الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(24- ب) حرف النون من قوله نظر إلى قوله نسيان
تاريخ النشر: ٠٢ / جمادى الأولى / ١٤٣٦
التحميل: 2104
مرات الإستماع: 1785

تفسير التسهيل لابن جُزي

معاني اللغات (الغريب)

(24- ب) حرف النون من قوله: نظر إلى قوله: نسيان

يقول الإمام ابن جُزي الكلبي -رحمه الله تعالى-: حرف النون.

نظر: له معنيان: من النظر، ومن الانتظار، فإذا كان من الانتظار تعدى بغير حرف، ومِن نظر العين يتعدى بإلى، ومِن نظر القلب يتعدى بفي.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذه المادة أرجعها ابن فارس -رحمه الله- إلى أصل واحد، ترجع إليه سائر وجوه الاستعمال، وهو: تأمل الشيء ومعاينته، ثم بعد ذلك يتوسعون في الاستعمال، يقال: نظرت إلى الشيء أنظر إليه: إذا عاينته، نظرت إلى زيد: عاينته، وهكذا يقال: نظرته، يعني: انتظرته، لاحظ: المعاني التي ذكرها ابن جُزي، قال: من النظر، ومن الانتظار، ويختلف المعنى بالتعدية، التعدية بالحرف أو بنفسه، لاحظ: ابن فارس كيف يربط هذه المعاني جميعاً بأصل واحد، واضح أنه إذا قيل: نظرت إلى كذا، يعني: عاينته، لكن نظرته بمعنى: انتظرته، يقول: كأنه ينظر إلى الوقت الذي يأتي فيه، فيربطها بمعنى: المعاينة والتأمل، والمعاينة والتأمل شيء واحد، فقولك: انتظرت فلاناً كأنك تنظر إلى الوقت أو في الوقت الذي يأتي فيه، تترقب الوقت، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الأحزاب: 23يعني: يترقب متى يكون ذلك، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ يونس: 102، فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ

الذي ذكره ابن جُزي -رحمه الله- قال: من النظر، ومن الانتظار، فإذا كان من الانتظار تعدى بغير حرف انْظُرُونَا عُدي بنفسه، انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ الحديد: 13، لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا البقرة: 104، فهذا بمعنى: الإمهال والانتظار، يعني: عدم المعاجلة، وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ الحشر: 18، هنا ما عُدي بإلى، فهو هنا بمعنى: التأمل، وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً ص: 15، وما ينظر هؤلاء بمعنى: ينتظر هنا، فَانظُرْ مَاذَا تَرَى الصافات: 102، النظر هنا بمعنى: التأمل، فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ النمل: 33، قالوا لملكة سبأ: فَانظُرِي بمعنى: التأمل، وهكذا: وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا النساء: 46يعني: أقبلْ علينا حتى نفهم عنك، أو تأنَّ بنا ولا تعجل علينا حتى نفهم ما تريد، لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا البقرة: 104، انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ الحديد: 13يعني: انتظرونا، من الانتظار، لكن قوله -تبارك وتعالى-: وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ البقرة: 50يعني: تنظرون إليهم وهم بحال الغرق أو الإغراق، فهذا النظر بالأبصار، وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ البقرة: 50، وأنتم تنظرون إليهم، نظرتُ إلى زيد، هذه المعاينة بالأبصار، فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ البقرة: 259هذا النظر بالأبصار، وهكذا: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ البقرة: 280، لاحظ هنا: نظِرة عُدي بإلى، ليست هذه المعاينة بالأبصار، إذن: ليس دائماً إذا عُدي بإلى يكون بمعنى: المعاينة بالأبصار، وإنما هو هنا بمعنى: الانتظار، مع أنه ما عُدي بنفسه، وإنما ذلك الغالب، أنه إذا عُدي بنفسه فهو بمعنى: الانتظار، وإذا عُدي بإلى فهو: النظر بالأبصار، ولكنه ليس دائماً، كما ذكرنا قبل قليل حيث جاءت بعده إلى، وقوله -تبارك وتعالى-: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ آل عمران: 77، فقال: وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وفي قوله: فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ آل عمران: 137، فَانْظُرُوا كَيْفَ، هنا يمكن أن يكون بمعنى: التفكر والاعتبار، ويمكن أن يكون النظر بالأبصار، يحتمل، فما عدّاه بإلى ولا بفي.

أما إذا عُدي بفي فيقولون: معناه: التفكر، نظرت في كذا، أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الأعراف: 185، بمعنى: التفكر والاعتبار، تقول: نظرت في أمرك، أو نحو ذلك، فهذا بمعنى: التفكر، انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ الأنعام: 99، بالأبصار، النظر الذي يدعو إلى التفكر والاعتبار، قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الأعراف: 14، هنا بمعنى: الإمهال، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ القيامة: 23، فهذا الذي يذكرونه دائماً، وتجدونه في كتب العقيدة، ونحو ذلك، يقولون: إذا عُدي بإلى فهو: النظر بالأبصار، هذا غالباً، أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ الغاشية: 17، النظر بالأبصار الذي يعقبه التفكر والاعتبار.

