الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(23- ب) حرف الميم من قوله أماني إلى قوله معين
تاريخ النشر: ٢٤ / ربيع الآخر / ١٤٣٦
التحميل: 2833
مرات الإستماع: 1659

تفسير التسهيل لابن جُزي

معاني اللغات (الغريب)

(23- ب) حرف الميم من قوله: أماني إلى قوله: مَعين

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فقال: المصنف -رحمه الله- تعالى: أماني: جمع أُمنية، ولها ثلاثة معانٍ: ما تتمناه النفس، والتلاوة، والكذب، وكذلك تمنّى: له هذه المعاني الثلاثة.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

هذه المادة أرجعها ابن فارس -رحمه الله- إلى أصل واحد، يدل على: تقدير شيء، ونفاذ القضاء به، لاحظ الآن: الاستعمالات، وكيف ترجع إلى هذا المعنى، يقولون: مَنَى له المانِي، يعني: قدَّر له المُقدِّر، والمَنَا: القَدَر، ويقال لماء الإنسان: منيٌّ، يعني: باعتبار: أنه يُقدر منه خلقته، المنيّة: الموت؛ لأنها مقدرة على الجميع، تمنِّي الإنسان هو: أمل يقدره، بهذا الاعتبار، أمل يقدره، مِنى في مكة المشعر المعروف، مِنى بأي اعتبار؟، بعضهم كابن فارس يقول: لما قُدر أن يُذبح فيه، سُمي بذلك، لما قُدر أن يُذبح فيه، وبعضهم يقول غير هذا، ومن ذلك: المَنَا الذي يوزن به، يقولون: لأنه تقدير يُعمل عليه، ومن ذلك: تمنَّى الكتاب، كما قيل في عثمان :  

تمنَّى كتابَ اللهِ أولَ ليلِهِ *** وآخرَه لاقى حِمامَ المقادرِ

بمعنى: قرأ، وهو أحد الوجهين المعروفين المشهورين في تفسير قوله -تعالى-: إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ الحج: 52أي: قرأ ألقى الشيطان في قراءته، تمنى، يقول: لأن القراءة تقدير، ووضْع كل آية في موضعها، ويقولون: منّاه الشيء، ومنّاه به يعني: ألقى في قلبه وقوعه، وقرّب إليه نيله حتى حدثته نفسه به، منّيته بكذا، ويكون ذلك فيما يُحب، ويُشتهى، ويُطلب، ما يكون في الأمور المكروهة المحذورة التي يحاذرها الإنسان، ويتوقاها، فهو: لا يتمناها.

وعلى كل حال: التمني غالباً ما يكون بعيد المنال، التمني غالباً ما يكون فيما يبعُد وقوعه، بخلاف الرجاء، فإنه يكون لما قرُب وقوعه، تأمل في هذه الآيات وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ البقرة: 78، قيل: قراءة، وقيل: بمعنى: الأُمينة، وهي: ما تتمناه النفس، بمعنى: أنها تطلبه، وتؤمل حصوله، ولو كان بعيداً، أو محالاً، قال الشاعر:

ألا ليتَ الشبابَ يعود يومًا *** فأخبره بما فعلَ المشيبُ

هذا تمنٍّ، لكن في أمر محال عادة، فهنا: أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ البقرة: 78، بعضهم يقول: "أمانيّ" بمعنى: مجرد قراءة، لا يفقهون المعاني، فهم جهلة، وبعضهم يقول: "إلا أمانيّ" يعني: يتمنونها على الله -تبارك وتعالى-: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً البقرة: 80، لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ البقرة: 111، فهذا غاية ما عندهم، ليس عندهم عمل بهذا الكتاب، وإنما هي الأماني الكاذبة، لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ النساء: 123، فهذا ما تطلبه النفس، وتميل إليه، وتتمنى حصوله، وهكذا في قوله تعالى: أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى النجم: 24، كذلك أيضاً في قوله: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ النساء: 119، فهو: ما يلقي في قلوبهم من طول الرجاء، فيسوفون بالتوبة، أو أن الله سيغفر لهم، أو نحو ذلك مما يوقعه الشيطان في قلوبهم، أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ الواقعة: 58، مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى النجم: 46، فذلك يرجع إلى معنى: التقدير الذي ذكره ابن فارس، وإلا فبعضهم يقول: إن معنى تُمنَى: تُقذف، كما قيل ذلك لمِنى؛ لما يكون فيها من الدماء التي تراق تقرباً إلى الله -تبارك وتعالى- بذبح أو نحر هذه الأنعام، لكثرة ما يُمنَى فيها من الدماء، فهذا الدم الذي يخرج هكذا بدفع يقال له ذلك، كما يكون ذلك أيضاً بالنسبة لما يكون من ماء الإنسان، فإنه يخرج دفقاً.

قال -رحمه الله تعالى-: ملأُ القوم: أشرافُهم، وذوو الرأي منهم.

الملأ: هذه المادة أرجعها ابن فارس إلى معنى واحد، وهو: الزمن الطويل، هذه: الميم واللام والحرف المعتل، يعني: ملا، وإذا هُمز دل على المساواة والكمال في الشي

 

الملأ: هذه المادة أرجعها ابن فارس إلى معنى واحد، وهو: الزمن الطويل، هذه: الميم واللام والحرف المعتل، يعني: ملا، وإذا هُمز دل على المساواة والكمال في الشي

 

ء.

