الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(01) التعريف بالمؤلف والكتاب
تاريخ النشر: ٢٤ / جمادى الآخرة / ١٤٣٥
التحميل: 5294
مرات الإستماع: 3137

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

مرحبًا بكم جميعًا -أيّها الأحبة-، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعل هذه المجالس خالصةً لوجهه الكريم، ومُقرّبةً إلى مرضاته، وأن يُعيننا وإياكم على ذكره، وشُكره، وحُسن عبادته.

وأسأله -تبارك وتعالى- أن يجعل القرآنَ ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب أحزاننا، وأن يُذكّرنا منه ما نُسينا، وأن يُعلّمنا منه ما جَهلنا، وأن يرزقنا تلاوتَه آناء الليل وأطراف النَّهار على الوجه الذي يُرضيه عنا.

في هذا المجلس -إن شاء الله- سأتحدث عن شيءٍ من ترجمة مؤلف هذا الكتاب الذي نحن بصدد دراسته، وهو كتاب "التَّسهيل" لابن جُزَي الكلبي -رحمه الله-، وعن أشياء تتعلق بهذا الكتاب، وعن طريقة المؤلف، ومنهجه، وعقيدته، وعن طبعات هذا الكتاب.

وسأحاول أن أُلمَّ بهذه الجوانب في هذا المجلس، وقد لا نبدأ القراءةَ فيه في يومنا هذا، فلعلَّ هذا هو الأنفع والأصلح -إن شاء الله-؛ لأنَّ بعض الإخوان لم يجدوا الكتاب، فنحن نبدأ -إن شاء الله تعالى- بقراءته في الأسبوع القادم -إن شاء الله-.

وبعد أن نتكلم على مُقدّمات هذا الكتاب سأتحدث -إن شاء الله تعالى- عن الوقت الذي يمكن أن نقضيه في دراسة هذا الكتاب -إن شاء الله-؛ لأنَّ المقدّمات ليست هي المعيار، فإنها مقدّمات وافية في أصول التَّفسير وعلوم القرآن، ويمكن أن تُدرس على حدةٍ، هذا بالإضافة إلى ما ذكره من غريب القرآن، فإنَّ ذلك بمثابة كتابٍ مُختصرٍ في الغريب.

ومثل هذه الأمور في كتابٍ كهذا في غاية الدّقة يصعُب أن يكون المرورُ على مسائله بطريقةٍ مُبتسرةٍ، ولستُ أعني أننا سنتوسع في الشَّرح، وإنما يُبَيَّن فقط ما يحتاج إلى بيانٍ، وتُوجَّه الأقوال، ويُبيَّن وجه الجمع ما أمكن، أو التَّرجيح إذا تبين وجهه.

هذا بالإضافة إلى الكلام على الجوانب التي لا بدَّ منها مما يتّصل بالاعتقاد، وما وقع في الكتاب من بعض الأمور التي لا بدَّ من التَّنبيه عليها، والرِّوايات التي يذكرها، فما كان من قبيل الضَّعيف فإنَّه يُنبَّه عليه، وما عدا ذلك فلا نقف عنده من جهة الحكم على الرِّواية.

المؤلف:

المعلومات في المصادر التي تتحدث عن المؤلف معلومات محدودة، ومكررة، وحتى في الدِّراسات التي تناولت المؤلف وكتابه، فهي دراسات ينقصها الكلام على جانب الاعتقاد، فجميع ما وقفتُ عليه بلا استثناءٍ ممن تكلّموا على الكتاب، أو تناولوه في رسائل جامعية، لم يدرسوا هذا الجانب دراسةً دقيقةً: فمنهم مَن أعرض عنه بالكلية، ومنهم مَن تكلّم بكلامٍ غير دقيقٍ، فيقولون عن الكتاب مثلًا: "مؤلف على عقيدة أهل السُّنة والجماعة"، أو "عقيدة السَّلف الصالح"، لكنَّه وقع في بعض التأويلات، وهذا الكلام فيه نظر كما سيتّضح لكم -إن شاء الله تعالى-، فجميع هذه الدِّراسات كانت تفتقر إلى هذا الجانب، هذا بالإضافة إلى بعض القضايا المتعلّقة بالتَّصوف.

اسمه وكنيته:

المؤلف -رحمه الله- محمد بن أحمد بن محمد بن جزي، الكلبي، الغرناطي، والكلبي نسبة إلى القبيلة المعروفة، والغرناطي نسبة إلى غرناطة، يُكنى: بأبي القاسم.

مولده:

ولد يوم الخميس، التاسع من ربيع الثاني، سنة ثلاثٍ وتسعين وستمئة في غرناطة.

مكانته:

المؤلف -رحمه الله- كان من العلماء الذين قد أتقنوا علومًا متنوعةً؛ فكان عالـمًا في الفقه، والأصول، والحديث، والأدب، والقراءات، والتفسير.

وأبوه ذكر عنه الحافظُ ابن حجر -رحمه الله- أنَّه كان من أهل الأصالة والذكاء، قال: "وكان محمودًا، وله طلب وسماع"[1]، يعني: له اشتغالٌ بالعلم، وله سماعٌ للحديث.

شيوخه:

من أبرز مَن أخذ عنهم المؤلفُ -رحمه الله- من الشيوخ: أبي جعفر ابن الزبير الغرناطي، العالم المعروف، الذي له كتاب "ملاك التَّأويل"، وهو مطبوعٌ في مجلدين[2]، وله كتابٌ آخر في التَّناسب بين السور.

ومن شيوخه المشاهير أيضًا: ابن رُشيد الفهري، الغرناطي؛ وهذا من المحدثين الحُفَّاظ، وله ذكرٌ في "ألفية العراقي"[3].

ومنهم أيضًا: ابن الشّاطّ، صاحب "إدرار الشروق على أنواء الفروق"[4]، وهو حاشية مطبوعة على كتاب "الفروق" للقرافي.

ومن شيوخه: أبو عبدالله المالقي، وهذا ذُكِر في ترجمته: أنَّه كان ذا رفقٍ بالناس، وعطفٍ عليهم، وأنَّه كان على سَنَنٍ وسمتٍ وهديٍ، وغضٍّ للبصر، لا يتكلم إلا بذكر الله والعلم النافع، استسقى ذات يومٍ فلم يبرحوا حتى سُقُوا.

ولاحظوا هذه الجمل التي توجد أحيانًا في تراجم بعض العلماء: السَّمت الحسن، الهدي، غضّ البصر، لا يتكلم إلا بذكر الله والعلم النافع.

تلامذته:

ومن تلامذة المؤلف -رحمه الله- أولاده الثلاثة:

الأول: أبو بكر أحمد، وهذا كان شاعرًا، فقيهًا، وقاضيًا، وكاتبًا، وخطيبًا، له شرح على "ألفية ابن مالك"، وحين حفظ القرآن ألَّف له أبوه كتابًا في الحديث ليحفظه -كما سيأتي-.

والثاني: هو أبو عبدالله محمد، وهذا فقيه، أصولي، وكاتب، وأديب، وشاعر، وله بصرٌ بالتاريخ والحساب واللغة والنحو والبيان، وما إلى ذلك، وهذا ألَّف والدُه-رحمه الله- كتابَه "تقريب الوصول إلى علم الأصول" من أجله، حيث يقول في أوَّله: "ولذا أحببتُ أن يضرب ابني محمد -أسعده الله- في هذا العلم بسهمه، فصنّفت هذا الكتاب برسمه، ووسمته باسمه؛ ليَنشط لدرسه وفهمه"[5]، وهذا الابن هو الذي رتَّب ونظم "الرحلة" لابن بطوطة.

الثالث: هو أبو محمد عبدالله، وهذا قالوا عنه أنَّه عالم في اللغة والشعر والبيان والقراءات.

فهؤلاء من أبرز تلامذته، ولاحظوا: أولاده الثلاثة كانوا بهذه المثابة، وألَّف لاثنين منهم كتابين.

مؤلفاته:

أمَّا مؤلفاته: فله كتاب: "الأنوار السَّنية في الألفاظ السُّنية"، هذا الذي ألَّفه لابنه أبي بكر الذي ذكرتُه آنفًا.

وله أيضًا تهذيبٌ لـ"صحيح مسلم" سمَّاه بـ"وسيلة المسلم".

وله الكتاب الذي ذكرتُه آنفًا أيضًا، ألَّفه لابنه الآخر: "تقريب الوصول إلى علم الأصول".

وله كتبٌ أيضًا في فنونٍ مختلفةٍ: ككتابه المشهور "القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية"، و"التَّنبيه على مذهب الشَّافعية والحنفية والحنبلية"، كتابٌ مُتداول ومعروف، وله كتابان في الاعتقاد، لكن لم يُعثر عليهما.

مذهبه:

المؤلف -رحمه الله- مالكي المذهب، لكنَّه غير مُتعصّبٍ.

عبادته:

وهو -رحمه الله- صاحب عبادةٍ وزهدٍ، ويجمع مع العلم العمل.

شعره:

له شعرٌ لطيفٌ، من ذلك قوله:

لكل بني الدنيا مرادٌ ومَقْصِدُ وإنَّ مُرادي صحّةٌ وفراغُ
لأبلغ في علم الشَّريعة مبلغًا يكون به لي في الجنان بلاغُ
ففي مثل هذا فليُنافس أولو النُّهى وحسبي من الدنيا الغَرور بلاغُ
فما الفوز إلا في نعيمٍ مُؤبَّدٍ به العيش رغدٌ والشَّراب يُساغ[6]

وفاته:

كانت وفاته -رحمه الله- في ضُحى يوم الاثنين، السابع من جمادى الأولى، سنة إحدى وأربعين وسبعمئة، في معركة طَريف، وهي معركة وقعت مع النَّصارى، وطريف هذه نسبة إلى القائد الذي أرسله موسى بن نُصير -رحمه الله- لفتح الأندلس قبل طارق بن زياد، من المضيق المشهور الذي سُمّي باسم طارق بن زياد -رحم الله الجميع-.

هذه المعركة خرج فيها جمعٌ من أهل الأندلس من أعيانهم وعُلمائهم، وخرج فيها أيضًا جموعٌ من أهل المغرب، ومنهم عُلماء، وخرج فيها من غيرهم من العامَّة والوجهاء، وحصلت فيها هزيمة كبيرة للمسلمين، وقُتِل فيها كثيرٌ من العلماء وغيرهم، وصارت مقتلةً عظيمةً، وأُسِرَ مَن أُسِرَ، وحصلت فيها أمورٌ كبيرةٌ، والله المستعان.

فكان المؤلفُ يُحرِّض على القتال، ويُثَبّت الناس، وكان مما قاله في ذلك اليوم:

قصدي المؤمَّل في جهري وإسراري ومطلبي من إلهي الواحد الباري
شهادة في سبيل الله خالصة تمحو ذنوبي وتُنجيني من النارِ
إنَّ المعاصي رجسٌ لا يُطهرها

إلا الصَّوارم في أيمان كفَّارِ[7]

ثم قال في ذلك اليوم: "أرجو أن يُعطيني الله ما سألتُه في هذه الأبيات"[8]، فقُتِل -رحمه الله-، ولم تتجاوز مدّة حياته الخمسين سنة، بل كان عمرُه حينما قُتِلَ قد بلغ الثامنة والأربعين.