عموماً قواعد العربية أغلبية، وكذا قواعد الأصول، وقواعد التفسير، وقواعد الفقه، هذه كلها أغلبية، أو عامتها أغلبية، فيخرج عنها أشياء؛ ولذلك يقولون: شذ كذا، يُستثنى كذا، ونحو ذلك؛ وكذلك يقولون: كل قاعدة لها مستثنيات، هذا معنى كلامهم، اللهم إلا مثل قواعد الحساب، فإن هذه تكون لا تقبل الاستثناء، واحد زائد واحد يساوي اثنين، وأما باقي القواعد فإنها أغلبية، وإنما يقال لها: كلية تسامحاً، وليس ذلك بمعنى الكلية الذي يقصده المتكلمون المناطقة، فإن الكلية حقيقة هي: التي تحيط بجميع ما تحتها من أفراد، وهذا لا يوجد، أو لا يكاد يوجد في سائر أنواع القواعد، فقواعد اللغة أغلبية في الغالب.

فإذا قيل: هل هذه قاعدة: النظر إذا عُدي بإلى فهو: بالأبصار، وبفي بمعنى: الاعتبار، وبنفسه بمعنى: الانتظار؟.

قلنا: هذه أغلبية، يمكن أن تحفظ هذا، وتفسر به كثيرًا من النصوص، لكنه ليس دائماً كما رأيتم في بعض الأمثلة، فهي خارجة عنه، والله أعلم.

المادة التي بعده هي: عائدة إليه، هي ترجع إلى هذا.

قال -رحمه الله تعالى-: أنْظِر -بالألف-: أَخِّرْ، ومنه: أَنظِرْنِي الأعراف: 14، ومِنَ الْمُنظَرِينَ الأعراف: 15، وفَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ البقرة: 280.

قوله تعالى: قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الأعراف: 14، هذا هو المعنى الآخر الذي هو: الإمهال، قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ الأعراف: 15، فهذا يرجع إلى الأصل الذي ذكره ابن فارس، لكن على وجه من التأويل، يعني: هو: يرجعه بطريقة ما إلى المعنى الأساس الذي ذكره: تأمل الشيء ومعاينته، فكأن هذا الذي ينتظر ينظر إلى الوقت الذي يحصل، أو يرقب فيه وقوع هذا الشيء، يعني: إذا كان يمكن الحمل بهذه الطريقة فيمكن جمع كثير من المعاني في التفسير تحت الآية، إذا وصلنا إلى هذا المستوى في حمل الألفاظ على معنى واحد، إرجاعها إلى معنى واحد، فهذا سيجمع كثيراً من الأقوال.

وقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ البقرة: 280أي: انتظار وإمهال، فهو أمر بالإنظار فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ الشعراء: 203يعني: الإمهال.

قال -رحمه الله تعالى-: نضرة -بالضاد-: من التنعم، ومنه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ القيامة: 22أي: ناعمة، وأما: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ القيامة: 23فهو: من النظر.

هذه المادة -النون والضاد والراء- يُرجعها ابن فارس إلى معنى واحد، يدل على: الحُسن والجمال والخلوص، من النضارة والنضرة، وهي: حُسن اللون، نضر الله وجهه، يعني: حسنه ونوره، ونضرة النعيم: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ المطففين: 24يعني: بهجته وبريقه ورونقه وبهاءه، ونحو ذلك، فالنعيم يظهر على الوجه، يعني: إذا كان الشخص في الدنيا، ونعميها من هذا الحطام، ومع ذلك يظهر على الوجه، فأهل النعمة يُرى ذلك في وجوههم، وأهل الشظف يظهر ذلك في وجوههم، فتعرف وجه الغني من وجه الفقير غالباً، فالبيئات المترفة، والبيئات المُخْملية -كما يقال- يظهر ذلك في وجوههم، فلا تكاد تخطئه العين أو البصر.

فهنا في قوله -تبارك وتعالى-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ القيامة: 22من النضارة والحُسن والبهاء، وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا الإنسان: 11أي: البهاء والجمال والحُسن، ونحو ذلك.

وأمّا إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ القيامة: 23فهي: من النظر، وهذا كما قلنا: إذا عُدي فعل النظر بإلى فيكون النظر بالأبصار.

قال -رحمه الله تعالى-: نَعمة: بفتح النون: من النعيم، وبكسرها: من الإنعام.

انظر إلى المواد التي بعده فهي: مرتبطة به، وترجع معه إلى الأصل نفسه.

قال -رحمه الله تعالى-: أنعام: هي: الإبل والبقر والغنم دون سائر البهائم، ويجوز تذكيرها وتأنيثها، ويقال لها أيضاً: نَعم.

ونِعْمَ: كلمة مدح، ويجوز فيها: كسر النون، وفتحها، وإسكان العين، وكسرها.

ونَعَم -بفتح العين والنون-: كلمة تصديق وموافقة على ما قبلها من نفي أو إثبات، بخلاف بلى: فإنها للإثبات خاصة، ويجوز في نَعَم: فتح العين وكسرها.

الآن هذه الألفاظ الثلاث أو الأربع التي ذكرها ابن جُزي هي: ترجع إلى أصل واحد عند ابن فارس -رحمه الله-، فهي على كثرتها إلا أن ذلك يرجع إلى ما يدل على: ترفُّهٍ، وطيب عيش، وصلاح.

لاحظ: كيف يجمع هذه الأشياء، ويعيدها إلى هذا المعنى، وفي بعضها بُعد كما سترون، يعني: قد لا يبدو للناظر الآن لو تأملت في كلمة نعم في الجواب، أو نِعْمَ زيد، ونِعْمَ الرجل، أو نحو ذلك، ما علاقة هذا بهذا المعنى الذي ذكره، وهو: الترفُّه، وطيب العيش، والصلاح؟، تأمل: ذكر منه: النعمة، وهي: ما ينعم الله -تبارك وتعالى- على عبده به من مال وولد وهداية ونبوة ورسالة، ونحو ذلك، يعني: أنواع النعم الدينية والدنيوية والأخروية، والنعمة تقال أيضاً: للمنة، وكذا النعماء، وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَالشعراء: 22يعني: منة.

