة اليوم، يعني: أنَّ أصلها كان بهذه الطَّريقة، ثم بعد ذلك أزالوا هذه السنّ، فصارت كسرة كما نكتبها، ثم بعد ذلك زادوا بعض الرموز والعلامات مما هو معلومٌ في علم الضَّبط.
فهذه تطورت شيئًا فشيئًا، يعني: لم تكن هناك مثلًا علامات على الوصل، أو على الوقف، وغير ذلك مما نجده على المصاحف، فضلًا عن كتابة اسم السورة، لم تكن تُكتب أسماء السور، وإنما يُكتب للفصل بين السور: (بسم الله الرحمن الرحيم)، وما كانوا يكتبون الأجزاء أيضًا، كلّ ذلك حصل فيما بعد.
فهو يقول هنا: "أمَّا نقط القرآن وشكله"، هنا ميّز بين النَّقط والشّكل، مع أنَّ النَّقط -كما سبق- يُقال لهذا وهذا: نقط الإعراب، ونقط الإعجام، فصار النَّقط الذي ذكره هنا هو يريد به نقط الإعجام؛ لأنَّه ذكر الشَّكل بعد ذلك.
ويقول: "فأول مَن فعل ذلك الحجاج بن يوسف بأمر عبدالملك بن مروان"، الحجاج بن يوسف كان من أكثر الأُمراء عنايةً بالقرآن، حتى إنَّه كان يأتي ببعض كبار القُرَّاء، ويأمرهم بِعَدِّ حروف القرآن، يُعطيهم حبَّات الشَّعير، فيعدّون الحروف: حرفًا، حرفًا.
وعلى كل حالٍ، هذه الأقوال: أنَّ الذي فعل ذلك هو نصر بن عاصم، أو أنَّ الذي فعل ذلك هو أبو الأسود، أو أنَّ الذي فعل ذلك هو يحيى بن يعمر، كلّ هذا ليس فيه ما يثبت، والله تعالى أعلم.
لكن أقوال أهل العلم تدور حول هذا، وترجع إليه، ولا يترتب عليه كبيرُ أثرٍ، لكن كان في البداية مثل هذا الصّنيع مما أنكره جماعةٌ من التابعين، يعني: أنكروا نقط الإعراب، وبعضهم أنكر نقطَ الإعجام؛ باعتبار أنَّه شيءٌ لم يكن معمولًا به في المصاحف.
وقد نُقِل عن بعض السَّلف عبارات في إنكار هذا، ولكنَّه في النِّهاية أصبح أمرًا معمولًا به.
يقولون -كما جاء في كتاب "نزهة الألباء" لابن الأنباري-: أنَّ أبا الأسود أحضر كاتبًا. لاحظ: هذا نقط الإعراب، يقولون: أحضر كاتبًا، وقال له: "خذ المصحف، وصِبْغًا يُخالف لونَ المداد"، لون الحبر، يعني: كانوا يضعون ذلك باللون الأحمر، "فإذا فتحتُ شفتيَّ فانقط واحدةً فوق الحرف"، هذه مكان الفتحة، نقطة باللون الأحمر فوق الحرف، يقول: "وإذا ضممتُهما فاجعل النُّقطة إلى جانب الحرف، وإذا كسرتهما فاجعل النُّقطة في أسفله"، يعني: مكان الكسرة، "فإن أتبعتُ شيئًا من هذه الحركات غُنّة فانقط نقطتين"[14] يعني: التنوين، هكذا قالوا، والله تعالى أعلم.
يقول: "وزاد الحجاج تحزيبه، وقيل: أول مَن نقطه يحيى بن يعمر"، ويحيى بن يعمر في عداد التابعين، وتوفي في حدود سنة تسعٍ وعشرين ومئة، وأبو الأسود الدؤلي قبل ذلك بكثيرٍ، توفي سنة تسعٍ وستين.
المقصود بوضع الأعشار يعني: يقولون: الأخماس، والأعشار. الأخماس معناها: أنَّ كل خمس آيات يضع رقمًا، أو يكتب: خمسة، وكل عشر آيات يكتب: عشرة، وهكذا يُعيد.
إذا كان يُخمِّس يقول: خمسة، أو يكتب: خمسة، وإذا كان يُعشِّر فيقول: عشرة؛ لأنَّ ترقيم الآيات أيضًا لم يكن مكتوبًا في المصاحف، وإنما حصل هذا فيما بعد لما حصل من الإضافات في المصحف. هذا المقصود بالأخماس والأعشار.
هذا أيضًا لم يكن موجودًا، يقولون: "فقيل: إنَّ الحجاج فعل ذلك. وقيل: بل أمر به المأمونُ العباسي"، والمأمون العباسي بعيدٌ عن زمن الحجاج، المأمون متوفّى سنة سبع عشرة ومئتين. والواقع أنها كانت في وقتٍ قبل ذلك بكثيرٍ.
وقد روى أبو عمرو الدَّاني بسنده عن ابن مسعودٍ أنَّه كره التَّعشير في المصحف[15]، كما نقل آثارًا أخرى عن جماعةٍ من التابعين: أنهم كرهوا التَّعشير.