هذا ما يتعلّق بترجمته.

منهجه وطريقته:

أما ما يتّصل بمنهجه وطريقته: فهذا الكتاب من الكتب المختصرة جدًّا، وهو كتابٌ جامعٌ بين الرِّواية والدِّراية.

وكتب التفسير -كما هو معلومٌ- منها ما يَختصّ بالرواية، مثل: كتاب ابن أبي حاتم، وعبدالرزاق، وابن المنذر، وعبد بن حميد، و"الدر المنثور"، وأمثال هذه الكتب.

وهناك كتب تجمع بين الرِّواية والدِّراية: ككتاب يحيى بن سلام، المتوفى سنة مئتين للهجرة، وكتاب ابن جرير، وكتاب ابن كثير، وهذا الكتاب من جُملتها، فهو يُفسّر القرآنَ بالقرآن، وبالسُّنة، وبأقوال الصَّحابة، وأقوال التَّابعين، لكنَّه لا يُعنى بذكر الأسانيد، كما أنَّه لا يسير في ذلك بطريقةٍ مُتَّحدةٍ مُضطردةٍ؛ فهو تارةً يذكر الرَّاوي من الصَّحابة، وتارةً يُغفل ذكره، وتارةً يُشير إلى الحديث دون أن يذكره، وتارةً يقول: فسَّره رسولُ الله ﷺ، أو يقول: رُوِيَ عن رسول الله ﷺ. هذا بالإضافة إلى أنَّه قد يحكم على الرِّواية، وهذا قليلٌ جدًّا، والغالب أنَّه لا يتطرق لذلك.

وأيضًا ما يتّصل بتخريج الرِّواية: فإنَّ الغالب أنه يُغفل هذا الجانب، فلا يُشير إلى مَن خَرَّجه، وقد يروي هذه الأحاديث بالمعنى، وقد يُدمج بين روايتين، بين حديثين، مع كثرة إيراد الأحاديث بصيغ التَّمريض، دون التزامٍ بما جرى عليه المحدِّثون من أنَّ ذلك يكون للتَّضعيف، وهو لا يقصد هذا، مع أنَّه يقول: "رُوِيَ ذلك في الحديث"، ونحو هذا، وقد يذكر معناه، ثم يُضيفه إلى جمعٍ من الصَّحابة، أو مَن بَعدهم، وقد يقول: "قال بعضُ السلف"، ثم يذكره.

وكان أيضًا يذكر في كثيرٍ من المواضع: أنَّ القصص التي تُذكر في كتب التفسير تفتقر إلى أسانيد، وقد يُتابِع في الحكم على الرِّوايات أحيانًا ابن عطية، من غير أن يُشير إلى ذلك، وكثيرًا ما ينقل بالمعنى، وقد يحصل الوهمُ في نسبة بعض الأحاديث أو الآثار لمن رواها أو خرَّجها، وأيضًا قد يذكر بعضَ ما لا أصلَ له من الرِّوايات، وهذا في المرويات عمومًا.

أسباب النزول:

قد يذكر السَّبب كاملًا، وهذا قليلٌ، وقد يختصر ذلك، وقد يُشير إليه مجرد إشارة عابرة، وهذا كثيرٌ، وقد يُورد في الآية أكثر من سببٍ، ولا يُرجِّح أو يجمع بين هذه الأسباب، وهو يتساهل في الجملة في حكاية أسباب النزول، وقد يترك بعضَ المرويات الصَّحيحة في سبب نزول الآية، وقد يُورد بعض المرويات التي هي في غاية الضَّعف في سبب النزول، وهو يعتمد في ذلك كثيرًا على ابن عطية.

وقد ذكر ابنُ جزي -رحمه الله- منهجَه في مقدمة الكتاب، وذكر أنَّه قصد به أربعة مقاصد، تتضمن أربع فوائد:

الأولى: أن يجمع كثيرًا من العلم في كتابٍ صغير الحجم؛ تسهيلًا على الطالبين، وتقريبًا على الرَّاغبين.

الثانية: في ذكر نُكَتٍ عجيبةٍ، وفوائدَ غريبةٍ، قلَّما تُوجد في كتابٍ؛ لأنها من بنات فكره.

الثالثة: في إيضاح المشكلات: إمَّا بحلِّ العُقَد الـمُقفلات، وإمَّا بحُسن العبارة، ورفع الاحتمالات، وبيان المجملات.

الرابعة: في تحقيق أقوال المفسرين، والتَّفرقة بين السَّقيم منها والصَّحيح، وتمييز الرَّاجح من المرجوح[9].

وذَكَرَ أنَّ أقوال الناس على مراتب: منها الصَّحيح الذي يُعوَّل عليه، ومنها الباطل الذي لا يُلتفت إليه، ومنها ما يَحتمل.

يقول: "ثم إنَّ هذا الاحتمال قد يكون مُتساويًا، أو مُتفاوتًا، والتَّفاوت قد يكون قليلًا، أو كثيرًا"[10]، ثم جعل رسمًا يسير عليه فيما يذكره من الأقوال، فجعل لذلك عبارات تُعرف بها مراتب هذه المقالات، حيث يقول: "فأدناها ما أُصرِّح بأنَّه خطأ، أو باطل، ثم ما أقول فيه: إنَّه ضعيفٌ، أو بعيدٌ، ثم ما أقول: إنَّ غيره أرجح، أو أقوى، أو أظهر، أو أشهر، ثم ما أُقدِّم غيرَه عليه؛ إشعارًا بترجيح المتقدِّم، أو بالقول فيه: قيل: كذا؛ قصدًا للخروج من عُهدته، وأمَّا إذا صرَّحتُ باسم القائل -قائل القول- فإني أفعل ذلك لأحد أمرين: إمَّا للخروج عن عُهدته، وإمَّا لنُصرته إذا كان قائلُه ممن يُقتدى به، على أني لستُ أنسب الأقوال إلى أصحابها إلا قليلًا؛ وذلك لقلّة صحّة إسنادها إليهم -هذا هو السَّبب-، أو لاختلاف النَّاقلين في نسبتها إليهم، وأمَّا إذا ذكرتُ شيئًا دون حكاية قوله عن أحدٍ، فذلك إشارة إلى أني أتقلده وأرتضيه، سواء كان من تلقاء نفسي، أو مما أختاره من كلام غيري"[11].

يقول: "وإذا كان القولُ في غاية السُّقوط والبُطلان لم أذكره؛ تنزيهًا للكتاب، وربما ذكرتُه تحذيرًا منه"[12].

فهذه العبارات مهمة يُعرف اصطلاحه ومُراده حينما يُعبِّر بشيءٍ منها.

والقصد أنَّ الكتاب في غاية الاختصار، إلا أنَّه قد يتوسّع في بعض المواضع على غير العادة، وقد يُكثِر من ذكر الأقوال جدًّا في بعض المواضع من غير حاجةٍ، كباب النَّسخ، فقد أكثر فيه، فبلغت الآيات التي قال أنها منسوخة أربعة عشر ومئتي آية.

وآية السَّيف التي يقولون: أنها نسخت ما عداها، وهي الآية الخامسة من سورة براءة: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ الآية [التوبة:5]، وأنَّ كلَّ ما جاء من العفو والصَّفح فهو منسوخٌ بآية السَّيف، حتى إنَّ قوله -تبارك وتعالى-: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:٨]، قال بعضُهم: منسوخٌ بآية السَّيف.

وهذا الكلام غير صحيحٍ، فآية السيف لم تنسخ هذه الآيات، وإنما ذلك يكون في أوقات الضَّعف والعجز، ففي هذه الحالة يكون الصَّفح والعفو والتَّجاوز.

أيضًا قد يذكر بعضَ الأقوال، أو يأتي على بعض المسائل التي تحتاج إلى ترجيحٍ، من غير أن يُرجّح.

وفي هذا الكتاب مشى المؤلفُ في تفسير الآيات على حسب ترتيبها في سور القرآن، فيأتي على جميع الآيات، لكنَّه قد يترك شيئًا: إمَّا لوضوحه، أو لأنَّه قد مضى تفسيره.

وهذا الكتاب يصلح أن يكون أصلًا يُعتمد عليه، بحيث يكون عند طالب العلم: يَضبطه، ويُضيف عليه، ويُعلّق عليه، ويرجع إليه حينًا بعد حينٍ، يُراجعه، ويُكرره؛ لأنَّ القراءة في كتب التَّفسير وفي غيرها -كما هو معلومٌ- مجرد القراءة مظنة النسيان، وقد قرأ كثيرون كتبًا مختصرةً ومُطولةً، ولكن حينما يرجع إلى شيءٍ منها، فربما كأنَّه يقرأ ذلك لأول وهلةٍ، وهذا مُشاهَدٌ وحاصلٌ، لكن حينما يكون عند طالب العلم كتابٌ مُختصرٌ يمكن أن يجعله أصلًا يُضيف إليه، ويُعلّق عليه، ويرجع إليه حينًا بعد حينٍ، فهذا أدعى للضَّبط، وهكذا كان أهلُ العلم.

القصص الإسرائيلية في تفسير ابن جزي:

المؤلف -رحمه الله- في هذا الكتاب يتحاشى ما قد يذكره بعضُ المفسرين من القصص الإسرائيلية، والإكثار منها، وإن وقع له شيءٌ من ذلك، لكن من غير إكثارٍ.

المؤلف لا يتوسّع في مسائل الفقه والإعراب:

المؤلف في كتابه هذا لا يتوسّع في الفقه، فهو يذكر الأحكام، ولكن من غير توسعٍ، كما أنَّه يذكر الإعرابَ عند الحاجة، لكن من غير توسعٍ.

القراءات في هذا الكتاب:

ليس للمؤلف طريقة مُتّحدة في هذا الكتاب في ذكر المعلومات، كما أنَّه يذكر القراءات السَّبع، وقد يذكر غيرها للحاجة، وإلا فهو قد بنى هذا الكتاب على قراءة الإمام نافع، التي هي قراءة أهل المغرب والأندلس، ولم يذكر الآيات في هذا الكتاب، ولكن الذين ذكروا هذا هم الذين طبعوا الكتاب، وإنما يذكر ذلك مُجزَّأً في جُمَلٍ يُفسّرها ويشرحها.

وقد صرح المؤلف -رحمه الله- أنَّه يذكر من القراءات الأخرى ما تكون فيه فائدة في المعنى أو الإعراب، دون ما لا فائدةَ تظهر له فيه، يعني: إذا كانت القراءات ترجع إلى معنًى مُتّحدٍ فإنَّه لا يذكرها.

مقدمة الكتاب:

في مقدمة هذا الكتاب ذكر مُقدّمتين:

الأولى: في أبواب تتعلّق بعلوم القرآن وأصول التفسير، ذكر فيها مسائل في غاية الأهمية؛ وذلك في اثني عشر بابًا.

الثانية: في تفسير الغريب، ورتَّبها على الحروف الهجائية على طريقة المغاربة.

الكتب التي رجع إليها المؤلف:

المؤلف رجع في هذا الكتاب إلى كتبٍ متنوعةٍ، من أبرز هذه الكتب كتاب "الكشاف" للزمخشري، فقد نقل عنه نقلًا صريحًا، أو صرَّح به في مئتين وواحدٍ وثلاثين موضعًا، يعني: هذا أكثر كتابٍ تكرر ذكرُه في كتاب "التسهيل".