والنَّعمة -بالفتح-: التنعم، وطيب العيش.

والنَّعَم: تقال: للإبل، يقولون: قيل لها ذلك: لما فيها من الخير، فهي: أفضل أموال العرب، أنفس أموال العرب؛ ولهذا أتت في قوله ﷺ: (خير لك من حُمر النَّعَم)[1]، يعني: الإبل، قيل: لكثرة ما فيها من الخير، فهي: أموالهم؛ ولذلك تقدر الديات بها، وقيل: لنعومة مشيها ولينه، لاحظ مشي الفرس أو البراذين أو الغنم، أو نحو ذلك، فالإبل في مشيتها نعومة ولين، تمشي مشية هينة سهلة، وقد يتوسع في النَّعَم، فهي في الأصل للإبل، هذا الأصل، وقد يتوسع فيها فيقال: للإبل والبقر والغنم إذا كانت مجتمعة، يعني: إذا أُطلق على ذلك جميعاً، ولا يقال لنوع واحد منها غير الإبل، الإبل يقال لها: نَعَم، الغنم لا يقال لها نَعَم، ولا البقر، ولكن يمكن أن يقال: نَعَم لما اجتمع منها، يعني: إذا وُجد بقر وإبل وغنم، أو إبل وغنم، أو إبل وبقر، فيقال لها: نَعَم، فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]، الجزاء هل يختص بالإبل، جزاء الصيد، صيد الحرم، وصيد المُحرم، فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ المائدة: 95؟، الجواب: لا، فقد يُقدر بالشاة، وقد يقدر بالبقرة، وقد يقدر بالإبل.

وهكذا الأنعام كما في قوله -تبارك وتعالى-: وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ آل عمران: 14، فيدخل فيها: الإبل والبقر والغنم، وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا الفرقان: 49، فالنَّعَم والأنعام بمعنى واحد، فالأنعام هنا: يدخل فيها الثلاثة الأنواع، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ طه: 54، فهذه: يدخل فيها الثلاثة أيضاً، فالأنعام تقال: للبهائم.

وأما النعامة المعروفة فبأي اعتبار؟ باعتبار: نعومة ريشها، فقيل لها: نعامة لنعومة الريش، هكذا ابن فارس يربط هذه المعاني بهذه الطريقة.

وهكذا قول العرب: نَعَم ونُعمى ونُعْمة عين، يعني: قُرة عين.

وجعل من ذلك أيضاً: نَعَم ضد لا، يقول: هي أيضاً من النعمة، يعني: حينما تقول: نعم، فأنت تجيب، بخلاف إذا قلت: لا، فنَعَم مرغوبة، ومحبوبة، بخلاف لا، فهي: رفض وإباء.

ويقال: نَعِم يَنْعَم نَعْمَة، فهو: ناعم، إذا كان في رفاهية من العيش وترف، لذاذة من العيش، فتمتع بذلك وقرت عينه، وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ المزمل: 11يعني: المترفين، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ الدخان: 27نَعمة: لذائذ، ورغد من العيش، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ الغاشية: 8، فيُفسر بهذا، يعني: يظهر عليها أثر النعمة، وطيب العيش.

ويقال: نَعُم يَنْعُم نعومة، فهو: ناعم، إذا كان أيضاً ليّن العيش، ناضراً، فيقال: وجه ناعم، ناضر، ذو بهجة ورَواء، وبه فُسرت الآية السابقة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ الغاشية: 8أي: يُرى فيها أثر البهجة والرَّواء، أثر النعيم، أثر اللذات والنِّعم التي تتقلب فيها.

ويقال: نَعَّمَه، يعني: جعله في سعة من العيش، والترف، والرفاهية، فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ الفجر: 15يعني: أعطاه ما يطيب به عيشه، ويلتذّ به.

ويقال: أنعم عليه، يعني: أوصل إليه خيرًا، وأحسن إليه، أو دفع عنه المكروه، فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا النساء: 69، أنعم عليهم بدار كرامته، ورضاه، ونحو ذلك، وهكذا: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ الفاتحة: 7، أنعم عليهم بالهداية، والاصطفاء، والاجتباء، وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ الإسراء: 83يعني: العطاء الدنيوي من عافية في البدن، ومال، وولد، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إبراهيم: 34عطاياه، والفواضل، والهبات، ونحو ذلك، وهكذا: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لقمان: 20.

وأما النعماء والنِّعمة فكذلك، النعماء هي: النِّعمة، وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ هود: 10يعني: نِعمة، والنعيم: كل ما يلتذ به، ويتنعم به، فيقال له: نعيم، وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ المائدة: 65.

فلاحظ: الآن ما ذكره ابن جُزي في النعمة، قال: بفتح النون: نَعمة: من النعيم، وبكسرها: نِعمة: من الإنعام، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ الدخان: 27، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ آل عمران: 171.

قال: الأنعام: هي الإبل والبقر والغنم، ونحن عرفنا أن النَّعَم والأنعام الأصل أنها تقال: في الإبل، لكن تقال في غيرها إذا كانت مجتمعة.

يقول: دون سائر البهائم؛ ولهذا إذا قيل: بهيمة الأنعام، ونحو ذلك فهي: هذه الثلاث، وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا الأنعام: 142.