فلاحظ: كان إذًا معروفًا، لكن على كل حالٍ، يمكن أن يكون بعضُ الناس كتب ذلك لنفسه في مصحفه آنذاك، ولكن يمكن أن يكون الحجاجُ أراد أن يفعل ذلك بصفةٍ رسميةٍ في المصاحف التي تُكتب.
هذا هو الأدقّ -والله أعلم- والأقرب: أنَّ أسماء القرآن أربعة، وما عدا ذلك فهو من قبيل الصِّفات، مع أنَّ بعض أهل العلم عدَّ كثيرًا من الصِّفات من جملة أسماء القرآن، ومثل هذا قد وقع في أسماء الله -تبارك وتعالى-، وقد عدَّ بعضُ أهل العلم جملةً من الصِّفات في ضمن أسماء الله -تبارك وتعالى-.
يعني: لو نظرنا إلى الأسماء التي يذكرها المؤلفون في الأسماء الحسنى نجد أنَّها تزيد على الثلاثمئة اسم، يعني: مجموع ما ذكروه، قد أحصينا هذا في جدولٍ مع الإحالات للمُؤلفين؛ من أجل درس الأسماء الحسنى.
فالحاصل أنها زادت على ثلاثمئة، مع أنَّ الذي يثبت أنَّه أسماء وليس بأوصافٍ أقلّ من هذا بكثيرٍ، مع أنَّ أسماء الله -تبارك وتعالى- لا يُحصيها إلا هو: أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سمّيتَ به نفسك، أو علّمتَه أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك[16]، فهي لا تُعدُّ، ولا تُحْصَى، ولا تُحصر بتسعةٍ وتسعين اسمًا، أو نحو ذلك، وإنما هي كثيرة.
كذلك في أسماء النبي ﷺ ذكروا له أسماء كثيرة جدًّا، وكثيرٌ من تلك الأسماء هي من قبيل الصِّفات، وهكذا فيما يتعلّق بأسماء القرآن، حتى إنَّ بعضهم ألَّف مُصنفًا خاصًّا في أسماء القرآن، وذكروا الأوصاف.
فالذي يثبت -والله أعلم- أنَّ أسماء القرآن إنما هي هذه الأربعة فحسب، وما عدا ذلك فهو من قبيل الأوصاف. والفرق بين الاسم والصِّفة: أنَّ الاسم أصلٌ، والصِّفة تابعةٌ له.
"قرأ" يعني: تلا، فهو مصدر "قرأ"، ومصدر "قرأ" هو القراءة، ثم أطلق على المقروء، فصار يُقال لهذا القرآن الذي نقرؤه، يُقال له: قرآن.
يعني: قيل له ذلك؛ لأنَّ أسماء الله ، وأسماء القرآن، وأسماء النبي ﷺ، هذه الأسماء الثلاثة تتضمن أوصافًا، يعني: أنَّ أسماءنا نحن لا تتضمن أوصافًا، فقد يُسمّى الإنسان: صالح، وهو أبعد ما يكون عن الصَّلاح، وقد يُسمّى بشُجاع، وهو أبعد ما يكون عن الشَّجاعة، فهي مجرد أسماء أعلام؛ من أجل أن تميز بين زيد وعمرو فقط، لكنَّها لا تدلّ على صفةٍ في المسمّى.
أمَّا أسماء الله : فالعزيز مُتضمن لصفة العزّة، والرَّحيم مُتضمن لصفة الرَّحمة، وهكذا، هذا بالنسبة لأسماء الله .
وأسماء النبي ﷺ كذلك: فهو أحمد، ومحمد، والحاشر، والعاقب، ... إلى آخره، وقد بيّن النبيُّ ﷺ معاني بعض هذه الأسماء، وما تضمّنته من الأوصاف، فأسماء النبي ﷺ تدلّ على أوصافٍ، وأسماء القرآن كذلك، فالفرقان لكونه يُفرّق بين الحقِّ والباطل. هذا هو المشهور بسبب تسميته بهذا الاسم.
"كتاب"، كتب كتابًا، فالمصدر هو ما يأتي ثالثًا في تصريف الفعل: كتب، يكتب، كتابًا، هذا هو المصدر، فهو اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل، الفعل له مدلولان: زمن، ونسبة. فإذا رفعت الزمن الماضي، أو الحاضر، أو المستقبل، بقيت النسبة فقط، فتقول: القراءة، فإذا أضفت إليها الزمن قلت: قرأ، في الماضي، وفي الحاضر: يقرأ، وفي المستقبل: اقرأ، فلو سلبت –سحبت- الزمن؛ تبقى النسبة: القراءة فقط.
فالفعل يشتمل على هذا وهذا: نسبة، وزمن، المصدر: النسبة فقط من غير زمنٍ، وهو ما يأتي ثالثًا في تصريف الفعل.
فهنا الكتاب أيضًا مصدر، قال: "ثم أطلق على المكتوب"، لماذا قيل له: كتاب؟
أصل هذه المادة "الكَتْب" ترجع إلى معنى الجمع؛ ولهذا يُقال: كتيبة، مجموعة من الجُنْد، ويُقال: كُتْبَة، للسير الذي يُربط به فم القربة، وهكذا يُقال للخياط: كاتب؛ باعتبار أنَّه يضمّ أطراف الثوب.