لاحظ: الآن الملا من غير همز: الزمن الطويل، أقمت مليًّا، يعني: دهراً طويلاً، تقول: تملّيتُ الشيء إذا أقام معك زمناً طويلا، المَلَوان: الليل والنهار، أما المهموز فيقول: يدل على المساواة والكمال في الشيء، تقول: ملأتُ الشيء، والمِلء: اسم للمقدار الذي يُملأ، ملأ كذا، سُمي؛ لأنه مساوٍ لوعائه في قدره، لاحظ: فهو بمعنى: المساواة، والمَلأ: أشراف الناس الوجهاء قيل: لأنهم يملئون صدور المجالس، وقيل: لأنهم قد مُلئوا بالفضائل والمكارم التي صدرتهم وقدمتهم، وارتفعوا بها، فصاروا الملأ الأشراف، فهذا يرجع إلى معنى: المساواة والكمال في الشيء، وبعضهم يقول: قيل لهم: الملأ؛ لأنهم يملئون العيون؛ لمكانتهم، ولذلك الناس لا زالوا يعبرون إذا رأى أحداً تنقّصه قال: ألم أملأ عينك؟، ما ملأتُ عينك؟، فيقولون: هؤلاء يملئون العيون، إذا رآهم أكبَرهم، إذا نظر إليهم الناظر أكبَرهم، وعرف قدرهم، ومكانتهم، أو لامتلائهم بما يُحتاج إليه من الجاه، والمال، والسخاء والكرم، والجود، والبذل، ونحو ذلك، يقال: ملأ الشيء إذا شغل فراغه بما يضعه فيه، لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف: 18، فهذا يرجع إلى معنى: الكمال والمساواة الذي ذكره ابن فارس -رحمه الله تعالى.

يقول الله عن أصحاب الكهف: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا الكهف: 18، فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا الجن: 8، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ الصافات: 66، فهذا كله يدل على: المساواة، ومن ذلك أيضاً: الملأ، قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الأعراف: 60، قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ الأعراف: 66، قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ الأعراف: 75، قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ الأعراف: 109، فهؤلاء هم: الأشراف، والكبراء، ووجهاء الناس، مع أن بعضهم يقول: إن الملأ يأتي في بعض المواضع يراد به: الناس عموماً، الآيات التي فيها أن الله -تبارك وتعالى- بعث نبيًّا من أنبيائه إلى الملأ من كذا، يقولون: لم يُبعث للكبراء فقط، وإنما بُعث لجميع الناس، يقولون: بدلالة السياق، والله أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: مَثَل -بفتح الميم والثاء-: له أربعة معانٍ: الشبيه، والنظير، ومن المَثَل المضروب، وأصله من التشبيه، ومَثَل الشيء: حاله وصفته، والمَثَل: الكلام الذي يُتمثل به، ومِثل الشيء -بكسر الميم-: شبهه.

المَثَل: مضى الكلام عليه مفصلاً في الكلام على الأمثال في القرآن ضمن المقدمات، وعلى كل حال: الكلام هنا في تفسير المَثل في اللغة، فابن فارس -رحمه الله- يقول: إن هذه المادة تدل على: مناظرة الشيء للشيء، يكون هذا نظيراً لهذا، تقول: هذا مِثل هذا، يعني: هذا نظير هذا، والمِثل والمثال بمعنى واحد، تقول: هذا مثال هذا، وهذا مِثل هذا، يقال: أمثلَ السلطانُ فلاناً إذا قتله قوداً، لاحظ: التعبيرات في اللغة، وهي مستعملة، يقال: أمثلَ السلطانُ فلانًا، يعني: قتله قوداً، يعني: قصاصاً، بأي اعتبار؟ ما علاقة هذا بمعنى: النظير، والمثيل، والشبيه، أمثل؟ المعنى: أنه فعل به مثل ما كان فعله، جَزَاءً وِفَاقًا النبأ: 26، أمثل السلطانُ فلاناً، قتله قوداً.

وأما المَثَل والمِثْل فكشَبَه وشِبْه، يقال: شَبَه وشِبْه، مَثل ومِثل، بالكسر والفتح، المثل المضروب، والأمثال المضروبة هذه لها معانٍ عند الأدباء، وعند البلاغيين، الأمثال التي في القرآن، ما المقصود بذلك؟ المقصود أنه لكل قوم اصطلاح، يعني: أن البلاغيين لهم معنى يقصدونه عند ذكر الأمثال، وكذلك الأدباء لهم معنى، لكن الذي ينبغي أن تعلمه قطعاً: أن المعنى المعروف عند الأدباء للمثل ليس هو الموجود في القرآن، وليس هو المقصود بالقرآن إطلاقاً، المثل عند الأدباء هي: كلمة، أو عبارة تكون سارية، يعني: منتشرة ذائعة، قيلت في مناسبة، فصارت تُضرب لنظائرها، فيكون لها مورد، ويكون لها مصدر، قيلت في مناسبة معينة، فتقال فيما يشاكلها.

مثال ذلك: هذا رجل له ابنة عم، أراد أن يتزوجها، وكان ذلك في الصيف، فأبت، فلما جاء الشتاء، والشتاء تعرض فيه الحاجات، وتكثر فيه الملمات، الحاجة، والفقر، والجوع، وتُمحل الأرض، فجاءت إليه في الشتاء، وهو رجل ذو أنعام، ولبن، ونحو ذلك، فجاءت تطلب منه الإعانة، فقال لها: الصيفَ ضيّعتِ اللبن، يعني: حينما خطبتكِ في الصيف، وأبيتِ ضيعتِ اللبن الآن، الصيفَ ضيّعتِ اللبن، صارت مثلاً، فإذا جاء إنسان لآخر، وطلب منه شيئاً، أو نحو ذلك، فأبى، ثم احتاج إليه، يقال له: الصيفَ ضيعتِ اللبن، لم يكن ثَمّة لبن بالنسبة لهذا، هناك كان لبن، لكن هنا صارت تُضرب في نظائره، الصيفَ ضيعتِ اللبن.