يقول: ويجوز تذكيرها وتأنيثها، وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ الأنعام: 138، هذه: فهذا بالتأنيث، ويقال أيضاً: هذا أنعام، ويقول اللهزُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ آل عمران: 14، فقال: حُبُّ الشَّهَوَاتِ، وذكر منها هذه الأنواع، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا الأنعام: 142.

يقول: نِعْمَ: كلمة مدح، ويجوز فيها: كسر النون وفتحها، وإسكان العين وكسرها، يعني: كسر النون، وفتحها: نِعْمَ ونَعْمَ، وإسكان العين، وكسرها: نِعْم ونَعِم، فيكون فيها لغات، ويقال: نِعِمَّا، يقولون: إن أصل نِعِمَّا: نِعْمَ مَا، فُحركت العين بالكسرة اتباعاً لحركة النون قبلها، وأُدغمت الميمان، وجرى الوصل في الكتابة: نِعِمَّا، والله يقول: وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ آل عمران: 136، فَنِعِمَّا هِيَ البقرة: 271، فهي بمعنى: نِعْمَ.

وهكذا نَعَم، يقول: كلمة تصديق وموافقة على ما قبلها من نفي أو إثبات، بخلاف بلى: فإنها للإثبات خاصة، ويجوز في نَعَم: فتح العين وكسرها، نَعَم ونَعِم.

طيب، الآن ما معنى هذا الكلام الذي ذكره ابن جُزي -رحمه الله-؟ يعني: نَعَم هذه هي: حرف جواب، وهي: لإثبات ما وقعت جواباً له، وتقريره في الإثبات والنفي، تقول: أحضر محمد؟ فإن قلت: نعم، كان المعنى: أنه حضر، إذا قلنا: ألم يحضر محمد؟ فإن قلت: نعم، كان المعنى: أنه لم يحضر، فهي: للإثبات، يعني: إذا جئنا بنفي: ألم يحضر؟، وقلت: نعم، يعني: لم يحضر، وإذا قلت: أليس كذا وكذا؟، فإذا قلت: نعم، فمعناها: النفي، لكن إذا أردت الإثبات تقول: بلى، أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ التين: 8بلى، وحينما نقول: أليس كذلك؟ إذا قلت: نعم، معناها: أنه ليس كذلك، كثير من الناس يقولون: نعم، والصحيح: أن يقول: بلى، هذا معنى كلام ابن جُزي: أنها كلمة تصديق وموافقة على ما قبلها من نفي أو إثبات، يعني: لإثبات ما وقعت جواباً له، ولتقريره في الإثبات والنفي.

قال -رحمه الله تعالى-: نِد: هو: المُضاهي والمماثل والمعاند، وجمعه: أنداد.

لاحظ: هذه المادة أرجعها ابن فارس إلى معنى: الشرود والفراق، يعني: أرجعها إلى أصل واحد، نَدَّ البعيرُ: ذهب على وجهه شارداً، ومن الباب: النِّد والنديد، يعني: الذي يُنادّ في الأمر، بمعني: يأتي برأي غير رأي صاحبه، يعني: صاحب مخالفة، النديد: صاحب مخالفة، تقول له: نجلس هنا، يقول: لا، نجلس في الموضع الفلاني، نفعل كذا، يقول: لا ما نفعل، نأكل كذا، يقول: لا، نأكل كذا، هذا يقال له: نديد، أي: مخالف، حتى وجد في بعض الاستعمالات، مثلا: النِّد من الطيب، فهذا يقال، لكنه ليس بعربي، كما يقول ابن فارس، والناس من العامة اليوم يقولون: نَدّ، وهو: عود من الطيب يُشعل رأسه، ثم بعد ذلك يكون مُدخِّنًا، له رائحة طيبة، فالعامة يقولون: نَدّ، وهو: نِدّ، هذا لا علاقة له، باعتبار: أنه أعجمي، أصل الكلمة أعجمي، لكن النِّدّ يقال: للمثل والنظير، إلا أن الكثيرين خصصوه بالمثيل المناوئ، يعني: هو: ليس مجرد المثيل، فتقول: هذا مثل هذا، لا، بل هذا نِد هذا، ففيه معنى: المناوأة، فكأنه فيه معنى: المنازعة، وقد فسره بعضهم: بالضد، بهذا الاعتبار، النِّد: الضد، فهو المثيل أو الشبيه المناوئ أو المنازع أو نحو ذلك.

فالآن هذه المعبودات من دون الله -تبارك وتعالى-: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة: 22، من فسر ذلك: بأنهم الأشباه والنظائر، والنظير: المثيل، بأي اعتبار؟ يقولون: أهل الإشراك يعلمون أن الله أعظم من هذه الأصنام، لكنها وسائل ووسائط، فيقال: باعتبار أنهم أعطوها من الخصائص ما جعلوها نظيراً لله -تبارك وتعالى- من حيث النفع والضر إلى آخره، وتوجيه العبادة إليها، باعتبار: أنها مناوئة، فيها معنى: المناوئ، فهم لما تصرفوا معها بهذا، واعتقدوا فيها هذه الاعتقادات، فكأنها تنازع الله في تدبيره، وأمره، وخلقه، وقدره، وما إلى ذلك مما يكون للرب -تبارك وتعالى- من العطاء، والمنع، ونحو ذلك، وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا الأنعام: 138إلى آخره من تلك التشريعات البائسة، وكذلك ماذا قالوا فيها؟، وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا الأنعام: 139، فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ الأنعام: 136، إلى غير ذلك مما قص الله من خبرهم في التحليل والتحريم ونحو ذلك، فلاحظ: في هذا الموضع الأخير فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ الأنعام: 136، فهذه جعلوها منازعة لله، لها أشياء ولله أشياء، وما كان لله فهو يصل إليها دون العكس، فهؤلاء كأنهم جعلوها بهذه المثابة، وإن كانوا لا يصرحون بهذا.