وهنا يمكن أن يكون قيل له: كتاب؛ باعتبار أنَّه قد جمع السور والآيات، أو باعتبار أنَّه قد جمع وحوى ما يحتاجه الناس من ألوان الهدايات، أو قيل له: كتاب؛ لأنَّ الله جعله جامعًا للشَّريعة -كما يقول ابن عاشور-.
ويمكن أن يكون قيل له: كتاب؛ باعتبار أنَّه مكتوبٌ، مع أنَّ ذلك حينما نزل لم يكن القرآنُ قد جُمِعَ في كتابٍ، ولكن الله قال: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:١-٢]، فسمَّاه: كتابًا.
بعض أهل العلم يقولون: هذا إشارة إلى ما يصير إليه حال هذا القرآن، من أنَّه يكون مجموعًا في كتابٍ؛ ولهذا فإنَّ بعض أهل العلم يقولون: إنَّ جمع عثمان المصاحف، أو القرآن في مصحفٍ: أنَّ ذلك لم يكن من قبيل المصالح المرسلة؛ لأنَّ أكثر أهل العلم يُمثّلون على المصالح المرسلة بفعل عثمان لما جمع الناس على مصحفٍ واحدٍ، يقولون: لم تكن المصاحف على عهد النبي ﷺ. وبعض أهل العلم يقولون: لا، هذا دلَّ عليه القرآن، فالله سمَّاه: كتابًا، وليس من قبيل المصالح المرسلة.
هذا الاسم الرابع: "الذكر"، فهو أيضًا مصدر، يقول: "سُمّي به لما فيه من ذكر الله، ومن التَّذكير والمواعظ"، يعني: يقولون: هو تذكيرٌ بما يجب على الناس اعتقاده والعمل به، فهذا تذكيرٌ، يحتمل هذا أو ذاك، والله تعالى أعلم.
السورة تُقال بالهمز: سؤرة، وتُقال بغير الهمز: سورة، وهما لغتان، يعني: من العرب مَن يُسهّل الهمزة فيقول: سورة، كما يقولون: المومنون، والمؤمنون، فالمعنى على هذا لا يفترق، ويكون ذلك بمعنًى واحدٍ، إلا أنَّ ذلك من قبيل اختلاف اللُّغات، اختلاف اللَّهجات، مع أنَّ أهل العلم منهم مَن فرّق في معنى السورة باعتبار الهمز، وباعتبار ترك الهمز.
فإذا قلنا: أنَّ ذلك يرجع إلى اللُّغات فحسب، وأنَّ ذلك من قبيل التَّسهيل؛ فلا فرق.
وإذا قلنا: أنَّ ذلك يختلف في المعنى، فهنا يأتي كلام مَن قال بأنَّ السورة بدون همزٍ، التي هي لغة قريش وأكثر قبائل العرب، تُجمع على: سور، كما قال الله : قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ [هود:١٣]، تُجمع على: سُوْرَات، وسُوَرَات، ويذكرون لذلك معانٍ.
ابن فارس -رحمه الله- يذكر أنَّ "السين والواو والراء" أصلٌ واحدٌ يدلّ على علوٍّ وارتفاعٍ[17].
ابن فارس له كتاب "مقاييس اللغة"، وهو مطبوع باسم "معجم مقاييس اللغة"، وهذا غلطٌ وتصرّفٌ في غير موضعه.
فهذا الكتاب مع كتابه الآخر "المجمل" من أنفع ما يكون للباحثين وطلاب العلم، عادةً في البحوث والدِّراسات تجد في التَّعريفات في بداية البحث، أو حينما يرجعون إلى مثل "اللسان"، أو "القاموس"، أو نحو ذلك، فتجد المعاني الكثيرة التي يمكن أن تُجمع في حزمةٍ واحدةٍ، ثم بعد ذلك يذكر الباقي كأمثلةٍ عليها، يعني: نحتاج أن نعرف أصل هذه المادة: هل يرجع إلى معنًى واحدٍ، أو إلى معنيين، أو إلى ثلاثة؟
أمَّا أن نأتي ونذكر ستة معانٍ، وسبعة معانٍ، وثمانية معانٍ، وعشرة معانٍ، فهذا تشتيتٌ للجُهد وللذهن معًا، وهذا -للأسف- يقع كثيرًا.
فيحسُن أن نرجع أول ما نرجع إلى كتاب ابن فارس، فنجد فيه إرجاع المادة إلى أصلها، ثم نذكر الباقي على أنه أمثلة.
فهنا ابن فارس يقول بأنَّ أصل هذه المادة (السين، والواو، والراء) واحد، يدلّ على علوٍّ وارتفاعٍ، فإذا كان يدلّ على علوٍّ وارتفاعٍ فهنا إذًا تُفسّر باعتبار أنها لعلو مرتبتها، لعلو منزلتها قيل لها: سورة، مع أنَّ بعضهم يقول: أنها مأخوذة من معنى الإبانة، ومن معنى الارتفاع والمنزلة، ومن معنى الإحاطة والتَّمام.
على كل حالٍ، إذا قيل: إنَّها مأخوذة من الإبانة، فالسورة باعتبار أنَّها مُنفصلة بائنة عن غيرها من السور، يعني: مُستقلّة، باعتبار كونها مأخوذة من الارتفاع؛ فذلك لأنَّ منزلتها مُرتفعة، شريفة، عالية:
ألم تر أنَّ الله أعطاك سورةً | ترى كلّ ملكٍ دونها يتذبذب[18] |
يعني: منزلة عالية رفيعة.
