الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(24- أ) حرف الميم من قوله مريج إلى قوله مهما
تاريخ النشر: ٠٢ / جمادى الأولى / ١٤٣٦
التحميل: 2003
مرات الإستماع: 1909

تفسير التسهيل لابن جُزي

معاني اللغات (الغريب)

(24- أ) حرف الميم من قوله: مريج إلى قوله: مهما

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله، وصحابته الطيبين الطاهرين، اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، ولشيخنا، والحاضرين، والمستمعين، أما بعد:

فيقول الإمام ابن جُزي الكلبي -رحمه الله تعالى-: مريج: مُختلِط، والمارج: لهب النار، من قولك: مرج الشيءُ: إذا اضطرب، وقيل: من الاختلاط، أي: خِلْط نوعين من النار.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فأصل هذه المادة -الميم والراء والجيم- عند ابن فارس يرجع إلى معنى هو: المجيء والذهاب والاضطراب، في كل استعمالاتها، يقال: مَرِج الخاتم في الأصبع، يعني: قلق، إذا كان الخاتم به حركة، يتحرك، لم يثبت، فإنه يقال: مرِج وقلق، وكذلك يقال: مرِجت أمانات القوم، وعهودهم، يعني: اضطربت، واختلطت، وهكذا: المَرْجُ من الأرض، هي: الأرض ذات النبات، باعتبار: أنه تَمْرج فيها الدواب، يعني: أن الدواب تذهب وتجيء فيها، ويحتمل أنه باعتبار: اختلاط النبات فيها، يقال: المروج: النبات الكثير المتنوع في الأرض، فهذا باعتبار: اختلاط النبات بأنواعه، والله -تبارك وتعالى- يقول: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ الرحمن: 19، يقول ابن فارس: كأنه -جل ثناؤه- أرسلهما فمرِجا، يعني: هو يرجعه إلى معنى الذهاب، وإذا نظرت إلى معنى: الاختلاط، أن ذلك لاختلاط البحرين، سواء قيل: إن ذلك من المِلح، يعني: البحر والبحر، من المِلح، أو كان ذلك باعتبار البحر العذب الذي هو: النهر، حينما يختلط بالبحر المِلح، حينما يصب فيه، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ الرحمن: 20، أو باعتبار: أن بينهما برزخاً من اليابسة يفصل بين هذا وهذا، على اختلاف أقوال المفسرين.

إذن: هذه المادة عند ابن فارس ترجع إلى هذا المعنى: مجيء وذهاب واضطراب، فابن جُزي فسر ذلك كما رأيتم: بالمُختلِط، وأن المارج: لهب النار، فلاحظ: يقول: من قولك: مرِج الشيء، يعني: إذا اضطرب، وقيل: من الاختلاط، يعني: أن الجن خلقوا من مارج من نار، هذا الذي يكون في أعلى النار، فهو الأكثر حركة، واضطراباً، وكذلك أيضاً هو: مختلط من ألوان، فبعضهم يقول: هو بهذا الاعتبار: الحركة والاضطراب؛ ولهذا كان في الجن من الخِفة ما ليس في الإنس، باعتبار: أصل الخلقة، أو أن ذلك باعتبار: أن أعلى النار تختلط ألوانه، فهم خلقوا من مارج من النار، وهذا كله يرجع إلى ما ذكره ابن فارس: مجيء وذهاب واضطراب، لكن معنى الاختلاط لو أردنا أن نرجعه إلى هذا الأصل الذي ذكره ابن فارس، فيمكن باعتبار: أن هذا المُختلط يتداخل، فيكون فيه معنى: الذهاب والمجيء، فالشيء الذي يذهب ويجيء يلزم منه ويقتضي وجود الاختلاط فيه، هكذا إذا أردنا أن نرجعه إلى هذا المعنى، وإلا فيمكن أن يقال: إن أصل هذه المادة يرجع إلى: ذهاب ومجيء، وأيضاً: اختلاط، بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ق: 5، مريج هنا أي: مضطرب، وهذا الاضطراب يعني: القلق، أنهم لا يثبتون على شيء، تارة يقولون: سحر، وتارة يقولون: كهانة، وتارة يقولون: أساطير الأولين، ونحو ذلك، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ الرحمن: 15، والله تعالى أعلم، وكذا المادة التي بعده، فهي: ترجع إليه أيضاً، وتتصل به، وهي: مَرَج.

قال -رحمه الله تعالى-:مَرَج البحرين: أي: خلّى بينهما، وقيل: خلطهما، وقيل: أفاض أحدهما في الآخر

 

مَرَج البحرين: أي: خلّى بينهما، وقيل: خلطهما، وقيل: أفاض أحدهما في الآخر

 

.

هذه -على كل حال- أقوال، فالأول منها يعني: الإرسال، هذا يرجع إلى ما ذكره ابن فارس؛ لأن أصل المادة واحد، الإرسال: أرسل هذا باعتبار: أن البحر العذب يصب في البحر المِلح، أو باعتبار: الخلط: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ الرحمن: 19خلطهما.

أما القول الثالث الذي ذكره -أفاض أحدهما في الآخر- فهو: يرجع إلى المعنى الأول: خلّى بينهما، والله أعلم، إذا خلّى بينهما فإنه يكون قد أفاض هذا في هذا، وذلك يعني: الخلط، فيكون قد خلط هذا بهذا، وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ الفرقان: 53، لاحظ: في هذه الآية هذا العذب في المِلح، لكن قوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ الرحمن: 19 - 20، هنا لم يُقيد أحدهما بكونه من العذب، وأن الآخر من المِلح، فيحتمل.