إذن: فقول ابن جُزي هو: المضاهي، والمماثل، والمعاند، وجمعه: أنداد، بهذا الاعتبار، يعني: باختصار: أن البعض يرون أن النِّد هو: المثيل والمشابه، والبعض يقيده، يقول: لا يقال ذلك لكل مماثل، تقول: هذه السارية مماثلة لهذه السارية، لكن هل هي نِدٌّ لها؟ الجواب: لا، لكن يمكن أن تقول في المتبارييْن المتنافسيْن، تقول: هذا نِد هذا، هؤلاء أنداد، زيد نِد لعمرو، فمعناه: أن فيه مدافعة ومناوأة، ونوعًا من المنازعة والمخالفة أو المغالبة، فهذه الأنداد، يقول اللهوَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الزمر: 8، فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة: 22، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ البقرة: 165، وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إبراهيم: 30.

قال -رحمه الله تعالى-: أنذَرَ: أعلم بالمكروه قبل وقوعه، ومنه: نَذِيرٌ المائدة: 19، ومُنْذِرٌ الرعد: 7، والْمُنْذَرِينَ يونس: 73، وكَيْفَ نَذِيرِ الملك: 17، أي: إنذاري، فهو: مصدر، ومنه: عَذَابِي وَنُذُرِ القمر: 16، والنَّذر: بغير ألف، -وفي نسخة أخرى: ونَذَر النَّذر بغير ألف-، ومنه: أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ البقرة: 270، وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ الحج: 29.

هذه المادة أرجعها ابن فارس إلى معنى واحد، وهو: التخويف، أو التخوف، منه: الإنذار، يعني: الإبلاغ، يقول: ولا يكاد يكون إلا في التخويف، أي: الإنذار، وتناذروا: خَوَّف بعضهم بعضاً، ومنه: النذر، بأي اعتبار؟ النذر: يرجع إلى هذه المادة في أصلها، وكذا: نذير، ومُنذر، وأنذر، النذر ما علاقته بالتخويف؟ لاحظ: الذي ذكره ابن فارس في النذر، قال: وهو: أن يخاف إذا أخلف، فأرجعه إلى معنى: الخوف، والنذر هو: ما يجب، تقول: نذر على نفسه، أي: أوجب عليها، إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا آل عمران: 35، وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ البقرة: 270، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ الإنسان: 7.

وأما الإنذار: فكما سبق، أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ يونس: 2، لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ يس: 6، وهكذا في مواضع كثيرة في كتاب الله -تبارك وتعالى.

قال -رحمه الله تعالى-: نكال: له معنيان: العقوبة، والعِبرة.

في الطبعة الأخرى: يقول: والمَعرّة، لكن هذا خطأ، فالنكال: العقوبة، ويقال: للعِبرة، ابن فارس أرجعه إلى معنى واحد، وهو: المنع والامتناع، ما علاقة هذا بالعبرة؟ وما علاقة هذا بالعقوبة؟ يقال: نَكَل عنه نكولا يَنكِل، يقول: أصل ذلك من النَّكْل، والنَّكْل ما هو؟ القيد، ويجمع على أنكال، بأي اعتبار؟ باعتبار: أنه يَنكُل، يعني: يمنع، أي: القيد، والنِّكْل: حديدة اللجام؛ لأنها تمنع الدابة من الانفلات، ومنه: يقال: نكَّلْت به تنكيلاً ونكالاً، يعني: إذا فعل به ما يمنعه من المعاودة، ويمنع غيره أيضاً من إتيان مثل فعله وصنيعه، نكَّل به يعني: منعه، وفعل به ما يمنعه، وما يردعه عن المعاودة، ويمنع غيره أيضاً، ويقولون: إن أصل ذلك من النكول عن الشيء، وهو: الامتناع عنه، والجبن، يقال: نكل عن الدعوى، ونكل عن الشهادة، يعني: رجع وامتنع من ذلك، فلما كانت العقوبة تُجبِّن عن الإقدام على مثل الفعل المعاقب عليه، قيل لها: نكال، أي: تمنع، يقول تعالى: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا النساء: 84، فالتنكيل هو: العقوبة، والفعل الذي يمنع من الإقدام على مثل هذا العمل.

طيب، في قوله تعالى: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى النازعات: 25، ما معنى نكال الآخرة؟، لاحظ: ابن جُزي فسر النكال: بالعقوبة والعبرة، فما معنى قوله: نَكَالَ الآخِرَةِ؟، طبعاً هناك أقوال في معنى: نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى، وما المراد به، لكن ابن جرير يقول: عقوبة الآخرة من كلمتيْه، يعني: أن الله أخذ فرعون وعاقبه حينما أغرقه في اليم نكالًا للآخرة من كلمتيه، فهو قال كلمتين -قبحه الله-، فأخذه نكالًا للآخرة من كلمتيه، وللأولى أيضاً، يعني: عاقبه وأغرقه بسبب كلمتيْه، يعني: جعل ذلك عقوبة لكلمتيْه اللتين قالهما، وهي: قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى النازعات: 24، هذه الآخرة، آخر كلمة قالها، نَكَالَ الآخِرَةِ، وما هي: الأولى؟، هي: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي القصص: 38، فأغرقه بسبب هاتين الكلمتين الجائرتين الظالمتين، فهذا قول اختاره ابن جرير، وقال به جمع كثير من السلف، لكنه ليس محل اتفاق، فبعض السلف قالوا غير هذا، وقالوا أقوالاً أخرى.   