والكتاب الآخر هو "المحرر الوجيز" لابن عطية، فقد صرَّح بذكره في نحو مئة وثلاثٍ وسبعين موضعًا، هذا بالإضافة إلى نقولات غير مُصرّح بها.

أمَّا الكتب الأخرى: كتفسير ابن جرير، وتفسير الرازي، وغيرها، فالنّقولات منها قليلة جدًّا، لا تكاد تُذْكَر، كما أنَّ الإشارة إلى مذهب الإمام أحمد في هذا الكتاب في مواضع قليلة؛ لأنَّ العادة أنَّ أهل المغرب والأندلس لا يذكرون مذهبَ الإمام أحمد -رحمه الله-؛ لأنَّهم يرون أنَّه من المحدِّثين، وليس من الفقهاء، فلا يذكرونه في عِدادهم، ولا يذكرون قوله في المسائل الفقهية، لكن ابن جزي ذكره في مواضع قليلة، في نحو ستة مواضع تقريبًا في هذا الكتاب، لكنَّه في كتابه الآخر "القوانين الفقهية" يذكر قول الإمام أحمد -رحمه الله-.

مكانة الكتاب وأهميته:

هذا الكتاب جامعٌ لجوانب مختلفة من التَّفسير في عبارةٍ مُوجزةٍ، مع الترجيح غالبًا، ومَن نظر في كتب التَّفسير وقارن، ثم نظر إلى عبارته، حتى في المواضع الـمُشكلة التي قد يصعُب التَّعبير عن المعنى فيها بعبارةٍ دقيقةٍ، تجد أن ابن جزي -رحمه الله- يأتي بعبارةٍ في غاية الدّقة، يُعبّر بها عن المعنى، تكون خُلاصةً لما في هذه الكتب.

فهذا كتابٌ في غاية الأهمية، ولا يستغني عنه طالبُ العلم، وهو مع إيجازه فالمؤلف يحرص فيه على الوفاء بالمعنى، فهو يختصر جدًّا، مع ذكر الأقوال، فهو كتابٌ مُلخصٌ، لكنه عميقٌ ودقيقٌ، قلَّ أن يوجَد مثلُه.

الموضوعات الأخرى غير التفسير في هذا الكتاب:

المؤلف في هذا الكتاب يذكر أشياء أخرى خارجة عن التَّفسير: كبعض القضايا المتعلّقة بالسلوك في بعض المواضع، وتكلّم عن بعض المقامات المتعلقة بالعبودية والسلوك، وقد بلغت اثني عشر مقامًا، وسأُشير إلى شيءٍ من هذا بعد قليلٍ، مع حُسن عبارةٍ، ولا تجد فيه ما قد يوجد في بعض الكتب من عبارات ربما تكون غير مناسبةٍ في مقام الردِّ والمناقشة، أو ما أشبه ذلك.

فنحن بحاجةٍ إلى علمٍ، مع تربيةٍ وأدبٍ في الكتابة والتَّحقيق والتَّعليم والتَّلقين، فالعلم وحده لا يكفي، فلا بدَّ معه من تربيةٍ وعملٍ.

وانظر إلى عباراته -رحمه الله-، يقول: "وكل أحدٍ سلك طريقًا نحاه، وذهب مذهبًا ارتضاه، وكلًّا وعد الله الحسنى"، فهو يتكلم هنا عن المخالفين في بعض التفاسير، فيقول: "خذ منه ما صفا، ودع ما كدر"[13]، ويقول: "والله ينفع الجميع بخدمة كتابه، ويجزيهم أفضل ثوابه"[14].

فمثل هذه الكتب هي التي يتربى عليها طالبُ العلم؛ لأنَّ خلاف ذلك مع قلّة البصر وقلّة العلم يُورث شيئًا من الرعونات والجرأة، فيُوقع الإنسان في أحوالٍ لا تليق به، وللأسف هذا كثيرٌ، فحينما ينفرد طالبُ العلم، فيكون هو الذي يختار لنفسه، ويكتفي بما بلَغَه عقلُه ومداركه، دون أن يتلقّى العلمَ ممن يأخذ عنهم الأدبَ والسَّمت، وما إلى ذلك، فإذا وافق هذا ما قد يوجد من قراءات، ربما تُورثه مثل هذه الرعونات، فهذا لا تكون عاقبتُه محمودةً، سواء كان ذلك في كتابات وعبارات قوية تُقال في حقِّ الأئمة، مما لا يليق أن يُوجَّه إليهم، أو كان ذلك عبر علامات انفعالية تكثُر في كتب التَّحقيق أحيانًا، فيعيش معها القارئ، ومع الليالي والأيام وطول القراءة يتطبّع بمثل هذه النفس المتوهجة، وهذا غلطٌ.

القصص والإعراب في هذا الكتاب:

المؤلف لا يذكر من القصص إلا ما يتعلّق به التفسير، ولا يذكر من ذلك إلا الصَّحيح، وهكذا أيضًا لا يذكر من الإعراب إلا ما يُحتاج إليه، دون ما لا تدعو إليه الحاجة.

الجوانب البيانية واللَّطائف:

هذا الكتاب مع أنَّه مُختصرٌ جدًّا إلا أنَّ المؤلف يُعنى بالجوانب البيانية واللَّطائف، ومن المفيد أن نعرف أنَّ ما ذكره في مقدّمة الكتاب -في المقدمة الثانية في الغريب-: أنَّه حينما يأتي على شيءٍ من ذلك في ثنايا الكتاب، فإنَّه قد يُغفل الكلام عليه؛ اكتفاءً بما ذكر في المقدمة، فهذا يُعرف لئلا يُقال: لماذا ترك هذه اللَّفظة وهي غريبة؟ لأنَّه قد ذكرها في أول الكتاب.

وإذا أردنا أن نعرض نماذج من هذه اللَّطائف التي أشرت إليها آنفًا، فمن ذلك مثلًا: أنَّه يذكر فائدةً في التَّعدية بـ(على) في قوله في سورة آل عمران: وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا [آل عمران:84]، وفي البقرة عُدِّي بـ(إلى) في قوله: وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:١٣٦]، فلماذا قال هناك: عَلَيْنَا، وفي السورة الأخرى قال: إِلَيْنَا؟

وأيضًا في قصّة هود لما قال: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ [الأعراف:٦٦]، بينما قال قبل ذلك في خبر نوحٍ : قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ [الأعراف:٦٠]، فلماذا قال في هود: كَفَرُوا، وفي نوحٍ قال: مِن قَوْمِهِ، دون أن يقول: كَفَرُوا؟

وكذلك في وجه التَّعبير بقوله: إِمَّا أَن تُلْقِيَ [الأعراف:١١٥]، حيث عبَّر السَّحرةُ فيما نسبوه إلى موسى بالفعل: إِمَّا أَن تُلْقِيَ، بينما قالوا فيما أضافوه إلى أنفسهم: أن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ [الأعراف:١١٥].

وكذلك في وجه تعريف الحسنة وتنكير السيئة في قوله: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ [الأعراف:١٣١] الحسنة، وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ [الأعراف:١٣١] بالتَّنكير، فلماذا عُرفت الحسنة، ونكّرت السيئة؟

فهذه من اللَّطائف البلاغية.

وكذلك في وجه التَّعبير بالفعل في قوله: أَدَعَوْتُمُوهُمْ، وبالجملة الاسمية في قوله: أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ [الأعراف:١٩٣]، ولم يقل: أم صمَتُّم، وإنما قال: أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ، فجاء بالاسم.

كذلك التَّعبير في قصّة هود وشُعيب -عليهما السلام- بقوله: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا [هود:٥٨، ٩٤]، وفي قصة صالح ولوط -عليهما السلام- قال: فَلَمَّا [هود:٦٦، ٨٧]، ففي الأولى قال: وَلَمَّا، وفي الثانية قال: فَلَمَّا، لماذا؟

وكذلك في وجه قول يوسف في منّة الله عليه: أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ [يوسف:١٠٠]، فلماذا ذكر الإخراج من السِّجن، ولم يذكر الإخراج من الجبّ؟

قال بعضُ أهل العلم: أراد ألا يُؤذيهم؛ لأنَّ الجبَّ هم الذين وضعوه فيه، وليس السّجن كذلك.

وأيضًا وجهٌ آخر: أنَّه خرج من السّجن إلى الـمُلك، بينما خرج من الجبِّ إلى الرّق.

وكذلك لطيفة في قوله: وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ [يوسف:١٠٠]، حيث قيل: أنَّ ترك البداوة إلى الحاضرة نعمة.

وكذلك في قوله عن بعث الرسل -عليهم السلام-: مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109] بأنَّ الرسل -عليهم السلام- يُبعثون من أهل القرى، لا البوادي.

وهكذا أيضًا يذكر العلماء -رحمهم الله- بعض هذه اللَّطائف، حيث درسوا هذا القرآن دراسةً عجيبةً، وعدُّوا كلَّ حرفٍ فيه، ودرسوا ألفاظَه المفردة، ودرسوا حروفَ المباني، وحروفَ المعاني، ودرسوا التراكيبَ إلى حدٍّ مُدهشٍ، وأحصوا الجمل والتراكيب التي تُقرأ من الوجهين إلى هذا الحدِّ، وهذا لا يُوجد في كتابٍ.

ففي قوله -تبارك وتعالى-: كُلٌّ فِي فَلَكٍ [الأنبياء:٣٣]، فلو قلبتها من آخر حرفٍ تُقرأ: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ)، فتُقرأ من الجهتين.

فهؤلاء أخذوا القرآنَ من أوَّله إلى آخره، يُقلّبونه، ويستخرجون منه مثل هذه الأشياء العجيبة التي لا يُبنى عليها معنًى، وما تركوا شيئًا.

كذلك أيضًا قوله: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر:٣]، فلو قلبتها: (رَبَّكَ فَكَبِّرْ)، تُقرأ من الوجهين.

فإذا كان الأمرُ إلى هذا الحال وهذا المستوى، فكيف يُظنّ بأنَّ هؤلاء أضاعوا منه حرفًا؟! فكيف يمكن أن يُقال هذا؟!

فهؤلاء الذين يشغبون على القرآن قديمًا وحديثًا، واليوم لهم في هذه الوسائل الجديدة كتابات ومواقع، نقول: بيننا وبينكم أنَّ هذا القرآن تحدّى الله بأقصر سورةٍ منه، فدَعُونا من كلِّ ما تقولون، هاتوا أقصر سورةٍ، والتَّحدي قائم، وصرَّفه بهذا التَّصريف على سبعة أحرف، كلّ ذلك على وجهٍ من الإعجاز، تعجزون أن تأتوا بواحدٍ منها.

ومن هذه اللَّطائف: ما ذكره من استدلال بعض المحدّثين على التَّسوية بين التَّحديث والإخبار بآية الزلزلة، لفظ "حدثنا" و"أخبرنا" هل هما سواء أو لا؟

فالله -عزَّ وجلَّ- قال في سورة الزلزلة: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:٤]، فهذه نماذج من هذه اللَّطائف.