وعلى كل حال: هذه المادة فيها معنى: الإرسال، وهذا يرجع إلى: الذهاب والمجيء الذي ذكره ابن فارس -رحمه الله-، يقول: مرج الدابة، يعني: أرسلها إلى المرعى، خلّاها وتركها، وهكذا في قوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ الرحمن: 19، على أحد الأقوال، يعني: أرسله، أو أرسلهما، وأطلقهما يجريان.

قال -رحمه الله تعالى-: مُهل: فيه قولان: دُرْدِي الزيت، وما أُذيب من النُّحاس.

المُهل: هذه المادة أرجعها ابن فارس إلى أصلين:

الأول: يدل على: تؤدة، تقول: مهلاً يرحمك الله، يعني: لا تعجل.

والآخر: جنس من الذائبات، يعني: أن ذلك يختص ببعض الذائبات، الماء لا يقال له: مُهل، ولو كان شديد الحرارة، لكن المُهل: جنس من الذائبات، بعضهم يقول: إنه دُردِيّ الزيت، دُردِي الزيت يعني: خُثارة الزيت، هذا الذي يقولون له: عكر الزيت المغلي، يعني: مثل الحُثالة تكون في الزيت المغلي، كالراسب منه، مادة مترسبة، يقال له: دُرديّ، وخُثارة، ونحو ذلك عكر الزيت، وبعضهم يقول: هو: القيح والصديد، وبعضهم يقول: هو نوع من القطِران خفيف يميل إلى الصُّفرة، تُطلى به الإبل في الشتاء، وهذه الأقاويل ليست متنافية، وهكذا قول من قال: هو: النحاس الذائب، أو الحديد، يعني: ما يذوب من هذه المعادن، فهذا كله يقال له: مُهل، وكأن هؤلاء فسروه بالمثال، وابن فارس أعاده إلى الأصل: جنس من الذائبات، فيدخل فيه: ما صُهر من الحديد، أو النحاس، أو كما يقال: الفلزات، أو ما يكون من الزيت، عكر الزيت، ونحو هذا، هذا كله يقال له: المُهل.

إذن: الأول: يدل على تؤدة، والثاني: يدل على جنس من الذائبات، ولو أراد أحد أن يعيد ذلك جميعاً إلى معنى واحد فإنه قد لا يَبعُد، باعتبار: أن هذا الجنس من الذائبات ثقيل، كخُثارة الزيت، وما كان من هذه المعادن، ليس كالماء في خفته، وإنما فيه ثقل، وهذا الثقل يدل على البطء، فهو يرجع إلى معنى: المُهل، لو أراد أحد أن يُرجع ذلك بوجهٍ لم يكن ذلك بعيداً، والعلم عند الله -تبارك وتعالى-، ولكن المعنى الواضح أن يقال: إن ذلك يدل على: مُهل، فتقول له: مهلاً، وتمهل، ويسير على مهله، فهذا بمعنى: التؤدة والبطء، والمعنى الآخر: ما أُذيب من هذه المواد، والله -تبارك وتعالى- يقول: فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا الطارق: 17، هذا يرجع إلى معنى: التؤدة، يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ المعارج: 8، فهذا فُسر بما سبق: مما يُذاب، كالنحاس، أو عكر الزيت، أو نحو ذلك، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ الكهف: 29، والله -تبارك وتعالى- خاطب العرب بما تعهده، وفي كلام العرب وفي لغاتها تجدون مثل هذه المعاني: عكر الزيت، وخُثارة الزيت، ودُرديّ الزيت، والنحاس المُذاب، والحديد المُذاب، ونحو ذلك، فهذا كله عندهم يقال له: مُهل، ولا إشكال، لكن -كما سبق- هم يفسرون بالمثال.

قال -رحمه الله تعالى-: منون: له معنيان: الموت، والدهر.

يقول: الموت، والدهر، وقد مضى الكلام على أصل هذه المادة في الكلام على: المن، وذكرت هناك أن ابن فارس أرجعها إلى أصلين:

الأول: يدل على: قطع وانقطاع.

والآخر: يدل على: اصطناع الخير، هذا فيما يتعلق بالمنّ، وذكرت وجوهاً وضروباً من الاستعمال التي ترجع إلى هذين، فهنا يقول: المنون: الموت، إذا نظرنا إلى المعنييْن اللذيْن ذكرهما ابن فارس -رحمه الله- فهنا هذا يرجع إلى معنى: القطع منهما، القطع وليس اصطناع الخير، وقد ذكرت هذا الاستعمال أو هذه اللفظة في الكلام على تلك المادة، فإن الأصل فيها يرجع إلى المعنى الأول الذي ذكره ابن فارس، وهو: القطع والانقطاع، بأي اعتبار؟ هنا ذكر المعنيين، قال: الموت، والدهر، فالموت باعتبار: أنه يقطع الأعمار، والدهر أيضاً باعتبار: أنه يقطع الأعمار بمضيِّه، تمضي السنون والأيام والشهور والأعوام، فيكون ذلك صرماً للأعمار، فكل لحظة هي قطع من هذا العمر، واجتزاء منه، فهو إلى نقص باستمرار إلى أن ينقضي، فالدهر يقطعه، والموت كذلك أيضاً يقطعه، فهو: نهايته، أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطور: 30، يحتمل أن يكون المقصود بذلك: الموت، ويحتمل أن يكون يعني: صروف الدهر، فالدهر يقطع العُمر، وكذلك أيضاً الموت يقطعه، فيمكن أن يلتئم من هذين المعنيين معنى واحد، فهم يتربصون به ما يكون به قطعه، فيستريحون منه بالموت، أو بصروف الدهر.