وأما ابن كثير -رحمه الله- فذهب إلى أن معنى: نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى، يعني: انتقم الله منه انتقاماً جعله به عبرة، لاحظ: العبرة، فقال: عبرة لأمثاله من المتمردين في الدنيا وفي الآخرة، نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى، والله يقول: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ غافر: 46، وهو داخل معهم قطعاً، كما عرفنا في آل الرجل، وكذلك: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ هود: 99.

فقوله -تبارك وتعالى-: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى النازعات: 25، يعني: أوقع به عقوبة الدنيا والآخرة، إذا فُسر بالعقوبة، أو جعله عبرة في الدنيا والآخرة، كما قال: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يونس: 92، أي: عبرة وعظة، فهذا معنى آخر، وقيل غير ذلك، وليس هذا هو المقصود، يعني ذكر الأقوال في الآية.

فالنكال يأتي بمعنى: التنكيل، ويأتي بمعنى: العقوبة على الجرم، العقوبة الزاجرة عن الإقدام على مثله، فتكون هذه العقوبة عبرة يُعتبر بها.

والأنكال عرفنا أنها: جمع النِّكْل، وهو: القيد الشديد من أي شيء كان، إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا المزمل: 12، يعني: أن الله -تبارك وتعالى- عنده قيود يقيد بها هؤلاء من السلاسل، ونحو ذلك، يقيدهم في النار، يعني: هم لا يكونون طلقاء في النار -نسأل الله العافية- بل أيضاً بالقيود، والأنكال الشديدة التي يُربَّطون فيها، فالإنسان حينما يعذب، ويكون طليق اليدين والقدمين، وكذلك ليس في عنقه الغُل فإن ذلك أخف وأيسر عليه، فإذا كانوا يعذبون بالنار، ويضربون على الوجوه والأدبار -نسأل الله العافية- مع هذه القيود والسلاسل، ويسحبون، ونحو ذلك، وهم لا يستطيعون أن يتحركوا، ولا يستطيعون أن يدفعوا عن وجوههم النار فذلك أشد وأعظم؛ ولهذا قال اللهأَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الزمر: 24، يعني: لا يستطيع اتقاءه باليد، فالعادة أن الإنسان يتقي المكروه بيده، أما هذا فهو يتقي بوجهه.

فقوله: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا المزمل: 12، الأنكال: جمع نِكل، وهو: القيد، هكذا فسره عامة السلف فمن بعدهم، وهو اختيار ابن جرير، وابن كثير، وعامة المفسرين، الأنكال: جمع نِكل، وهو القيد، هذا ما يتعلق بالنَّكال، يقال: للعقوبة والعِبرة، والسياق هو الذي يبين المراد، وكثير من المواضع تحتمل.

قال -رحمه الله تعالى-: نجَّى -بتشديد الجيم-: له معنيان: من النجاة، ومن النَّجوة، وهي: الموضع المرتفع، ومنه: نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يونس: 92على قول.

أيضاً الكلمة التي بعدها متعلقة بها، وترجع إلى نفس المعنى في الأصل.

قال -رحمه الله تعالى-: نجوى: معناه: كلام خفي، ومنه: ناجٍ، وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا مريم: 52، وقيل: إنه يكون بمعنى: الجماعة من الناس في قوله: وَإِذْ هُمْ نَجْوَى الإسراء: 47، وقد يُحمل ذلك على حذف مضاف تقديره: وإذ هم أصحاب نجوى.

هذه المادة -النون والجيم والحرف المعتل- عند ابن فارس ترجع إلى أصلين:

الأول: يدل على كشط وكشف، تقول: نجوتُ الجلد إذا كشطته، لاحظ: ربط المعاني، نجا الإنسان ينجو نجاة ونَجاءً في السرعة، يعني: هو معنى الذهاب والانكشاف من المكان، يعني: لمّا نجا كأنه قد انكشف من هذا المكان وذهب، ومنه: النَّجوة من الأرض، يقولون: هي التي لا يعلوها السيل، مكان مرتفع من الأرض، يقال له: نجوة، فهي بأي اعتبار؟، كالذي ينجو من شيء بذهاب عنه، كما ينجو الإنسان، فهذه النجوة نجت من السيل، كأنها قد ذهبت عنه، فقيل: نجوة؛ لأنه لا يصل إلى أعلاها.

وكذلك يقال: استنجى، والاستنجاء، ابن فارس يُرجعه إلى هذا، يقول: قالوا: هو من النجوة، كأن الإنسان إذا أراد قضاء الحاجة أتى نجوة من الأرض تستره، فرُبط بالموضع، مثلما يقال: الغائط: المكان المنخفض من الأرض، فلما كان يقصده من أراد قضاء الحاجة ليستتر، ولا يذهب إلى مكان عالٍ يكون فوقه فيراه الناس، وإنما يكون في مكان منخفض، فيقال له: غائط، باعتبار الموضع، وكذلك أيضاً: الاستنجاء، فالاستنجاء بعضهم يُرجعه إلى هذا المعنى، باعتبار: أنه يقصد نجوة ليستتر بها، يكون خلفها، يبحث عن مكان مرتفع، وبعضهم يقول غير هذا، كما هو معروف في الكلام عليه في كتب الفقه، لماذا قيل له: الاستنجاء؟، بعضهم يقول: من النَّجو، وهو: الخارج، وبعضهم يقول: من النجوة، فهذا هو المعنى الأول: كشْط وكشْف.