على كل حالٍ، هذا الوصف مُتحققٌ فيها.
وكذلك أيضًا إذا قلنا: أنها من معنى الإحاطة؛ فلكونها تُحيط بما احتوت عليه من الآيات، فهي كسور البلد، سور البلد يُلاحظ فيه أمران: الارتفاع، وأيضًا الإحاطة. والسِّوار يُقال له: سوار، باعتبار أنَّه يُحيط، وكذلك أيضًا يقولون: بأنَّ السور كما أنَّه محيطٌ، فإنَّ مَن يصعد عليه يُشاهد ما داخله من العمران.
أمَّا كونها بمعنى التَّمام؛ فلأنَّها تامّة، مُنفصلة عن السورة الأخرى بآياتها وموضوعها، يقولون: العرب تُسمِّي النَّاقة التَّامة الكريمة: سورة.
هذا بالنسبة للسورة من غير همزٍ، وأمَّا بالهمز فيقولون: تُجمع على سُؤَر، ويقولون: إنَّ أصل السّؤر يعني: البقية من الشَّيء، قطعة من الشَّيء، سؤر الشَّراب: هو بقيته، فيقولون: هذا جزءٌ من القرآن.
لكن إذا قلنا: أنَّ ذلك مجرد لغة بالتَّسهيل والهمز، فإنَّ ذلك يرجع -كما قال ابن فارس- إلى معنًى واحدٍ، وهو العلو والارتفاع[19]، والله أعلم.
فيما يتعلّق بالآية يقول: "أصلها: العلامة، ثم سُميت الجملة ..." إلى آخره؛ لأنها علامة على صدق مَن جاء بها، وهو النبي ﷺ.
كثيرٌ من أهل العلم يُرجعون معنى الآية إلى معنيين اثنين:
المعنى الأول: هو ما ذكره ابنُ جزي هنا، وهو العلامة، وهو معنًى صحيح: إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ [البقرة:٢٤٨]، يعني: علامة ملكه، فهذا بمعنى العلامة: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة:٢٤٨]، يعني: علامة.
وقول عيسى، أو قول الحواريين لما طلبوا من عيسى أن يُنزِّل عليهم مائدةً، فدعا ربَّه: رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ[المائدة:114] يعني: علامة.
وهكذا في قول النابغة:
توهّمتُ آياتٍ لها فعرفتُها | لِستّة أعوامٍ وذا العامُ سابع[20] |
فهي دليلٌ على صدق مَن جاء بها، علامة على صدق مَن جاء بها.
وبعضهم يقول: هي علامة على كونها وحيًا من الله، علامة على كونها موحى بها من الله -تبارك وتعالى-. يعني: لكونها جُعلت دليلًا على أنَّ القرآن مُنزل من عند الله -تبارك وتعالى-، وليس من عند البشر.
وهذا المعنى هو الذي اختاره شيخُ الإسلام ابن تيمية[21] -رحمه الله-، وردَّ ما سواه، يعني: بعضهم يقول: قيل لها: "آية" باعتبار أنها علامة يُعرف بها ما قبلها، وما بعدها من الآيات، يعني: وحدة مستقلة من السورة.
والسورة تتكون -أقصر سورة في القرآن- من ثلاث آيات.
وبعضهم يقول: علامة على الانفصال عمَّا قبلها، وما بعدها.
فشيخ الإسلام يردّ هذا، ويُرجح أنَّ ذلك هو باعتبار أنها آية من آيات الله، يعني: علامة من علاماته، دلالة من أدلّته، وبيان من بيانه، فإنَّ كل آيةٍ قد بَيَّن فيها من أمره وخبره ما هي دليل عليه -هذا كلام شيخ الإسلام-، وعلامة عليه، فهي آية من آياته.
يقول: "وهي أيضًا دالة على كلام الله الـمُباين لكلام المخلوقين، فهي دلالة على الله -سبحانه-، وعلى ما أرسل به رسوله ﷺ"[22].
وإلى هذا المعنى أيضًا أرجع -رحمه الله- قول مَن فسّرها بمعنى: العَجَب، وذلك أنَّ آيات الله –تعالى- عجيبة، فهي خارجة عن قُدرة البشر.
لكن شيخ الإسلام -رحمه الله- اعترض على مَن قال بأنَّها علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها، اعترض عليه من خمسة أوجهٍ، لا أرى حاجةً لذكرها، تُراجَع من كلامه -رحمه الله-[23].
هذا المعنى الأول: أنها علامة، وهذا هو المشهور، وهو الذي اقتصر عليه ابنُ جزي.
هناك معنى آخر يذكرونه: أنها أيضًا تأتي بمعنى: الجماعة. ومنها قول بُرج بن مُسهر:
خرجنَا من النَّعتين لَا حَيَّ مثلنَا | بآيتنا نزجي اللّقَاح المطافلا[24] |
يعني: بجماعتنا، تقول: جاء القومُ بآيتهم. يعني: بجماعتهم.
فيقولون: قيل لها: آية بهذا الاعتبار؛ لأنَّها مجموعة من الحروف، أو مجموعة من الكلمات.
فابن فارس -رحمه الله- يقول: "لأنَّها جماعة حروفٍ"[25]. فذكر هذا المعنى للآية.