وأما باقي الاستعمالات فلا حاجة إليها مما ذُكر هناك في الكلام على المنّ، لكن الذي يعنينا منه هو: القطع، مننتُ الحبل يعني: قطعته، والمنون تقال: للمنية والموت؛ لأنها تنقص العدد، وتقطع المدد كما يقولون، وهكذا في عبارات تشبه هذا، حتى الإنعام بالمن، تقول: منّ عليه، قلنا: باعتبار: أنه قطع بإحسانه حاجته، وإذا منّ عليه باعتبار أنه كأنه يذكره بالنعمة، ويؤذيه بذلك فهذا كما سبق يمكن أن يكون باعتبار أنه قطع إحسانه السابق بهذه الإساءة، كأنه أبطله وأذهبه بمنه عليه، فكل ذلك يرجع إلى: القطع، والله تعالى أعلم؛ ولهذا قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [فصلت: 8]يعني: غير مقطوع.

قال -رحمه الله تعالى-: مس: له معنيان: اللمس باليد وغيره، والجنون.

لاحظ: كما ذكرت مراراً: أن ابن جُزي -رحمه الله- يذكر المعنى المباشر، لكن من المهم أن يُعرف الأصل الذي يرجع إليه هذا؛ من أجل أن نستطيع أن نجمع بين المعنيين إذا كان ذلك ممكناً، أو نجمع بين جملة من المعاني، فهذه المادة في أصلها ترجع عند ابن فارس إلى معنى واحد، يدل على: جس الشيء باليد، فالمس في أصله: جس الشيء باليد، فالممسوس الذي به مس من الجن بأي اعتبار؟ باعتبار: أن الجن لمسته؛ ولذلك يقال: المجنون به مس في عقله، ونحو ذلك، كأن الجن قد لمسته، باعتبار: أن الجن لمسته، ويقال: مسه، يعني: أجرى عليه يده من غير حائل، ويقال: مسه يعني: باشره، ولاقى بعض أجزائه ببعض جسمه، ومن هنا قيل للجماع: مَسَّ المرأة إذا وطِئها، والله يقول: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ النساء: 43، لاحظ: عبّر بالمس عن الجماع على القول الراجح، وليس المقصود به: مجرد اللمس والمباشرة باليد، فإن ذلك لا ينقض الوضوء على قول الجمهور، والعرب لا زالوا يستعملون مثل هذا، يعني: المس، باعتبار: الوقاع، والجماع، ويقال ذلك أيضاً في غير العاقل، يقال: مسته النار، فيضاف إليه، فيقال: مسه بيده، ويقال: مسته النار، يعني: أصابته، وأحرقته، أو نحو ذلك، فتوسعوا في استعماله، فيقولون: مسه بمعنى: عرض له، وأصابه، وأكثر ما يستعمل في الأذى والمكروه، وما يعرض للإنسان من أذى الجن والشياطين، ونحو ذلك من تلبسهم، ونحو هذا، يقال له: مس، فإذا أصيب بعقله قالوا: ممسوس، ولاحظ: النسبة حينما يقال: الجنون والمجنون، نسبة إلى ماذا؟ إلى الجن، كأن الجن قد مسته؛ ولهذا الذي يُصرع ويسقط، ونحو ذلك يتلبط، كانوا منذ الجاهلية يجثم الرجل على صدره، ويخنقه، باعتبار: أنه ممسوس، وتعرفون بخبر أبي هريرة لما كان يسقط من الجوع، فيجثم الرجل على صدره، يظن أن به المس والجنون، وليس به إلا الجوع، فهذا من المقررات عندهم -أي عند العرب- التي لا ينكرونها، والله -تبارك وتعالى- يقول: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ آل عمران: 140، لاحظ هنا: أضافه إلى غير العاقل.

فأصل ذلك يعني: جس الشيء باليد، ثم توسعوا في استعماله، فيقال لما يعرض له، ويصيبه، كما قلنا: الغالب أن يكون ذلك في المكروه والأذى، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ آل عمران: 140، كأنه قد لامسهم وباشرهم هذا القرح، فعُبر بالمس، فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ آل عمران: 140، وهكذا في قوله: وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ الأعراف: 95، ويقال: مسه المرض، يعني: ألمّ به، وأصابه، والله يقول: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ القمر: 48، أضاف ذلك أيضاً إلى غير العاقل، لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً البقرة: 236، تَمَسُّوهُنَّ يعني هنا: الجماع، وهكذا في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ الأحزاب: 49.

انظر هنا فائدة أخرى خارجة، وهي: أن هذا الموضع الوحيد في كتاب الله -تبارك وتعالى- الذي عُبر فيه بالنكاح مراداً به: مجرد العقد؛ لأن النكاح يُطلق ثلاثة إطلاقات، هذه فائدة جانبية يُحتاج إليها في الكلام على بعض المواضع المُشكلة في كتاب الله -تبارك وتعالى-، وذلك في قوله في سورة النور: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً النور: 3.