وكذلك ذكر قواعد وضوابط، فمن ذلك مثلًا: أنَّه ذكر ضابطًا جيدًا في المحرّمات من جهة النَّسب والمصاهرة، وكلّ هذا يأتي -إن شاء الله-.

وكذلك متى تصحّ المفاضلة بين شيئين لا وجهَ للمُفاضلة بينهما؟ كقوله: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:٥٩]، لا وجهَ للمُفاضلة، أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ [الصافات:٦٢]، فلا وجهَ للمُفاضلة بين نعيم الجنة، وشجرة الزَّقوم والنار -أعاذنا الله وإياكم ووالدينا وإخواننا المسلمين منها-، فمتى يكون ذلك؟

وكذلك أيضًا مسألة تكرير حروف الفعل تدلّ على تكرر المعنى: الزلزلة تكرر في الحركة، جلجلة، صلصلة، تجلجلوا فيها، فإذا تكررت الحروف دلَّ على تكرر في المعنى.

وكذلك قاعدة في السؤال المثبت في الآخرة أو المنفي، وكذلك أيضًا استعمال اللَّفظ في معنييه: المشترك مثلًا.

ومن هذه الضَّوابط: أنَّه إذا جاء ذِكر الطّيبات في مَعرض الإنعام فالمراد: المستلذّات، وإذا جاء ذكرها في معرض التَّحليل والتَّحريم فالمراد: الحلال (الطّيبات).

ومن هذه الضَّوابط: أنَّ الاسم المشتقّ من الفعل يشترك فيه المخاطَب وكلّ مَن اتَّصف بتلك الصِّفة.

وكذلك القسم لا يكون إلا بمُعظَّمٍ.

ومن الكُليات: كلّ ما قال اللهُ فيه: (وما أدراك) فقد أعلم اللهُ تعالى عنه نبيَّه ﷺ.

وكذلك أيضًا التَّفسير بعد الإبهام يدلّ على التَّهويل.

وهناك أيضًا أشياء هي من قبيل الاستنباطات، فمثلًا: المؤلف استنبط تسمية المولود يوم ولادته، والمولود يُسمّى في سابعه، استنبط ذلك من قول امرأة عمران: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:٣٦].

وأيضًا من الجوانب التي تطرق لها: ما يتّصل بالسلوك، فذكر المؤلف مثلًا للتقوى خمس عشرة فائدة، وذكر أيضًا عشرة بواعث على التقوى، وذكر خمس درجات للتقوى، وتكلّم عن الذكر وفائدته، وذكر ثمانية أنواع من الكرامة للصَّابرين، وذكر أنَّ الصبر على أربعة أضرب، وتحدّث عن المراقبة لله ، وعن ثمارها، وتحدّث عن درجات الخوف من الله ومقاماته، ودرجات الرَّجاء ومقاماته، وتكلّم عن شروط التوبة وآدابها ومراتبها، والبواعث عليها، وتحدّث عن بعض الجوانب السلوكية، مثل: الحسد، وذكر فيه أشياء من قبيل المنثور والمنظوم.

وذكر في المقدّمة: العلوم التي تضمّنها القرآن، وكذلك الحكمة من تكرار القصص في القرآن، والعلوم التي لها تعلّق بفهم القرآن وتفسيره.

فذكر في هذا الكتاب في المقدّمات اثنا عشر سببًا لاختلاف المفسرين، وكلامه في هذا جيد، وبخاصّة إذا جُمِعَ كلام ابن جُزي هنا مع كلام الشَّاطبي في "الموافقات" وكلام شيخ الإسلام، فإنَّه يجتمع لك بذلك أشياء في غاية الأهمية، حتى اختلاف التنوع ذكروا أشياء من هذا القبيل مُفصَّلةً، وذكر أسماء القبائل التي ارتدّت عن الإسلام بعد وفاة النبي ﷺ.

وكذلك ذكر الكلام على قوله: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [الأعراف:٨٨]، هل كان الأنبياء -عليهم السلام- على دين قومهم؟ وذكر نقولات من كتب أهل الكتاب تصف هذه الأمّة، وتصف نبيَّها ﷺ.

ويُعلِّل صلاةَ النصارى إلى المشرق؛ ولماذا يُصلون إلى المشرق، ويستقبلون المشرق؟ اليهود يستقبلون الصَّخرة، والنَّصارى يستقبلون المشرق، وذكر منازل القمر، وتكلّم على تفاصيل الشّعب والقبيلة والبطن ... إلى آخره.

هذه بعض الجوانب في هذا الكتاب الذي هو خزانة لفوائد واستنباطات ومعانٍ على غاية الاختصار.

عقيدة المؤلف:

ما يتعلّق بجوانب عقيدة المؤلف: فكلّ الدِّراسات التي رأيتُها، ومَن ترجموا له، والرسائل الجامعية: إمَّا أنهم يغفلون هذا الجانب تمامًا، أو ينقلون أشياء بعضُهم عن بعضٍ، وهي غير دقيقةٍ.

فمثلًا: يذكر بعضُ مَن ترجم له موضوع التَّوسل، حيث ورد في أول الكتاب عبارة: "قال الشيخُ، الفقيه، الإمام، العالم، العلم، العلّامة، فريد دهره، ووحيد عصره، أبو عبدالله محمد، المدعو بالقاسم بن أحمد بن محمد بن جزي، الكلبي، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنةَ مأواه بحُرمة النبي الأوَّاه"[15]، فهذا توسّل بحُرمة النبي ﷺ، لكن ليس من كلام ابن جزي -رحمه الله-، ولكنَّه موجودٌ في أول الكتاب، فلا يُنسب للمؤلف -رحمه الله-.

وفي الكلام على قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:٢] يقول المؤلفُ: "قولنا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أفضل عند المحققين من (لا إله إلا الله)"[16]، وهذا غير صحيحٍ، والنبي ﷺ قال: وخيرُ ما قلتُ أنا والنَّبيون من قبلي: لا إله إلا الله[17]، فهنا الكلام في المفاضلة في الذكر.

وفي الكلام على أسماء الله -تبارك وتعالى- نحن نعرف أنَّ أسماء الله تعالى توقيفية، بمعنى: أنَّه لا يُسمَّى إلا بما سمّى به نفسه، أو سمَّاه به رسولُه ﷺ، فقوله -تبارك وتعالى-: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:١٨٠]، يقول: "أي: سمّوه بأسمائه، وهذا إباحة لإطلاق الأسماء على الله تعالى، فأمَّا ما ورد منها في القرآن أو الحديث فيجوز إطلاقه على الله إجماعًا، وأمَّا ما لم يرد، وفيه مدحٌ لا تتعلق به شُبهة، فأجاز أبو بكر ابن الطيب إطلاقه على الله، ومنع ذلك أبو الحسن الأشعري وغيره"[18]، ولم يُعلِّق، ولم يُرجّح، وجَعَلنا بين الباقلاني والأشعري، والباقلاني معروفٌ أنَّه من الأشاعرة، وإن كان من أكثرهم إثباتًا، وهو ينقل أيضًا عن الباقلاني، ويُعول عليه، وهذه مشكلة، ويُحيل إليه في هذا الكتاب في مواضع كثيرة مما يتصل بالاعتقاد.

ومن المسائل مثلًا: هل يُطلق "القديم" على الله؟

فالمؤلف يقول: "وأنَّه قديمٌ؛ لأنَّه صانعٌ للمُحدَثات"، والله لا يُقال في حقِّه ذلك: أنَّه قديمٌ، لكن يُقال له: هو الأول الذي ليس قبله شيء، كما قال النبي[19] ﷺ.

وفي معنى الوحدانية عند قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:١٦٣] يقول: "الواحد له ثلاثة معانٍ، كلّها صحيحة في حقِّ الله:

الأول: أنَّه لا ثانيَ له، فهو نفيٌ للعدد.

والثاني: أنَّه لا شريكَ له.

والثالث: أنَّه لا يتبعّض، ولا ينقسم"[20].

وهذه الثالثة هي التي يُدندن حولها أهلُ الكلام في نفي صفات الذَّات، فيقولون: لا يتبعّض، ولا ينقسم، يعني: ينفون الوجهَ واليد، وما إلى ذلك من صفات الذَّات.

فهذا تقسيم الأشاعرة للتوحيد، وليس بتقسيم أهل السُّنة، والوحدانية عند أهل السُّنة: أنَّ الله واحدٌ لا شريكَ له في إلهيَّته، وربوبيَّته، وأسمائه، وصفاته، بعيدًا عن عبارات المتكلمين.

والصِّفات مثلًا: صفة النفس: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:١١٦] يقول: "تعلم معلومي، ولا أعلم معلومك"[21]، ومعلومٌ أنَّ أهل السُّنة يُثبتون صفةَ النفس لله -تبارك وتعالى- على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته.

وفي صفة الوجه لـمَّا ذكر اللّغات في أول الكتاب قال: "وأمَّا وجه الله ففي قوله: ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة:٢٧٢] أي: طلب رضاه، وفي قوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:٨٨]، قال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:٢٧]، قيل: الوجه: الذَّات، وقيل: صفة كاليدين، وهو من المتشابه"[22]، فهو يذكر قول السَّلف، ويُصرِّح يقول: السَّلف يقولون كذا، ويميل إليه في كثيرٍ من الأحيان، لكن يذكر ذلك على أنَّه من قبيل المتشابه في المعنى، وليس في الكُنْه والحقيقة.

والسَّلف لا يقولون: إنَّه مُتشابه في المعنى، ولكن الكثيرين ممن تأثّروا بالعلوم الكلامية ينحو مُتقدّموهم إلى التَّفويض، كما أنَّ المتأخّرين منهم يميلون إلى التَّجهم، والتَّأويل، والتَّحريف، والنَّفي، والتَّعطيل، يعني: أنَّ هؤلاء المتكلمين من الأشاعرة مثلًا منهم مَن يقول: إنَّ ظواهر هذه النُّصوص غير مُرادة، وهي من المتشابه، ولكن لا نُحدد معنًى بعينه. هذا يغلب على المتقدمين، فيقولون: نُفوّض، والسَّلف فوَّضوا، وقد يقولون: نحن لا نعرف المراد. فيجعلونه من المتشابه المطلق.

وكثيرٌ من المتأخرين منهم مَن ينحو إلى التَّجهم والنَّفي، بمعنى: أنَّه يقول: إنَّ هذه الظَّواهر غير مُرادة، فإنَّها لا تليق بجلال الله وعظمته. بل يقول بعضُهم: أنَّ الأخذ بظواهر القرآن من أصول الكفر -نسأل الله العافية-! ثم بعد ذلك يحملونه على معانٍ من المجازات، ونحو ذلك.

فكثيرٌ ممن ينظر في كلام الطَّائفة الأولى الذين يقولون بأنَّ السلف أثبتوا ذلك، وهو من جملة المتشابه، هم لا يقصدون إثبات المعنى، وإنما يقصدون أنهم لم يتعرَّضوا له بالتَّأويل، ويعتذرون للسَّلف بأنهم شُغِلوا عنه، وأنَّ مذهب السلف أسلم، وأنَّ مذهب الخلف أعلم وأحكم، فلا بدَّ من التَّنبّه لهذا، فهم يقولون: أنَّ السلف كانوا يُفوِّضون، ويقولون: أنَّ هذه من المتشابهات. وهذا غير صحيحٍ.