وكذلك أشار إلى هذا ابنُ الأثير: مجموعة من الحروف والكلمات.
وشيخ الإسلام اعترض على هذا التَّفسير من أصله: أنها تأتي بمعنى الجماعة هنا، يقول: "فإنَّ قولهم: خرج القومُ بآيتهم، قد يُراد به العلامة التي تجمعهم، مثل: الراية، واللِّواء؛ فإنَّ العادة أنَّ كلَّ قومٍ لهم أمير يكون له آية"، يعني: لواء يجتمع حوله الجندُ الذين يتبعونه.
يقول: "فإذا خرج الأميرُ أخرج الآيةَ التي يعرفونها، اجتمعوا إليه".
يقول: "ولهذا سُمي ذلك عَلَمًا. العلم: الراية، والعلم: هو العلامة والآية، ويُسمّى: راية؛ لأنَّه يُرى، فخروجهم بآيتهم أي: بالعلم، والآية التي تجمعهم"، يعني: ليس المقصود بجماعتهم.
يقول: "فيُستدلّ بها على خروجهم جميعهم"، يعني: بهذا الاعتبار: أنَّ الأصل العلامة، فيجتمعون حولها.
يقول: "فإنَّ الأمير الـمُطاع إذا خرج لم يتخلّف أحدٌ"[26]. يعني: يقصد أنَّ ذلك من باب اللزوم، يعني: حينما تُفسَّر بالجماعة أنَّ ذلك من لوازمه، وإلا فإنَّ تفسيره بالمعنى المطابق أنَّه يقال: الآية هي العلامة، عند شيخ الإسلام. الآية بمعنى: العلامة، في اللُّغة.
أمَّا في الاصطلاح فبعضهم يقول: طائفة ذات مطلع ومقطع، مُندرجة في سورةٍ من القرآن.
وبعضهم يقول: قرآن مُركّب من جملٍ، ولو تقديرًا، أو إلحاقًا، ذو مبدأ ومقطع، مُندرج في سورةٍ[27].
يعني: مُركّب من جملٍ، ولو تقديرًا، أو إلحاقًا.
"تقديرًا" يعني مثل: مُدْهَامّتَانِ [الرحمن:64] يعني: هما مُدهامتان.
"أو إلحاقًا" يقصدون الحروف المقطّعة التي عُدّت آية.
وقريب من هذا قول بعضهم: هي القطعة من كلام الله -تعالى-، ذات بداية، ونهاية، مُنفصلة عمَّا قبلها، وعمَّا بعدها، مُندرجة تحت سورةٍ من سور القرآن.
هذه التَّعريفات مُتقاربة، يعني: الأمر قريب، والله أعلم.
"الباب الثاني: في السور المكية والمدنية:
اعلم أنَّ السور المكيّة هي التي نزلت بمكّة، ويُعدّ منها كلّ ما نزل قبل الهجرة، وإن نزل بغير مكّة، كما أنَّ المدنيّة هي السورة التي نزلت بالمدينة، ويُعدّ منها كلّ ما نزل بعد الهجرة، وإن نزل بغير المدينة".
هنا طبعًا باعتبار أننا تكلّمنا على السورة، ومعنى السورة، هل أسماء السور توقيفية، أو ليست توقيفيّة؟
حينما نقول: "توقيفية" فمعنى ذلك: أنَّ النبي ﷺ هو الذي سمّاها، أنَّ ذلك مُتلقًّى عن النبي ﷺ.
دائمًا حينما يُقال: هل هذا توقيفي؟ هل هذا بتوقيفٍ؟ يعني: أنَّ النبي ﷺ هو الذي دلَّ عليه.
الأصل أنَّ أسماء السور توقيفية، هذا الأصل، ولا شكَّ أنَّ أسماء سور القرآن كانت معروفةً في زمن النبي ﷺ في الجملة، لكن من الناحية الواقعية نجد أسماء تُذكر للسور قد تكون ذُكِرت بعد النبي ﷺ، يكون أطلقها بعضُ الصَّحابة، أو بعض التابعين مثلًا، فنجد للسورة الواحدة أحيانًا أسماء كثيرة.
وبالمناسبة بعض هذه الأسماء هي من قبيل الأوصاف، وليست بأسماء، مثلًا: "الفاتحة" يذكرون لها أسماء كثيرة، سُميت مثلًا بالرقية[28]؛ لقول النبي ﷺ: وما أدراك أنها رُقية[29]، هل هذا اسمٌ؟
الذي يظهر أنَّ هذا من قبيل الصِّفة.
كذلك: قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين[30]، بعضهم قال: من أسمائها: الصَّلاة[31]. وهذا فيه نظر، والله تعالى أعلم.
وكذلك "الوافية" كما سمَّاها ابنُ عيينة[32]، وسمَّاها يحيى ابن أبي كثير: بالكافية[33]؛ لأنَّها تكفي عمَّا عداها، وبعضهم سمَّاها: بالكنز[34]، وقد ذكر السيوطي خمسةً وعشرين اسمًا للفاتحة[35].
وهكذا أيضًا سورة التوبة تُسمّى: بالفاضحة، وأيضًا سُميت: بسورة العذاب، وسُميت:
بالمقشقشة، والمبعثرة[36]، وذكر السيوطي لها أربعة عشر اسمًا[37].