فهذا موضع مُشكل، وذلك أنه قال: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً النور: 3، والمشركة لا يجوز نكاحها، والزاني مسلم لا يجوز له أن يتزوج المشركة، ولا يختص ذلك بالكتابية، بدليل أنه قال: وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ النور: 3، فالمرأة الزانية المسلمة لا يجوز أن يتزوجها المشرك، فهذا موضع مُشكل، فُسر فيه النكاح بالعقد والتزوج، وهو: يأتي لهذا المعنى في بعض استعمالاته وإطلاقاته، وهذا الموضع الوحيد الذي اسُتعمل فيه صراحةً النكاحُ بمعنى: العقد، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ الأحزاب: 49، إذن: هو: مجرد عقد، لكن آية النور تحتمل أن يكون المراد بالنكاح: التزوج، الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ النور: 3، يعني: التزوج بغير العفائف، فهذا المعنى هو الذي ينبني عليه الإشكال السابق.

والمعنى الآخر: أن النكاح يراد به: الوطء، أي أنه لا يقع إلا على موافِقة له، إما مُستحِلة، فهي مشركة، وإما غير ممتثلة -مقرة بالحكم- فهذه زانية، هذا الذي مشى عليه ابن كثير -رحمه الله-، أنه: الوطء، والمعنى الأول هو الذي اختاره شيخ الإسلام، والحافظ ابن القيم، وجمع من أهل العلم، وأجابوا عن هذا الإشكال بأجوبة معروفة.

على كل حال: هذا الإطلاق الأول للنكاح: مجرد العقد، ويطلق على: الوطء، وهذا يحتمل في المعنى الآخر في آية النور: لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً يعني: لا يقع إلا على زانية أو مشركة، لا يطأ إلا زانية أو مشركة، هذا الموضع موضع احتمال، ولم يرد بمعنى: الوطء في غير هذه الآية في القرآن، لكنه معنى معروف في لغة العرب.

المعنى الثالث الذي هو أكمل إطلاقات النكاح: هو العقد والوطء، وهذا في قوله -تبارك وتعالى-: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ البقرة: 230، هنا لابد من عقد صحيح مع الوطء، لابد من الأمرين، فأطلقه بأتم معانيه.

فصار للنكاح ثلاثة معانٍ، المعنى الكامل، ثم له معنيان: جاء أحدهما في كتاب الله في الآية السابقة: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ الأحزاب: 49، والمعنى الآخر ورد في كتاب الله على قول، والآية تحتمله، والله أعلم.

كذلك يقول تعالى: قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ آل عمران: 47، هنا بمعنى: الجماع، الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ البقرة: 275، لاحظ هنا: الجنون، والصرع، ونحو ذلك، فيكون ذلك بسبب تخبط الشيطان، وتلاعبه به، فقال: مِنَ الْمَسِّ، فسماه مسًّا، وهكذا في الاستعمالات التي جاءت في كتاب الله -تبارك وتعالى- مما يرجع إلى ما سبق: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا المجادلة: 3، هنا المس أُطلق على: الجماع، وهكذا: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ق: 38، يعني: التعب، فهذا ما يعرض مما يُتأذى به أو يُكره، وهكذا: وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ الأعراف: 188، وهكذا: مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ يوسف: 88، يعني: أصابنا، قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ الحجر: 54، لاحظ هنا: كل ذلك أضافه إلى غير العاقل، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ الأعراف: 201، بمعنى: ما يعرض للإنسان من وساوس الشيطان، وخواطره السيئة، وما يلقيه في قلبه من ذلك، وكذلك أيضاً: الإغواء الذي يحصل، فتقع بسببه المعصية، إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ الأعراف: 201، يرجع مباشرة، ويتوب إلى الله -تبارك وتعالى-، وهكذا في قوله: وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ النور: 35، وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ الشعراء: 156، كل ذلك بهذا المعنى، والعلم عند الله.

قال -رحمه الله تعالى-: مَن: أربعة أنواع: شرطية، وموصولة، واستفهامية، ونكرة موصوفة.

يقول: مَن أربعة أنواع: شرطية، يعني: تفيد الشرط، وهذا معنى معروف، ومشهور، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ النساء: 123، فهذه للشرط، وتكون للواحد ولغيره، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ النساء: 123.

وهكذا تكون أيضاً: موصولة، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ الحج: 18، فهذه موصولة.

وتكون أيضاً: استفهامية، مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا يس: 52، هذه للاستفهام، مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ الأنعام: 46، وهذه أيضاً للاستفهام.