ومثال ذلك أيضا: هذا رجل جاء لامرأة تبيع السمن، والسمن يوضع عادة في أوعية خاصة من الجلود، جلود الضأن، ونحوها، أو ما دون ذلك، أو ما فوقه، يقال لها: العُكّة، وهي معروفة إلى اليوم، فطلب منها أن يذوق أحد هذه الأصناف، ففتحت هذا الوعاء من الجلد، مثل القِربة تماماً، بل هي قربة يوضع فيها ذلك، ففتحتها، وقبضت رأسها بيدها، فقال: أريد أن أذوق الثانية، ففتحت الثانية، وقبضت بيدها الأخرى على فمها، فصارت يداها مشغولة، والسمن عزيز عند أهله في غاية العزة، لا يمكن أن تفرط فيه، فهي: لم تربط أفواه القرب؛ لأنها تُرجِّي أن يشتري من هذه، أو من هذه، فخدعها، وقلب المرأة، وفجر بها، وهي لا تستطيع أن تدفع عن نفسها، فكل يد فيها فم قربة، ولا تريد أن تفرط بهذه القِرب، فصار ذلك مثلاً، يقال: أشغل من ذات نِحييْن، يقال: فلان أشغل من ذات نِحييْن، يعني: تلك المرأة التي وقع لها هذا، لاحظ أنها قيلت بمناسبة معينة في حال معينة، فصارت تقال في نظائرها، بما يشبهها، وإن لم يكن ثَمّة قِرب، ونحو ذلك، إنسان مشغول كثيراً فيقال: فلان أشغل من ذات نِحييْن.

إذن: هذا غير موجود في القرآن، هذه الأمثال التي نرددها بالعامية، أو بالفصيح، ليست في القرآن، يقولون: من الأمثال: مَن عَزّ بَزّ، ومَن غَلب استلب، قيلت في مناسبة أيضًا، إلى آخره، فهذه ليست في القرآن، فالله -تبارك وتعالى- أجل وأعز وأكبر من أن يتمثل بقول أحد من خلقه قاله في مناسبة معينة، وصار يُردَّد في نظائرها، الله لا يتمثل بقول المخلوقين، الله أعظم وأجل منهم، فالأمثال المضروبة في القرآن ليست هذه الأمثال التي يقصدها الأدباء في مثل هذه العبارات المختصرة المعبرة التي قيلت في مناسبة، وصارت ذائعة وسائرة على الألسن، ليست هي المقصودة، لكن من أهل العلم من يقول: إن الأمثال التي في القرآن هي ترجع إلى معنى الشَّبه في كل الاستعمالات، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وقال به آخرون، وهذا لا يخلو من إشكال في بعض المواضع، وتحديد المراد بالأمثال في القرآن بدقة في كل موضع لا يخلو من صعوبة.

وعلى كل حال: المَثَل والمِثل يقول ابن فارس: كشَبَه وشِبه، يقول: والمثل المضروب: مأخوذ من هذا، لاحظ: يُرجعه إلى معنى: الشبه، يقول: لأنه يُذكر مُوَرًّى به عن مثله في المعنى، هذا يصدق على الأمثال التي عند الأدباء، هذه الأمثال مُوَرًّى بها عن مثلها في المعنى، فالحالة تشبه هذه، يوجد شبه، لكن الأمثال التي في القرآن فيها معنى: الشبه في أغلبها، فحينما يقول اللهمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا البقرة: 17، هنا يوجد شبه بين الحالتين: فهؤلاء أهل النفاق لم يكن عندهم إيمان، وإنما هو شيء كأنهم تقمصوه، أو استعاروه من خارج؛ ليحقنوا دماءهم، ويحرزوا أموالهم، مثل هذا الذي استوقد -بالسين والتاء للطلب- نارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ البقرة: 17، انتفع بهذا الإيمان المُدَّعى مدة من الزمن، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ البقرة: 17، ذهب النور وبقي الحرارة والإحراق، فهؤلاء سرعان ما يتلاشى عنهم هذا الذي ادعوه، وانتفعوا به، فيذهب هذا الانتفاع، ثم بعد ذلك يصيرون إلى مغبته من العذاب، والحسرة، ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ البقرة: 17، وكذلك في قوله -تبارك وتعالى-: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ يعني: مثلهم كصيب من السماء، فهذا الوحي مثل: المطر النازل، كذلك هؤلاء في صيب، مطر، فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ البقرة: 19، زواجر القرآن، حُجج القرآن كالبرق تكاد تخطف الأبصار، زواجره كالرعد يقصفهم، كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا البقرة: 20، فهذا حال هذا المتخبط المنافق في تردده، وتعثره، وتلكُّئه في سيره، وعمله، وحاله بهذه الصورة، فهذا فيه معنى الشبه، لكن ليس ذلك في كل المواضع، ومن حاول أن يجعله في جميع المواضع التي استعمل فيها لفظ المثل فإن ذلك قد لا يخلو من نوع من التكلف.

لاحظ في سائر وجوه الاستعمال: يقال: مثل به: إذا نكل به، بأي اعتبار؟ باعتبار: أنه إذا نكل به فقد جعل ذلك مثالاً لكل من صنع ذلك الصنيع، أو أراد صنعه، يعني: يجعله عبرة له، والمَثُلات: العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله، يعني: يكون ذلك عبرة لمن جاء بعدهم، أو من هو في زمانهم، ويحتمل: أنها التي تنزل على الإنسان فتُجعَل مثالاً ينزجر به غيره ويرتدع، يقال: مَثَلَ الرجلُ قائماً إذا انتصب، بأي اعتبار؟ يقولون: لأنه كأنه مثال نُصِب، يعني: مَثَلَ الرجلُ قائماً: صار كأنه مثال، كأنه تمثال، ويقال: فلان أمثلُ بني فلان، يعني: أقربهم إلى الخير، يعني: أنه مماثل لأهل الصلاح والخير.