ومن ذلك أيضًا في قوله: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:١١٥]، يقول: "المراد به هنا رضاه، كقوله: ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة:٢٧٢] أي: رضاه، وقيل: معناه الجهة"[23]، مع الكلام المعروف والخلاف عند أهل السُّنة في الآية نفسها: هل المراد بذلك الجهة؟ ليس الجهة التي يقولها المتكلّمون، إطلاقًا، وإنما الوجه واللُّغة، أو أنَّها من آيات الصِّفات؟

يعني: شيخ الإسلام -رحمه الله- لا يرى أنها من آيات الصِّفات[24]: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ يعني: الجهة التي أمركم باستقبالها، فلا بدَّ من التَّنبه لهذا، لكن شيخ الإسلام يُثبت صفةَ الوجه من الأدلة الأخرى، فهذا لا إشكالَ فيه، غاية ما هنالك أنَّه يكون من قبيل الاختلاف في التفسير، وعند المخالف أنَّه يكون من قبيل الخطأ في التفسير فقط، لكن حينما تُنفى الصِّفة، وتُأوَّل جميع النصوص الواردة فيها؛ فهذا هو الإشكال.

ومن ضمن هذه الآيات قوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:٨٨]، قال: "إلا إياه، والوجه هنا عبارة عن الذات"[25]، وكذلك في قوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:٢٧]، قال: "الوجه هنا عبارة عن الذَّات"[26]، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:٩]، قال: "عبارة عن الإخلاص"[27]، فهذا كلّه من التَّأويل.

وفي صفة العين في قوله: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا [هود:٣٧] يقول: "أي: تحت نظرنا وحفظنا"[28]، هذا تفسيرٌ باللازم، وليس بالمعنى المطابق.

وكذلك أيضًا في قوله: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:٣٩] يقول: "بمرأى مني وحفظ"[29]، وأمَّا في قوله: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:١٤] قال: "عبارة عن حفظ الله"[30]، وفي قوله: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:٤٨] قال: "فإنَّا نراك"[31].

وهذا كما سبق في صفة اليدين: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:٦٤] قال: "عبارة عن إنعامه وجوده"[32]، وهذا غير صحيحٍ، نحن نُثبت اليدين لله على ما يليق بجلاله وعظمته: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا [يس:٧١] قال: "والأيدي هنا عند أهل التَّأويل عبارة عن القُدرة، وعند أهل التَّسليم من المتشابه الذي يجب الإيمانُ به وعلمه عند الله"[33]، عند أهل التَّسليم تفويض، وعلمه عند الله، يعني: لا يعرفون المعنى.

كذلك أيضًا في قوله: مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:٧٥] قال: "بيديّ من المتشابه الذي ينبغي الإيمانُ به، وتسليم حقيقته إلى الله، قال المتأوّلون: هو عبارة عن القُدرة، وقال القاضي أبو بكر ابن الطيب –يعني: الباقلاني-: إنَّ اليد والعين والوجه صفات زائدة على الصِّفات المتقررة"[34]، "المتقررة" يعني: عند الأشاعرة، مع أنَّ المؤلف -رحمه الله- لا يقتصر على الصِّفات السبع، لكن بعض مَن ينظر في هذا يظنون أنَّ الأشاعرة هم فقط يُثبتون الصِّفات السبع، والواقع أنَّ الأشاعرة مدارس، الباقلاني يُثبت أكثر من السَّبع، فهم قد لا يتفطنون لهذا، فيظنون أنَّ المؤلف كان يجري في ذلك على طريقة السَّلف -رضي الله تعالى عنهم-، ويقول: "قال ابنُ عطية: وهذا قولٌ مرغوبٌ عنه"[35]، يعني: أنَّ إثباتها زائدة على الصِّفات المتقررة عندهم، التي يقولون: إنها ثبتت عقلًا، يقول: "وحكى الزمخشري أنَّ معنى: خَلَقْتُ بِيَدَيّ خلقتُ بغير واسطةٍ"[36]، يعني: ما الحاجة لنقل كلام الزمخشري في موضعٍ كهذا؟!

وفي قوله: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:٦٧] يقول: "اختلف الناس فيها، كاختلافهم في غيرها من المشكلات، فقالت المتأوّلة: إنَّ القبضة واليمين عبارة عن القُدرة، وقال ابنُ الطيب -الباقلاني-: إنها صفة زائدة عن الذات، وأمَّا السلف الصالح فسلَّموا علمَ ذلك إلى الله"[37]، سلَّموا علم ذلك، وليس الكيفية، وإنما العلم، "ورأوا أنَّ هذا من المتشابه الذي لا يعلم حقيقته إلا الله، وقد قال ابنُ عباسٍ بمعناه: أنَّ الأرض في قبضته والسّماوات، كلّ ذلك بيمينه، وقال ابنُ عمر بمعناه: أنَّ الأرض في قبضته …"[38]، إلى آخر ما قال.

وكذلك في قوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:١٠] يقول: "وذلك على وجه التَّخييل والتَّمثيل، يريد أنَّ يد رسوله ﷺ- التي تعلو يد المبايعين له، هي يد الله في المعنى، وإن لم تكن كذلك في الحقيقة"[39]، طبعًا هذا صحيحٌ، لكن لا بدَّ من إثبات صفة اليد.

ويقول: "وإنما المراد أنَّ عقدَ ميثاق البَيعة مع النبي ﷺ كعقده مع الله"[40]، لكن أهل السُّنة لا يُقررونها بهذه الطَّريقة.

وفي صفة الساق في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ [القلم:٤٢] يقول: "قال المتأوّلون: وذلك عبارة عن هول يوم القيامة وشدّته، وفي الحديث الصَّحيح عن رسول الله ﷺ أنَّه: يُنادي مُنادٍ يوم القيامة: لِتتبع كل أمّةٍ ما كانت تعبد ..."[41]، إلى أن قال في آخر الحديث: فيكشف لهم عن ساقٍ –أو: عن ساقه- فيقولون: نعم ...[42] إلى آخره، يقول: "وتأويل الحديث كتأويل الآية"[43]، يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ يعني: إثبات ذلك بما جاء في الحديث، مع أنَّه قد جاء عن بعض السلف -كابن عباسٍ- أنَّ الساق: الشدّة[44]، وهذا لا إشكالَ فيه إذا كانت تُثبَتُ الصِّفة من هذا الحديث؛ لأنَّ الحديث صريحٌ: يكشفُ عَن ساقه [45] فلا يمكن أن يُقال هنا: الشّدة.

وتكلم عن صفة العلو والفوقية في الكلام على اللُّغات في أول الكتاب، يقول: "الأعلى من العلو، بمعنى: الجلال والعظمة، وقيل: بمعنى: التَّنزيه عمَّا لا يليق"[46]، وهذا غير صحيحٍ، فالله له العلو المطلق: علو الذَّات، وعلو القدر والمنزلة، والقهر، فكلّ ذلك ثابتٌ لله -تبارك وتعالى-.

وفي قوله: بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:١٥٨] قال: "أي: إلى سمائه"[47]، ولم يتطرق للكلام على العلو.

وفي قوله: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ [النحل:٥٠] قال: "يحتمل أن يُريد فوقية القُدرة والعظمة، أو يكون من المشكلات التي يُمسَك عن تأويلها، وقيل: معناه: يخافون أن يُرْسِل عليهم عذابًا من فوقهم"[48]، وهذا -كما ترون- غير صحيحٍ.

وفي قوله: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:٦٥] يقول: "والله تعالى ليس ممن في السَّماوات والأرض باتِّفاقٍ، فإنَّ القائلين بالجهة والمكان يقولون: إنَّه فوق السَّماوات والأرض"[49]، وأهل السُّنة لا يتكلَّمون بهذه العبارات: "والقائلين بنفي الجهة يقولون: إنَّ الله تعالى ليس بهما، ولا فوقهما، ولا داخلًا فيهما، ولا خارجًا عنهما"[50]، يعني: وصفوه بالعدم.

وكذلك الكلام على الأول والآخر، والظاهر والباطن، يقول: "هو الأول ليس لوجوده بداية، ولا لبقائه نهاية، والظاهر والباطن، أي: الظاهر للعقول بالأدلة والبراهين الدَّالة على الباطن الذي لا تُدركه الأبصار، أو الباطن الذي لا تصل العقولُ إلى معرفة كُنهه وذاته، وقيل: الظَّاهر أي: العالي على كل شيءٍ، فهو من قولك: "ظهرت على الشَّيء" إذا علوت عليه، والباطن الذي بطن كل شيءٍ …"[51] إلى آخره، قال: "والأول أظهر وأرجح"[52]، وهذا يُخالف صريح قول النبي ﷺ في هذا التَّفسير.

وفي الكلام على الاستواء: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة:٤] يقول: "حيث وقع -يعني: جاء ذكر الاستواء- حَمَلَه قومٌ على ظاهِرِه، منهم: ابن أبي زيد، وغيره، وتأوّله قومٌ بمعنى: قصد، كقوله: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:٢٩]، ولو كان كذلك لقال: "ثُمَّ استوى إلى العرش"، وتأوّله الأشعرية بمعنى: استولى بالملك والقُدرة، والحقّ هو الإيمان به من غير تكييفٍ، فإنَّ السلامة في التَّسليم، ولله درّ مالك بن أنس في قوله للذي سأله عن ذلك ..."[53]، وذكر الكلام المعروف عن الإمام مالك -رحمه الله-، وذكر أنَّ هذا مرويٌّ عن جماعةٍ من السلف، وأنَّ الصحابة والتابعين لم يتكلّموا في معنى الاستواء، بل أمسكوا عن ذلك، قال مالك: "والسؤال عنه بدعة"[54].

ونلحظ أنَّه يقول: "الحقّ هو الإيمان به من غير تكييفٍ"، نؤمن من غير تكييفٍ، هذا صحيحٌ، لكن ما معناه؟

الكلام الذي ذكره بعد ذلك: أنَّه لا يُتعرَّض له على طريقة أهل التَّفويض في قوله-تبارك وتعالى-: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فسَّرها بالقصد، وهذا ذكره بعضُ أهل السُّنة، كابن كثيرٍ -رحمه الله-[55].

وفي صفة الكلام، النِّداء مثلًا: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا [الأعراف:٢٢] يقول: "يحتمل أن يكون هذا النِّداء بواسطةٍ، أو بغير واسطةٍ"[56]، يعني: ناداهما بواسطة الـمَلَك، نادتهم ملائكتُه، وهذا خلاف الظاهر تمامًا، فهذا احتمالٌ عنده.

ويقول أيضًا في قوله: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ [القصص:٦٢] يقول: "فاعل (يُنادي) الله تعالى، ويحتمل أن يكون نداؤه بواسطةٍ، أو بغير واسطةٍ"[57]، "بغير واسطةٍ" هذا خلاف الظَّاهر، فهذا المفترض ألَّا يُذكر.

وفي قوله: فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:٢٤٣] قال: "عبارة عن إماتتهم، وقيل: إنَّ مَلَكين صاحا بهم: موتوا، فماتوا"[58]، فهذا خلاف الظَّاهر.