وتكون نكرة موصوفة، هذا له أمثلة في كتاب الله، ولكن عامة هذه الأمثلة محتملة، يعني: هو على أحد الأقوال في إعرابها -إعراب مَن-، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ البقرة: 8، يمكن أن تكون هنا: نكرة موصوفة في محل رفع مبتدأ مؤخر، يعني: ومِن الناس ناسٌ، أو مِن الناس فريقٌ يقولون: آمنا بالله وباليوم الآخر، فهي: نكرة موصوفة، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ البقرة: 8، ومن الناس ناسٌ، أو فريقٌ يقولون، فهي مقدرة بهذا، لاحظ: ناس نكرة، وفريق نكرة، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ، ومن الناس ناسٌ يقولون: آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، ومن الناس فريق يقولون: آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، وكذلك في قوله -تبارك وتعالى-: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا آل عمران: 75، لاحظ: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ ومن أهل الكتاب فريق إن تأمنه بقنطار، ومن أهل الكتاب مَن -بمعنى فريق- إن تأمنه بقنطار يؤده إليه، فهي: نكرة موصوفة بما بعدها، وكذلك: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا مريم: 93، فهذه تحتمل أن تكون نكرة موصوفة، وهكذا: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ النور: 45، يعني: فمنهم نوع يمشي على بطنه، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ ومنهم نوع يمشي على رجلين، لاحظ: كلمة نوع هذه نكرة، وهكذا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ الحج: 11، ومن الناس فريق، ومن الناس ناس يعبدون الله على حرف، وهكذا في قوله: بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ البقرة: 90، أي: على رجل يشاء من عباده، فهي: نكرة على أحد وجوه الإعراب، وهكذا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا البقرة: 165، يعني: ومن الناس فريق، أو ناس يتخذون من دون الله أندادًا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ البقرة: 204، يعني: ومن الناس فريق يعجبك قوله، وهكذا: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ النحل: 36، يعني: فمنهم فريق هدى الله، ومنهم فريق حقت عليه الضلالة، فهذا كله يكون على أحد الأوجه في إعرابه من قبيل النكرة الموصوفة، وليس هذا محل اتفاق في هذه المواضع من جهة الإعراب، وكما تعرفون، وكما يقال: ما أخطأ نحويٌّ قط، وجوه الإعراب متنوعة، وذلك يحتمل، والله تعالى أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: ما: إذا كانت اسماً فلها ستة أنواع: شرطية، وموصولة، واستفهامية، وموصوفة، وصفة، وتعجبية، وإذا كانت حرفًا فلها خمسة أنواع: نافية، ومصدرية، وزائدة، وكافة، ومُبهمة، وفي النسخة الأخرى: ومهيئة.

مُهيئة هذه غير صحيحة، وكذا: كافة، في بعض النسخ: كافية، لكنه غلط، هذا غير صحيح، النسخ السابقة كثيرة الأخطاء، وفيها: كافية، لكنه لا يصح.

على كل حال: ما: هذه يُحتاج إلى معرفة معناها، واستعمالاتها؛ لأن ذلك يرد كثيراً، وينبني عليه المعنى، وتجدون ذلك في أقوال المفسرين، فهنا يقول: إذا كانت اسماً فلها ستة أنواع، باعتبار: أن ما: هذه تكون اسماً وتكون حرفاً، فإذا كانت اسماً فلها ستة أنواع:

الأول: شرطية، وهذه الشرطية تارة تكون زمانية، يعني: تتعلق بالزمان، وتارة تكون غير زمانية، فمثال الزمانية: فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ التوبة: 7، يعني: استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم، فهذه تكون بمعنى: الزمان، فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ، هذه الشرطية الزمانية، يعني: مدة استقامتهم لكم، وغير الزمانية: ما لا تعلق لها بالزمان، ولا تُفسر به، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ البقرة: 197، ما: هذه شرطية غير زمانية، فهذا المعنى الأول: كون ما هذه شرطية.

الثاني: قال: موصولة، يعني: اسم موصول بمعنى: الذي، وفروعه، أي: الذي والذين واللذان، وهكذا: اللذون، وكذلك أيضاً في المؤنث: التي واللاتي، ونحو ذلك، فتأتي موصولة، فتكون للمذكر، والمؤنث، والمفرد، والمثنى، والجمع.

الثالث: تكون أيضاً: استفهامية، نكرة مضمنة معنى حرف الاستفهام، ومعناها: أيّ شيء، وتُحذف أيضاً ألفها إذا جُرت، وتكون الفتحة دليلاً على الألف المحذوفة، فتقول: فِيمَ، دخلت عليها في: فيمَ، وتدخل عليها إلى: إلَامَ، فتُحذف الألف، وتبقى الميم مفتوحة، فالفتحة تدل على الألف المحذوفة، وتدخل عليها على: عَلَامَ، لا تقل: علاما، وهكذا أيضاً: تدخل عليها الباء: بِمَ، فهذا كله في ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر فتحذف الألف، فقوله: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى طه: 17، "ما" هذه ما نوعها؟ استفهامية، وحينما تقول: ما قولك في كذا؟ ما هذه استفهامية، لكن حينما أقول: رأيت ما في يدك، فهذه موصولة، يعني: رأيت الذي في يدك، لكنها -كما سيأتي- تكون في الغالب لغير العاقل، أو في الأصل تكون لغير العاقل.

الرابع: يقول: وموصوفة، وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ يونس: 18، فهذه موصوفة، وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ الإسراء: 36، وهكذا في قوله: وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ق: 23، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَالبقرة: 10، فهذه موصوفة.

الخامس: يقول: وتكون صفة أيضاً، إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا البقرة: 26، ما: هذه تكون صفة للمَثل، مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا، فهي: واقعة هنا صفة.

السادس: وتكون تعجبية، فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ البقرة: 175، يعني: ما أشد صبرهم على النار!، هذا إذا كانت اسماً، تكون على ستة أنواع.

يقول: وإذا كانت حرفاً فلها خمسة أنواع:

الأول: نافية، حرف نفي: مَا هَذَا بَشَرًا يوسف: 31، مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ المجادلة: 2، قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي يونس: 15، على تفاصيل تذكر في إعمالها، وعدم الإعمال.

الثاني: وكذلك أيضاً تكون مصدرية، والمصدرية على نوعين:

الأول: زمانية، ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّامريم: 31، يعني: مدة دوامي حيًّا، فهي تدل على: الزمان، مدة دوامي حيًّا.

الثاني: غير زمانية، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ التوبة: 128، مصدرية غير زمانية، يعني: عزيز عليه ماذا؟ عنتكم، فتؤول بمصدر، مَا عَنِتُّمْ، أي: عزيز عليه عنتكم، يعني: يشتد عليه عنتكم، وهكذا: فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا السجدة: 14، فتؤول بمصدر، فذوقوا بنسيانكم، لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا القصص: 25، فتؤول بمصدر: أجر سقيك لنا، هذا إذا كانت مصدرية.