لاحظ: الآن ابن فارس يُرجع هذه الاستعمالات إلى هذا المعنى، ولا يستثني شيئاً، يقولون: تمثّل به: تشبه به، ومنه: التمثيل؛ لأنه يحاكي غيره، يحاكي حالاً، يحاكي قوماً، أو نحو ذلك، وهكذا يقال: تمثّل به، يعني: تصور به، الملك يتمثل بصورة رجل، يعني: يتصور بصورته، وفي قوله -تبارك وتعالى-: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا مريم: 17يعني: صار بصورة البشر، وهكذا يقال لمن كان له مزية، هو: الأمثل، وفي المؤنث يقال: المُثلى، إذا كان ذلك هو الأعدل، أو نحو ذلك، إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا طه: 104يعني: أعدلهم طريقة.

ويقال المثل عند بعض أهل العلم، لاحظ: هنا غير معنى: الشبه، عند بعض أهل العلم، وهذا لا يقول به ابن فارس -رحمه الله-، يقال: للصفة العجيبة، لكن بعضهم يعيد ذلك إلى معنى: الشبه، بطريق أو بأخرى، كأن يقول مثلاً: الصفة العجيبة كأنها لغرابتها يُشبَّه بها ويُتمثل، مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ محمد: 15الصفة العجيبة لها، فِيهَا أَنْهَارٌ محمد: 15هنا أين المثل الذي بمعنى: الشبه؟، فهذا من المواضع التي ذكرتُ أو أشرت إليها أن ذلك يصعب أن يُربط بمعنى: الشبه، مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ محمد: 15، لا يظهر التشبيه هنا، ويقال: مثل المعلم، هنا تشبيه، مثل المعلم والمربي مثل من يبذر البذر في الأرض، فمنه ما ينبت، ومنه ما لا ينبت، يعني: هو يقدم العلم، أو التربية، منه ما ينبت، ومنه ما لا ينبت، مِثل الزارع، مِثل الباذر، فذلك إلى الله -تبارك وتعالى-، وإنما هذا غايته أنه من باب بذل السبب، فالناس يسمعون، فمنهم من ينتفع ويستفيد، ومنهم من لا يستفيد، وهكذا في التربية، منهم من ينتفع، ويظهر أثر التربية عليه، ومنهم من لا يحصل له ذلك، مثل: أخوان تربيا في مكان واحد، في بيت واحد، أبوهما واحد، أمهما واحدة، وتجد هذا يظهر عليه أثر التربية ظهوراً بيناً، والآخر كأنه لم يتلقَّ شيئاً أبداً، وهما في بيت واحد، مثل: البذور، فيقال أيضاً المثل للأمر الغريب، والقصة العجيبة، هذا مما يمكن أن يُستثنى من معنى: الشبه، ويقال المثل للحكمة النافعة، والقول الصادق، ويقال أيضاً لما يجري به التشبيه؛ لبلوغه الغاية في معنى من المعاني، كما يقال مثلاً: حاتم مَثَل للجود، يعني: بلغ الغاية في الجود، فصار يُضرب به في المثل، فجُعل هو المثل، كأنه صار بعينه المثل، وهكذا.

يقول اللهوَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ الرعد: 6، ما المراد بالمَثُلات هنا؟ العقوبات، بأي اعتبار قيل لها: مثُلات؟ باعتبار: أن ذلك يكون عبرة لغيرهم، يعتبرون به، فشيخ الإسلام -رحمه الله- وبعض أهل العلم يقولون: إن المثل فيه معنى: الشبه، لا يخلو من شبه، فيكون ذلك لوجود نوع علاقة أو ارتباط بين المضروب فيه المثل والمضروب له المثل، يعني: شيخ الإسلام يقول: كل ما يحصل به الاعتبار فهو: مثل، يعني: قصص الأنبياء عنده مثلاً، وقصص الغابرين، وما قصه الله في القرآن، وما ذكر الله من خبر أصحاب الكهف، ونحو ذلك، كل هذا عنده من الأمثال، وليس فقط الأمثال المصرح بها نحو: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا البقرة: 17، وإنما يرى أن القصص جميعاً من الأمثال، هذه الطريقة تحل إشكالات؛ لأنك حينما تتبع ذكر الأمثال في القرآن ستقف عند بعض المواضع تستشكل أنه لا يوجد فيها مثل، أحياناً يذكر الله القصص، ويذكر بعدها الأمثال، فشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إن هذه القصص إنما ذُكرت من أجل الاتعاظ والاعتبار، سواء كانت هذه في مواضع الإكرام والإنعام، وما حصل لأولياء الله، وأنبيائه، وأتباعهم من النصر والتمكين، وكانت العاقبة لهم، ونحو ذلك، أم كان ذلك لأعدائه، وما حل بهم من النقم، فتنظر في حال هؤلاء، ثم ترجع إلى نفسك، فيكون ذلك فيه معنى الاعتبار؛ لأن الاعتبار فيه معنى الانتقال؛ ولهذا قيل: العبور، والعبّارة، والمعبر، ينقلك من ناحية إلى ناحية، من ضفة الوادي أو النهر إلى الناحية الأخرى، وهكذا قيل للعَبرة: عَبرة، يقولون: لأنها تنتقل من العين إلى الخد، أو العكس، فهذا الاعتبار، ويقال: العاقل من وُعظ بغيره، والشقي من وُعظ بنفسه، فالقصص إذن عند شيخ الإسلام يرى أنها جميعاً من جملة الأمثال، وعلى هذا تكون الأمثال كثيرة جدًّا في كتاب الله -تبارك وتعالى.