فهل هذه الأسماء جميعًا من النبي ﷺ؟
وهل هذه كلّها أسماء، أم أنَّ كثيرًا منها من قبيل الأوصاف؟
هنا في الباب الثاني: في السور المكيّة والمدنيّة، معرفة المكي والمدني من العلوم المتعلقة بالقرآن التي هي من صُلب هذا العلم؛ لأنَّ ذلك يتوقف عليه معرفة النَّاسخ والمنسوخ إذا كانت الحالُ تقتضي هذه المعرفة، يعني: إن لم يُوجد عندنا دليلٌ نقلي نعرف به النَّسخ، وفي حال التَّعارض الذي لا يمكن معه الجمع يُلجأ إلى النَّسخ، وهذا لا يمكن أن يُعرف إلا بمعرفة المتقدّم والمتأخّر، هذا فضلًا عن فوائد أخرى زائدة، من ذلك: نعرف تدرج التَّشريع، وهذا تُؤخذ منه فوائد فيما يتّصل بالترقي بالأمّة والتربية، يدلّ على عناية هذه الأمّة بالقرآن، وما إلى ذلك من الفوائد التابعة، الفوائد التَّكميلية، لكن الفائدة الأساسية هي معرفة الناسخ والمنسوخ لتلك الحال.
فالسور المكية والمدنية، معرفة هذا إنما هي موقوفة على النَّقل، بمعنى: أنَّه لا مدخلَ للاجتهاد في ذلك، إنما مبناه على الرِّواية عمَّن قد شاهدوا التَّنزيل، وعرفوا أين نزل القرآن.
أمَّا ما يذكره كثيرٌ من المفسرين: من أنَّ هذه السورة نازلة بمكّة، أو بالمدينة، أو أنَّه تُستثنى الآية الفلانية، أو نحو ذلك؛ بناءً على معنًى لاح له، فهذا غير صحيحٍ.
أحيانًا تكون السورةُ جاء دليلٌ واضحٌ صريحٌ فيها، مثل: سورة الأنعام، أنها نزلت جملةً واحدةً، ومعلومٌ أنَّ سورة الأنعام نازلة بمكّة، فيأتي من أهل العلم مَن يستثني بعض الآيات لمعنًى لاح له، يعني مثلًا: في قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:١٤١]، يقول: "الزكاة فُرضت بالمدينة"، هو افترض هذا الأصل، يعني: مُقدّمة غير مُسلّمة، يقول: "الزكاة فُرضت بالمدينة"، وهذه الآية تتحدث عن الزكاة؛ إذًا هذه الآية مدنيَّة مُستثناة من هذه السورة، وهكذا.
فهذا الكلام غير صحيحٍ؛ فإنَّ ذلك يمكن أن يُجاب عنه بأكثر من جوابٍ، ومن الأجوبة الواضحة القوية في هذا: أنَّ أصل الزكاة فُرضت بمكّة، لكن من غير تقدير الأنصباء: المقادير المعروفة، والأموال الزكوية المحددة التي جاء تفصيلها في المدينة، لكن أصل الزكاة كان بهذا الاعتبار: أن يُخرج شيئًا غير مُقدّر في يوم الحصاد لمن حضر من المساكين: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، ثم بعد ذلك جاءت التفاصيل في المدينة، فهذا هو الجواب.
هناك أجوبة أخرى: من الآيات ما ينزل قبل تقرير الحكم، وأحيانًا يتوهم معنًى، يعني: هذه في الزكاة واضحة: وَآتُوا حَقَّهُ، فحقّ المال هو الزكاة، لكن أحيانًا يتوهم معنًى، مثلًا في قوله -تبارك وتعالى- في سورة سبّح يقول الله : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:1-14]، لاحظ في هذا السياق: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:15].
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، تزكَّى ما معناه؟
زكَّى نفسه وطهرها بالإيمان، والعمل الصَّالح، والتَّخلي عن المدنسات من الشِّرك والمعاصي، وما إلى ذلك: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى.
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ ذكر ربَّه ناطقًا باسمه، فَصَلَّى.
قالوا: لا، هذه زكاة الفطر: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى لاحظ السورة مكية، زكاة الفطر!
أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى أخرج زكاةَ الفطر، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى صلَّى صلاة العيد، لم تكن هناك زكاة فطرٍ في مكّة، ولا صلاة عيدٍ، قالوا: إذًا هذه الآية مدنية مُستثناة من السورة.
هذا المعنى الذي ذكروه غير مُسلَّمٍ أصلًا، وإنما معنى الآية ما ذَكَرت -والله أعلم-، وعلى فرض أنَّ هذا هو المعنى، فيكون هذا مما نزل قبل تقرير الحكم.
وهكذا في قوله –تعالى-: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:٢] قال بعضُهم: صلِّ لربِّك صلاةَ العيد، "وانحر" يعني: الأُضحية، ولم تكن هناك صلاةُ عيدٍ في مكّة. قالوا: إذًا هذه مُستثناة، مع أنَّ هذا المقصود: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:١٦٢]، وليست في الأُضحية، ولا في خصوص صلاة العيد، وإنما في الذَّبح والصَّلاة: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ.
فكما ترون: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى يقولون: الذكر: تكبيرات العيد، والصَّلاة: صلاة العيد، والزكاة: زكاة الفطر.