وفي قوله -تبارك وتعالى-: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي [الكهف:١٠٩] يقول: "إخبارٌ عن اتِّساع علم الله، والكلمات هي المعاني القائمة بالنفس"[59]، وهذا كلام الأشاعرة.

وفي قوله: فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ [البقرة:١١٥] يقول: "قال الأصوليين: هذه عبارة عن نفوذ قُدرة الله تعالى، وليس بقولٍ حقيقي"[60]، ومَن هؤلاء الأصوليين؟!

وفي صفة السمع: إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ [الشعراء:15] يقول: "يحتمل أن تكون الملائكةُ هي التي تسمع بأمر الله؛ لأنَّ الله لا يُوصَف بالاستماع، وإنما يُوصَف بالسّمع"[61]، وهذا خلاف ظاهر القرآن، ولعله نقل مثل هذا عن ابن عطية؛ لأنَّ ابن عطية قال مثل هذا[62].

وفي صفة الرحمة: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:١] قال: "صفتان من الرحم، ومعناهما الإحسان، فهي صفة فعلٍ، وقيل: إرادة الإحسان، فهي صفة ذاتٍ"[63]، يعني: على كل واحدٍ من الاحتمالين غلط، فغاية ما هنالك أن يُقال: إنَّه من قبيل التفسير باللَّازم.

وفي الإتيان والمجيء: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ [البقرة:٢١٠] يقول: "تأويله عند المتأولين: يأتيهم عذابُ الله في الآخرة، أو أمره في الدنيا، وهي عند السَّلف الصَّالح من المتشابه، يجب الإيمانُ بها من غير تكييفٍ"[64]، يعني: من غير أن نتعرض للمعنى.

وبعض هؤلاء الذين درسوا عقيدةَ المؤلف، أو ترجمته، أو نحو ذلك، أو كتابَه، ينظرون إلى هذه العبارة: "السَّلف الصالح"، ويظنون أنَّه يُثبت المعنى، وهو لا يُثبت المعنى.

وفي قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:٢٢] قال: "تأويله عند المتأولين: جاء أمرُه وسُلطانُه. وقال المنذر بن سعيد –يقصد: البلوطي، وهو من أهل السُّنة-، يقول: معناه: ظهوره للخلق هنالك. وهذه الآية وأمثالها من المشكلات التي يجب الإيمانُ بها من غير تكييفٍ، ولا تمثيلٍ"[65]، نفس الكلام السَّابق.

وفي صفات: الكيد، والمكر، والاستهزاء، والمخادعة، يقول: "كيد هو من المخلوق احتيال، ومن الله مشيئة، أمرٌ ينزل بالعبد من حيث لا يشعر"[66].

وفي قوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه [آل عمران:٥٤] قال: "وعبّر عن فعل الله بالمكر مُشاكلةً لقوله: مَكَرُوا"[67]، والواقع أنَّ المشاكلة نوعٌ من أنواع المجاز، وإن اختلف أهلُ المجاز فيها، لكن هي لا حقيقةَ لها، يعني: أنَّ الصفة ليست حقيقيةً، وإنما عُبّر مثل:

قال: اقترح شيئًا نُجد لك طبخه

قلتُ: اطبخوا لي جُبَّةً وقميصًا[68]

الجبّة والقميص لا تُطبخ، فهذا يقولون: من باب المشاكلة، شاكل اللَّفظ الذي استعملوه، فعبّر بنفس عبارتهم: جُبّة وقميصًا، فيجعلون هذه الصِّفات من قبيل المشاكلة.

وبعض طلاب العلم من أهل السُّنة يكتبون هذا أحيانًا في رسائلهم، وفي كتبهم وأبحاثهم، يقولون: مُشاكلة، وما يعلمون أنَّ هذا من أنواع المجاز، وأنَّه تأويلٌ للصفة، فهذا غير صحيحٍ، وغير مقبولٍ.

وفي قوله -تبارك وتعالى-: وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:١٤٢] يقول: "تسمية للعقوبة باسم الذَّنب"[69].

اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:١٥] ذكر فيها ثلاثة أقوال: "تسمية العقوبة باسم الذنب ..."[70] إلى آخره.

موقفه من باقي الصِّفات:

هو يُثبت جملةً من الصِّفات: يُثبت الكلام لله ، والحياء لله -تبارك وتعالى-، على غير الصِّفات المشهورة التي يُثبتها الأشاعرة، ويُثبت الحياة أيضًا، والعلم، والقُدرة، والإرادة، والسّمع، بل يُثبت أيضًا صفة التَّعجب لله ، وهذه لا يُثبتها الأشاعرة على القراءة الأخرى المتواترة: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:١٢]، فهذه القراءة يُثبَت بها هذه الصِّفة، فهو يُثبتها من هذه القراءة، وهذا على غير عادة المتكلمين، كذلك يُثبت صفة المقت والغضب، والأشاعرة لا يُثبتون هذا، وإنما يقولون: إرادة الانتقام، ويُثبت المحبّة، كما يُثبت البصر والقُرب والأسف: فَلَمَّا آسَفُونَا [الزخرف:٥٥] يعني: أغضبونا، وأثبت رُؤية المؤمنين لله -تبارك وتعالى-، وكثيرًا من الأسماء أيضًا.

الإيمان عند المؤلف:

الإيمان عنده في اللُّغة: هو التَّصديق، وكثيرٌ من أهل السُّنة يُفسّرونه بالتَّصديق، لكنَّه تفسير غير دقيقٍ، يعني: الإيمان في اللغة ليس بمعنى التَّصديق، وإنما هو تصديقٌ خاصٌّ، تصديق انقيادي، بمعنى: الإقرار والإذعان.

وشيخ الإسلام -رحمه الله- في كتابه "الإيمان الكبير" ذكر نحو سبعة فروقات في اللغة بين الإيمان والتَّصديق[71].

وفي الشرع يقول: "التَّصديق بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر، والمؤمن في الشَّرع –يعني: المؤمن شرعًا- هو المصدِّق بهذه الأمور"[72]، فيُفسّر الإيمان شرعًا بالتَّصديق، وهذه طريقة طوائف من المتكلمين، وهو نوعٌ من الإرجاء.

وهل العمل عنده داخلٌ في مُسمَّى الإيمان؟

هو يرى أنَّ الإيمان خلاف العمل؛ لعطفه عليه -كما سيأتي-، يعني: في قوله: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:٢٥]، يقول: "دليلٌ على أنَّ الإيمان خلاف العمل؛ لعطفه عليه"[73]، فإنَّ العطف يقتضي المغايرة، مع أنَّ الإيمان إذا أُطلِق دخل فيه العمل، يدخل فيه قول اللِّسان، وتصديق الجنان، والعمل بالأركان، لكن إذا ذُكِر مع العمل الصَّالح صار الإيمانُ بمعنى: الإقرار القلبي، والإذعان، والانقياد، والتَّصديق الانقيادي.

وفي قوله: فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:١٧٣] قال: "والصَّحيح أنَّ الإيمان يزيد وينقص، فمعناه هنا: قوة يقينهم، وثقتهم بالله"[74]، هذا بناء على تعريفه للإيمان بالتَّصديق، يعني: أهل الكلام الذين يقولون: الإيمان لا يزيد وينقص –يعني: مَن عندهم نوع إرجاء-، يقول: "إنما يزيد وينقص بزيادة مُتعلّقاتِهِ فقط، أمَّا الذي في القلب فلا يزيد ولا ينقص"، فهذا خلاف ما دلَّت عليه النصوص؛ ولهذا يقول في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا [التوبة:١٢٤] يقول: "وذلك لما يتجدد عندهم من البراهين والأدلة عند نزول كلّ سورةٍ"[75]، فهذا ظاهره أنَّه كلامٌ سليمٌ، لكن إذا ضممتَه مع الكلام الآخر له، فيكون ذلك يحتاج إلى شيءٍ من المناقشة، يعني: كأنَّ الزيادة هي بزيادة المتعلّقات، فكلّما زادت البراهين زاد الإيمان، يعني: مثل الرازي الذي قالوا عنه: إنَّه يعرف على وجود الله ألف دليلٍ. فهذا عندهم زيادة في الإيمان.

والإيمان ليس كذلك، فليس هذا هو المراد بزيادته، وإنما هذا مما يزيد الإيمان الذي في القلب مما لا يقولون به، فيقولون: زيادة هذه الدلائل والبراهين هي زيادة الإيمان. هذا معنى زيادة الإيمان عندهم: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:٢]، قال: "أي قوي تصديقهم ويقينهم، خلافًا لمن قال: إنَّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأنَّ زيادته إنما هي بالعمل"[76]، وهذا كما سبق.

وفي الكلام على ذنوب الأنبياء: هل تقع من الأنبياء المعاصي -عليهم السلام- أو لا؟

كما في قوله: إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ۝ إِلَّا مَن ظَلَمَ [النمل:10- ١١]، يقول: بأنَّ الاستثناء مُنقطع، يعني: لكن مَن ظلم، يعني: الأنبياء لا يقع منهم ذلك، وإنما ذلك من الناس[77]. وهذه المسألة فيها كلامٌ معروفٌ وتفصيلٌ في باب القَدَر.

وفي قوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى [نوح:٤]، فهذا التَّأخير ما هو؟

ابن جزي بعدما ذكر قول المعتزلة فيها، قال: "وأمَّا على مذهب أهل السُّنة فهي من المشكلات"[78]، مع أنَّ الآية ليست من المشكلات: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى، هذا تكلّمنا عليه في شرح "المصباح المنير"، وقلنا: أنَّ الله -تبارك وتعالى- قدَّر لهم آجالًا عنده في علمه، وكتبها في اللوح المحفوظ، هذه لا يطرأ عليها التَّبديل والتَّغيير إطلاقًا، لكن ما الذي يحصل له التَّبديل والتَّغيير؟

الذي في صُحف الملائكة، فالتَّقدير أنواع: منه التَّقدير الأزلي، فهذا لا يتبدل، وهناك تقديرٌ آخر في الصُّحف التي في أيدي الملائكة: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:٣٩]، وهو اللوح المحفوظ، فيكون هؤلاء لو أنَّهم أطاعوا الله، وآمنوا، وانقادوا، فإنَّهم يبلغون آجالهم، يعني: من غير مُعاجلةٍ بالعقوبة. هذا الذي ذكره أهلُ السُّنة في هذه الآية: ذكره ابنُ القيم، وذكره ابنُ جرير[79]، وغير هؤلاء، يبلغون آجالهم التي يموتون بها من غير مُعاجلةٍ بالعقوبة، لو أنهم آمنوا وتركوا ما هم فيه من الكفر، فهذه ليست محلّ إشكالٍ.

وفي قوله: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:٧]، يقول: "تأوّل الأشعرية هذه الآية على وجهين:

الأول: أنَّ الرضا بمعنى: الإرادة، ويعني بعبادِهِ: مَن قضى اللهُ له بالإيمان والوفاة عليه، فهو كقوله: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:٤٢].

والآخر: أنَّ الرضا غير الإرادة، والعباد على هذا على العموم، أي: لا يرضى الكفرَ لأحدٍ من البشر، وإن كان قد أراد أن يقع عن بعضهم، فهو لم يرضَ ذلك دِينًا، ولا شرعًا"[80].