ابن جُزي -رحمه الله- هنا: ذكر معنى: الشبه، والشبيه، وذكر معنى: الصفة، قوله -تبارك وتعالى-: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ العنكبوت: 43، هذا ما المقصود به؟ هذا المقصود به: الأمثال التي ذكرها الله في كتابه، التي يعبرون عنها بأنها: تقريب للمعنى المعقول بصورة محسوسة تقربها إلى الأذهان، المعنى المعقول يصور بصورة محسوسة، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا البقرة: 17، أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا الرعد: 17، هذا الوحي والعلم، فيأخذ منه كلٌّ بحسبه، فهذا مثل، قد لا يُصرَّح فيه بمعنى: المثل، قد لا يُصرَّح أصلاً، ومع ذلك يكون من قبيل المثل، هنا في قوله -تبارك وتعالى-: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ العنكبوت: 43، عند شيخ الإسلام يدخل فيه: القصص، إنما ذُكرت من أجل أن نتعقلها، لكن المشهور هو: ما ذكرت من أن ذلك تقريب المعقول بصورة محسوسة، تصوير المعقول بصورة محسوسة؛ تقريباً للأذهان، هذا المعنى ذكره الحافظ ابن القيم -رحمه الله-، وذكر كثيراً من الأمثال، أكثر من أربعين مثلاً في إعلام الموقعين، لما تكلم عن القياس، وتكلم عليها بكلام بديع، لكن هذا النوع الذي ذكروه هو يعبر عن بعض الأمثال الصريحة التي في القرآن تعبيراً وافياً، لكن تبقى بعض الأمثال لا ينطبق عليها هذا، ما ينطبق عليها هذا، تصوير المعقول بصورة محسوسة تقربها إلى الأذهان.

على كل حال: انظر مثلاً قوله -تبارك وتعالى-: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ محمد: 15، هذا يمكن أن يقال: المثل هنا بمعنى الصفة، مع أن بعض أهل العلم ينكر هذا، وفي قوله -تبارك وتعالى-: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىالنحل: 60، هنا يمكن أن يُفسر بمعنى: الصفة، والله تعالى أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: مِرية: شك، ومنه قوله: الْمُمْتَرِينَ البقرة: 147أي: الشاكِّين، وقوله: فَلا تُمَارِ الكهف: 22من المراء، وهو: الجدال.

هذه المادة عند ابن فارس ترجع إلى أصلين:

أحدهما يدل على: مسح شيء واستدرار، فمَرْي الناقة: إذا مُسحت للحلب، الناقة لا تُحلب مباشرة كالشاة والبقرة، وإنما تحتاج إلى مقدمات، وهو: المَرْي، فتُمسح في بعض المواضع، وكذلك أيضاً: يُمسح ضرعها، ولربما جاءوا بولدها يُشمشمها، ونحو ذلك، فتُدر الحليب بهذه الطريقة، لكن لو جاء لأول وهلة رمحتْه، والمَرايا تُقال: للعروق التي تمتلئ وتدر باللبن، يقولون: وشُبه به الجدال، وهو: المراء، بأي اعتبار؟ يعني: ما علاقة هذا بمثل هذا الاستعمال: مَرْي الناقة، ونحو ذلك؟ باعتبار: أن كُلا من المتجادليْن يطلب الوقوف على ما عند الآخر؛ ليُلزمه الحجة، كأنهما يتحالبان، يحلب كل منهما صاحبه، مع أن هذا لا يخلو من تكلف، والمَرْو: حجارة تبرُق، وبعضهم يقول: إن المراء يرجع إلى هذا المعنى -المَرْو-، باعتبار: أن فيه شدة، كذلك الجدال، يقولون: مأخوذ من الجِدالة، وهي: الأرض الصُّلبة، فهو: لا يخلو من شدة؛ ولذلك لا يكون في الغالب محموداً، لا يكاد يذكر الجدال في القرآن إلا على سبيل الذم، هذا هو الغالب، وأما غير ذلك فهي حالة استثنائية، كقوله: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النحل: 125، فقيده بالتي هي أحسن؛ لأنه في الغالب يكون فيه حضور للنفس، فهذا بالنسبة للمعنى الأول الذي هو: الاستدرار، ويدخل تحته أيضا المعاني المذكورة سابقا.

وأما الأصل الثاني الذي ذكره فهو: الصلابة، فيدخل فيه: المَرْو، والمراء إذا ربطناه بهذا المعنى، وقلنا: لما فيه من الشدة والصلابة.

وأما المِرية بمعنى: الشك فهذا يعتبره ابن فارس من قبيل الشاذ عن هذا الأصل، يقال: تمارى في الخبر: تشكك فيه وتردد، وقد يضمن معنى: التكذيب، فيُعدى بالباء، فيقال: تمارى بالخبر، فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ القمر: 36، وهكذا يقال: امترى في الشيء: شك فيه، وقد يُعدى أيضاً بالباء، فيقال: امترى بالشيء، كقوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا الزخرف: 61، والمِرية: الشك، والتردد في الشيء، فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ هود: 17، فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ هود: 109، وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ الحج: 55، وهكذا: فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا الكهف: 22، ونظائر ذلك، والله أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: أملى لهم: أمهلهم وزادهم.