فهذا غير صحيحٍ، وهذا كثيرٌ في كتب التَّفسير، كثيرٌ جدًّا، يستثنون آيات بناءً على معنًى، وهذا الكلام غير صحيحٍ، وإنما هذا موقوفٌ على الرواية فقط ممن شاهدوا التَّنزيل، أمَّا باعتبار معنًى نحكم! وهذا المعنى قد لا يكون مُسلَّمًا، فهذا غير مقبولٍ هنا في المكي والمدني.
هذا الضَّابط جيد، وهو المشهور في المكي والمدني: أنَّ السور المكية: هي التي نزلت بمكّة، ويُعدّ منها كلّ ما نزل قبل الهجرة، وإن نزل بغير مكة، كما أنَّ المدنية: هي السور التي نزلت بالمدينة، ويُعدّ منها كلّ ما نزل بعد الهجرة، وإن نزل بغير المدينة. إلا أنَّه يؤخذ عليه جزئية: عبارة أنَّ: السور المكيّة هي التي نزلت بمكّة، ويُعدّ منها كلّ ما نزل قبل الهجرة، المكيّة: هي التي نزلت بمكة، طيب، في المدني قال: هي السور التي نزلت بالمدينة، ويُعدّ منها كلّ ما نزل بعد الهجرة، وإن نزل بغير المدينة.
العبارة الأولى فيما يتعلَّق بالمكي: هي السور التي نزلت بمكّة، يعني مثلًا: ما نزل على النبي ﷺ بمكّة بعد الهجرة، عام الفتح، مثلًا يقولون: نزل على النبي ﷺ من سورة النساء: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:٥٨]، يقولون: نزلت عام فتح مكّة. وغير ذلك، فقد نزل على النبي ﷺ وهو بعرفة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:٣].
هنا على عبارة ابن جزي -رحمه الله- يقول: "السور المكية التي نزلت بمكة، ويُعدّ منها كلّ ما نزل قبل الهجرة"، فهذه نازلة بمكّة بعد الهجرة، والذي يُبيّن أنَّ ذلك غير مراد أنَّه في المدني قال: "هي السور التي نزلت بالمدينة، ويُعدّ منها كلّ ما نزل بعد الهجرة، وإن نزل بغير المدينة"، يعني: ولو بمكّة.
لكن أخصر من هذا هو أن يُقال: ما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة فهو مدني.
هذا أخصر، وأضبط، وليس فيه إيهام، مع أنَّ كلام ابن جزي -رحمه الله- الذي ذكره هنا يُؤدي هذا المعنى، لكن يحتاج إلى مقارنة الجزأين؛ لأنَّ الجزء الأول يُوهم معنًى آخر: أنَّ ما نزل بمكّة بعد الهجرة من المكي، لكن ضابط المدني الذي ذكره بعده يبين أنَّه لا يريد هذا.
على كل حالٍ، ممن قال بهذا الضَّابط يحيى بن سلّام المتوفى سنة ٢٠٠ للهجرة، صاحب التفسير المشهور[38]، وكذلك الحسين بن واقد المتوفى سنة ٢١١ للهجرة، فهذا الضَّابط قديم، مع أنَّ من أهل العلم مَن قال بغير هذا، فهذا ليس محل اتِّفاقٍ.
"وتنقسم السور ثلاثة أقسام:
قسم مدنية باتِّفاقٍ، وهي اثنتان وعشرون سورة، وهي: البقرة، وآل عمران، والنِّساء، والمائدة، والأنفال، وبراءة، والنور، والأحزاب، والقتال، والفتح، والحجرات، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة، والمنافقون، والتَّغابن، والطَّلاق، والتَّحريم، وإذا جاء نصر الله".
هنا يقول بأنَّ المدني بالاتِّفاق اثنان وعشرون، والواقع أنَّ ثلاث سورٍ من هذه وقع فيها خلافٌ، ثلاث سورٍ من هذه السور، بل يمكن أن يكون أكثر من ذلك.
يعني -على سبيل المثال-: سورة الحديد، بعضهم يقول: أنها مكية، وليست مدنية، لكن هؤلاء الذين يقولون: "مكية" مثلًا بناءً على ماذا؟
يعني: لو كان عندنا وقتٌ، وجلسنا نبحث في كل سورةٍ على حدةٍ، بناءً على ماذا قيل: إنها مكيّة، أو أنها مدنيّة؟
سنجد أنَّ مبنى ذلك –لا سيّما في المختَلَف فيه- أحيانًا على روايات لا تصحّ، وأحيانًا على معنًى لاح له -لهذا القائل-، وأحيانًا بناءً على آيةٍ قيل في سبب النزول رواية، وقد تكون هذه الرواية أصلًا لا تصحّ.
يعني: انظر الآن هذا كمثال: سورة الحديد، بعضهم يقول: أنها مكيّة، وليست بمدنيّة، هذا مبنيٌّ على روايات ضعيفة في أسباب النزول.
لكن أخرج مسلمٌ في "صحيحه" من حديث ابن مسعودٍ أنَّه قال: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:١٦] إلا أربع سنين"[39]، هذه أربع سنين، يعني معناها: أنها نزلت بمكّة، لاحظتم: أنها نزلت بمكّة، بصرف النَّظر عن الرِّوايات في أسباب النزول التي ربما يتعلّق بها بعضُهم، ولا تصحّ.