فهم لا يُفرِّقون بين الإرادتين: الإرادة الكونية، والإرادة الشَّرعية، فيقعون في هذه الإشكالات.

التصوف في هذا الكتاب:

فيما يتّصل بجوانب التَّصوف يقول في قوله -تبارك وتعالى-: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [العنكبوت:٤٦]: "الدَّرجة الثانية: توحيد الخاصَّة، وهو أن يرى الأفعال كلّها صادرة من الله وحده، ويُشاهد ذلك بطريق المكاشفة، لا بطريق الاستدلال الحاصل لكل مؤمنٍ، فلا يرجو إلا الله، ولا يخاف أحدًا سواه؛ إذ ليس يرى فاعلًا إلا إياه، فيرى جميع الخلق في قبضة القهر، ليس بيديهم شيءٌ من الأمر.

الدَّرجة الثالثة: ألا يرى في الوجود إلا الله وحده، فيغيب عن النَّظر إلى المخلوقات، حتى كأنها معدومة، وهذا الذي تُسميه الصوفية: مقام الفناء، بمعنى: الغَيبة عن الخلق، حتى إنَّه قد يفنى عن نفسه، وعن توحيده، أي: يغيب عن ذلك باستغراقه في مُشاهدة الله"[81]، وهذا الكلام كلّه غير صحيحٍ، وإنما هذا من انحرافات الصُّوفية.

وفي قوله -تبارك وتعالى-: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:٣١]، هنا تكلّم على مراتب التوبة، وأنها سبعٌ، فتكلّم على توبة أهل المشاهدة من الغفلات[82]، يعني: يتوبون من الغفلة، هؤلاء أهل المشاهدة عند الصُّوفية.

وفي قوله تعالى: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات:٩٩] يقول: "وقالت المتصوفةُ: معناه: إني ذاهبٌ إلى ربي بقلبي، أي: مُقبلًا على الله بكُليتي، تاركًا ما سواه"[83].

وفي قوله -تبارك وتعالى-: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:٦٠] يقول: "يحتمل أن يكون الإحسانُ هنا هو الذي سأل عنه جبريل : أن تعبد الله كأنَّك تراه[84]؛ وذلك مقام المراقبة والمشاهدة"[85].

وفي قوله -تبارك وتعالى-: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:١٥٢] ذكر أنَّ للذكر مزيّة، هي له خاصّة، وليست لغيره، وهي الحضور في الحَضْرَة العَليّة، والوصول إلى القُرب الذي عُبّر عنه بما ورد في الحديث في المجالسة من المجالسة والمعية[86]، وهذا كلام الصُّوفية.

وفي سورة الفاتحة يقول: "وفيه إشارة إلى أنَّ العبد إذا ذكر الله تقرّب منه، فصار من أهل الحضور، فناداه"[87].

يعني: لماذا وجّه الخطاب للغيب: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ يعني: هو الرَّحِيمِ * مَالِكِ هو يَوْمِ الدِّينِ، ثم قال: إِيَّاكَ، فتوجّه إلى الخطاب: إِيَّاكَ؟

قال: "كأنَّه صار بالحَضْرة لما صار بمنزلةٍ من القُرب"[88]، وهذا الكلام كما ترون.

وفي قوله: وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا [الأعراف:٥٦] يقول: "والناس في الرَّجاء على ثلاث مقامات: فمقام العامّة رجاء ثواب الله، ومقام الخاصّة رجاء رضوان الله، ومقام خاصّة الخاصّة رجاء لقاء الله؛ حبًّا فيه، وشوقًا إليه"[89].

وهذا الكلام غير صحيحٍ، بل الله ذكر عن أفضل الخلق أنهم يرجون رحمته، ويخافون عذابه، والله المستعان.

وفي قوله: إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:٦] يقول: "وقال بعضُ الصوفية: الكَنُود هو الذي يعبد الله على عِوضٍ"[90]، وهذه مشكلة: "يعبد الله على عِوضٍ" يعني: يُريد الأجر والثواب، هذا مقام الرسل -عليهم السلام-، فكيف يكون هذا الكنود؟!

والكلام على الذكر: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:١٥٢] يقول: "ثم إنَّ ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصِّفات مجموعة في الذكر الفرد، وهو قولنا: الله، الله"[91]، وهذه بدعة لا أصلَ لها، وهذا ذكر الفرد لا يُشرع أن يُذكر الله به، ولم يرد هذا في الكتاب والسُّنة، ولم يرد عن أحدٍ من سلف الأمّة، فيقول: "فهذا هو الغاية، وإليه المنتهى"[92]، وهذه بدعة لها قرنان.

وهذه بعض الجوانب التي لا تجد مَن يُعرج عليها عند الكلام على ابن جزي، لكن مع هذه الأمور والملحوظات والأشياء يبقى معها الكتاب في غاية الأهمية.

طبعات الكتاب:

هذا الكتاب طُبِعَ بطبعات متنوعة، مختلفة، كنتُ أنوي تدريس هذا الكتاب منذ نحو سنة ١٤١٤ه، أو قبل ذلك، ولكن حينما أقرأ في هذه الطَّبعات، وأجد هذه الأخطاء الكثيرة، أُدرك أنَّه سيذهب وقتٌ طويلٌ من أجل تصويب الأخطاء، فيذهب وقتٌ من الدرس، والتفسير علمٌ طويلٌ، فنحن نبقى بين تصحيح الأخطاء، إضافةً إلى مناقشة المؤلف في قضايا تتعلق بالاعتقاد أو التفسير أيضًا، أو غير ذلك، إضافةً إلى شرح بعض الألفاظ والعبارات والمصطلحات في الكتاب، فتركتُ هذا إلى أن تأتي طبعات أفضل.

فطُبِع الكتاب قديمًا سنة ١٣٥٥ للهجرة، طبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر، وهي طبعة سقيمة، مليئة بالأخطاء، وكذلك أيضًا طبعة دار الكتاب العربي ببيروت سنة ١٣٩٣ه، وهذه أيضًا مليئة بالأخطاء، يعني: هو طُبِع في أربعة مجلدات، وفي بعضها في مجلدين، وفي بعضها في مجلد.

وهذه الطَّبعات الجامع المشترك بينها هو كثرة الأخطاء المتكررة فيها، في الصَّفحة الواحدة تجد مجموعةً من الأخطاء.

كذلك طبعة دار الكتاب العربي سنة ١٤٠٣ه، تحقيق لجنة إحياء التراث في دار الكتاب العربي، وكذلك طبعة دار الكتب الحديثة بالقاهرة، تحقيق محمد عبدالمنعم اليونسي وإبراهيم عطوة عوض، هذه الطبعة في أربعة مجلدات، وهي مليئة بالأخطاء كغيرها.

كذلك أيضًا من هذه الطبعات: طبعة دار الأرقم ببيروت سنة ١٤١٦ه، تحقيق الدكتور: عبدالله الخالدي، وفي هذه الطبعة أراد أن يستدرك، وأن يُصحح الأخطاء، ولكن الواقع أنَّ حال هذه الطبعة كغيرها.

وطبعة المكتبة العصرية ببيروت سنة 1423ه، وهي أيضًا كذلك، يعني: العجيب أنَّك تقرأ أحيانًا في المقدّمة في كلام المحقق شكوى من كثرة الأخطاء، حيث يشتكي من كثرة الأخطاء في الطَّبعات السابقة، وتكون طبعته كتلك الطبعات.

هذا بالإضافة إلى عدم ذكر نُسخ خطية، وغالب الموجود هو تصوير عن هذه الطبعات، هذا بالإضافة إلى تصرفات في الكتاب، يعني: المقدمات التي في أول الكتاب بعضهم جعلها في آخر الكتاب، وكذلك أيضًا الحروف: أ، ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ ...، عند المغاربة ترتيبهم للحروف غير ترتيب المشارقة، يعني: ليست على طريقة: أبجد هوز حطي ...، فغُيّر هذا إلى طريقة المشارقة.

وبُنِيَ الكتاب على قراءة حفص، فوضعوا النَّص القرآني بقراءة حفص، مع أنَّ المؤلف بنى كتابَه على قراءة نافع.

فالأخطاء في هذه الطَّبعات كثيرة جدًّا، وكثيرٌ منها يحول المعنى، بل يُوقع في إشكالات كبيرة.

ثم صدرت الطبعة الأخرى ثلاثة مجلدات، تحقيق الدكتور: محمد بن سيدي محمد مولاي، هذه أخرجتها دار الضياء في الكويت، اعتمد على بعض النُّسخ الخطية، وأخرج الكتاب، ووضع له فهارس، وعلَّق بعض التعليقات، ولكنها لم تكن بطريقة التَّحقيق العلمية المعروفة.

وطبعه بعد ذلك طبعة ثانية في أربعة مجلدات، وذكر في مقدمة هذه الطبعة الثانية أنَّه أثبتَ النصَّ بقراءة نافع من رواية قالون، وخرّج الأحاديث والآثار، ووثّق القراءات المتواترة وغير المتواترة، ووضع تعليقات على الكتاب، وفهارس، ورجع إلى نسخ خطية إضافية، فطريقته في التَّحقيق أنَّه ينظر في هذه النُّسخ، وينتقي منها العبارة، يعني: أنَّ النسخة التي أخرجها لم يجعل نسخةً هي الأم، ثم بعد ذلك يُثبت الفروق في الهامش، وإنما ينظر في مجموع هذه النسخ، ويُثبت النصَّ من مجموع هذه النُّسخ، فهذه طريقته، ولم يُثبت الفروق لكثرتها، ولعدم أهمية إثباتها في نظره، لكنَّه أثبت شيئًا في أول الكتاب، ثم بعد ذلك رأى أنَّ هذا يكثُر ويطول فتركه، وترجم للأعلام ممن يحتاج إلى ترجمة، وجاء بالنص القرآني كاملًا.

قلنا: ابن جزي -رحمه الله- لم يُثبت النص القرآني بكامله، وإنما يُفسّر جُملًا من الآيات، واعتمد في الطبعة الثانية -الأخيرة هذه التي عندكم- على ثمان نسخ خطية، لكن هذه النسخ الخطية مُتأخرة، إلا أنَّ بعضها ليس عليه تاريخ بعد الألف.

وكنتُ نظرتُ في فهارس المخطوطات في حدود سنة 416ه، بحيث إني رجوتُ أن أحصل على نسخةٍ بخط المؤلف، أو مقروءة على المؤلف، أو مُقابَلَة على نسخة المؤلف، فرأيتُ للكتاب نسخًا كثيرةً جدًّا، وبعض هذه النُّسخ مُتقدمة في تاريخها إلى عصر المؤلف، أو قريب من عصر المؤلف.

فعلى كل حالٍ، هذه النُّسخ التي اعتمدوا عليها هي نسخ مُتأخّرة، ولا أدري لماذا لم يسعوا في الحصول على نسخ أجود وأفضل؟!