المعنى الثاني: ستر وإخفاء، فالأول: كشف، والثاني: ستر، يعني: يقابله، ومنه: النَّجو، والنجوى: السر الذي يكون بين اثنين، ولا يبعد أن المعنى الذي ذكره قبل ذلك، لا يبعد أنه يرتبط به بنوع ارتباط، يعني: هذا الاستنجاء مثلاً يكون باعتبار: أنه يستتر، يطلب موضعاً يستتر به، ففيه معنى: الاستتار.

فعلى كل حال: ابن جُزي هنا يقول في نجَّى: من النجاة، ومن النجوة، وهو: الموضع المرتفع، ونحن عرفنا أن النجاة تقال: للانكشاف، يقال: نجا كأنه انكشف، أرجعها ابن فارس إلى معنى: الانكشاف، كأنه انكشف من هذا الموضع، أو نحو ذلك، فحصل له الخلاص، أو النجاة من هذا المكروه.

يقول: ومن النجوة، وهو: الموضع المرتفع، ومنه: نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يونس: 92، يقول: على قول، يعني: بعضهم يقول: نلقيك على نجوة من الأرض ليراك الناس، أي: في مكان مرتفع بارز فيشاهدك الناس، ما يكون في مكان منخفض لا يصلون إليه، أو لا يرونه، أو لا يقفون على جثته، في وهاد من الأرض، أو نحو ذلك، لا، إنما على مكان مرتفع لا يحتاج إلى بحث وتنقيب حتى يوصل إليه، هذا معنى ذكره بعض المفسرين، وبعضهم يقول: "ننجيك" يعني: نسلمك من الوقوع في قعر البحر، بل ندعك تطفو عليه، أو نخلصك من البحر بجسدك، فهذا فيه معنى: الانكشاف، ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ يونس: 103، فهذا عند ابن فارس يرجع إلى معنى: الانكشاف، كأن هذا الذي خلُص من هذا المكروه يكون قد فارق هذا الموضع، كأنه قد انكشف عنه، وهكذا: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ الأنبياء: 88، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا مريم: 72، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ العنكبوت: 32، كذلك أيضاً.

والنجوى يقول ابن جُزي: معناه: كلام خفي، ومنه: ناجٍ، وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا مريم: 52، من المناجاة، وقيل: إنه يكون بمعنى الجماعة من الناس في قوله: وَإِذْ هُمْ نَجْوَى الإسراء: 47، وقد يُحمل ذلك على حذف مضاف تقديره: وإذ هم أصحاب نجوى، إلى آخره، يعني: كما سبق، يعني: النَّجو والنجوى: السر بين اثنين، فهذه النجوى، وبعضهم يقول: هي من معنى: الانكشاف، كأن هؤلاء يقصدون: الانفصال عن الآخرين، الانفصال والانفراد عن الآخرين من أجل أن يختصوا بهذا الحديث، وبعضهم يقول: كأنه من النجوة، أي: المكان المرتفع من الأرض، كأنهم يطلبون مكاناً، أو موضعاً، أو نحو ذلك للاستتار، وبعضهم يقول: من النجوة، باعتبار: أنها متميزة عن غيرها من الأرض، فهم يتميزون عن غيرهم بهذا الحديث، لا يشتركون فيه مع الآخرين، لا يشتركون مع غيرهم في ذلك، وفي هذه المادة وَإِذْ هُمْ نَجْوَى الإسراء: 47قال: قد يُحمل ذلك على حذف مضاف تقديره: وإذ هم أصحاب نجوى، يحتمل أن يكون ذلك بمعنى: المصدر، يعني: متناجِين، ويحتمل أن يكون على التقدير، والأصل: عدم التقدير، من أهل العلم من يقول: إن هذا الموضع فيه تقدير، والبعض يقول: هو بمعنى المصدر، والله تعالى أعلم.

ويمكن أن يحمل على المعنى الآخر: الستر والخفاء، فكأن هذا الاستنجاء مثلاً لابد أن يستر، أو النجوى فكأن هؤلاء يستترون بنجواهم هذه، أو يسترون ذلك عن غيرهم، يعني: ما يقولونه، بل يتناجون به، {وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ المجادلة: 8، أي: يخفون ذلك ويسترونه.

قال -رحمه الله تعالى-: نسيان: له معنيان: الذهول، ومنه: إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا البقرة: 286، والترك، ومنه: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ التوبة: 67.

هذه المادة -النون والسين والياء- أرجعها ابن فارس إلى أصلين:

الأول: يدل على إغفال الشيء، تقول: نسيت الشيء إذا لم تذكره، نسيته، هذا الذي يقول فيه المناطقة: النسيان: ذهاب المعلوم.

ذهابُ ما عُلِم قُل نسيانُ *** والعلمُ في السهوِ له اكتنانُ

يعني: إذا سها الإنسان يكون العلم مُكتنًّا عنده ما ذهب، لكن تقول: سهوت عنه، سقط ذلك سهواً، وقد يعبر الإنسان بعبارة أخرى، يعبر باسم آخر سهواً، لكنه معلوم بالنسبة لديه، بحيث إنه يتفطن له، أو يتنبه له، أو يتنبه بأدنى تنبيه، أو هو لو سمع كلامه عرف أنه سها، فعبر بكذا عن كذا، فهذا يكون من قبيل السهو.