أملى: هذه المادة التي ترجع إلى: الميم واللام والحرف المعتل عند ابن فارس، يعني: سواء كانت الميم واللام والواو، أم الميم واللام والألف المقصورة، يقول: إن ذلك يدل على: امتداد في شيء، زمان أو غيره، تقول: أمليت القيد للبعير أو للفرس: إذا وسعته، تملّيت عمري: إذا استمتعت به، وكما سبق: المَلَوان: الليل والنهار؛ لامتدادهما، ومن الباب: إملاء الكتاب، فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الفرقان: 5، فالإملاء إذن هو: الإطالة والتوسعة له فيما هو فيه، يقال: المَلاوة: المدة الطويلة من الدهر، الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ محمد: 25، والمَلْي: الزمن الطويل يُقضى فيه الفعل، يقولون: أصل ذلك المَلاوة، فقوله: لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا مريم: 46يعني: الزمن الطويل، وفي قوله -تبارك وتعالى-: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ [الرعد: 32]، الإملاء لهم هنا بمعنى: أنه أمهلهم، وطول لهم المدة؛ ليزدادوا من الإثم والكفر ثم أخذهم، وقوله: وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ الحج: 44، أمليت لهم بمعنى: أمهلتهم، وَأُمْلِي لَهُمْ القلم: 45يعني: أن الله يمهلهم ويعطيهم ويغدق عليهم النعم مع كفرهم وتكذيبهم من أجل أن يزدادوا من الغي والكفر.

قال -رحمه الله تعالى-: مِهاد: فِراش.

المِهاد: هنا ابن فارس يقول: هذه الكلمة تدل على توطئة وتسهيل للشيء، التوطئة والتسهيل، ومنه: المَهد، تقول: مهّدت الأمر لك، يعني: هيأته ووطأته، فالمِهاد يقال للوِطاء من كل شيء، هذا معنى قوله: فراش هنا، يقال: فلان مَهَد لنفسه، يعني: نظر لها، ودبّر لها ما ينفعها، كما يَمْهَد الرجل لفراشه، مَهَد لنفسه، وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ الروم: 44، وهكذا يقال: مَهَد الشيء، يعني: وطّأه وثبته، يقال: مهّد الله لفلان، نسأل الله أن يمهِّد لك، ما معنى هذا الدعاء؟ يعني: وسع له في الزرق، وأسباب الحياة، وبسطة اليد، يقول تعالى: وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا المدثر: 14أعطيته، وأوليته، ووسعت عليه، ونحو ذلك، وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ الذاريات: 48، وسعها، وجعلها ممهدة صالحة للعيش عليها، والتقلب في أرجائها، وهكذا المهد يقال للفراش الذي يُهيَّأ للصبي؛ لينام عليه، ويضطجع، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ آل عمران: 46، والأرض كالفراش، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا طه: 53، ويقال: المِهاد أيضاً للفراش الموطأ للإنسان عموماً فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ البقرة: 206، فتكون كالمهد له، كالفراش له، وهكذا: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ ص: 56، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ آل عمران: 197.

قال -رحمه الله تعالى-: مدَّ يمُدُّ: أي أملى، وقد تكون بمعنى: زاد، مثل: أمدّ -بألف- من المِداد.

هذه المادة ترجع عند ابن فارس إلى أصل واحد، تدل على: جر شيء في طول، واتصال شيء بشيء في استطالة، تقول: أمددت الجيش بمدد، ومدُّ النهار: ارتفاعه إذا امتد، والمِداد: ما يُكتب به؛ لأنه يُمَد، بعضهم يقول: يُمد بالماء، وبعضهم يقول: بمثله، يعني: بالحِبر، أو المادة التي يُكتب بها، وهكذا المُدُّ من المكاييل؛ يقولون: لأنه يمُد المكيل بالمكيل مثله، تقول: مد الشيء: بسطه في طول واتصال، فهو: ممدود، يقال: مد الله الأرض بمعنى: بسطها، ومهدها للعيش عليها، وهكذا حينما تُمد الأرض مد الأديم، يعني: في القيامة، إذا قامت الساعة، فتسوى، ويزال ما عليها من جبال، وأشجار، ونحو ذلك، ومنه: مَدَّ الظِّلَّ الفرقان: 45، الله مد الظل، يعني: بسطه، ونشره، مد له من العذاب، يعني: طوله له، مد عينيه إلى الشيء، يعني: طمح إليه، نظر إليه نظر راغب فيه، وكذلك فيه معنى: البسط، يقال: مد فلاناً في أمره، يعني: قواه عليه، زينه له، وهذا المد الذي جاء في القرآن، يعني: مد لهؤلاء، ويمد لهم، أو نحو ذلك، هو: في الشر، وهكذا يقال: مده: زاده مما هو فيه، مد النهرُ النهرَ، يعني: زاده، وكذلك المال الممدود مزيد بالنماء، مد له من العذاب، يعني: زاد له فيه، فقوله -تبارك وتعالى-: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ الحجر: 88، فمد العين هنا معناه: نظر الطامح للشيء، الراغب فيه، فهذا فيه معنى: الاستطالة، وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ الرعد: 3بسطها، أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ الفرقان: 45نشره، ووسعه، وهكذا: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ نوح: 12يعني: يزيدكم من ذلك، كما سبق، فيقال: أمده بالخير، يعني: أعطاه إياه، وقواه به، ويقول اللهبَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ آل عمران: 125، فهنا يقال: أمد الجيش، يعني: ألحق به من الجند ما يتقوى به، فهذا بمعنى: الزيادة، ونحو ذلك، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ الشعراء: 132 - 133، وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ الإسراء: 6، وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ الطور: 22، ألَن يَكْفِيَكُم أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ آل عمران: 124، وهكذا يقال: مدَّد الشيء، يعني: بالغ في بسطه، وتطويله، كقوله: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ الهمزة: 9، وأما قوله: وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا الكهف: 109، فهذا من قبيل الزيادة في الشيء، تكون من جنسه، ومن مثله، والمُدّة يعني: القطعة من الزمان، قلّت أو كثرت، فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ التوبة: 4، وهكذا، المِداد وعرفنا أنه السائل الذي يُكتب به؛ لأنه يُمَد.

وقوله: أمدَّ -بألف- من المِداد، في النسخة الأخرى: من المَدد، وهذا أدق، من المدد، وليس من المِداد.

قال -رحمه الله تعالى-: مُضغة: قطعة لحم.