لكن مثل هذه الآية التي ذكرها ابنُ مسعودٍ، هذا يدلّ على أنَّ هذه الآية مكيّة، لكن هل يلزم من ذلك أن تكون السورةُ برُمّتها مكيّة؟
لا يلزم، خذ -على سبيل المثال- سورة الصف، بعضهم يقول: أنها مكية، أيضًا سورة التغابن، بعضهم يقول: أنها مكية.
المقصود أنَّ هذا ليس محل اتفاقٍ، يعني: في هذا الخلاف، حتى سورة النساء عند النحاس أنها مكيّة، بناءً على ماذا؟
بناءً على الآية التي أشرتُ إليها آنفًا، وهي قوله -تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:٥٨][40]، باعتبار أنها نزلت في قصّة مفاتيح الكعبة لما أخذها النبيُّ ﷺ وهمَّ أن يدفعها لعليٍّ ، فنزلت الآية، فأُعيدت إلى أهلها من بني شيبة.
هذه الرواية في سبب النزول أصلًا لا تصحّ من جهة الإسناد، فهي رواية ضعيفة[41]، فكيف يُحكم بأنَّ سورةَ النساء بكاملها على طولها، وتفاصيل الأحكام التي فيها بأنها مكيّة، بناءً على هذه الآية، والرواية لا تصحّ؟!
لكن المقصود أنَّ قوله: أنَّ هذا بالاتِّفاق، فيه نظر؛ ولذلك فإنَّ بعضهم -كابن الحصّار- ذكر أنَّ المتفق عليه عشرون سورة[42]، فلم يعُدّ سورتين: الصّف، والتَّغابن، ما عدَّهما من المدني.
أمَّا إذا نظرنا إلى أقوال المختلفين، فإنَّ السيوطي زاد على هذا العدد حتى أوصله إلى تسعٍ وعشرين سورة، لكنَّه لم يقل بأنَّ ذلك من قبيل المتّفق عليه، ولكن ما رجّح أنَّه مدني، فزاد عليها: الرعد، والحج، والقيّمة، والقدر، والزلزلة، والمعوذتين، زاد هذه السور، فالسيوطي أوصل المدني إلى تسعٍ وعشرين.
- انظر: "سير أعلام النبلاء" (3/484).
- انظر: "الإصابة في تمييز الصحابة" (5/24).
- انظر: المصدر السابق (1/159).
- انظر: "الموقظة في علم أصول الفقه" للذهبي (1/59).
- انظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب (2/46).
- انظر: "فتح المغيث بشرح ألفية الحديث" للعراقي (4/80).
- انظر: "تفسير ابن كثير" (1/48).
- انظر: "تفسير ابن عطية" (1/50).
- انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1/59).
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصّلوات كلّها، في الحضر والسّفر، وما يجهر فيها وما يُخافت، برقم (756)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعةٍ، وأنَّه إذا لم يُحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلّمها، قرأ ما تيسّر له من غيرها، برقم (394).
- أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، برقم (804).
- أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل:70]، برقم (4708).
- أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم (772).
- انظر: "نزهة الألباء في طبقات الأدباء" لابن الأنباري (ص20).
- انظر: "فضائل القرآن" لابن كثير (ص149)، و"البيان في عدِّ آي القرآن" لأبي عمرو الدَّاني (ص129).
- أخرجه أحمد في "مسنده"، برقم (3712)، وصححه الألباني في "تخريج الكلم الطيب"، برقم (124).
- انظر: "مقاييس اللغة" (3/115).
- انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (ص186).
- انظر: "مقاييس اللغة" (3/115).
- انظر: "الأغاني" (11/43).
- انظر: "مجموع الفتاوى" (19/175).
- انظر: "النبوات" لابن تيمية (2/730).
- انظر: المصدر السابق (2/734).
- انظر: "خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب" للبغدادي (6/515).
- انظر: "مقاييس اللغة" (1/169).
- انظر: "النبوات" لابن تيمية (2/731).
- انظر: "القاموس الفقهي" (30).
- انظر: "تفسير القرطبي" (1/113).
- متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب الرقى بفاتحة الكتاب، برقم (5736)، ومسلم: كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، برقم (2201).
- أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعةٍ، وإنَّه إذا لم يُحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلّمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم (395).
- انظر: "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" للنيسابوري (1/43).
- انظر: "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" للثعلبي (1/127).
- انظر: "مفاتيح الغيب = التفسير الكبير" للرازي (1/158)، و"فتح القدير" للشوكاني (1/18).
- انظر: "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" للزمخشري (1/1).
- انظر: "نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي" (1/42).
- انظر: "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" لابن عطية (3/3).
- انظر: "نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي" (3/481).
- انظر: "البيان في عدِّ آي القرآن" لأبي عمرو الدَّاني (ص132).
- أخرجه مسلم: كتاب التفسير، بابٌ في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:16]، برقم (3027).
- انظر: "الإتقان في علوم القرآن" (1/47).
- انظر: "أسباب نزول القرآن" للنيسابوري (158).
- انظر: "الإتقان في علوم القرآن" (1/44)، و"مناهل العرفان في علوم القرآن" (1/198).