الثالث: يقول: وزائدة، والزائدة كما سبق الكلام على الزيادة، هل يقال: في القرآن شيء زائد أو لا؟ فبعضهم يقول: لا، ويعبر بغير الزيادة، كقول بعضهم: هي: صلة، ونحو ذلك، على اختلاف في الإعراب، لكن المقصود التمثيل للتوضيح، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ فصلت: 36، وَإِمَّا بعضهم يقول: ما هذه زائدة، يعني: إنْ ينزغك من الشيطان نزغ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ فصلت: 36، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ آل عمران: 159يعني: فبرحمة من الله لنت لهم، عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ المؤمنون: 40يعني: عن قليل: أي عن قريب ليصبحن نادمين، أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ النساء: 78أين تكونوا يدركم الموت، حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا فصلت: 20حتى إذا جاءوها، طبعاً الذين يقولون: إنها زائدة يقصدون: زائدة إعراباً، وإلا من ناحية المعنى فلا شك أنها تفيد معنى زائداً، ولا يوجد شيء في القرآن ليس له معنى.

الرابع: الكافة، هذه هي في الواقع نوع من الزائدة؛ لأن الزائدة قد تكون كافة وقد لا تكون كذلك، فالزائدة تنقسم إلى: كافة، وغير كافة، ففصله هنا عن الذي قبله، فهي قد تكون كافة، يعني: في العمل، من ناحية الأثر الإعرابي، هذا معناها، يعني: من الناحية الإعرابية كافة عن العمل، تكف عن عمل الرفع، أو النصب، أو الجر.

فأما التي تكف عن عمل الرفع فلا تتصل إلا بثلاثة أفعال: قل، وكثُر، وطال، تقول: قلّما، وكثُرما، وكذلك طالما، فهي: تكف هذا الفعل عن الرفع.

وأما الكافة عن عمل النصب، وكذلك أيضاً الرفع معه، فهي: المتصلة بإنَّ وأخواتها، إِنَّمَا اللَّهُ النساء: 171، لاحظ: دخلت عليها ما فكفتها عن العمل، إنَّ معروف أنها تنصب المبتدأ فيكون اسماً لها، وترفع الخبر باعتبار أنه خبر لها، يسمونها النواسخ، لاحظ هنا: إِنَّمَا اللَّهُ النساء: 171، جاء مرفوعاً، لكن لو كان: إنّ اللهَ إلهٌ واحد، فتكون بالنصب، فلما دخلت ما كفتها عن العمل، عمل النصب في الاسم، والرفع في الخبر؛ لأنه لم يعد خبراً لها، فلم تؤثر إنَّ هذه، لم تعد من النواسخ، وأيضاً: كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ الأنفال: 6، لاحظ: كأنّ من أخوات إنَّ، كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ الأنفال: 6.

وأما الكافة عن عمل الجر فمن حروف الجر: رُبّ، فلما تدخل عليها ما تصبح: رُبّما، ورُبَما المخففة أيضاً، رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ الحجر: 2، رُبَمَا فكفتها عن العمل، وحروف الجر معروف أنها تختص بالأسماء، وهنا بعدها: يَوَدُّ، فدخلت على الفعل، لماذا؟ لأن ما لما دخلت على حرف الجر كفته عن العمل، رُبَمَا يَوَدُّ الحجر: 2، وكذا: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ الأعراف: 138، الكاف: حرف جر، كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، ولهم: جار ومجرور، فدخل على حرف الجر ما الكافة فكفته، وإلا فإن حروف الجر لا تدخل على حروف، يعني: لو حُذفت ما، فلا يقال: كَلَهُم آلهة؛ لأن حروف الجر تختص بالأسماء.

بالجرِّ والتنوينِ والندا وأل *** ومسنَدٍ للاسم تمييزٌ حَصَل

يُميز الاسم بهذا، فالجر هو: أحد العلامات البارزة التي بها يُعرف الاسم، فهذه هي: الكافة، وهي: نوع من الزائدة كما سبق.

الخامس: قال: ومُبهمة، هذه المُبهمة تقع على كل شيء، وتُزاد معها ذا، ويَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ البقرة: 219، يعني: ما الشيء الذي ينفقونه؟ مُبهمة، أيّ شيء، وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ البقرة: 219، فقال: مَاذَا يُنفِقُونَ.

فهذه هي المعاني التي ذكرها ابن جُزي -رحمه الله.

على كل حال: ما الاسمية هذه بجميع أحوالها: استفهامية، أو شرطية، أو غير ذلك، كما هو معلوم تأتي للعاقل مع غير العاقل، وذلك عند الإبهام، أو عدم تمييز العاقل من غيره، سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الحديد: 1، فقال: مَا، والتسبيح من فعل العقلاء، فهنا جيء بما التي تكون في الأصل لغير العاقل، بخلاف مَن التي تكون للعاقل، فإذا استُعملت مَن في غير العاقل فهذا يكون باعتبار: التغليب، واختلاط العاقل مع غير العاقل، فيُغلب العاقل مثلاً، أو إذا أُضيف إلى غير العاقل شيء من أفعال أو أوصاف العقلاء فتُستعمل هنا: مَن، وهكذا في أحوال يذكرها أهل اللغة، وكذلك في: ما، فالأصل: أنها لغير العاقل، وقد تُستعمل في العاقل إذا اختلط بغير العاقل، فيُغلب غير العاقل، فهنا في قوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ الحديد: 1، باعتبار: أن الغالب غير العقلاء، فكل شيء يُسبح لله، الحصى، وحبات الرمل، والشجر، وما إلى ذلك، فهذه أكثر من العقلاء.