المُضغة: قطعة لحم بقدر ما يُمضغ، ابن فارس أرجعها إلى هذا الأصل: المضغ للطعام، ومضغ الطعام بمعنى: تحريكه في الفم، ومعالجته بالأسنان والأضراس؛ من أجل أن يبتلعه، هذا يقال له: المضغ، وهو معروف، والله يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ الحج: 5، فهذه المضغة قيل لها ذلك باعتبار: أنها بقدر ما يُمضغ، فهنا فسرها بأنها: قطعة لحم، يعني: بقدر ما يمضغ من اللحم، أو غيره، يقول تعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا المؤمنون: 14.

قال -رحمه الله تعالى-: إملاق: فقر.

الإملاق: هنا ابن فارس يقول: إن ذلك يرجع إلى معنى يدل على: تجرد في الشيء، ولين، تجرد ولين، ونقل عن ابن السكيت: أن المَلَق من التملق، وأصله: التليين، تقول: فلان يتملق للناس، يتملق لفلان، بمعنى: أنه يُلين له الكلام جدًّا، والمَلَقة: الصفاة الملساء، ويقال: الإملاق: إتلاف المال، لاحظ: معنى التجرد هنا في الإملاق، قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ الأنعام: 151، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ الإسراء: 31، يقولون: الإملاق: إتلاف المال حتى يُحوِج، يعني: كأنه تجرد عن المال، انظر: التجرد، والمَلَقة: يقولون: للأرض التي لا يكاد يبين فيها أثر، وهكذا يقال: ملَقتُ الثوب: غسلته؛ لأنك إذا غسلته تجرده عن الوسخ، فإذن: هذا يرجع إلى معنى: التجرد، وابن فارس يقول: واللين، فالتملق: إلانة الكلام جدًّا، والإملاق يعني: التجرد، يقال: أملق، ومنه: المَلَقات، يقال: فلان لم يبقَ له إلا المَلَقات، يعني: الحجارة العظام، أو الحجارة الملساء، يعني: ليس عنده شيء، حجر أملس، ليس فيه نبات، وليس فيه شيء، فهذا أملق ما عنده من المال شيء، يعني: أنفقه، فكُني بذلك عن الفقر.

قال -رحمه الله تعالى-: مَريد ومارد: من العتو والضلال.

هذه المادة أيضاً تدل عند ابن فارس على: تجريد الشيء من قشره، أو ما يعلوه من شعره، لاحظ الآن: يقال: الأمرد: للشاب الذي لم تبدُ لحيته، والمَرداء: رملة منبطحة لا نبت فيها، والمارد يقال: للعاتي، وكذا المَريد، كأنه تجرد عن الخير، لاحظ معنى: التجرد في هذه الاستعمالات جميعاً، والمُمرَّد: مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ النمل: 44، بناء طويل أملس، فهذا كأنه مُجرد، يشبه الشجرة المَرداء التي لا ورق فيها، تقول: هذا غصن أمرد، شجرة مَرداء، ونحو ذلك، ويقال: مرَّد الشيء يعني: ملَّسه وصقله، مرّدتُ البناء يعني: صقلته بالتطيين والطلاء، وملسته، ونحو ذلك، فهذا المُمَرَّد، ويقال: مَرَد على الشيء مروداً: مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ التوبة: 101، بعضهم يقول: معناه: المران والدربة والمهارة حتى بلغ فيه الغاية، وأكثر ما يُستعمل في الشر، مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ التوبة: 101يعني: أصبحوا في حال من المران والمراس في النفاق، يستطيعون التمثيل بصورة احترافية كما يقال، فيستغفلون الناس، ويظهرون لهم غير ما يبطنون، وفي قوله -تبارك وتعالى-: وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ الصافات: 7، هنا: العاتي، لأنه تجرد عن الخير، وهكذا: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا النساء: 117، كذلك: وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ الحج: 3.

قال -رحمه الله تعالى-: مكانة: بمعنى: مكان، أو من التمكين والعِز، ومنه قوله: مَكِينٍ المؤمنون:13.

هذه المادة: المكانة والمكين والتمكين، يقال: أمكنه من الشيء: أقدره عليه، وجعله في قبضته، فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ الأنفال: 71، ويقال: مَكُن يَمْكُن مكانة فهو: مكين، يعني: استقر، وثبت في موضعه، لا يتزلزل، ويقال: مكُن فلان عند السلطان، يعني: صار بمنزلة عنده، فهو: ثابت، وراسخ، لا يتزلزل بوشاية، قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ يوسف: 54يعني: بمنزلة ثابتة راسخة، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ المؤمنون: 13، هذا القرار المكين في موضع ثابت، سواء قيل: الجنين، أو القرار المكين الذي هو الرحم، يكون بين عظام الحوض، وهي: أقوى عظام في جسم المرأة، فقد هُيئت بهذه الخلقة، وبهذه الصورة، وبهذا الاتساع، فحوض المرأة أوسع من حوض الرجل، فيكون هذا الجنين محميًّا بهذه العظام؛ كأنه في صندوق قوي جدًّا، يحميه من الإصابات، والضربات، ونحو ذلك، فلا يصل إليه شيء، وهكذا يقال أيضاً: مكّنه تمكيناً، يعني: ثبته ووطده، ويقال: مكّن فلاناً في الشيء: جعله متسلطاً عليه، يتصرف فيه، وتنطلق يده فيه، وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يوسف: 21، وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِالأعراف: 10، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ الحج: 41، فهذا كله مما يكون بهذا المعنى، وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ الأحقاف: 26، ونحو ذلك من الآيات، والمكان: معروف، يقول تعالى: وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا الفرقان: 13يعني: الموضع.

قال -رحمه الله تعالى-: مواخر: فواعل من المَخْر، يقال: مَخَرت السفينةُ: إذا جرت تشق الماء.