أما النسيان فذهاب المعلوم، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ الكهف: 63، فهذا النسيان، نسيت الشيء، والنَّسا، لاحظ: ربط المعنى، عِرق النَّسا، ما علاقته بهذا الأصل الذي هو إغفال الشيء؟، ابن فارس يرجعه إلى هذا المعنى، قال: يقولون: إن الأصل: النسيان، وهو: عزوب الشيء عن النفس بعد حضوره لها، طيب والنَّسا؟، يقول: عرق في الفخذ؛ لأنه متأخر عن أعالي البدن إلى الفخذ مُشبَّه بالمنسي الذي أُخر وتُرك، مُشبَّه بالمنسي، لاحظ: هذا تأويل ليس بشيء قريب متبادر، ومع ذلك ربطه بهذا المعنى: عرق النَّسا بالفتح، فهذا المعنى الأول، وإذا هُمز تغير المعنى: نسأ، فيكون بمعنى: التأخير، وهذا يمكن أن يرتبط بما قبله، لكنها مادة أخرى هنا: نسأ، وهناك نسي، وإلا فكأن هذا الذي قد ذُهل عنه قد تُرك، مثلما قال في عِرق النَّسا، لكن المادة مختلفة، فهنا النسيئة هي: بيع الشيء -كما هو معروف- نَساءً، وهو: التأخير، ونسأ الله في أجلك يعني: أخره، والعصا يقال لها: مِنْسأة، مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ سبأ: 14، فيقال للعصا: مِنْسأة بأي اعتبار؟ باعتبار: أنه يُدفع بها الشيء ويُبعد، بمعنى: الإبعاد والتأخير، فأرجعها إلى هذا المعنى، والنسيء في كتاب الله: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ التوبة: 37التأخير، كان العرب يستطيلون ثلاثة أشهر متوالية في التحريم، أي: الأشهر الحُرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومُحرم، وكان عيشهم على الإغارة غالباً، فثلاثة أشهر طويلة عليهم، والله قد جعل الأشهر الحُرم -أشهر الحج- ثلاثة متوالية، ورجب الفرد يمكن أن يأتوا بالعمرة في هذا الشهر في أثناء العام، وثلاثة أشهر يكون مجيئهم وبقاؤهم في الموسم، ثم رجوعهم إلى دارهم وأرضهم، فثلاثة أشهر يأمنون فيها من الإغارة، والاعتداء عليهم، ونحو ذلك، فكانوا يستطيلون هذا، فكان يقوم السيد من كنانة، ويتكلم في الحج في مِنى إذا رجعوا من عرفة، ويقول كلاماً يردده بأنه الذي لا يُمانَع، ولا، ولا، ثم بعد ذلك يخبرهم ولربما طلبوا منه أن يُنسئ عنهم المُحرم إلى صفر، فيؤخر المحرم إلى صفر، فيُحل لهم النهب والسلب والإغارة والقتل في مُحرم إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ التوبة: 37، زيادة على كفرهم، فهذا يرجع إلى: إغفال الشيء، فهذا هو الذي قال عنه ابن جُزي: الذهول، ومنه: إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا البقرة: 286، قال: والترك، ومنه: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ التوبة: 67.

وأما النَّسْيُ فهو: الشيء الذي لا يُعبأ به، وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا مريم: 23، فالنَّسْيُ هو: الشيء الذي إذا تُرك لم يُطلب، يقال: ما يتركه من كان بأرض ثم ارتحل عنها، ما يتركه من حبل، أو وتد، وبعضهم يقول: خِرق الحيض -أعزكم الله-، ونحو ذلك من الأشياء التافهة التي لا قيمة لها، فمثل هذه تُلقى ولا يُلتفت إليها، ولا تُطلب، ولا يُرجع بحثاً عنها، وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا مريم: 23، الشيء الذي لا قيمة له، ولا يطلبه أحد، ولا يذكره أحد، أما الأشياء الثمينة فإن الناس يذكرونها، ويفزعون لفقدها، ويطلبونها، ويسألون عنها، وتحتاج إلى تعريف؛ ولذلك كانت اللُّقطة التي لا قيمة لها لا تُعرّف، لا قيمة لها عُرفاً بحسب الموضع والزمان، فهذه لا تحتاج إلى تعريف، لو وجد عشرة ريالات، أو خمسين ريالاً، أو نحو هذا، ما يحتاج أن يعرِّفها عاماً كاملاً، وجد مائة ريال ما تحتاج إلى تعريف سنة كاملة، فإنّ تعريفها سنة كاملة سيكون عليه أغلى منها -والله المستعان-، لكن هذا يختلف من زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، فمائةٌ قبل خمسين أو سبعين سنة كان لها شأن، أما الآن فليست كذلك.

فعلى كل حال: هذا كله يرجع إلى معنى: الإغفال، والمعنى الثاني وهو: الترك.

هنا تنبيه: شيخ الإسلام له كلام جيد في قوله -تبارك وتعالى- في آخر سورة الحشر: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ الحشر: 19، كثير من المفسرين يقولون: نسوا الله، أي: تركوا أمره، أو تركوا طاعته، أو تركوا الإيمان به، فأنساهم أنفسهم، فانصرفوا عما يكون فيه نفعهم وصلاحهم، ونحو ذلك، فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، شيخ الإسلام يعترض على هذا المعنى، فيُراجع كلامه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.



[1] أخرجه البخاري، كتاب أصحاب النبي ﷺ، باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن ، رقم: (3701)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي بن أبي طالب ، رقم: (2406).

مواد ذات صلة