هنا فائدة خارجة نذكرها: بعضهم لا يعبر بكلمة: العاقل، فبعضهم يقول: للعَالِم، يعني: الذي يوصف بالعلم، من أجل أن يدخل في ذلك الملائكة، فهم لا يوصفون إلا بما ورد، فلا يقال: الملائكة عقلاء مثلاً، وإنما يقال: يوصفون بالعلم، فبعضهم يقول: مَن: للعالِم، أو لمن يوصف بالعلم، وما: لغير العالِم، أو لغير من يعلم، ونحو ذلك.

إذن: قد تُستعمل ما فيمن يكون موصوفاً بالعلم إذا اختلط بغيره، فيكون ذلك من باب التغليب، تغليب غير العاقل، ونحو ذلك، في أحوال يذكرها أهل اللغة، لكن الأصل فيها: أنها لغير العاقل، لاسيما إذا تميز غير العاقل عن العاقل، يعني: إذا استعملت في غير العاقل على وجه الخصوص، وكذلك أيضاً: مَن إذا استعملت في العاقل على وجه الخصوص من غير اختلاط، فهذا هو الأصل: أنّ مَن للعاقل، وما لغير العاقل، فالعاقل إن لاحظته من حيث هو شيءٌ ما استُعملت فيه: ما، وإن لاحظته من حيث هو عاقل استُعملت فيه: مَن، وهذا تحته تفاصيل كثيرة لا حاجة إليها هنا، لكن هذا القدر يكشف لك عن هذه المعاني القريبة التي لابد من ذكرها.

قال -رحمه الله تعالى-: مِن: لها ستة أنواع: لابتداء الغاية، ولجملة الغاية، وللتبعيض، ولبيان الجنس، وللتعليل، وزائدة

 

مِن: لها ستة أنواع: لابتداء الغاية، ولجملة الغاية، وللتبعيض، ولبيان الجنس، وللتعليل، وزائدة

 

.

هنا ذكر لها ستة أنواع، فمِن: هذه حرف جر، وهذه معانٍ ستة ذكرها لها، وغيره قد يذكر أكثر من ذلك، فبعضهم يذكر لها عشرة معانٍ، وبعض هذه المعاني في الواقع تتداخل، ويرجع بعضها إلى بعض، وليس ذلك محل اتفاق بين أهل العلم.

فالأول: تأتي لابتداء الغاية، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من أين ابتُدئ هذا الإسراء؟ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الإسراء: 1يعني: مُبتدأ من المسجد الحرام، ابتداء الإسراء من المسجد الحرام، والإسراء يكون في الليل، أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الإسراء: 1.

هنا فائدة زائدة: لاحظ هنا: ذكر الليل مع الإسراء، والإسراء لا يكون إلا ليلاً، هذه التي يسمونها: الصفة الكاشفة، هي: تكشف عن الحقيقة فقط، كقوله: وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ الأنعام: 38، فالطائر يطير بجناحيه، وقولنا: رجلٌ ذَكَر، وهل يوجد رجل أنثى؟! فهذه صفة كاشفة، يعني: لا تقيد الموصوف، لكن قولك: رجل طويل، رجل مؤمن، هذه تقيد الموصوف.

فهنا: لابتداء الغاية، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الإسراء: 1، فهنا لا تعلق لها بالزمان، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ النمل: 30، أي: الخطاب الذي أُلقي إليها: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ النمل: 30، فهذه: ابتدائية، يعني: مُبتدأ منه، مِن قِبله، هذا ابتداء الغاية، وهذا هو الغالب في معنى: مَن، بل ذكر جمع من أهل العلم أن سائر معانيها ترجع إلى الغاية، حتى إن الأنواع الأخرى التي ذكرها ابن جُزي، والتي لم يذكرها، بعضهم يُعيدها إلى معنى: الغاية، فيجعل هذا المعنى الوحيد لها، ويحمل سائر أنواع الاستعمال على هذا، وبعضهم يجعل ذلك هو الغالب، غالب الاستعمال، لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ التوبة: 108، فهنا لابتداء الغاية.

والثاني والثالث: تأتي أيضاً: لجملة الغاية، وللتبعيض، ففي قوله -تبارك وتعالى-: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ البقرة: 253، فقال: مِنْهُمْ، يعني: ليس كل الرسل كلمه الله، إنما كان ذلك لبعضهم، كموسى -عليه الصلاة والسلام-، والنبي ﷺ ليلة المعراج، مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ البقرة: 253، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا النساء: 164.

والرابع: تكون أيضاً: لبيان الجنس، وكثيراً ما يقع ذلك بعد ما، ومهما، فهي: لبيان الجنس، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا فاطر: 2، مِنْ رَحْمَةٍ فجاءت بعد: ما، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا فاطر: 2، وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا الأعراف: 132، مِنْ آيَةٍ، هنا: لبيان الجنس: مِنْ آيَةٍ، أيّ آية، أيًّا كان نوعها وقدرها، فهذه للجنس، يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ الكهف: 31، فهذه: لبيان الجنس: مِنْ ذَهَبٍ، جنس هذه الأساور.