هذه المادة تدل على: شق وفتح، عند ابن فارس، يقال: مَخَرت السفينةُ الماء، يعني: شقته بصدرها وجرت، وسُمع لها صوت، تمخر، وهكذا يقول الله -تبارك وتعالى-: وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ فاطر: 12يعني: تمخر البحر، وتشقه بصدرها.

قال -رحمه الله تعالى-: مجيد: من المجد، وهو: الكرم والشرف.

يقول: مجيد: من المجد، وهو: الكرم والشرف، وعند ابن فارس هذه المادة تدل على: بلوغ النهاية، ولا يكون إلا في الأمور المحمودة، ومنه: المجد: بلوغ النهاية، يقولون: في الكرم، يقال في المثل المعروف: في كل شجر نار، واستمجد المَرْخُ والعَفار، يعني: في السابق كانوا يقدحون الأحجار، وكذلك أيضاً الأجزاء، والأبعاض من الأشجار، يقولون: في كل شجر نار، واستمجد: يعني: أنه استكثر من النار، قد تناهى في ذلك هذان النوعان من الشجر: المَرخ والعَفار، يعني: بمجرد ما تقدح بهما تشتعل النار، فهذا استمجد، فهذا يدل على بلوغ النهاية في الشيء، المجد، فهو: يدل على: الاتساع، والكرم، والشرف، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ البروج: 21كثير المنافع، والخيرات، والبركات، والهدايات، فقد بلغ النهاية والغاية في ذلك، وهكذا أيضاً: الله -تبارك وتعالى- مجيد، فهو: كثير الإحسان، والتفضل، وله جميع صفات الكمال.

فهذه المادة -المجد- تدل على: الكثرة، والاتساع في الكمالات، والأوصاف الكاملة، هذا هو: المجد؛ ولذلك يقولون: إن المجد من صفات الله -تبارك وتعالى-، يُعد من الصفات الجامعة، فهناك نوع من الصفات يسمونه: الصفات الجامعة، يعني: التي يدخل تحتها أوصاف كثيرة، وليس بصفة واحدة، يعني بخلاف مثلاً: السمع، والبصر، ونحو ذلك، فهذا يدل على صفة واحدة، لكن المجد هذا يدل على أوصاف كثيرة، فهي: صفة جامعة.

قال -رحمه الله تعالى-: مَقْت: هو: الذم، أو البغض على فعل القبيح.

هذه عند ابن فارس تدل على: شناءة وقبح، هذا المقت، ويقال المقت: لأشد البغض، إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا النساء: 22أي: نكاح زوجات الآباء، أو ما نكح الآباء، والله -تبارك وتعالى- يقول: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا غافر: 35يعني: هذا الفعل: المجادلة بآيات الله بغير سلطان أتاهم، وكذلك في قوله: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ الصف: 3، فهو: أشد البغض.

قال -رحمه الله تعالى-: مَعين: ماء جارٍ كثير، وهو من قولك: مَعَن الماءُ، أي: كثُر، وقيل: هو مشتق من العين، ووزنه: مفعول، فالميم زائدة

 

مَعين: ماء جارٍ كثير، وهو من قولك: مَعَن الماءُ، أي: كثُر، وقيل: هو مشتق من العين، ووزنه: مفعول، فالميم زائدة

 

.

ابن فارس يقول: إن هذه المادة تدل على: سهولة في جريان، أو جري، أو غير ذلك، يقال: مَعَن الماءُ، بمعنى: جرى، ماء معين، بمعني: جارٍ، يقولون: أمعن الفرس في عدوه، يعني: جرى، واستمر في ذلك، وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون: 50]أي: ماء جارٍ، يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ الصافات: 45، هنا في أحد الوجوه في تفسير الآية في قوله: معين، قيل: إنها الخمر، أنهار جارية، لمّا ذكر الكأس دل على أن المراد: الخمر، فمعين: جارية، ليست كخمر الدنيا التي تؤخذ بدِنان، ومقادير محددة، وقد تتغير في أوعيتها، ونحو ذلك، لا، هذه أنهار من الخمر، لا تحتاج إلى شراء، ولا تحتاج إلى تخزين، أو غير ذلك مما يكون في الدنيا، وهكذا في قوله: بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ الواقعة: 18، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍالملك: 30، الماء المعين يقال: للماء الجاري، فإذا غارت المياه في الآبار، لا يستطيع الناس الوصول إليها بالدِّلاء، يحفرون مائة متر ولا يصلون إلى ماء، فمن الذي يأتيهم بالماء المعين؟ وهكذا: الماعون مثلاً، لاحظ: ابن فارس أرجع هذا إلى معنى: السهولة في جريان، أو جري، أو نحو ذلك، والماعون ليس فيه معنى: الجري، لكن فيه معنى: السهولة، الشيء الهين السهل، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ الماعون: 7، مما يحصل به الإعانة والمعاونة بين الناس، مما يتعاطونه، ويتداولونه، ولا يتضررون ببذله، مثل القدر، والفأس، وكذلك أيضاً ما نقول له: الولاعة مثلاً، أو الكبريت، وممكن أن يقال كذلك: اشتراك السيارة الذي يشحن الكهرباء فيها، فهذا لا يتضرر ببذله، فهذا الذي يمنع هذه العطايا السهلة التي لا يخسر بها مما جرت عادة الناس بتداوله، يدل على: أنه قد ترحَّل الخير من نفسه، أنه ليس عنده خير، وليس عنده بذل، فكيف هذا سيبذل المال؟!، فهذا الماعون مثل: الحبل، والوتد، والمطرقة، ونحو ذلك، هذه الأشياء لا يتضرر بها، فهذه تُبذل، ولا ضير في ذلك، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

مواد ذات صلة