والطبعة الثانية هي طبعة المنتدى الإسلامي في الشَّارقة، خرجت سنة ١٤٣٣ه، عناية أبي بكر ابن عبدالله السّعداوي، وهذه في مجلدٍ واحدٍ، طبعة إماراتية، وكما ترون: أثبت النصَّ في الأعلى، كما فعل صاحبُ الطبعة السابقة: دار الضياء، وجعله بقراءة نافع من رواية قالون، وهذا مع طبعة الضياء: أعادوا المقدّمة إلى موضعها في أول الكتاب، وترتيب الأحرف على طريقة المغاربة.

وأيضًا الطبعة هذه التي حققها السّعداوي يقول: إنَّه قارن بين المخطوطات، وأيضًا أثبت ما يترجّح له، يعني: لم يجعل نسخةً هي الأم، ويُثبت الفروقات، وإنما ينظر، ثم بعد ذلك يُثبت، ولم يذكر في الهوامش الفروق بين النُّسخ، يقول: حتى لا نُثقل الكتاب بالحواشي، وأنَّه إذا أشكل عليه شيءٌ يرجع إلى كلام المفسرين المتقدمين، مثل: ابن عطية، والزمخشري، ممن ينقل عنهم ابنُ جزي، أو ممن نقلوا عن ابن جزي.

وهو أثبت النص برواية ورش عن نافع، ويعزو الأحاديث أو يُخرّجها، واعتمد على خمس نسخٍ خطية، كأنَّه اعتمد على ثلاثٍ اعتبرها هي الأصل، وهذه النُّسخ الخطية مُتأخّرة، يقول: "اخترنا من بينها أحسنها وأجودها، فقابلناه على ثلاث نسخٍ أصليةٍ"، هذه النُّسخ كلّها من بعد سنة١١٠٠ه، يعني: القرن الثاني عشر والثالث عشر، هذه تواريخ هذه النُّسخ، ويقول: أنَّهم رجعوا إلى نسخٍ أخرى استأنسوا بها، لكن ليست بتلك الأهمية.

وعلى كل حالٍ، الكتاب إلى الآن لم تخرج له طبعة تليق بمكانته، ولكن هذا أفضل الموجود، وسيتبين -إن شاء الله- من المقارنة، نحن سنُقارن هذه النُّسخة التي حققها السّعداوي بالنسخة الأخرى: دار الضياء، وتسمعون الفروقات.

دراسات حول المؤلف:

هناك دراسات حول ابن جزي -رحمه الله- كثيرة، رسائل جامعية، وهناك مجموعة من الرسائل في "ترجيحات ابن جزي الكلبي في تفسيره: عرضًا، ومناقبه" في جامعة أم القرى، مُقسّمة على مجموعةٍ من طلاب الماجستير والدكتوراه.

وهناك أيضًا رسالة بعنوان: "ابن جزي الكلبي نحويًّا في كتابه: التسهيل لعلوم التنزيل" للدكتور: صالح الجميلي، وهذه مطبوعة في العراق سنة ١٤٣٣ه.

وهناك أيضًا رسالة بعنوان: "ابن جزي ومنهجه في التفسير" لعلي بن محمد الزبيري، طبع دار القلم، الطبعة الأولى: ١٤٠٧ه، في مجلدين، وهذه في أكثر من ألف صفحة، وهذه الدِّراسة هي أوسع دراسة تُعرف لتفسير ابن جزي، والذين جاءوا بعد ذلك نقلوا منها.

وهذه التراجم التي ذُكرت في صدر هذه الطَّبعة التي بين أيديكم، والطبعة الأخرى هي منقولة منها.

والمؤلف -رحمه الله- خدم هذا الكتاب خدمةً جيدةً من جهة الدِّراسة، وبذل جهدَه، فهي دراسة مُوسّعة، لكن ينقصها الجانب الذي ذكرتُ آنفًا، وهو ما يتعلّق بالاعتقاد، وهو يذكر أنَّ المؤلف مشى على عقيدة السلف، وطريقة السلف ... إلى آخره، ومَن جاء بعده ممن تطرق إلى هذا الجانب نقلوا ذلك عنه.

فهذه الرِّسالة مَن أراد أن يعرف منهج ابن جزي، أو ما يتّصل به؛ فيُمكن أن تكفيه بمنهج ابن جزي بالأمثلة الكثيرة، إلا في جانب الاعتقاد وجانب التَّصوف.

وفي رسالةٍ أخرى رابعة: "الإمام ابن جزي الكلبي وجهوده في التفسير من خلال: التسهيل لعلوم التنزيل" لعبدالحميد محمد ندى، في ٣٠٠ صفحة، رسالة ماجستير، سنة ١٤٠٠، من الأزهر.

ورسالة خامسة: "آراء ابن جزي الأصولية" لطالبة في الجزائر، رسالة ماجستير، في ٣٠٠ صفحة، وهذه في عام 2000 ميلادي.

ورسالة سادسة: "تخريج الأحاديث والآثار في كتاب "التسهيل لعلوم التنزيل" لابن جزي الكلبي، من المقدمة إلى نهاية سورة النور"، وهي في مجلدين في جامعة أم القرى.

وسابعة: "علوم القرآن عند الإمام ابن جزي الكلبي، وأثرها في تفسيره: التسهيل لعلوم التنزيل"، وهي رسالة دكتوراه في جامعة أم القرى، في ٤٦١ صفحة، سنة 1434ه.

ورسالة ثامنة: "مقاصد التنزيل من خلال كتاب "التسهيل" لابن جزي الكلبي" لإدريس الفريان، وهي رسالة دكتوراه في المغرب، سنة ١٩٩١م.

والرسالة التاسعة: "ابن جزي ومنهجه في التفسير" لفراس الهيتي، وهي رسالة ماجستير في بغداد، سنة ١٩٩٥م .

والرسالة العاشرة: "ابن جزي الكلبي ومنهجه في التفسير" لإقبال عمر محجوب، رسالة ماجستير، في السودان، سنة 200١م .

الحادي عشر: "قواعد الترجيح عند ابن جزي في تفسيره" لعبدالله الجمعان، ماجستير في جامعة الملك سعود .

الثاني عشر: "استنباطات ابن جزي الكلبي في تفسيره" لعلي بن عبدالرحمن النجاشي، دكتوراه في جامعة الإمام .

الثالث عشر: "منهج ابن جزي الكلبي في تفسيره" لعبدالسلام اللوح، في غزة.

هذه بعض الدِّراسات والرسائل المتعلقة بالكتاب، أمَّا الدراسات المتعلقة بابن جزي فأكثر من هذا، بعضها يتعلّق بالجانب الفقهي في كتبه الأخرى، مثل: كتاب "القوانين الفقهية"، لكن نحن نتكلم عن كتاب "التسهيل" .

هذا ما أردتُ ذكره، وأعتذر أني أطلتُ، كنتُ أرجو أن ينتهي فيما هو أقصر من هذا، لكن أرى أنَّ مثل هذا التصور مُفيد لطالب العلم في البداية.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله، وصحبه.

  1. "الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة" (1/326).
  2. (اسمه: "ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتَّعطيل في توجيه المتشابه اللَّفظ من آي التَّنزيل"، المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن الزبير، الثَّقفي، الغرناطي، أبو جعفر (المتوفى:708هـ)، وضع حواشيه: عبدالغني محمد علي الفاسي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
  3. أشار إليه العراقي في "ألفيته" بقوله:وابْنُ رُشَيْدٍ قَالَ -وَهْوَ مُتَّجِهْ- *** قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْانظر: "شرح ألفية العراقي" لابن العيني (ص81).
  4. "إدرار الشروق على أنواء الفروق" هو كتابٌ في الأصول، حاشية على كتاب القرافي، لقاسم بن عبدالله بن محمد بن الشاط، الأنصاري، الأشبيلي، المالكي، أبي القاسم، أو أبي محمد، فقيه، فرضي، مُشارِكٌ في بعض العلوم، توفي بسبتة سنة (723هـ). انظر ترجمته في: "الديباج المذهب" (2/152)، و"شجرة النور" (217)، و"الأعلام" (5/177)، و"معجم المؤلفين" (8/105)، و"الفتح المبين" (2/123).
  5. "تقريب الوصول إلى علم الأصول" (ص137).
  6. "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" ت: إحسان عباس (5/515).
  7. "نيل الابتهاج بتطريز الديباج" (ص399).
  8. "نيل الابتهاج بتطريز الديباج" (ص399).
  9. "تفسير ابن جزي = التَّسهيل لعلوم التنزيل" (1/10).
  10. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/10).
  11. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/10- 11).
  12. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/11).
  13. "تفسير ابن جزي = التَّسهيل لعلوم التنزيل" (1/10).
  14. "تفسير ابن جزي = التَّسهيل لعلوم التنزيل" (1/21).
  15. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/9).
  16. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/64).
  17. أخرجه الترمذي –ت: شاكر- في أبواب الدَّعوات، برقم (3585)، وحسَّنه الألباني.
  18. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/314).
  19. أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، برقم (2713).
  20. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/104).
  21. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/251).
  22. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/45).
  23. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/94).
  24. "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" (6/73).
  25. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/121).
  26. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/329).
  27. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/438).
  28. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/370).
  29. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/8).
  30. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/323).
  31. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/315).
  32. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/238).
  33. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/186).
  34. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/213).
  35. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/213).
  36. "تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" (4/107).
  37. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/225).
  38. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/225).
  39. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/287).
  40. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/287).
  41. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/402).
  42. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]، برقم (4581)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، برقم (183)، بلفظ: ((إذا كان يوم القيامة أذّن مُؤذّن: ليتبع كل أمةٍ ما كانت تعبد)).
  43. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/402).
  44. "تفسير مقاتل بن سليمان" (4/409).
  45. سبق تخريجه والإشارة إلى لفظه.
  46. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/39).
  47. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/216).
  48. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/428).
  49. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/106).
  50. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/106).
  51. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/343).
  52. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/343).
  53. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/290).
  54. "اعتقاد أهل السنة" (3/398)، و"الملل والنحل" (1/93).
  55. "تفسير ابن كثير" ت: سلامة (1/213).
  56. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/286).
  57. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/117).
  58. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/128).
  59. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/475- 476).
  60. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/95).
  61. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/89).
  62. "تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (4/227)، وعبارته: "وصيغة قوله: {مُسْتَمِعُونَ} تُعطي اهتبالًا بالأمر، ليس في صيغة قوله: "سامعون"، وإلا فليس يصف الله تعالى بطلب الاستماع، وإنما القصد إظهار التَّهمم ليعظم أنس موسى، أو تكون الملائكةُ بأمر الله إياها تستمع".
  63. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/49).
  64. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/117).
  65. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/481).
  66. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/42).
  67. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/154).
  68. البيت في "تفسير ابن عرفة" (1/150) بلا نسبةٍ.
  69. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/214).
  70. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/72).
  71. "الإيمان" لابن تيمية (ص101).
  72. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/28).
  73. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/77).
  74. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/172).
  75. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/351).
  76. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/320).
  77. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/99).
  78. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/413).
  79. "تفسير الطبري = جامع البيان" ت: شاكر (16/488).
  80. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/217).
  81. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/104- 105).
  82. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/68).
  83. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/195).
  84. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة، برقم (50)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم (9) و(10).
  85. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/331).
  86. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/102). 
  87. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/66).
  88. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/66).
  89. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/291).
  90. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (2/506).
  91. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/102).
  92. "تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل" (1/102).

مواد ذات صلة