انظر: في ابتداء الغاية هذه في آية الإسراء سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الإسراء: 1، هنا: لا تعلق لها بالزمان، لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لكن قد تكون متعلقة بالزمان، كما في الآية الأخرى التي أشرت إليها، في آية التوبة، التي تتحدث عن مسجد النبي ﷺ، أو مسجد قُباء، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ التوبة: 108، فهذه لها تعلق بالزمان، كما هو ظاهر.

والخامس: تأتي بمعنى: التعليل، مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا نوح: 25، من ما خطيئاتهم يعني: بسبب خطيئاتهم، فهي: للتعليل.

وتأتي بمعنى: البدل، أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ التوبة: 38يعني: عوضاً عنها، بدلاً عنها، وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ الزخرف: 60يعني: بدلاً منكم.

وهكذا أيضاً تكون بمعنى: عن، وهذا كما هو معروف على طريقة الكوفيين في تناوب حروف الجر، وتضمين الحرف معنى حرف آخر، على خلاف قول البصريين الذين يُضمنون الفعل وما يقوم مقامه معنى فعل آخر، فتأتي بمعنى: عن، فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ الزمر: 22يعني: عن ذكر الله، لكن البصريين لا يقولون هذا، إنما المقصود التوضيح والتقريب بهذه الأمثلة.

ويقولون: تأتي أيضاً بمعنى: في، لاحظ: الآن في قوله: يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا الأنبياء: 97، هذه بمعنى ماذا؟ بمعنى: عن، يعني: عن هذا، إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الجمعة: 9، هنا بمعنى: في، إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، مِن بمعنى: في، أي: في يوم الجمعة.

وهكذا تكون أيضاً مرادفة لرُبّما، وذلك إذا اتصلت بما، وهذه لم يرد لها شاهد في القرآن فيما أعلم، والله تعالى أعلم، لكنه موجود في كلام العرب، فالنحاة كثيراً ما يمثلون لها بقول الشاعر:

وإنّا لَمِمَّا نضرب الكبشَ ضربةً *** على رأسهِ تُلقي اللسانَ مِن الفمِ

لَمِمَّا نضرب، يعني: لربما نضرب الكبش ضربة على رأسه تلقي اللسان من الفم، فهذه لم ترد في القرآن، والله تعالى أعلم.

وتأتي أيضاً: للفصل، هذه التي يقولون: تدخل على المتضاديْن، على المتقابليْن، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ البقرة: 220، فذكر: المفسد والمصلح، حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ آل عمران: 179، فهما متقابلان.

والسادس: تأتي: للتنصيص على العموم، هذه التي يقولون عنها بأنها زائدة، هذه التي تأتي قبل النكرة في سياق النفي، أو نحوه، فتنقله من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم، يعني: يقولون بزعمهم: إن هذه الصيغ في العموم تدل عليه دلالة ظاهرة، يعني: أن الأفراد الداخلة تحت العام دخولها ليس بقطعي كدلالة النص، وإنما هي دلالة ظاهرة؛ ولذلك يطعنون في النصوص، أعني: المتكلمين في أصول الفقه، فمن جملة طعونهم يقولون: إن أكثر النصوص أكثر الأدلة من الكتاب والسنة عمومات، هكذا يزعمون، مع أن هذا غير صحيح، ويقولون: إن هذه العمومات تحتمل التخصيص، وتحتمل أموراً، ولكن هذا الكلام غير صحيح، فهم يوهِّنون النصوص بجملة من الأمور، منها هذا، وللأسف تجدونه في كتب اللغة، وفي كتب الأصول.

فهذه مِن هي التي يقولون عنها: إنها تنقله -يعني العموم- من الظهور إلى التنصيص، مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ المائدة: 19، أصلها: ما جاءنا بشيرٌ، فتدخل على الفاعل، كما هنا، وتدخل على المفعول، وغير ذلك، فقوله -تبارك وتعالى-: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍالأنعام: 59، أصلها: وما تسقط ورقةٌ، فدخلت على الفاعل: مِنْ وَرَقَةٍ، فلما دخلت مِن جعلته تنصيصًا، لاحظ هنا: ورقة: نكرة في سياق النفي، كذلك أيضاً في قوله: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ الملك: 3، تفاوت هنا: نكرة في سياق النفي، مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ الملك: 3، أصلها: ما ترى في خلق الرحمن تفاوتًا، فلما دخلت مِن حولتها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح، يعني: يكون أقوى في العموم، فهناك فرق لما تقول: ما جاءني رجل، وما جاءني مِن رجل، فرجل في الأصل: فاعل، ما جاءني رجلٌ، ما جاءني مِن رجل، أو ما رأيت رجلاً، مفعول به، ما رأيت مِن رجل، فهذه أقوى في الدلالة على العموم، هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ التوبة: 127، أصلها: هل يراكم أحدٌ، فأحد نكرة في سياق الاستفهام، هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ التوبة: 127.

لاحظ: النكرة في سياق النهي والنفي والشرط والاستفهام، هذه المواضع الأربعة التي تدل على العموم، فإذا دخلت عليها مِن نقلتها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم، مثل هذه العبارات تجدونها في كتب التفسير كثيراً، فلابد من فهمها.

قال -رحمه الله تعالى-: مهما: اسم شرط.

مهما: هذه اسم شرط، وهي: لما لا يعقل، وهي: تجزم فعلين، كما هو معروف، فهي: اسم شرط، وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ الأعراف: 132، مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ فهذه شرطية، اسم شرط جازم، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

مواد ذات صلة